الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

محمد أرسلان يكتب : «كابول».. انتعاش الإسلام السياسي

الحدث – القاهرة

منذ عشر سنوات وتركيا كانت المرتع والملاذ الآمن لكل ارهابيي العالم الذين توجهوا إليها من كل فجٍّ عميق لإعلاء كلمة الله في سوريا والعراق وليبيا وأرمينيا، بمباركة خليفتهم المزعوم أردوغان الذي خدعهم ببعض الكلمات المعسولة في الدين والتدين والشعارات الرنانة لها. عقد من الزمن والسذج من رعايا جماعة الاخوان المسلمين وباقي الأسماء يئمون شطر تركيا ليمنحهم أردوغان الشفاعة والبركة والجنة التي كانوا بها يوعدون. ويمكن القول أن أردوغان قام بعمله بشكل متقن وعلى أكمل وجه خدمة للأجندات المطلوبة منه طيلة السنوات المنصرمة.
الآن وبعد كل الحروب التي افتعلها أردوغان والفوضى التي نشرها في دول ومناطق عدة، سقط القناع عن وجهه وبانت حقيقته للقاصي والداني في أنه مثلهم ليس إلا أداة بيد الغرب وينفذ ما هو مطلوب منه فقط وأنه ليس له علاقة لا بالدين ولا بالقومية وسى التشبث بالسلطة التي كانت على حساب كافة الأدوات التي استخدمها لمآربه الخاصة تحت عناوين شتى. تعليق دور أردوغان في الوقت الراهن ليس معناه أن دوره قد انتهى وانتهت الحاجة له، بل على العكس ما هي إلا مرحلة إعادة خلط الأوراق من جديد وتجديد الوظيفة له ليتحول بها أردوغان من أداة إقليمية نحو أداة دولية متجهة هذه المرة نحو وسط آسيا، الذي لطالما كان يحلم به أردوغان منذ سنوات عدة في أن يصل لتلك الجغرافيا.
أفغانستان التي ستعود إلى وظيفتها الأساسية في تفريخ وتصدير الإرهابيين والمرتزقة من كل العالم، كان لا بد من القوات الأمريكية والأخرى من الخروج لتمكين طالبان من أن تلعب دورها بشكل يليق بالوظيفة التي تم منحها إياها. طالبان التسعينيات ليست كما هي طالبان في الألفية الثانية وهي ليست طالبان في العشرية الثانية من الألفية الثانية. لكل مرحلة طالبانها الخاصة بها، مثلما كان لكل مرحلة أردوغانها الخاصة بها. هي الأدوات نفسها ولكن تتغير سلوكها وطريقة تفكيرها مع الاحتفاظ بجوهرها الحقيقي القميء الذي يستفرغ كل ما هو قبيح من أفكار وفتاوي وإن غيرت ثيابها وطريقة خطابها. لكن يبقى الجوهر على ما هو عليه على طبيعته كما تم تشكيله من قوى الهيمنة الغربية الناهبة لخيرات المجتمعات والشعوب.
تركيا وأردوغان اللذين كانا العنوان الأبرز في نشرات الأخبار طيلة العقد الأخير، وصورة أردوغان التي احتلت صدر الصفحات الورقية المحلية والإقليمية والدولية طيلة هذه المدة، كانت كافية بأن يتم توجيه مهمته نحو المرحلة الثانية من الفوضى الخلاقة والتي ستتجمع في أفغانستان لتعود ثانية إلى العراق ولبنان وتنتشر في إيران والصين وروسيا، وكأننا نعود إلى نقطة البداية في حرب قوى الهيمنة الغربية في بدايات الألفية الثانية حينما أعلنت الحرب على أفغانستان بحجة الإرهاب وليليها العراق مباشرة. هل سيكون العراق هو الوجهة الأولى لهذه الفوضى وتبدأ مرحلة إعادة الحسابات من جديد على كل الأطراف التي كانت تتصارع وتتناحر في العراق طيلة العقدين السابقين ولتخلو الساحة العراقية من كافة الأطراف إلا القوى الغربية التي لا زالت عينها على أرض الرافدين.
بكل تأكيد تداعيات الزلزال الافغاني لن يبقِ محصوراً مكانه بل سيكون له ارتدادات قوية جداً على دول الجوار وحتى البعيدة من أفغانستان. ارتدادات فكرية أكثر ما هي جغرافية كما يظن البعض. حيث مسرحية انسحاب الجيش الأمريكي والقوات الأخرة بهذا الشكل المهين لإيماء العالم بانتصار طالبان، ربما لمنح جماعات الإسلام السياسي بمختلف مسمياتها وأخواتها قبلة الحياة على أنها انتصرت على الكفار. هذا الانتصار الشكلي الذي يبحث عنه السذج من القطيع الذي يسير خلف الاخوان المسلمين وباقي الفصائل والجماعات الإسلامية المتطرفة والمدعية الوسطية منها. لذا، نرى الصين وروسيا وتركيا والكثير من الأحزاب والفصائل الإسلامية باركت هذا الانتصار لطالبان وشبهته بـ “النصر المبين” و “فتح مكة”. هو نفس التشبيه الذي أطلقه نفس السذج على أردوغان حينما حوّل كنيسة “آيا صوفية” إلى مسجد وشبهوه بالفتح المبين. هم نفس الأدوات الذين يعزفون نفس السمفونية الدينية القميئة في تأليه الشخوص والخنوع لهم.
أمام هذا المشهد القاتم الذي ننتظره كي يفرش ظلامه على المنطقة كما فعلت داعش من قبله، ليس على المجتمعات والشعوب إلا أن تتحد مع بعضها البعض وألا تنتظر الدعم من الخارج الذي لا يهمه سوى أجنداته ومصالحه ولتذهب كل الشعوب والمجتمعات إلى الجحيم. لا روسيا ولا أمريكا ولا الصين ولا غيرهم سيكونون السند الأساسي لصد أي هجمات لهذه الجماعات الظلامية مهما كان اسمها. كلنا سمعنا وقرأنا على الاتفاقات واللقاءات التي جرت مع طالبان من قبل هذه القوى الكبيرة إن كانت أمريكا وروسيا والصين وبكل تأكيد أن هذه الدول لن تلتفت لصرخات الشعوب وصوت السكاكين وطالبان تجز رؤوسهم ولا صرخات المغتصبات، لأن صوت المصالح الاقتصادية عندهم سيصمّ آذانهم ويُعمي بصيرتهم. ولنا فيما حصل في العراق وسوريا وليبيا دروس وعبر لمن ينتظر الدعم والمساندة الدولية أو حتى المؤسسات الحقوقية الدولية. كل ذلك لا يهمها أبداً سوى مصالحها وأن يستمر تدفق الأموال عليها.
التكاتف المجتمعي والتلاحم الشعبي في المنطقة ربما يكون السلاح الأخير الذي بمقدور الشعوب من خلاله الحفاظ على بقائها والخروج بأقل الخسائر الممكنة من هذه الفوضى المنتشرة في المنطقة وغير المعروفة متى ستنتهي. فلسفة الأمة الديمقراطية والتعيش الأخوي التي طرحها السيد أوجلان ربما تكون البديل الحقيقي لبناء المجتمع والانسان صاحب الإرادة الحرة، المقاوم لكل ترهات الحداثة الرأسمالية وعشوائياتها الاستهلاكية التي تطرحها على أنها الحل للمعضلات التي نعانيها. فلا اختلاف كبير بين من صنع طلبان وداعش والاخوان المسلمين وكورونا والايدز والسرطان، فكل ذلك أدوات للقضاء على المجتمعات وجعلها تحت رحمة ما تنتجه المصانع من أدوية لتبيعها من أجل الربح والربح فقط. الثورة الذهنية التي نحن بحاجة ماسة لها بقدر حاجتنا للهواء والماء والطعام. هذه الثورة التي من خلالها سنتحرر من الكثير من المفاهيم والمصطلحات الغربية عنّا التي تم حقننا بها من قبل العلوم الرأسمالية التي سيطرة على كافة العلوم وجعلتها قطاع سلطة تستطيع من خلاله السيطرة على المعرفة في العالم.

to top