السبت 28 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : لماذا منبج؟ ولماذا الآن؟

الحدث – القاهرة

تمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وبدعم من التحالف الدولي من تحرير مدينة منبج بتاريخ 13\8\2016م، بعد سنتين من خضوعها لسيطرة داعش، وذلك تلبية لنداءات أبناء المدنية بتحريرهم من إرهاب داعش. ومنذ ذلك التاريخ ومحاولات ضرب أمن واستقرار هذه المدنية لم تتوقف.
وبالرغم من مرور ما يقارب الخمس سنوات من تحرير منبج، وما تشهده من استقرار وأمن وأجواء من الديمقراطية والسلم الأهلي والتعايش المشترك بين أبناءها، بالإضافة إلى حركة تجارية نشطة، إلا أن المتربصين بأمن هذه المدنية واستقرارها عبر أدواتهم في الداخل، لم تتوقف ويظهرون بين الفينة والأخرى بحيث يستغلون أية فرصة تتحين لهم.
ولكون مدينة منبج كانت مركز انطلاق وإعلان تأسيس داعش، لذا تشكل هذه المدينة أهمية استراتيجية لداعش وداعميها وفي مقدمتها الدولة التركية لعدة أسباب منها:
وقوعها على الحدود مع الدولة التركية وبالتالي سهولة وصول الإمدادات العسكرية والمالية واللوجستية إلى داعش من الدولة التركية، وقربها من مخيمات تدريب عناصر داعش في الداخل التركي عنتاب وغيرها من المناطق التركية الأخرى.
قربها من مدينة الرقة عاصمة الخلاقة المزعومة، ومن مدينة حلب الصناعية.
تشكل منطقة ترانزيت مهمة في التجارة لتمتعها بعدة معابر سواء مع الدولة التركية، أو النظام السوري، أو مناطق شرقي الفرات .
والأهم من كل ذلك تواجدها على الحدود التركية والقوة المعنوية والمادية التي كان ومازال التنظيم يتلقاها من أردوغان وحكومته. ولا يخفى على أحد العلاقة العضوية التي تجمع ما بين داعش والسيد أردوغان وحكومته، وبنفس الوقت داعش كان ضالة الدولة التركية لنهب الثروات السورية من نفط والقمح والقطن… إلخ، إلى أراضيها لأن الدولة التركية لا تقدم شيء من دون مقابل. وأيضاً شكل التنظيم سوقاً لبيع أسلحته، وأهم من كل ذلك استمرار وبقاء داعش في سوريا أو في حال وصوله إلى السلطة اوتوماتيكياً كانت سوريا ستتحول إلى ولاية تابعة لتركيا، وذلك لمنع إقامة أي مشروع ديمقراطي في سوريا.
تحرير مدينة منبج على يد قوات سوريا الديمقراطية التي تحمل مشروعاً وطنياً يحافظ على وحدة سوريا شعباً وأرضاً، وهذه القوات المتشكلة من جميع مكونات الشعب السوري بكافة مكوناتها وأثنياتها. ولهذا تعتبر تركيا هذا التحرير بمثابة الضربة القاضية الثانية بعد تحرير كوباني لإنهاء الحلم الأردوغاني بإحياء السلطنة العثمانية ومشروع الميثاق المللي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذه الأحداث التي تشهدها مدينة منبج وهي وعلى أبواب اتمام سنواتها الخمسة بعد التحرير ودخولها عامها السادس؟ وما هي الأطراف المحرضة لأعمال الشغب والتخريب هذه، ومن هو المستفيد من ذلك؟
كما هو معلوم انتصار أي مشروع ديمقراطي وطني يقطع الطريق أمام الصراعات والفتن والقلاقل، وبالتالي فشل العديد من المشاريع لقوى ودول إقليمية ودولية في سوريا. لذلك تسعى العديد من هذه القوى والدول إلى النيل من هذا المشروع ووأده، وخاصة هناك نداءات تصدر من العديد من أبناء المحافظات السورية الأخرى بتطبيق نموذج الإدارة الذاتية في مناطقها لما حققته هذه الإدارة من إنجازات ومكتسبات، ونموذج حل يحقق تطلعات الثورة التي خرج من أجلها الشعب السوري المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية وتحسين الأوضاع المعيشية.
الدولة التركية والمعارضة (الإئتلاف)التابع لها:
الدولة التركية والتي لديها تخوف دائم من إقامة مشروع ديمقراطي على حدودها خوفاً من انتقال هذه التجربة إلى الداخل، كون الأرضية مهيئة داخل تركيا كدولة استبدادية ديكتاتورية وسجلها حافل بالقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وإنهاء أية مظاهر للحياة السياسية، والتراجع المستمر في قيمة الليرة التركية أمام الدولار وازدياد نسبة الشعب المعرضون للعيش تحتد خط الفقر.
استكمال احتلال كامل الشريط الحدودي مع سوريا تطبيقاً لمشروع الميثاق المللي عبر خلق الفوضى والعبث بأمن المنطقة واستقرارها.
إعادة لملمة بقايا التنظيم وإن كان تحت مسميات مختلفة.
جماعة الإئتلاف التي بدأت تفقد شيء فشيئاً من شرعيتها والدعم المقدم لها، وفقدان حاضنتها الشعبية والدولية وتحولها إلى أدوات لدولة الاحتلال التركي، وسجل فصائلها الحافل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والعديد منهم مرشحون للإدراج على قوائم الإرهاب، وتحولهم لمرتزقة مأجورين لدى تركيا تستخدمهم في حروبها الخارجية.
النظام السوري:
النظام يسعى بين الفينة والأخرى بإثارة حالات الفوضى والشغب عبر الخلايا النائمة، حيث عمل في البداية عبر ما يسمى بالدفاع الوطني في مدينة قامشلو قبل مسرحية الانتخابات الرئاسية وخسرت الرهان وفشلت وكانت النتيجة خسارتها لحي الطي.
والآن وبعد فوز السيد بشار بالانتخابات الرئاسية وحتى يسجل لنفسه انتصار لما بعد الانتخابات، وخاصة أن مناطق الإدارة الذاتية قاطعت الانتخابات بشكل كلي مما تسبب بذلك مقاطعة أكثر من ثلث الجغرافية السورية مما يقلقل من فرص شرعية الانتخابات لأنها بهذه الحالة مخالفة حتى وفق الدستور السوري لعام 2012م، والذي جرت الانتخابات وفقه، والذي يفترض وفق الدستور أن تشمل الانتخابات جميع المناطق السورية.
خلاصة القول جميع الرهانات على منبج ستكون خاسرة وخاصة أن المجتمع الدولي والقوى المنخرطة في الأزمة السورية تسعى إلى إنهاء الصراع والقضاء على بؤر التوتر والتمهيد لمرحلة الانتقال السياسي، وليس من مصلحتها إحداث بؤر توتر جديدة، والأهم من كل ذلك هي أن الإدارة الذاتية لن تتخلى عن منبج بعد التضحيات الجسيمة التي قدمتها وما حققته من انجازات على الأرض، وهي تعرف عين اليقين سواء تم احتلال منبج من قبل النظام أو دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، يعتبر بمثابة إحياء وتجديد لتنظيم داعش ولو تحت مسميات مختلفة لما تمثله هذه المدنية من مكانة معنوية لدى داعش.
أبناء مدينة منبج الوطنيين والذين ذاقوا طعم الحرية والذين يديرون مدينتهم بأنفسهم لن يفتحوا المجال أمام ثلة من المخربين بأن يعبثوا بأمن واستقرار ومستقبل مدينتهم. خاصة أنه كانت لهم تجربة مريرة مع إرهاب داعش. لذا، يتطلب من جميع أبناء مدينة منبج والشعب السوري بكافة مكوناته الحذر واليقظة والوقوف أمام هكذا ألاعيب وما تحمله من تداعيات سلبية على مستقبل المنطقة ويكون ضحيتها الشعب السوري، وكما يتطلب من المجتمع الدولي أيضاً القيام بمسؤولياته الأخلاقية والإنسانية وقطع الطريق أمام عودة وإحياء داعش من جديد، والوفاء لدماء الشهداء وتضحيات أبناء الشعب السوري الذين ضحوا بأنفسهم لحماية المنطقة والإنسانية جمعاء من الإرهاب والتطرف.

 

to top