الخميس 26 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب :لا بديل عن الحوار السوري – السوري للخروج من الأزمة

الحدث – القاهرة

بالرغم من خروج الأزمة السورية من إطارها الداخلي السوري وتدويلها، إلا أن أي حل يفضي إلى حلحلة الأزمة السورية يتطلب بالدرجة الأولى توافقاً سورياً – سورياً سواء بين أطياف المعارضة أنفسهم أو بين الحكومة المركزية والمعارضة السورية.
فبعد عقد من الأزمة السورية، وما خلفته من تداعيات ربما تحتاج فيها سوريا إلى عقود من الزمن لاسترداد عافيتها؛ وأداء دورها بشكل طبيعي داخلياً وإقليمياً وحتى دولياً.
أزمة تسبب في بروز تحالفات وتجاذبات محلية وإقليمية ودولية؛ بالإضافة إلى تناقضات وعداوات وحروب وقطيعة بين العديد من القوى والجهات والدول، بمن فيهم الدول العربية داخل الحلف الواحد، وذلك بسبب تعدد الدول والقوى والجهات المتدخلة في الأزمة السورية؛ بما لديها من أجندات واستراتيجيات ومشاريع وأطماع في الكثير من المواقف والجوانب؛ التي تتعارض فيما بينهم، والتي ألقت بظلالها على إطالة الأزمة السورية وتعقيدها، هذه الأزمة التي باتت تشكل عبئاً بكل بد على الشعب السوري بالدرجة الأولى، لما خلفته من تداعيات كارثية، ومن ثم على الاستراتيجيات والمشاريع القوى والدول الفاعلة بالأزمة السورية.
انطلاقاً من ذلك باتت حلحلة الأزمة السورية وإنهاءها والبدء بمرحلة الانتقال السياسي مطلباً لجميع الأطراف السورية والإقليمية والدولية؛ باستثناء تلك التي تسعى بالحفاظ على إبقاء الفوضى واستثمارها لتمرير مشاريعها الاحتلالية التوسعية للمنطقة؛ وتهرباً من أي مسائلة قانونية بسبب تورطها في المستنقع السوري ولما ارتكبته من جرائم إنسانية وحرب وعدوان ودعم الإرهاب.
بعد عقد من الزمن بات الجميع يدرك بأن أي خطوة للخروج من الأزمة يتطلب توافقاً سورياً –سورياً عبر البدء بحوارات جادة مبنية على رغبة حقيقة وحس وطني وبمشاركة بين كافة أطياف ومكونات المجتمع السوري.
انطلاقاً من ذلك يتبين لنا مدى صحة وصوابية رؤية ومشروع كل من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومجلس سوريا الديمقراطية منذ تأسيهما؛ بانتهاج الخط الثالث وعدم الانخراط في أية حروب مع أطراف سورية أخرى، وأكتفت بحماية مناطقها من الإرهاب، إيماناً منهما أن الحل في سوريا سيكون عبر الحوار والتفاوض وليس السلاح والعسكرة، في غاية لترك الباب مفتوحاً لجميع الأطراف للحوار والتعاون.
مشروع نال احترام وتقدير المجتمع الدولي، لما اسهم في تحقيق السلم والأمن الدوليين في محاربة الإرهاب؛ ونبذ ثقافة الكراهية والتطرف، والتأكيد على نشر ثقافة العيش المشترك وقبول الأخر والحفاظ على السلم والنسيج الاجتماعي؛ ونبذ التطرف والكراهية عبر نشر ثقافة التسامح والمحبة والإخاء.
بفضل تضحيات شعوب ومكونات شمال وشرق سوريا تحول ذلك المشروع إلى واقع ملموس متجسد بنموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
بالرغم من عدم نيل الإدارة الذاتية للشرعية الدولية في العملية السياسية؛ واقصاءها الممنهج من جميع الفعاليات السياسية الخاصة بالأزمة بسبب ضغوط وفيتو بعض الدول وفي مقدمتها تركيا؛ وبالرغم من ذلك، مازالت التجربة واقعاً وحقيقة حاضرة وموجودة في جميع تلك النقاشات والفعاليات والحلول والمشاريع المطروحة للأزمة السورية؛ والعمل على رسم معالم الدولة السورية المستقبلية؛ كونها تحولت إلى رقم صعب في المعادلة السورية يصعب تجاهلها.
كما هو معلوم عُقِد العديد من جولات جنيف وسوتشي وآستانا واللجنة الدستورية وغيرهم من الفعاليات التي تخص الأزمة السورية؛ وحتى الأن جميعها لم تحقق أية خطوة نحو الأمام، لأنهم جميعاً يتناقضون مع القرار الأممي 2254 والذي يحظى باتفاق المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخر حالة التشرذم والتفكيك الذي تعاني منها الأطراف السورية؛ وعدم وجود رغبة وجدية من قبل الأطراف المتصارعة للتفاوض والحوار؛ ولا ننسى استبعاد من يحملون مشروعاً وطنياً يخدم الجميع وكفعالية أثبت نجاحها على مدار عقد من الزمن.
بعد عقد من الصراع يبدو أن هناك توافقاً أمريكاً وروسياً بإنهاء الصراع والتمهيد لمرحلة انتقال سياسي؛ وكان ذلك واضحاً فيما يخص المسائل الإنسانية وتسوية درعا الأخيرة ومعركة إدلب المرتقبة؛ ومنع تركيا من شن عملية عسكرية على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، إلى جانب رغبة الجميع بجلوس السوريين على طاولة المفاوضات. على هذا الأساس طرحت روسيا نفسها كضامن للحوار بين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والحكومة السورية وهذه ليست المرة الأولى التي تبادر بها؛ إلا أنها في لم تتمكن من تحقيق أي تقدم في مسار المفاوضات؛ و يعود ذلك لعدم حيادية الروس وانحيازهم إلى طرف النظام من ناحية؛ ومن ناحية أخرى ذهنية النظام وتعنده والتعامل مع الأزمة بذهنية ما قبل 2011 وهو ما يتناقض مع المعطيات المعاشة على أرض الواقع.
ولكن بالرغم من كل ذلك لم يغلق كل من مجلس سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية الباب أمام الحوار والتفاوض؛ ولكن يبدو هذه المرة على غير سابقاتها ربما سنشاهد جدية أكثر من قبل الروس بلعب دور الضامن؛ وخاصة هناك قوى ودول أخرى طرحت لعب الدور الضامن، ورغبة المجتمع الدولي بإنهاء الأزمة؛ وبالإضافة إلى وجود تنسيق وتعاون أمريكي الشريك والحليف لقوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب والروس الحليف والضامن للنظام.
وهي فرصة يمكن استغلالها والبناء عليها لإيصال سوريا إلى بر الأمان عبر الوصول إلى صيغة ومشروع سياسي وطني لا مركزي يخدم السوريين ككل، بالإضافة أن تكون وسيلة لتوحيد السوريين لتحرير الأراضي المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي ومكافحة الإرهاب وملاحقة خلاياه النائمة؛ بما يسهم في التقليل من التناقضات داخل المجتمع السوري، وهي التناقضات التي طالما تغذت عليها القوى والدول للتدخل في شؤونها وإيصالها إلى ما نحن عليه.
إذا الحوار السوري – السوري هو سفينة إيصال سوريا إلى بر الأمان، وبتوافق سوري – سوري، الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي للاستجابة للرغبة والإرادة السورية. لذا يتطلب من جميع السوريين التقرب من حل الأزمة السورية وأنهاءها بروح من المسؤولية العالية والحس الوطني، وهي فرصة لجميع أطياف المعارضة السورية الوطنية للوحدة والتلاحم عبر عقد مؤتمر وطني جامع يحافظون من خلاله على مبادئ الثورة السورية؛ وتطلعات الشعب السوري الذي انتفض من أجلها، للخروج بممثلين حقيقين عن الشعب السوري في المحافل الدولية؛ بعد أن تحول ما يسمى الائتلاف السوري المعارض؛ المحصور في منطقة إدلب؛ التي أصبحت على وشك عودتها إلى سيطرة الحكومة السورية؛ وبات الائتلاف يفقد أوراقه شيئاً فشيناً، بسبب ذهنيته الاقصائية والانكارية التي دفعته إلى معاداة بقية أطياف المعارضة السورية الوطنية؛ وارتهانها لدولة الاحتلال التركي وخدمة أجنداتها والتي بدورها –تركيا- لم تتوان للحظة عن استغلاله عبر عمليات المقايضة مع الروس والإيرانيين.

to top