ماذا بقي للمرأة في اليوم التالي لعيدها العالمي؟
أبحث كثيرًا في اليوم التالي لأي عيد على ما تبقى منه كي نحتفل به ونعيده على طول أيام السنة كي يبقى لهذا اليوم معنى وكذلك للحياة.
المشكلة الكبيرة أنّ المرأة باتت أسيرة لعديد من الأيام في السنة تحتفل به، وتنسى أو يتم نسيانها في خضم حرب الحياة التي نعيشها بكل تفاصيلها المؤلمة والموجعة. حقيقة لا بدَّ لنا من الاعتراف بها على الأقل كي ندرك أن لكل يوم نعيشه قيمته الخاصة، ومرتبط بكل تأكيد باليوم الذي قبله والذي سيليه.
إذ لا يمكن فصل الأيام عن بعضها البعض وكأنه ليس لهذا اليوم علاقة بباقي الأيام، وهنا يكمن الخطر الأكبر أو المصيبة الكبرى التي توهمنا فيها أنه حقيقة ثمة يومًا تحتفل به المرأة بعيدها التي تم إفراغه من جوهره وبات شكلًا مؤلمًا بكل ما للكلمة من معنى.
عيد أو يومٌ لا يختلف عن باقي الأيام بشيء إلا بزيادة جرعة الخداع الذاتي أولًا من المرأة ومن الرجل على أكثر تقدير، هذا الرجل الذي إلى الآن ينظر للمرأة على أنها مصدر ملكيته الخاصة، وهو الآمر الناهي في كل قراراتها وأهدافها وحتى طريقة حياتها وأسلوب جلوسها وسلوك كلامها، لن يكون مطلقًا هو الشخص الذي سيمنح الحرية للمرأة. الحرية لا يمكن منحها من أحد بل هي حق طبيعي للمرأة كما هي للرجل ولكل فرد يعيش ضمن هذا المجتمع.
الرجل السيد الآمر القوَّام كيف له أن يعطي المرأة حريتها وهو لا يرى ذاته إلا بالسيطرة على المرأة في كل تفاصيل حياتها ونومها ولبسها ومتى تنجب الطفل ومتى تجهضه ومتى تتمكيج له وعليها دائمًا أن تكون آلة لزرع وحقن الفرح والسعادة في الرجل.
هكذا ينظر الرجل للمرأة وهكذا يتقرب منها في يوم عيدها ويخدعها بوردة حمراء كانت أو بيضاء، وتنتهي حفاوة وبهجة العيد بذبول تلك الوردة وتعود الأمور إلى نصابها ومكانتها الطبيعية وهي الرجل لسلطته الذكورية والمرأة للخنوع وخوفًا ماذا سيحل بها في اليوم التالي من مقدار الحرية الشكلية الذي عاشته في هذا اليوم.
صراع سيكولوجي نفسي كبير تعيشه المرأة في ذاتها، وكذلك الرجل الذي يحول هذا اليوم إلى سخرية كي يفرغه من جوهره الحقيقي. الجنسان يتممان بعضهما البعض فلا الرجل مؤمن بحرية المرأة ولا المرأة بحد ذاتها مقتنعة بهذه الحرية. وهنا تكمن الطامّة الكبرى وهي قبول هذه الظاهرة وكأنه قدرها وليس على المرأة مواجهته وتحطيم هذه العادات والتقاليد، أو بالأحرى تحطيم هذه الأصنام التي تحولت إلى مقدسات لا يمكن المساس بها.
ما يلزم المرأة في حياتها كي تنجوا من حالة الغرق النفسي الذي تعيشه منذ آلاف السنين نحت مقدسات ومصطلحات شتى دينية كانت أو مجتمعية، عليها أن تسير على درب سيدنا إبراهيم وترفع الفأس وتحطم جميع الأصنام التي تعتري طريقها نحو الحرية الحقيقية.
وتبدأ أولًا بالأصنام التي بداخلها والتي اقنعتها على قبول هذا الأمر، وكأنه من الأمور العادية والقدرية والعدمية. إن بدأت المرأة بتوجيه الضربة الأولى للأصنام النفسية والفكرية المتعشعشة كالطفيليات في ذهنيتها حينها تكون قد خطت الخطوة الأولى نحو ذاتها، وكذلك مشوار درب الحرية الذي تبتغيه وحينها يمكن للمرأة أن تحتفل ليس فقط بيوم واحد بل بكل أيام السنة على أنه عيد حقيقي تعيش فيه المرأة ذاتها ولذاتها وليس من أجل الرجل السلطوي ذي العقلية الذكورية.
إنها حرب الحياة التي لا بدَّ لنا نحن النساء من خوضها للخروج من الحالة المتردية التي نعيشها ونتذوق الألم يوميًا باحثات عن الأمل في عالم لا يلتفت للمرأة إلا حينما يشتهيها أو يريد مداعبتها استهلاكيًا لزيادة الربح الأعظمي لماله أو نفسيته المريضة.
لنجعل من عيد المرأة يومًا في العودة للذات للخروج نحو الفضاء الكوني الأكبر للحرية التي تعتبر محددة الحياة ومعناها. وإلا لا معنى للمرأة ولا للاحتفال بهذا اليوم على أنه يوم واحد فقط يكون فيه النفاق في أعلى درجاته.
لنحول هذا الخداع إلى حقيقة أولًا في داخلنا نحن النساء وأن لا نرتضي بهذه الأشياء الصغيرة، بل علينا أن نكون مكافحات للتخلص من المرأة الضعيفة والواهنة ذات الجناحات المقصوصة والحرام والعيب، ولنتحول لمحور الحياة ومعناها، لأن معنى الحياة يكمن في حقيقة المرأة بحد ذاتها.