الجمعة 19 أبريل 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : ايران وتركيا وبداية النهاية

الحدث – القاهرة

الأزمة العاصفة التي تضرب قوى الرأسمال العالمي لا زالت مستمرة بكل قوتها وتضرب تلك الدول من كافة النواحي. وهذا ما بدا وضاحاً في قمة العشرين التي انعقدت مؤخراً في جنيف وبعد ذلك قمة المناخ التي تمت في بريطانيا. حيث في القمتين لم يترشح منها الكثير من التوصيات المتوقعة. حيث الخلافات الكبيرة ما بين أمريكا وأوروبا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وكذلك الدول الأخرى مثل السعودية وتركيا وغيرهما، التنافس والتناقضات بينهما أكثر بكثير من التوافقات التي يمكن أن تحصل بين الجميع. ربما تكون حالة السقوط الاقتصادي والمالي التي تعصف بهذه الأطراف هو ما يظهر على العلن وفي وسائل الاعلام، لكن أصل الخلاف الفكري والذهنية التي وصلت لطريق معقد جعلت من حل القضايا العالقة بينهم صعبة جداً.
بعيداً عن الصور التذكارية البروتوكولية المصاحبة لهاتين القمتين والابتسامات الخفيفة أمام عدسات الكاميرات، إلا أن ما يختبئ خلف هذه الابتسامات الكثير من المشاكل والتناقضات الفكرية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. خروج تركيا من أول قمة وعدم حضورها لقمة المناخ في بريطانيا يوضح حجم التناقضات ما بين هذه الأطراف وحتى زوال أهمية ووظيفة تركيا من أنها مهمة في المستقبل ولم تعد كما كانت الخندق الأمامي لمواجهة الاتحاد السوفيتي. كان لديها وظيفة وهي نشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وقامت بها على أكمل وجه، وما تبقى من وظائف ليست بتلك الأهمية التي كانت تحظى بها تركيا كما السابق.
ربما بقي أمام تركيا توزيع المرتزقة من الإسلاميين في آسيا الوسطى من داخل أفغانستان وكذلك في أوكرانيا على حدود روسيا آخر الأسلحة أو الوظائف المتبقية أمام أردوغان كي يقوم بها وينتهي دوره. وربما يسعى أردوغان كي يقدم نفسه كأداة لقوى الرأسمال من أجل محاصرة إيران وتحجيم دورها، إلا أن أمريكا لا تثق كثيراً بأردوغان من هذه الناحية، حيث لها تجارب منه حينما أرادات احتلال العراق، ووقتها رفض البرلمان التركي فتح المجال أمام قوى التحالف لاستخدام الأراضي التركية، مما دفع بقوات التحالف استخدام الكويت والمجال الجوي في إقليم كردستان العراق. ونفس الأمر بالنسبة لسوريا كان موقف تركيا سلبياً ما عدا أن تقوم تركيا نفسها بدعم المرتزقة وعدم السماح لقوات التحالف باستخدام الأراضي التركية لمحاربة داعش في 2014. كل ذلك أمريكا والتحالف والناتو لم ينسوا مواقف تركيا، وهذا ما يعرفه أردوغان جيداً وقاله مرات عدة في الاعلام أن في نهاية الأمر سوف يعملون على تفكيك تركيا، وهو ما يريد تجنبه حتى تنتهي ولايته على تركيا.
لذا، ربما تكون اللعبة التي يقوم بها أردوغان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والبحر المتوسط قد قاربت على الانتهاء، ومن أجل استنفاذ تشغيل أردوغان واستخدامه كورقة لآخر لحظة يغضون النظر عن حربه مع الكرد وخاصة في شمالي كردستان وجنوبي كردستان وسوريا وروج آفا، والحركة التحررية الكردستانية على وجه الخصوص. وهذا ما يبدو واضحاً من الصمت الذي تبديه قوى الرأسمال العالمي من استخدام الجيش التركي الأسلحة الكيمياوية في حربها مع قوات الكريلا من جهة واستمرار فرض العزلة على القائد آبو. أي أن هذه القوى تسمح لأردوغان بأن يعمل ما يشاء ضد الحركة التحررية الكردستانية على عكس باقي المناطق التي كان ينشر فيها الفوضى والمرتزقة. الميدان الوحيد هو الكرد فقط أمام أردوغان حتى تنتهي وظيفته الموكل بها، وهذا ما يخشاه أردوغان كثيراً في أن تنتهي هذه المهمة قبل عام 2023، وهو العام الذي يمر فيها المئوية على انهيار الخلافة العثمانية وتشكيل تركيا، والذي يسعى فيها أردوغان كي يعيد تلك الأمجاد ثانية. وهو ما يصطدم بأجندات ومخططات قوى الهيمنة الرأسمالية العالمية والتي لن تسمح لأردوغان بأن يعيد تكرار التاريخ الذي مضى عليه قرن كامل. بل ستسعى للاستفادة من منه على أكمل وجه وخاصة من أجل إيران.
لا الوضع الاقتصادي ولا السياسي ولا حتى الاجتماعي الداخلي في تركيا سيسمح لاردوغان بأن يفعل ما يريد، حيث المشاكل الداخلية التي تعصف بتركيا أكبر بكثير من أوهام وأحلام أردوغان وأن قوى الرأسمال الدولي ليست مستعدة كما السابق في تقديم الدعم الاقتصادي والمادي والإعلامي والدبلوماسي لأردوغان وتسويقه في المنطقة. لهذا نرى أردوغان يعيش الآن حالة من الجنون بكل معنى الكلمة وهو الذي يثير الخوف أيضاً بنفس الوقت من قيامه ببعض الأفعال الجنونية وخاصة في محاربته حركة التحرر الكردستانية والكرد عموماُ. الحملة العسكرية المستمرة منذ شهور في جنوب كردستان لم تصل لأهدافها كما كان يتوقعونها، حيث مقاومة الكريلا أفشلت تلك المخططات التركية والمرتزقة الذين يساندون الجيش التركي في هجماته هذه. لهذا ربما نرى في قادم الأيام وحشية أكبر من قبل الجيش التركي من الناحية العسكرية وكذلك جنون كبير من الناحية السياسية لقمع المعارضين له في الداخل التركي ريثما يصل لأهدافه.
تحالف أردوغان ودولت يخجلي لن يدوم طويلاً وأكثر مما كان. إذ، أوصل هذا التحالف الفاشي إلى هذه النقطة وهم عاجزين عن الاستمرار في تحالفهم هذا نتيجة الفشل الذي يلاقونه، سواء أكان داخلياً أو من الخارج. حيث أن الأوضع ربما تصل لفوضى داخلية تضرب تركيا وتنتشر الفوضى فيها نتيجة السياسات الخاطئة والفاشية التي يقوم بها هذا التحالف الفاشي والتي ربما ستكون نتائجها كارثية على تركيا أولاً وأخيراً.
من ناحية ثانية والملفت للانتباه أنه قبل عدة أيام ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي سراً إلى أذربيجان وبنفس الوقت ذهب أردوغان لهناك ومن المؤكد أنهم اجتمعا مع بعض للتباحث حول كيفية استخدام الطرفين الأراضي والأجواء الاذرببيجانية لاستنزاف إيران أو توجيه ضربة استباقية لها لخلط أوراق المنطقة ونشر الفوضى أكثر مما هي موجود بالأساس، وعلينا ألا نغفل بالتوافق التركي والإسرائيلي لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وأن ذلك ليس وليد اليوم بقدر ما هو الوظيفة الأساسية لتركيا في حماية أمن إسرائيل بالدرجة الأولى. حيث كان هناك مطار وقاعدة عسكرية من أيام الاتحاد السوفيتي في أذربيجان وهي قاعدة كانت مهجورة ولا يوجد فيها أحد، إلا أن إسرائيل أخذت هذه القاعدة وأعادة بناءها وتجهزيها ووضعت فيها الكثير من طائرات من دون طيار ومنظومة رادارات للتجسس والتشويش وكلها موجهة إلى إيران. التعاون ما بين الطرفين من أجل ايران مستمر وخاصة في استخدام هذه القاعدة وتجهيزها وبعدها مباشرة خرج الرئيس الاذربيجاني على الاعلام وهو يرتدي الزي العسكري ويركب مدرعة عسكرية على الحدود مع إيران، وكأنه يريد ارسال رسالة مفادها أننا جاهزين لمواجهة إيران. وربما ما حدث أمس في المنشأة النووية الإيرانية في “نطنز” يثير التساؤلات كثيراً عن دورهما في هذه الحادثة والتي لم يفصح أحد عنها حتى الآن.
اضعاف ايران واشغالها في هذه الجبهة من أجل استنزافها وإلهائها عن باقي الجبهات وخاصة حدودها مع أفغانستان والتي تم اشعالها قبل أيام في محاولة لطالبان للسيطرة على بعض القرى هناك، ما هو إلا بداية لمسلسل سنتابع حلقاته الطويلة والمملة والمثيرة بنفس الوقت لأفول دولة أخرى من دول المنطقة والتي بدأت حلقاتها الأولى منذ ما سمي بالربيع العربي والمستمرة حتى وقتنا الراهن. وعلى ما اعتقد أن المشكلة الحاصلة الان ما بين لبنان والسعودية حول وزير الاعلام (جورج قرداحي)، ليست سوى شماعة للضغط على لبناان لتغيير مساره نحو الدول العربية وفك ارتباطه مع ايران ليس إلا. أي أن المشكلة الأخيرة التي حصلت في لبنان ليست لها أي علاقة بشخص الإعلاميين الذين تم التشهير بهم إن كان من السعودية (جورج قرداحي) أو من قبل تركيا، بقدر ما تم استخدامهم كوسيلة للضغط على صناع القرار في لبنان لتغيير البوصلة، وهذا ما تم استشفافه من زيارة ماكرون إلى السعودية لحلحلة هذه الأزمة مع حفظ ماء وجه كافة الأطراف.
الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه تركيا الان بكل تأكيد له أسبابه الداخلية والخارجية المرتبطة بسياسات أردوغان الفاشلة في المنطقة، لكن بنفس الوقت علينا ألا ننسى ضغط قوى الرأسمال الدولي على تركيا لتغيير بعض سياساتها التي خرجت عمّا هو مسموح بها وتجاوزها للخطوط الحمر من قبل تعنت أردوغان في إحياء العثمنة الجديدة في المنطقة. هي نفسها القوى التي جاءت بأردوغان ودعمته مالياً وسياسياً لتجعل منه ومن تركيا انموذجاً يحتذى به لتمرير مشروع الإسلام السياسي في المنطقة. وها هو انتهى دوره الوظيفي والأداتي بالنسبة لنفس القوى التي ستعمل الان على تنحيته بعدما ينفذ ما بقي له من أجندات إن كان في أوكرانيا أو أفغانستان وكذلك إيران، ولتكون الضربة القاضية لتركيا وايران بنفس الوقت والتي ستعيد تشكيلهما في قادم الأيام بنفس الآلية التي شكلتهما في بداية الحرب العالمية الأولى.

to top