الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : معادلة الإفلاس السياسي.. هزلية مسرحية إسطنبول

الحدث – القاهرة

دولة الاحتلال التركي التي بنيت على جماجم الشعوب، عبر ممارسة جميع أشكال الجينوسايد (الإبادات) بحقها ومازالت ماضية في ذلك، انطلاقاً من نظريتها أن استمرارية وديمومة بقائها في سدة الحكم والسلطة تمر عبر القضاء على شعوب المنطقة الأصلاء ومحو تاريخهم وتزييف الحقائق.

ولكن مع كل مرحلة تاريخية مفصلية تمر بها الحكومات التركية، عندما يكون وجودها في سدة السلطة مهددة بالزوال، تغير نبرة خطابها حيال المعارضة وتبدي بعض المرونة ولغة الحوار والتسامح والجلوس على طاولة التفاوض، حتى تتمكن من كسب المزيد من الوقت، لتمرير أجنداتها ثم العودة إلى ما كانت عليه، وكل ما تقوم بها عبارة عن خطوات تكتيكية لتمرير استراتيجيتها القائمة على إبادة الشعوب.

هنا سنحاول تسليط الضوء على بعض المفبركات التركية ضمن سياقات التاريخ الحديث.

عندما كانت تركيا تعيش مراحل عصيبة في صراعها مع الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني الذي استطاع استنزاف السلطات التركية وإجبارها على التفاوض حينها، حاول تورغوت أوزال الجلوس إلى طاولة التفاوض مع السيد أوجلان لحل القضية الكردية في تركيا عام 1993م بالسبل السلمية، وطلب حينها من السيد جلال طالباني رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والرئيس العراقي الأسبق، بأن يكونا الوسيط في تلك المفاوضات إلى أن وصلت نتائجها إلى مرحلة من النضوج والحلول ترضي الطرفين.

وفي اليوم الذي كان من المفترض أن يتم الاتصال الهاتفي بين أوزال والسيد أوجلان أعلن عن وفاة أوزال بظروف غامضة.

ففي التوقيت الذي أعلن فيه السيد أوجلان وقف إطلاق النار تمهيداً للبدء بعملية السلام قامت الاستخبارات التركية عبر أحد عملائها داخل الحزب، بنصب كمين لجنود أتراك عائدين من إجازاتهم في منطقة بينغول راح ضحيته 33 جندياً.       

أما الحادثة الأخرى فكانت عندما دخل أردوغان في عملية تفاوض مع السيد أوجلان لأجل حل القضية الكردية بناء على المبادرة التي أطلقها السيد أوجلان في نوروز عام 2013، واستمر التفاوض والحوار حتى عام 2015م، حيث قامت حكومة العدالة والتنمية بنسف تلك الجهود وعملية التفاوض؛ لأنها شعرت أن هناك تهديد جدي على استمراريتها في السلطة بعد النجاح الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات البرلمانية. ففي المرة الأولى طعنت نتائج الانتخابات وفرضت عملية إعادة الانتخابات التي جاءت لصالح حزب الشعوب الديمقراطي، بالتزامن مع سيطرة داعش على مساحات شاسعة في سوريا والعراق.

وجدت تركيا في داعش حبل النجاة حيث أنها ستتمكن من جهة نسف عملية السلام مع السيد أوجلان والقضاء على القضية الكردية وتركها في حالة من الأزمة والمماطلة والتسويف، ومن جهة أخرى القضاء على مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

بالفعل قامت الاستخبارات التركية بافتعال تفجير أنقرة والذي راح ضحيته ما يزيد عن 100 قتيل ومئات الجرحى، والتفجير الثاني في سروج الذي راح ضحيته 32 قتيلاً و100جريح.

لتبدأ تركيا بعدها مرة جديدة، بعدما كانت تتدخل عبر أدواتها من التنظيمات الإسلاموية الإرهابية، باحتلالها المباشر لإعزاز وجرابلس والباب 2016م بذريعة مكافحة تنظيم داعش، ولكنها في الحقيقة كانت خطوة لقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية من التمدد بعد تحريرها لمدينة منبج.

بعد جولات من المفاوضات والضغوطات الكبيرة التي مارستها تركيا على المجتمع الدولي لإقناعه بالحصول على الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق الإدارة الذاتية، والتي باءت محاولاتها بالفشل.

أعلنت سياسة جديدة عبر الانفتاح على سلطة دمشق بوساطة روسية كانت أولى ثمارها السماح لجبهة النصرة بالسيطرة على منطقة عفرين المحتلة والباب، مقابل العمل على العودة القسرية للاجئين السوريين إلى سوريا لإضفاء الشرعية على سلطة دمشق من جهة، ولدوافع أخرى ربما في قادم الأيام تتوضح أكثر من جهة أخرى. ولكن المعلوم والأكيد هو توحيد وتكثيف الجهود في ضرب مشروع الإدارة الذاتية كمشروع وطني قائم على التعددية والمشاركة.

بعد التطورات الدراماتيكية المتسارعة التي شهدها الشمال السوري وسط استياء واستنكار شعبي ودولي، وحدوث التفجير الإرهابي في إسطنبول. السؤال الذي يطرح نفسه، ما دلالات توقيت التفجير؟، وما هي الدوافع الكامنة وراءه؟ ومن هو المستفيد الرئيس؟

جاء التفجير قبل يوم من ذهاب أردوغان لحضور قمة العشرين، وفيها التقى بايدن وقادة آخرين، وعادة ما يستغل أردوغان هكذا محافل دولية لفرض أجنداته، طالما فشل في إقناع المجتمع الدولي وبشكل خاص الروس والأميركان اللذين يعدان من أكبر الفواعل وأكثرهم تأثيراً في الأزمة السورية، كان المقرر أنه ذاهب وبيده حجة قوية للقيام باحتلال جديد.

كما أن تركيا على أبواب مرحلة انتخابية في ظل العديد من المؤشرات التي تدل على ضعف حظوظ العدالة والتنمية في اكتساب الأصوات هذه المرة والبقاء في سدة الحكم، إلى جانب اتهامه للكرد ليزيد من شعبيته ويضيق الخناق على حزب الشعوب الديمقراطي، ومنعه من الانخراط في العملية الانتخابية وخاصة أنه يعمل منذ فترة طويلة بشتى السبل على إغلاق الحزب. هذا ما صرح به علانية رئيس حزب الحركة القومية شريك أردوغان في السلطة، بأنهم سيعملون على طرد الإرهابين من البرلمان التركي في إشارة إلى نواب حزب الشعوب الديمقراطي.

ليس من المستبعد مشاهدة حوادث أخرى مشابهة في المستقبل في ظل وجود تهديد حقيقي على بقاء العدالة والتنمية في سدة الحكم وإعلان حالة الطوارئ حتى تسوية الأوضاع الداخلية بما يخدم استمراريتها وديمومتها.

اتهامها للمشتبهة على أنها سورية الجنسية تزيد من كراهية الشعب التركي لسوريا من طرف، ومن طرف آخر تعطيها المبرر لإجبار السوريين على العودة القسرية وتوطينهم في المناطق السورية المحتلة من قبلها، والمضيء قدماً في تنفيذ مشروعها في استكمال عمليات التغيير الديمغرافي والتطهير العرقي بحق سكان المنطقة الأصلاء، وخلق حالة عداء أبدية بين مكونات الشعب السوري. خاصة أنها تقوم بتوطين اللاجئين في مناطق أخرى ليست مناطقهم.

وبالتالي الحفاظ على حالة التناقضات بين مكونات الشعب السوري بما يضمن استمرارية تدخلها في الشأن السوري الداخلي مستغلة تلك التناقضات واستثمارها في المستقبل.

تركيا المعروفة بسياساتها الإلهائية لكسب الوقت من أجل تمرير أجنداتها، وخاصة أنها حققت جزءاً من تلك السياسة بالتنسيق مع سلطة دمشق بتسليم المنطقة لجبهة النصرة الإرهابية الأكثر تنظيماً وتوحيد الفصائل الخاضعة لسيطرتها التي تعاني من حالة الشرذمة، وبالتالي تشكيل جبهة قوية موحدة منظمة تتمكن من خلالها احتلال مناطق جديدة.

وبالتالي ضرب التفاهم والحوار بينها وبين سلطة دمشق والتنصل من التزاماتها عبر إعلانها لعملية عسكرية جديدة وهي ما ترفضها الأخيرة، وهذا ما دفع وزير الخارجية السوري فيصل مقداد على هامش مشاركته في فعالية نظمتها السفارة الجزائرية في دمشق برفض دمشق لأي عملية عسكرية جديدة تزيد من تجذر أزمة البلاد.

كما أنها تأتي في وقت استئناف الحوار والتفاوض بين تركيا وحكومتي فلندا والسويد حول عضوية الناتو لدفعهما إلى الاستجابة لمطالبها بمحاربة الإدارة الذاتية وسحب الدعم عنها.

إذاً، حكومة العدالة والتنمية حاولت من خلال تلك المسرحية الهزلية تحقيق أهداف متعددة، في مرحلة تاريخية مفصلية تمر بها. لكنها فشلت في الإخراج والسيناريو، وشوهت صورتها أكثر مما هي عليه أمام المجتمع الدولي والتركي، وهي فرصة للسوريين ككل بإعادة النظر في العلاقة مع حكومة العدالة والتنمية حكومة ومعارضة كيف أنها أمام أدنى فرصة تحقق لها بعض من الأجندات والمكاسب تضرب جميع الأعراف والوعود عرض الحائط.

وسردنا لبعض الوقائع في سياقاتها التاريخية يأتي من باب استنباط بعض الدروس والعبر وعدم الانجرار إلى المصيدة التركية وألاعيبها القذرة، فإنها بعقليتها التوسعية الاحتلالية الغازية تغدر حتى بشخصياتها الوطنية وكل ما من شأنه يحقق الاستقرار والأمن والحالة التشاركية في المنطقة.

فتركيا اليوم التي تعاني من إفلاس سياسي وأزمات عميقة مع داخلها ومحيطها الإقليمي والدولي، وليس مستبعداً من يعيش هذه الدرجة من الإفلاس أن يُخرج مسرحية بهذه الدرجة من الهزلية.

to top