الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : حينما استباح المنافقون الدواعش وطني

الحدث – وكالات

كثيرة هي المآسي والويلات التي تجعل الوطن يئن مفجوعاً لما حلَّ به من فواجع تجعله يبكي ألماً ويعلن الحداد على وصل إليه الانسان لدرجة أنه لم يعد هذا الوطن يعني له شيئاً و/أو كأنه وسيلة تم استخدامه للوصول إلى غاية ما. وربما يكون لهم الوطن عبارة عن أي شيء يمكن الابتعاد عنه وعدم الارتباط به فقط لأنه وفق أوهامهم ليس إلا عن حضّانة قامت بدورها المغذي وينتهي دورها بانتفاء الحاجة له. هكذا هي ماهية بعض الشخوص التي لا تعير أي اهتمام بالذاكرة الحية للإنسان الذي لا يمكن له أن يعيش التاريخ على أنه المعلم والنهر الجامح الذي يوجه الأحفاد نحو الطريق السليم، مستفيداً من العثرات والعراقيل التي لاقاها أثناء مسيرته الحياتية. وبنفس الوقت ثمة مجموعة من الناس تعي جيداً ماهية الوطن وتلك البقعة من التراب التي ولِدَ عليها وفيها زرع بها أولى بكائياته وصراخه لترتد له صدىً يعلمه الارتباط بالمكان والذي ستتراكم لتغدو الذاكرة الجمعية له.
صراع ما بين الذاكرة الجمعية للإنسان والتي جعلته يعيش المجتمعية التراتبية لتكوّن أولى الخلايا المجتمعية والتي انطلقت منها القوة المحفزة للفكر لاكتشاف “مغامرة العقل الأولى” كما سمّاها فراس السواح، والتي كانت السبب لما نعيشه الآن من وعي وتطور فكري وعلمي وثقافي وتكنولوجي، وبين واللا شيء بالنسبة للآخر الانسان الذي لا تهمّه تلك الرابطة المجتمعية ولا فضول العقل للمعرفة ولا للوعي، محاولاً بكل عجرفته الفردانية أن يبقى ذاك الذي يعيش على هامش الحياة والمجتمعات منتظراً أن يعتاش على ما يلقيه الآخرون من فتات المعرفة الضحلة والكلمات الفارغة المعنى، ليتلقفها وكأنها الحقيقة بالنسبة له.
صراع ابتدأ منذ الأزل ولربما سيمتد كثيراً ولما شاء الرب حتى يحين وعده الحق في وضع الميزان ليلقى كل طرف وفرد ما عملت يداه في صراع على أمرٍ جدّ بسيط لا تكلفة له سوى بالعودة إلى الذات والابتعاد عن الاغتراب المجتمعي والارتباط بالذاكرة الاجتماعية وتراكماتها المعرفية كما كان باللوح المحفوظ. صراع تحول لمعارك وحروب ما بين الانسان والانسان فقط ليُثبت كل طرف أنه يمتلك ناصية الحقيقة وأن الطرف المقابل ليس إلا جاهلاً وعدوِ نفسه، لتتكرر تراجيدا “هابيل وقابيل” بألف وسيلة للقتل والدمار والحرق والنحر والفساد والتهجير، فقط لتستمر الحياة بثنائيتها القاتلة للطرفين ولتحتدم أكثر فأكثر مع التطور التقني لأدوات القتل النفسي والجسدي، والتي نعايشها ونحن في القرن الحادي والعشرون، التي لا تقِلُ رُعباً عن سابقاتها من أدوات الترهيب على زمن المغول والتتار وأحفادهم العثمانيون راهنناً.
لطالما كان من يتشبثون باللهث وراء السلطة والمال والقوة يمتلكون أدوات الترهيب تلك يرعبون بها كل من لا يفسحون لهم المجال لإشباع جشعهم ونهمهم، فينهب كل ما تطاله أيديهم من خيرات ومال وأفكار من كلمات ومعاني ومصطلحات لينسبوها لأنفسهم، وكأن الفلسفة والعلم والمعرفة قد بدأت من عندهم فقط، وكل ما ينافي ذلك ما هو إلا هراء معرفي ينبغي على الكل الابتعاد عنه.
صفات عديدة تم إلصاقها بهذه الفئة عبر التاريخ إن تم وسمهم بالمنبوذين والمهرطقين والخوارج والكفرة والمنافقين، والآن هم العملاء والخونة والعبيد والمستسلمين والخنوعين والبيادق والأقلام المأجورة. صفات كثيرة تعدت التسعة والتسعين صفة لخالق الكون الذي لا يضاهيه أحداً، إلا من تكبر وتجبر على الرب حتى بزيادة الأسماء والألقاب والأوسمة التي لا تزيدهم سوى نفاق ورياء.
مسوخ وأشباه بشر يمتلكون المال والسلطة وأدواتها روجوا للظلم بأنه متعة للحياة وللفساد بأنه ذكاء وفهلوة وللكذب على أنه دهاء وللسرقة على أنها من فضل ربي، لتطول القائمة التي باتت وكأنها نزلت مع الوصايا لتكون الحادية عشرة، حتى تستطيع أن تعيش في هذه الحياة التي رسموها لنا ويريدوننا أن نتقبلها على أنها قضاء وقدرٌ وعلينا الايمان بها.
بكل تأكيد إنه صراع ما بين الخير والشر، النور والظلام، الجنة والنار، الصديق والعميل وباقي الثنائيات التي لا زلنا متمسكين بها، لأنه لا منطقة وسطى ما بين الجنة والنار إلا لهؤلاء الأعراب المنافقين الذين يسعون بأن يمسكوا العصى من الوسط. وذكرهم الله عز وجلّ في كتابه: (ٱلْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا) التوبة – 97، ذلك لأنهم بعيدون عن التفرقة ما بين الخير والشر وبعيدون عن معرفة القوانين الأخلاقية والنواهي. ولأنهم يمتلكون خصائص متطبعة فيهم فقط حيث أنهم يحبذون لطافة الطبع والخنوع والانقياد للأقوى، ويحرصون على جمع المال بقربهم من بيده السلطة. والى الان نراهم في كل مكان يعيثون فساداً في وقتلاً وتهجيراً ودماراً في المجتمعات التي يدخلونها و/أو يحتلونها، كما فعلوا في عفرين وسري كانية/رأس العين وكري سبي/تل أبيض وإدلب في شمالي سوريا. نفس الأمر يتكرر إن كان في ليبيا واليمن والعراق ولبنان وأرمينيا وأفغانستان. بلدان أنهكتها الحروب وجعلت من شعوبها قرابين لمصالح وأجندات القوى الدولية الإقليمية وكذلك الأعراب المنافقين الذين استباحوا وطني وبلدان الشعوب الأخرى.
ما تعيشه هذه المدن من نفاق ورياء قوى الهيمنة الإقليمية والدولية أكثر ألماً وحسرة وظلماً من فاجعة القتل بحدِ ذاتها، لأنها تريحه من العذاب الذي يعيشه على أقل تقدير كما يقال، لكن نفاق تلك الطبقة ليس له حدود وعابر للقارات والقوميات بنفس الوقت. بكل تأكيد لا يمكن لهؤلاء الاعراب ان ينتشروا في أي مكان وينشروا الفساد إن لم تكن ثمة قوة تدعمهم وتساندهم وتمولهم مادياً ولوجستياً واعلامياً.
الكل متفق على إرهابية داعش والفصائل المتطرفة بغض النظر عن اسماءها والمنتشرة في كل مكان تقريبا تتربص الوقت كي تكشر عن أنيابها الوحشية للانقضاض على الشعوب والمجتمعات لتنهش فيهم وتقطعهم إرباً كرمىً لعيون خليفتهم أو ممولهم. وما حصل في الحسكة المدينة السورية من محاولة الهروب لعناصر داعش الإرهابيين من السجن، ما كان هذا الأمر ليتم بقوتهم الذاتية، إن لم يكن هناك من يقدم لهم الدعم والمعلومات، ليعيدوا نشر هذه الفئة الضالة في ربوع جغرافيا ميزوبوتاميا (سوريا والعراق) ثانية ليحرقوا ويدمروا ما تبقى، ما كان لهم أن يفكروا بالهروب لولا الدعم الذي يتلقونه من الدولة التركية وأردوغان خليفتهم المنتظر وكذلك قوى الهيمنة التي تحاول قطع ذنب داعش الأفعى لتُبقي على رأسه حراً عند أردوغان يرضعه من نفاقه ووحشيته الفاشية الدينوية والقومجية.
وبحساسية نابعة من عمق جغرافيا وتاريخ وثقافة شعوب المنطقة كان رد قوات سوريا الديمقراطية قوياً ليقوض ويفشل ما أرادوه جحيماً على المنطقة أجمع. هذه القوات المؤلفة من كافة شعوب المنطقة متسلحة بفكر ووعي عميق يمتد جذوره لكافة الثقافات الحية والمنبعثة من جديد لتكون هي صاحبة هذه الجغرافيا ولتكون من جديد المهد الذي علم الآخرين معنى الحضارة والإنسانية والأخلاق والصداقة والتضحية وكافة العلوم.
الأعراب ليس لهم علاقة بالقومية أو الدين أو العرق بكل تأكيد، لأنها صفة وخصوصية يحملها الانسان أينما كان وعاش، ولتتشابه عندهم تلك الغرائز ويجتمعوا على طاولة واحدة لينفذوا أطماعهم وسرقاتهم وليزينوها بعد ذلك بمعسول الكلام عن الايمان والله والديمقراطية وحقوق الانسان، وقلبهم المفجوع على أشبال خلافة داعش اللقطاء. وبنفس الوقت ليشربوا نخب النصر أمام آلاف القرابين من الشعوب والأطفال الذين يتم تقديمهم أمام مذابح الرأسمالية الناهبة ليس فقط لخيرات الشعوب، بل أيضاً لحياتهم وذاكرتهم. لربما يكون الاعرابي كردياً جيداً أو عربياً أو تركياً أو فارسياً أو أمريكياً أو أوروبياً، سنياً أو شيعياً وعلوياً أو مسيحياً أو يهودياً، فكل من يحمل في قلبه ضغينة القتل من أجل الأنا الفردانية على حساب الكل المجتمعية، لا بدَّ أن يكون أعرابياً أشد نفاقاً من غيره.
فالذي قتل هابيل هو نفسه الآن يعيش في وسطنا يقتل الانسان والشعوب ويدمر المجتمعات والثقافات فقط كي يحيا هو ويكون من المخلدين. فلا فرق بين قابيل القاتل وبين أردوغان ومن سبقه من حكام تركيا والعثمانيين، وكذلك لا فرق بي قابيل وبين أي شخص أو طرف يدعم

ويمول داعش وباقي الفصائل المتطرفة أينما كانت في العراق وسوريا وليبيا وأرمينيا واليمن والسودان وأفغانستان والآن أوكرانيا وغيرها من البلدان المستهدفة من قبل “قوابيل” (جمع قابيل) العصر.
هم نفسهم من عمل على اعتقال السيد أوجلان ورميه بالسجن منذ أكثر من عقدين من الزمن فقط كي يحافظوا على هيمنتهم ونهبهم وسلطتهم على المجتمعات والشعوب تارة باسم الدينوية المتطرفة والعصبية القومجية، وتارةً أخرى باسم الديمقراطية وحقوق الانسان والأطفال اللقطاء من زوج النكاح الداعشي.
فلسفة أوجلان التي عبَّر عنها في اخوة الشعوب والعيش السلمي ما بين كافة الأعراق والقوميات والديانات على أساس بناء المجتمع والانسان الحر، كانت صدمة لهم في أنه يحاول زعزعة نظام الهيمنة الذي يقتاتون منه جشعهم السلطوي والمالي منذ آلاف السنين. صراع فكري ما بين فلسفة أوجلان التي تعتمد سياسة “الكل مع ومن أجل الكل”، وبين فلسفة قوى الهيمنة الغربية التي تعتمد سياسة “الكل يقتل الكل، فرق تسد”.
صراع لربما يستمر حيناً حتى يتم تحجيم دور الأعراب في المجتمعات وعزلهم في بيئتهم الخاصة بهم وعدم تركهم يسرحون ويمرحون أينما وكيفما شاؤوا، وهذا يحتاج لتضافر وتعاضد كافة الشعوب مع بعضها البعض حتى يتسنى لهم العيش بكرامة في وطن هم أصحابه وليس من استباحوه، ويكون شعارهم “حب الله الذي يحرك الشمس وجميع النجوم” هو من يحرك مشاعر الحب والاحترام وشعور الكرامة لدينا وليس بغض وكراهية ونفاق الأعراب الذين استباحوا وطني.

to top