هناك أزمة كبيرة يواجهها النظام الدولي وليس المنطقة فحسب، جراء وجود 65 ألف رجل وامرأة وطفل تربطهم صلة بـداعش من أكثر من 60 دولة.

رغم هزيمة «داعش» في العراق وسوريا قبل أعوام، فإن التنظيم الإرهابي ما زال خطرًا على المنطقة، بعمليات تشنها «الذئاب المنفردة»، وبآلاف المحتجزين في السجون وفي مخيمي الهول وروج.

فما يقرب من 10 آلاف شخص، من أكثر من 60 دولة خارج سوريا والعراق، ما زالوا في مخيمي الهول وروج للنازحين شمالي شرق سوريا، في أرقام وُصفت بأنها «قنابل موقوتة»، أثارت مخاوف متزايدة من أن تفرز جيلًا جديدًا من المقاتلين الأجانب، يمهد الطريق لعودة داعش في المنطقة.

هؤلاء تكمن خطورتهم في النزعة الانتقامية، كونهم عاصروا هزيمة داعش جغرافيًا علي يد قوات التحالف، وعاشوا مرارة الهزيمة وأهوال الحرب، بشكل ولد لديهم نوعًا من الثأر، إضافة إلى أن تلك المخيمات أكثر عرضة لمحاولات داعش لتحرير المنتسبات من النساء اللاتي يمكن أن يشكلن نواة مثالية لخلايا إرهابية أكبر خارج المخيم.

وبينما بُحت الأصوات الغربية بضرورة إعادة المقاتلين الأجانب وأسرهم إلى أوطانهم ودمجهم، كانت تلك الأزمة معقدة ومثيرة للجدل، بعد تردد بعض الدول في إعادة مواطنيها الذين سافروا للانضمام إلى النزاعات الأجنبية.

إلى ذلك، قال الخبير في الشأن السوري صلاح ملكاوي، في تصريحات لـ«السياق»، إنه كان المتوقع أن تندثر بقايا داعش وتدفن تحت أنقاض قرية الباغوث عام 2019، إلا أن القبض على آلاف المسلحين المنتمين إلى التنظيم، إضافة إلى 60 ألف طفل وامرأة، وإيداعهم مخيمات الهول والروج شمالي شرق سوريا، كان مفاجأة.

وأوضح الخبير في الشأن السوري، أن هناك أزمة كبيرة يواجهها النظام الدولي وليس المنطقة فحسب، جراء وجود 65 ألف رجل وامرأة وطفل تربطهم صلة بـ«داعش» من أكثر من 60 دولة.

وطرح ملكاوي مثالًا بمعتقل غوانتانامو، في محاولة لكشف حجم الأزمة، مشيرًا إلى أن السجن الأمريكي الذي سخرت له إمكانات أكبر دولة في العالم، وأقيم في جزيرة نائية ليضم فقط 780 شخصًا لعلاقتهم بتنظيمات إرهابية، ما زال فيه أكثر من 30 معتقلًا، رغم مرور 21 عامًا على افتتاحه.

780 شخصًا في سجن مزود بكل الإمكانات، مقارنة بمخيمات تضم بين جنباتها 65 ألف رجل وامرأة ممن يحملون فكر «داعش»، يكشف حجم الأزمة التي يقف أمامها العالم، بحسب الخبير في الشأن السوري، الذي حذر من أن تباطؤ معدل إعادة أبناء «داعش»، يعني أن هؤلاء سيبلغون مرحلة منتصف العمر وقد نشأوا على الأفكار «الإرهابية».

وأشار الخبير في الشأن السوري إلى أن التحدي يكمن في تسريع عملية إعادة هؤلاء الأطفال والنساء إلى دولهم بالشكل المناسب، حتى يصبحوا فاعلين ومؤثرين في مجتمعاتهم بطريقة إيجابية، ولا يتركون عرضة لمسح الأدمغة والتجنيد ليكونوا جيلًا قادمًا أكثر عنفًا.

وعن أبناء الدواعش من العراق، قال ملكاوي إن بغداد تتحرك بفاعلية لإعادة مواطنيها من مخيمي الهول وروج، إلا أنه قال إن وتيرة إعادة 50 عراقيًا فقط، إضافة إلى 550 امرأة وطفل، كل 6 أسابيع، تعني أن بغداد تحتاج إلى 6 سنوات لإعادة 25 ألف امرأة وطفل عراقي وآلاف المقاتلين.

وفي ما يتعلق بالسوريين في داعش، أكد الخبير في الشأن السوري، أن الأمر يتعلق بـ12 ألف طفل وامرأة سوريين، يعدون التحدي الأكبر والأخطر، بحسب مسؤولين في أمريكا وسوريا الديمقراطية.

وبحسب مصادر لـ«السياق»، فإن بعض العاملين في المنظمات الإغاثية بمخيمات الروج والهول، يتلقون تهديدات بالاعتداء عليهم من هؤلاء الأطفال والنساء، بخلاف التعدي عليهم بالحجارة أحيانًا، مشيرة إلى أن هذه المخيمات وبعض السجون التابعة فيها، تعرضت مرات عدة لهجمات، في محاولة لتهريب المعتقلين فيها من داعش.

 

العنف الراديكالي

من جانبه، قال مؤسس الجبهة الوسطية، الخبير بشؤون الحركات الجهادية صبرة القاسمي، في تصريحات لـ«السياق»، إن تنظيم داعش، هو الأخطر عالمياً في جيل تنظيمات العنف الراديكالي أو الجهادي خلال الـ100 عام الماضية، مشيرًا إلى أن خطره لن يزول بسهولة.

وأوضح الخبير في شؤون الحركات الجهادية، أن هناك 3 أجيال خطرة لتنظيم داعش، الأول يسمى «جيل الآباء أو المؤسسين الأوائل»، وهم الذين وضعوا الأسس التي استند إليها فكر التنظيم، مشيرًا إلى أن هذا الجيل هو الأخطر على الإطلاق، كونه رسم الطريق الذي تسير عليه العقيدة القتالية والخطط المستقبلية للتنظيم.

أما الجيل الثاني، الذي وصفه بـ«الأكثر تشعبًا»، فينقسم بدوه إلى أقسام: الأول الذين عاصروا جيل الآباء من الخلايا النائمة في سوريا والعراق، والذين بدأ خطرهم يتصاعد بعد انسحاب قوات التحالف الدولي.

وفي ما يتعلق القسم الثاني من هذا الجيل، فهم الذين بايعوا التنظيم وفتحوا جبهات للقتال في إفريقيا مثل مالي والنيجر ونيجيريا والسنغال، بحسب القاسمي الذي قال إن القسم الثالث، يتمثل في المحتجزين بمخيم الهول، والمعتقلين بالسجون السورية والعراقية.

وأشار الباحث في شؤون الحركات الجهادية، إلى أن مخيم الهول يضم زوجات أعضاء التنظيم من جيل الآباء وأبنائهم، الذين بلغ عدد منهم سن الشباب (18 عامًا)، محذرًا من أنهم الامتداد المستقبلي لفكر داعش لسنوات مقبلة.

تكمن خطورة هذه المجموعات -بحسب القاسمي- في «النزعة الانتقامية»، لمعاصرتها هزيمة داعش جغرافيًا على يد قوات التحالف، ومعايشتها مرارة الهزيمة وأهوال الحرب.

إلا أن الجيش الثالث لتنظيم داعش، يتمثل في الذين ينتشرون في العالم، بعد تجنيدهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب القاسمي، الذي قال إن خطورة هذا الجيل تتمثل في انتمائه للتنظيم، من خلال الدعوة الفردية أو «الدعوة الذاتية»، وهم جيل غير معلوم لأي من أجهزة الأمن في دولهم، ويصعب التعرف إليهم، وينتشرون في أوساط المواطنين العاديين في دولهم.

وأشار إلى أن معظم هذا الجيل يعمل لحساب دوائر الاستخبارات الداعشية، أو في مرحلة الإعداد والتخطيط للعمليات النوعية، كما أنهم مصدر غزير للمعلومات.

 

وصفة العلاج

وعن سبل مواجهة تنظيم داعش، قال القاسمي إنها يجب أن تعتمد على الجانب الفكري إضافة إلى المواجهة المسلحة، للقضاء على التنظيم، مشيرًا إلى أنه من دون حرب العقيدة لن يكون هناك انتصار على التنظيم.

وشدد على ضرورة وضع آلية خاصة لأعضاء داعش في مخيمات الهول من النساء والأطفال، لإعادة تأهيلهم، مطالبًا الدول التي لها رعايا هناك بضرورة التحلي بالمسؤولية تجاه رعاياها في مخيم الهول، وتوفير الأجواء اللازمة لاستقدامهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة، إلى جانب توفير العلاج النفسي والمعالجة الفكرية.

وأشار إلى إمكانية الاستعانة بالأزهر الشريف، لأنه الجهة الأبرز والأهم في مواجهة الأفكار المتطرفة، لما يملكه من علماء وتجارب، يمكن الاستفادة منها للقضاء على الأفكار الهدامة.