الحدث – القاهرة
يتحفنا أردوغان هذه الأيام ومن معه من مستشارين ومسؤولين يدورون في فلك سلطانهم بالكثير من التصريحات المتعاقبة والمترابطة والتي تشي بأن أردوغان يمهد الطريق لعودة العلاقات مع مصر. هذه التصريحات الاردوغانية لا يمكن فضلها عن شخصيته غير المستقرة والمتقلبة وفق ما تريده مصالحه وأجنداته وكذلك اتجاه البوصلة الدولية وخاصة بعد الانتخابات الامريكية التي جاءت بعكس ما تمناه أردوغان.
أردوغان طيلة العقد المنصرم كان كطاووس ينفش ريشه وبنفس الوقت يهدد ويتوعد كل من لا ينصاع له ويقبله سلطاناً عليه، فراح يوزع شهادات حسن السلوك على كل من قبل الخنوع والذل إن كانوا من علية القوم والآخرين حولهم إلى بيادق مأجورة يحارب بهم وينشر الفوضى في كل مكان يحلون به. هذا ما حدث في الشمال السوري الذي احتل بعض مناطقه بمعية وضوء أخضر روسي وأمريكي، وكذلك في الشمال العراقي وليبيا وأرمينيا. وبنفس الوقت كل من رفض الركوع له كان من المتهمين بالإرهاب أو الانقلاب أو أعداء الإنسانية وكفرة ويجب محاربتهم بشتى الوسائل والأساليب.
فلم يكن المرتزقة والإرهابيين سوى عصى بيد سلطانهم الذي سعى للنيل من كل من كان يرفض أجندات أردوغان وأطماعه في المنطقة. فلم يسلم منه أحد من دول الجوار ولا دول البعيدة عنه إن كان شمالاً كما في الشمال الافريقي ونخص مصر وليبيا على وجه التحديد، أو في الشمال والشرق والغرب وحتى العبث بالبحر المتوسط.
حتى الداخل التركي لم يسلم من اردوغان الذي راح بنفس العقلية يوزع شهادات سوء أو حسن السلوك وكل حسل موقعه أو بالأحرى كلٌ حسب طأطأة الرأس والخنوع الذي سيبديه الطرف الآخر من عدمه. لهذا نرى أن الكثير إما كان عند رغبة اردوغان ينفذ ما يقوله اردوغان له أو على العكس كان يرفض بشكل قاطع كل ما يقوله اردوغان ويسعى لتنفيذه، أما التيار الثالث الذي كان صامتاً ومتردد فلم يسلم من اردوغان أيضاً. ففي عرف اردوغان لا منطقة وسطى ما بين الجنة والنار. فإما أن تكون من العبيد الساجدين له وتدخل فردوسه المفقود أو تكون الشيطان الملعون الذي ينبغي أن يرجم عشرات المرات يومياً.
رأينا الاستدارة الأولى التي قام بها أردوغان تجاه روسيا بعد أن كان يتوعدها بالصريخ وكيف أنه اعتذر لروسيا بعد كل ما كان يقوله عنها وخاصة بعد حادثة تفجير الطائرة الروسية ومقتل السفير الروسي في تركيا. فقد كانت الاستدارة الأولى له التي كشفت حقيقة شخصيته غير المستقرة والمتقلبة حسب الظروف والامكانيات وأنه ليس بذاك العنجهي الذي يعي ما يقوله. وكذلك رأينا كيف أنه كان يتوعد الدول الأوروبية بمزيد من اللاجئين إن هم لم يقدموا له المال والدعم لتنفيذ أجنداته العثمانية في المنطقة. وكذلك وعيده لدول البلقان وخاصة اليونان وقبرص وأنه سوف يقضي على ما تبقى منهما. لكن كل ذاك الوعيد والتهديد ذهب أدراج الرياح في ساعة الحقيقة.
الآن وبعد تقريبا سنوات عدة من التهديدات التي كان يطلقها على مصر وقيادتها ووسمهم بصفات غير لائقة لا بالعرف الأخلاقي ولا الدبلوماسي، وبنفس الوقت احتضن عناصر وقيادات من جماعة الاخوان المسلمين واعطاهم كافة الإمكانيات فقط لنشر الفوضى في مصر. إلا أن كافة محاولاته تلك باءت بالفشل ولم يستطع النيل من مصر رغم كل تهديداته الجوفاء التي كان يطلها عبثاً من جهة الغرب حينما احتل بعض المدن الليبية تحت مسمى السراج.
الان حانت ساعة الحقيقة أو الآن رأى اردوغان نفسه أمام مرآة الحقيقة التي عرّته وكشفت عن شخصيته المتلونة كحرباء والتي لا يمكن من خلالها أن يصل لأهدافه.
مرآة الحقيقة هي بنفس الوقت مقاومة الشعوب زعرنة بعض من يسمون أنفسهم زعماء ولكن حقيقتهم بانت وانكشفت للجميع على أنهم ليسوا سوى أدوات وظيفية سيتم التخلص منها عند انتهاء الحاجة لها. وهو ما حصل مع اردوغان بكل معنى الكلمة. لذا، نرى تصريحات اردوغان على أنهم يسعون لتحسين علاقاتهم مع مصر ما هي إلا استدارة خداعية، على ما اعتقد حسبها أردوغان بمنطق الربح والخسارة والمصالح وليس من منطق إحقاق الحق، وشتّان ما بين المصالح والحق.
فشل أردوغان في سوريا وليبيا والبحر المتوسط وكذلك العقوبات التي يلوح بها الاتحاد الأوروبي وعدم اهتمام الرئيس الأمريكي باردوغان حتى الان. والأمر الهام هو فشله الذريع في شمالي العراق والذي كان يعتبرها اردوغان نزهة بمقدوره ان يفعل ما يريده هناك بأقل الخسائر. لكن ما حدث في كاري والمقاومة التي أبداها مقاتلو العمال الكردستاني تجاه العملية الأخيرة للجيش التركي في هذه المنطقة والتي تمت بأمر وتعليمات مباشرة من أردوغان والتي قال قبل أنه ثمة أخبار سارة سيسمعها الاتراك قريبا، لكن بعد طول انتظار لم تأتِ تلك الاخبار السارة، بل الأخبار غير السارة هي التي خلت على اردوغان والأتراك بعد مقتل العديد من نخبة جنوده الذين يفتخر بهم أردوغان، وكذلك مقتل الأسرى.
كل هذه الأحداث مجتمعة أدت إلى أن يستدير أردوغان قليلاً ويعيد ترتيب الأوراق وبكل تأكيد كي يبدأ اللعب من جديد، هذا إن بقي على سدة الحكم طبعاً. ولتكون وجهته هذه المرة ويتوعد بعض دول الخليج وخاصة السعودية، بعد المعلومات التي تسربت حول تجهيز المئات من البنادق المأجورة من المرتزقة في الشمال السوري كي يرسلهم إلى اليمن. ولربما تكون هذه النقطة هي السبب الرئيس في استدارة اردوغان نحو مصر على الأقل لإضعاف التكامل ما بين مصر والسعودية والامارات.