الحدث – القاهرة
انتهت الانتخابات العراقية المبكرة والتي شهدت إقبالاً ضعيفاً من قبل الشعب العراقي الذي لم يعد يثق بالطبقة والأحزاب السياسية التي تناوبت على حكم العراق منذ اجراء أول انتخابات في 2005 وحتى هذه الانتخابات. عقد ونصف والشعب العراقي كان يأمل خيراً بالأحزاب على تغيير الواقع المزري والمشتت المنتشر في العراق، وكل انتخابات لم يكن الحال أفضل عمّا سبقه ولتذهب آمال وطموحات الشعب العراقي أدراج الرياح وتنسى الأحزاب العراقية الوعود التي قطعتها على الناخبين، ولتعود الكرة ثانية إلى التوافق الطائفي والمذهبي والعرقي الذي بات عُرفاً سياسياً لا يمكن الخروج عنه عند تلك الأحزاب.
لم يتغير شيء طيلة فترة غزو العراق ولم تتحسن الظروف المعيشية للشعب، بل تحولت كل أحوال العراقيين نحو الأسوأ بعد كل انتخابات كانت تتم والوعود التي كانت شعاراً لكل طرف ينافس من خلالها الطرف الآخر على مستوى الرياء فيها.
ما يميز الانتخابات الأخيرة ليست نتائجها بقدر ما كان عزوف الشعب العراقي ومقاطعته الانتخاب لمعرفته المسبقة بعدم جدية الشعارات والأهازيج وأنها ستختفي بعد الانتهاء من الانتخابات. والنتائج التي أُعلن عنها كانت صدمة لبعض الأطراف وفرحة كبيرة للبعض الآخر. تصدر الصدريين الانتخابات لم يرق كثيراً لبعض الأحزاب المحسوبة على الجارة إيران والتي كان لها نصيب الأسد من أي انتخابات كانت تجري في العراق. لكن في الانتخابات الأخيرة لم تحصل سوى على الفتات وصدى الأصوات التي حصدها الصدر وليتصدر من خلالها كافة الأحزاب التي كانت يوماً ما تمسك بزمام الأمور في كل واردة وشاردة تحصل في بغداد.
صراع طفا على السطح بعدما كانت ناره متقدة تحت رماد التوافقات السياسوية والحزبوية الطائفية المبنية على الفساد المالي والسياسي فيما بينها. صراع سيطفوا أكثر وليتحول لنار متقدة تنشر لهيبها في كل مكان إن لم يتم تغليب العقل على العاطفة السياسية. صراع ليس بالجديد بل متجذر في وجدان العراقيين منذ قرون خلت وهم ينتظرون الفرصة السانحة ليعلنوا عنها وليخرجوا ما في قلوبهم. صراع ما بين مدينتين تسعيان لتكون إحداهما الرمز في وجدان وضمير من يصطفون ويمشون حفاة يلطمون أنفسهم على ما فعلوه يوماً بخليفتهم الذي قُتل غدراً كما يقولون.
النجف وقمّ، صراع على السلطة الطائفية التي لم ولن تهدأ ناراها طالما بقي من يؤمن بأن التوجه للنجف سيراً وحفاة علّه يخفف من آلامهم ومظلوميتهم. من هي المدينة لها الأحقية في أن تكون المرجعية لهم ومركزاً تُدار منه الطقوس والشعائر والفتاوي وتُجمع الخُمس. إذاً، ما أفرزته الانتخابات الأخيرة ما هو إلا لوحة عن الصراع الشيعي – الشيعي أو صراع ما بين النجف العراقية وقمّ الإيرانية. والسؤال المطروح والذي يمكن أن يغير الخارطة الدينية الطائفية الباحثة عن حقيقتها بعد اغتراب طال كثيراً على يد أهل البيت أنفسهم؛ هل سنشهد حمام دم ما بين الأخوة الفرقاء العراقيين فقط لاختلافهم حول قصة مدينتين؟ وهل سيكونوا وقوداً وقرباناً لتصفية حسابات امتلاك النووي من عدمه ما بين ايران وامريكا ؟
قادم الأيام ستعطينا الجواب الذي ينتظره الكل ويده على قلبه مما ستكون عاقبة تعنت طرف حينما يُشهر سيف الطائفية والمناطقية وليعود العراق كما عهدناه لمستنقع من الدماء لحرب ليست بحربهم، إنما كرمىً لعيون أمريكا وإيران فقط وتنفيذ أجنداتهم لسرقة ما تبقى.
عراق ما بعد الانتخابات لن يكون مختلفاً ومغايراً كثيراً للعراق ما بعد الحرب على أفغانستان. إنها دوامة الحرب والاقتتال نفسها تعيد ذاتها ثانية لنشر الفوضى والاقتتال في المنطقة وكأن أنياب الرأسمالية وقوى الهيمنة وذيولهم في المنطقة لم تشبع مما امتصته حتى الآن. أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي لن تكون هي أيضاً مختلفة عن أفغانستان ما بعد تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك. في أكتوبر من عام 2001 تم اجتياح أفغانستان من قبل أمريكا وقوات التحالف للقضاء على طالبان والقاعدة حسب وصف القادة الأمريكيين الذين اتهموا أسامة بن لادن على أنه العقل المدبر لذاك التفجير، وأن طالبان لن تسلمه لأمريكا كي تتم محاكمته هناك. والذي كان سبباً لاحتلال أفغانستان منذ ذلك الوقت. والحدث الذي تلاه مباشرة في 2003 كان عزو العراق تحت حجة البحث عن أسلحة كيمياوية تهدد مصالح وشعوب قوى الهيمنة. منذ تلك اللحظة وأفغانستان والعراق مرتبطان مع بعضهما البعض. إنها لعبة الاعلام الغربي الذي يعرف كيف يُلهي العالم ويشد انتباه على حدث ثانوي لتكون الضربة في مكان آخر تماماً.
أفغانستان حينما احتلها التحالف الغربي بزعامة أمريكا كانت العتبة التي دخلت منها نفس قوى الهيمنة لتغزو العراق والتي منها بدأ التحضير لثورات ما عُرف بالربيع العربي والمستمرة حتى الآن. اللعبة الآن معكوسة نوعاً ما بالأسلوب طبعاً ليكون الهدف هو هو لم يتغير. الآن كانت عملية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان الذي اعتبرها البعض هزيمة ساحقة للامبريالية وانتصار ماحق لطالبان وأخواتها من كافة التنظيمات الاسلاموية والتي باركت هذا الانتصار لكل القطيع السائر خلفهم.
فرحت الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لم تدم طويلاً لبعض القوى وخاصة إيران وروسيا والصين التي وضعت يدها على قلبها لتدرك أن هذا الانسحاب ليس إلا لعبة أكبر ربما تنشر الفوضى في أسيا الوسطى برمتها، لتلعب أمريكا بالأوراق التي بيدها لتضرب وتتوعد أطراف عدة بنفس الوقت.
سيناريوهات كثيرة يتم تصديرها بين الفينة والأخرى حول صراع محتمل سيكون مركزه أفغانستان لينتقل فيما بعد إلى دول الجوار من دون استثناء. الأيام القليلة القادمة ستجبرنا على متابعة حلقات من مسلسل صراع الجبابرة أو صراع العروش أو صراع الآلهة، كلها مسميات لصراع واحد وهو الصراع على السلطة والنفوذ في العالم. فهل نحن شعوب المنطقة جاهزين لنكون عنصراً فاعلاً في هذا الصراع وعملية التغيير أم أننا سنبقى كما نحن مفعول بهم وفيهم؟