السبت 23 نوفمبر 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : الأنظمة السلطوية، تنمر للداخل وظاهرة صوتية للخارج

الحدث – القاهرة

لطالما أثبتت الأنظمة الاستبدادية والسلطوية بأنها غير معنية بشعوبها بقدر ما تهتم بمصالحها واستمرارية حكمها وتربعها على عرش الفساد. كانت ولا زالت عقلية الأنظمة الشعبوية عبر التاريخ هي العنوان الرئيسي لكل من يسعى للسلطة والنفوذ. وكأن هذه الأنظمة حينما تقرأ التاريخ ليس من أجل الاتعاظ واستنباط الدروس والعبر، بل من أجل تكرار نفس العقلية والسير وفقها. لذلك لم يكن التاريخ بالنسبة لهذه الأنظمة سوى عبارة عن أرقام وقصص تروى من أجل قضاء الوقت في ليالي السمر وشرب نخب الاستبداد والظلم في دهاليز وأقبية السجون المتخمة بمن كان يفكر بالتغيير والبحث عن الأفضل.
منذ أكاد وحتى الهيمنة الغربية لقوى رأس المال الناهبة لكدح وجهد وثقافة الشعوب الأصيلة التي ارتبطت بثقافتها وأرضها. عملت هذه الأنظمة الأحادية المنطق على التمكيج بألف لون ولون من اجل استمرارية بقائها على السلطة ممسكةً بسيف ديموقلديس تُرهب به الشعوب التواقة لنيل حريتها وكرامتها. لا تختلف البتة عقلية الانظمة الاستبدادبة عن بعضها البعض وإن اختلف الزمان والجغرافيا. فمنذ سرجون الأول الذي بنى امبراطوريته الأكادية على حساب الشعوب والمجازر التي قام بها، وحتى قوى الهيمنة الغربية (امريكا واوروبا) منها والشرقية (روسيا والصين)، كقوى أساسية باحثة ع النفوذ الامبريالي ومعتمدة على أدوات اقليمية ومحلية لصراع آلهة النفوذ المالي للسيطرة على الكوكب. أدوات كانت ولا زالت تعيش على تنفيذ ما هو مطلوب منها، كي تبقى على قيد حياة السلطة والفساد والاقصاء والتهجير.
تركيا وايران وغيرهما الكثير من الأنظمة الشمولية الأحادية المنطق في منطقتنا عملت كل ما في وسعها من أجل ربط المجتمعات والشعوب بألهة العصر المقنعين بشعارات الديمقراطية وحقوق الانسان من ناحية، وبالدين والقومجية من ناحية أخرى. كان الدين أفضل أداة ووسيلة لذر رماد الجهل والعتمة في عقول القطيع الذي عُميت بصيرته بعدما فقد بصر فؤاده. من الدين الذي استثمروه في بناء أشباه دول وأنظمة فاشلة وهشّة، محتفيةً باستقلالها وسيادتها الوطنية، وخلود زعمائها وعمائمها وعباءاتها، رعاها الله وحفظها.
منذ غزوها واحتلالها المغولي والتتاري وحرقها للمدن والثقافة والانسان، مروراً باستيلائها على الجغرافيا وباسم الدين واعلانها عثمانيتها، وحتى بناء جمهوريتها الاتاتوركية التي بدأت بالمجازر الجماعية بحق الأرمن والكرد والعرب والآشور-السريان والى يومنا هذا واحتلالها لمناطق في شمالي سوريا والعراق وليبيا وأرمينيا، هي نفسها العقلية الطورانية التي لا تقبل بالآخر إلا إذا كان من الخانعين والساجدين لسلطنتها الفاشية والنازية الشعبوية، والمتمثلة بأردوغان آخر من يدعي أنه من سيبعث العقلية العثمانية من جديد بنفس أدوات الدين. على نفس النهج تربعت الأنظمة الاستبدادية على عرش السلطة الذي لا يمكن ان تتنازل عنه ولو كان على حساب قتل الشعوب وتهجيرها أو تدمير المجتمعات ومدنها. هي العقلية الإلغائية نفسها عند معظم الأنظمة الاستبدادية وإن اختلفت النسبة، إلا أن جوهرها لا يتغير مع مرور الزمن. الاصرار على اللغة والواحدة والعلم الواحد والوطن الواحد هو دينها الجديد الذي اخترعته هذه الأنظمة لتبرير مقتلتها وافقارها للشعوب وجعل جلَّ همها البحث عن لقمة خبزها على حساب حرية وكرامة شعوبها.
لم يسلم منها العرب والكرد والأرمن والاشور-السريان ولا التركمان الذين كانوا قرابين على مذبح السلطة الناهبة لساسة وأخلاق المجتمعات. لذا، نرى هذه الأنظمة كيف أنها تتنمر على شعوبها في الداخل وتعمل بهم آلة الحرب والدمار والقتل والتهجير والافقار، لكننا بنفس الوقت نرى نفس الأنظمة كيف أنها تقدم كافة أنواع التنازلات والخنوع وتقبل الذل أمام قوى الهيمنة في الخارج. مثلما حدث ويحدث في سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها من الدول. أي أنَّ هذه الأنظمة السلطوية والفاشية الاستبدادية هي وحش متنمر ذو أنياب على الداخل، بينما تتحول إلى ظاهرة صوتية للخارج لينطبق عليها المثل “اسمع جعجعة ولا أرى طحناً”. زعيقها وصراخها للخارج لا يتعدى البيانات والادانات والوعيد الفارغ تحت مسمى “نحتفظ بحق الرد”.
وحتى ننتهي من الانظمة السلطوية الأحادية المنطق، المقاومة ستستمر بأشكال مختلفة وأساليب شتى ليبقى الهدف دائما بناء المجتمع الانسان الحر. حينها سيكون لكل حادث حديث.

to top