الخميس 26 ديسمبر 2024
القاهرة °C

ليلي موسي تكتب : هل حان الأوان لنهاية شهر العسل الروسي – التركي؟

الحدث – القاهرة

في الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات الروسية – التركية توتراً وتبادلاً للاتهامات والتحذيرات والخطوط الحمراء؛ في ظل تعنت كل طرف وتمسكه بمواقفه؛ والمضي قدماً نحو تنفيذ قرارته، بعد سنوات من التحالفات والتفاهمات والمقايضات وصفقات الأسلحة وغيرها، والتي كانت وراء الكثير من التباينات والخلافات والأزمات بين أنقرة وحلفاء لها تربطهم بها علاقات استراتيجية وتاريخية.
وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن السياسة البراغماتية التي ينتهجها الروس، تمكنت من توظيف العلاقة بينها وبين تركيا لتحقيق أقصى درجات ما يخدم مصالحها وأجنداتها في المنطقة؛ ونخص بالذكر في سوريا، وانطلاقاً من فهمها وإدراكها لطبيعة تعقيدات الأزمة السورية وتشعباتها وما تفرزها من مآلات، بما في ذلك طبيعة العلاقة الاستراتيجية والمتجذرة بين الناتو وتركيا؛ والأهمية الجيوستراتيجية لها بالنسبة للأمريكان والأوروبيين، كعلاقة اقتصرت على سياسة تكتيكية ومرحلية، ويبدو أن مرحلة الانفصال أوشكت أن تثمر.
بينما يبدو أن تركيا هذه المرة فشلت في تقديراتها بالعمل على وتر التناقضات بين الروس والأمريكان واستثمارها خدمة لمشاريعها الاحتلالية التوسعية في المنطقة؛ حيث أن بتقارباتها السطحية وغير المسؤولة في اتباع سياساتها الاستراتيجية وطويلة المدى من منظورها الأردوغاني العثماني، مآلها إلى الفشل تلك السياسات التي لم تخلو من لغة التحديات والتهديدات وضرب جميع الأعراف والقوانين عرض الحائط؛ وعلى العكس من استثمارها للتناقضات بين الروس والأمريكان نجد أنها وقعت في فخهما؛ حيث وبعد عشر سنوات من الأزمة السورية دفعتا بها إلى المستنقع السوري، والعمل معاً على لجم دورها الإقليمي بسبب تدخلاتها السافرة في العديد من بلدان المنطقة؛ والعبث بأمنها واستقرارها عبر دعمها للجماعات الراديكالية المتطرفة معرقلة –تركيا- بذلك مصالحهما.
وما تشهده سوريا من تطورات في هذا المنحى ماهي إلا تطوراً في سلم التفاهمات الأولية الروسية–الأمريكية لتقليل بؤر التوتر والفوضى؛ تمهيداً لعملية انتقال سياسية تنهي الأزمة في أحد مراحلها عبر لجم الدور التركي؛ وإجباره على الانسحاب العسكري، وسحب الدعم من الجماعات والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة الإرهابية “داعش وأخواتها”.
بوادر توافق أولي ظهر من بوابة المسائل الإغاثية وآلية إدخال المساعدات الإنسانية عبر تفويض معبر باب الهوى، مروراً بتسوية الوضع في درعا؛ وتوكيل الدور إلى المملكة الأردنية بحماية الحدود وتحييد الفصائل المسلحة، وصولاً إلى إطلاق عملية تحرير إدلب.
العملية العسكرية على مدينة إدلب السورية من قبل النظام وحلفائه لتطهيرها من الإرهابيين لم تكن بالمفاجئة أو المستحيلة؛ بل على العكس كونها البؤرة الأكثر تجمعاً للإرهاب، وهي هدفاً للنظام وحلفائه والتحالف معاً، بقدر ما كانت بمثابة الصدمة هذه المرة لأردوغان على غير العادة؛ حيث كان يستغل كل عملية تقدم للنظام بدعم ومساندة حلفائه من الروس والإيرانيين استرجاع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المدعومة تركياً إلى سيطرته؛ وذلك بالتنازل التركي عن تلك المناطق بالمقابل الحصول على الضوء الأخضر بغزو بعض المناطق السورية الأخرى؛ بإطلاق عمليات عسكرية تحت مسميات كـ ” درع الفرات” و “غصن الزيتون”، و ” نبع السلام”؛ والقيام بعمليات احتلالية مباشرة واخضاعها لسيطرته، والتصرف بها وكأنها إحدى الولايات التركية عبر ممارستها لعمليات تتريك ممنهج، والتغيير الديمغرافي والتطهير العرقي بحق سكانها الأصليين. لكن هذه المرة ليست كسابقاتها والعملية العسكرية التي تلّوح بها تركيا مقابل تنازلها عن إدلب لاستكمال احتلالاتها التوسعية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا؛ غير متوفرة وهي خطوة متقدمة تأتي في سياق توافق روسي – أمريكي عالي التنسيق بمنع حدوث أي غزو جديد للمنطقة. لذا نشاهد تركيا في حالة تخبط أحياناً تجعل من منطقة الشهباء وتل رفعت أهداف لها، وأحياناً أخرى منبج وكوباني وعين عيسى وريفي تل تمر وسري كانيه. فالبرغم من عدم وجود أي ضوء أخضر لكن لا يمكن التنبؤ بسلوك أردوغان؛ وقيامه بعملية عسكرية تتسبب لها بالمزيد من العزلة والأزمات.
بالإضافة إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة لتحصين أماكنها؛ كون هذه المرة حتى في المنطقة التي حصلت عليها بموافقة روسية هي من ضمن الأهداف الروسية؛ كما حصلت في مدينة عفرين التي تشهد للمرة الأولى منذ احتلالها ضغوط يمارسها الروس على الأتراك من أجل تحييد الإرهابيين؛ وهو مالم تلتزم به تركيا وفقاً للاتفاق الروسي التركي حتى الآن وتهربها من التزاماتها؛ كون تركيا تعلم يقيناً أنه بإنهاء الإرهاب ينتهي وجودها في سوريا.
فالجديد هذه المرة وعلى غير العادة نجد بالرغم من خطابات أردوغان الغوغائية والتهديدية؛ إلا أنها يبدو أن تركيا مرغمة على سحب الدعم من بعض الفصائل الجهادية؛ و تركهم هدفاً للنيران الروسية، ليتلقوا هزائم تلو الأخرى بسبب الضغوط الممارس عليها، مما دفع بقيادات من جماعة الشيشاني بطلب المساعدة لنصرتهم، وحيث شهدت بعض المناطق الخاضعة للاحتلال التركي تظاهرات من قبل عوائل ومؤيدي الجماعات الإسلاموية المتطرفة؛ لدعم ومؤازرة أخوتهم من الجهاديين غير السوريين؛ وبالأخص الشيشانيين كرد جميل لهم في دعمهم ومساندتهم ونصرتهم للفصائل السورية الإرهابية على حد تعبيرهم.
طبعاً وحتى يحتفظ أردوغان بماء وجهه أمام شعبه الذي يعاني من أوضاع اقتصادية متردية نتيجة تدهور في قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وبسبب سياساته الداخلية والخارجية الفاشلة أولاً، وثانياً لإبقاء المنطقة في حالة توتر وانعدام الأمن والاستقرار؛ يلجأ إلى قصف المناطق المذكورة عبر أذرعه من الفصائل السورية المرتزقة، واللجوء إلى استهداف شخصيات ومراكز ومؤسسات مدنية وعسكرية بالطائرات المسيرة.
وحتى تضفي الشرعية على عملياتها المنافية لجميع الأعراف والمواثيق الدولية؛ وتحت ذرائع وحجج واهية بمحاربة الإرهاب وحماية أمنها القومي؛ قدمت الرئاسة التركية إلى البرلمان التركي مذكرة لتمديد التفويض بإرسال قوات تركية إلى سوريا والعراق لمدة عامين إضافيين اعتباراً من 30 تشرين الأول 2021، والتي حظيت بتصويت حزب العدالة والتنمية، والحركة القومية، والجيد، والبلد، والديمقراطية والنهضة، والاتحاد الكبير بالموافقة، ورفض حزب الشعب الجمهوري، الشعوب الديمقراطية، في حين لم يكشف حزب السعادة وحزب النصر عن رأيهما.
حيث صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، خلال مقابلة صحفية أجراها مع مجلة “دير شبيغل” الألمانية، أن “لتركيا الحق في دخول سوريا كما روسيا والولايات المتحدة”. تبريراً للتواجد التركي في سوريا، وتحدياً للروس والأمريكان.
بكل بد تركيا لم تقف مكتوفة اليدين، ولممارسة الضغوط على الروس وفرض أجنداتها عليها، لم تكف عن تدخلاتها في أوكرانيا ودعمها، من خلال بيعها طائرات تركية مسيرة، مما دفع بالرئاسة الروسية إلى تحذير تركيا “من أن تصدير تركيا لطائرات مسيّرة إلى حكومة أوكرانيا قد يؤثر سلباً على الوضع في منطقة دونباس جنوب شرق هذا البلد” بحسب وكالة تاس الروسية.
ولفت المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين، إلى أن “علاقات متميزة وطيبة تربط روسيا مع تركيا”، مضيفًا: “لكن في هذه الحالة، للأسف، تتحقق مخاوفنا من أن تصدير مثل هذه الأنواع من الأسلحة إلى العسكريين الأوروبيين من شأنه أن يؤدي إلى تقويض الاستقرار في خط التّماس”.
طبعاً ليس خافياً على أحد تهرب تركيا من أي تفاهم أو اتفاقية تقضي بتحييد الجماعات الإسلاموية المتطرفة؛ كون هذه الجماعات هي أدواتها التي يستحيل التخلي عنهم؛ ومن خلالهم تحقق أجنداتها الخارجية؛ والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وإن سحبت في بعض الأحيان الدعم عنهم تكون نتيجة لضغوط دولية. على العكس نجد من أجل ممارسة الضغوط على الحكومات والدول التي تجمعها معهم علاقات متوترة تلجأ عبر دعمها للجماعات المتطرفة؛ وغالباً ما تلجأ إلى دعم دول أخرى تربطها حالات نزاع أو توتر كالدعم التركي لأوكرانيا بطائرات مسيرة كرد فعل على خلافاتها مع الروس، وبيعها لطائرات مسيرة لأثيوبيا؛ والتي تعيش أزمة حقيقية مع مصر لما تشكله أزمة سد النهضة تهديداً حقيقاً على الأمن القومي المصري.
فتركيا بممارساتها تلك غالباً ما تعمل على وضع عراقيل أمام أي مسار يفضي إلى تقدم إعادة تطبيع علاقاتها كالعلاقات المصرية- التركية.
طبعا بكل بد توتر العلاقات الروسية –التركية ستلقي بظلالها على التحالفات والصفقات التي جمعت بين الطرفين وبشكل خاص مصير منظومة إس 400؛ والتي كانت أحد النقاط الخلافية الجوهرية بين تركيا والناتو، وتسبب بطردها من برنامج صنع طائرات إف 35. توترات دفعت تركيا إلى تجديد الطلب بشراء الطائرات هذه المرة تواجه بجواب قاطع على لسان متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية أنتوني سيميلروث، على خروج تركيا من برنامج المقاتلة الأمريكية إف 35 مسألة لا رجوع عنها وأن الملف انغلق من أيلول العام الماضي.
فضريبة السياسات التركية غير المدروسة والمسؤولة دفعتها إلى تلقي ضربات وهزائم وخسائر واحدة تلو الأخرى، ربما تشكل أرضية ودفعاً لتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة أو تقوية تلك الموجودة. هل ستشكل تصرف أردوغان وحكومته باللعب على وتر المتناقضات والتي أثبت فشلها في سوريا (الروس – الأمريكان) بتشكيل تحالفات جديدة لمواجهتها. ربما تكون عبر البوابة العربية والحضور العربي في الأزمة السورية وقيادتها مع القوى الكبرى الفاعلة في الأزمة السورية لعملية الانتقال السياسي كمصر وغيرها من البلدان العربية.

to top