الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

مني زيدو : حينما نكون ضحية الوعي المزيف

الحدث – القاهرة

لا زالت تعاني منطقتنا من صراعات واقتتال منذ فترة طويلة جداً نتيجة الأفكار التي نؤمن بها على أنها تمثل الحقيقة لأحد الأطراف بينما الطرف الآخر غارق في جهله وبدعته التي يقدسها. صراع الأفكار لم ننتهِ منه وما زلنا متمسكين بما نعتقده صحيحاً بالنسبة لنا وأنه فقط من خلاله سنصل للحقيقة المطلقة وما دوننا سيستمرون في غيّهم وتخلفهم، ويصل بنا الأمر على اتهامهم بالهرطقة والزندقة وينبغي التخلص منهم بأي وسيلة كانت حتى وإن كانت القتل.
وربما يكون هذا الصراع يمثل الحالة الشكلة من حقيقة الصراع على السلطة والاستحواذ والنفوذ التي كانت منتشرة باسم القبيلة وتحولت بعد ذلك إلى صراع ديني وقومجي مع بقاء أساس الصراع القبلي هو المحدد الرئيس لأية تفاهمات وعلاقات فيما بعد. سلطة الفكر تعتبر من أخطر أنواع الاستبداد الذي يمكن أن يتغول بها الانسان على أخيه، لأنه حينها يعتبر نفسه فقط على حق والآخر على باطل. وهنا تبدأ مرحلة الاستعداد للاقتتال لحين يقبل الطرف الآخر الخنوع والاستسلام لأفكار الطرف الآخر.
ربما ما نشهده الآن من حالة فوضى يثبت ما نقوله عن استمرار الأفكار في صراعها مع بعضها البعض تحت ألف قناع وقناع. صراع الأنظمة الاستبدادية الشمولية مع المعارضة التي ولدت من أحشاء نفس تلك الأنظمة الشمولية ولتتحول إلى معارضة أكثر استبدادية وشمولية من الأنظمة الأم بحد ذاتها. وصراع المذاهب مع بعضها البعض الذي لم يهدأ منذ عشرات القرون وحتى الآن تحت مسمى التنافس و/أو الصراع السني – الشيعي والذي اتخذ أشكالاً وأسماء دول مختلفة. كذلك صراع القوميات والأثنيات مع بعضها البعض وفق أحقية كل طرف على حقه في امتلاك هذه الجغرافيا وامتداها اعتماداً على التاريخ المزيف الذي كتبه المؤرخون القمجيون المتأثرون بالدين نوعاً ما والذين خلطوا ما بين القومية والدين ليُخرجوا ابشع ما فسروه على أنه الشرح الوافي والكافي لحقيقة سيطرة هذه الأمة على الأمم الأخرى على أساس ديني بحت، لأن كتاب هذه الأمة أُنزل بلغة هذه الأمة فهذا يعني أن هذه اللغة هي أساس تشكل الكون والجنة والنار وكل ما أتى من بعد ذلك فقط ليخدم اللغة هذه.
تم تزوير التاريخ بكل تفاصيله الهامة والإبقاء على بعض الأحداث الشكلية والتي ألبسوها هالة القدسية على أنها فقط هي الحقيقة التاريخية التي ينبغي أن نؤمن بها وكل ما عداها لا داع أن نبحث عنه أو فيه. وهذا ما يقودنا إلى مُسَلّمة أنه إذا كان التاريخ مزور فهذا يعني لا حاضر مشرق سنعيشه ولا مستقبل زاهٍ ينتظرنا وأحفادنا.
إعادة كتابة التاريخ من جديد مهمة جد عاجلة وكذلك إيجاد مصطلحات جديدة غنية تلبي متطلبات الثورة العلمية والتكنولوجية التي نعيشها، وبنفس الوقت تنظيف الكتب والتفاسير الدينية من الأفكار الطفيلية العالقة بها والتي تجعل عقل الانسان يتحجر مكانه ويكون أسير تلك الشروحات السطيحة. أمام المثقفين وعلماء الاجتماع والسياسيين الكثير من المهام والمسؤوليات التي ينبغي عليهم القيام بها، والبدء بثورة ذهنية شاملة تقلب أفكارنا ووعينا رأساً على عقب وتزيل منه كافة ما كنا نعتقده من المقدسات وهي لم تكن سوى معلومة عادية جداً بمقدورنا التخلص منها في لأي وقت منها.
لا شيء مقدس سوى الانسان وكل شيء ما عداه ما هو إلا وسيلة وأداة لإسعاد الانسان وتطويره لبناء مجتمع يكون الكل فيه يعيش من أجل الكل وكلٌ حسب امكانياته ووعيه. وتمسكنا بالأخلاق المجتمعية هي القوة المعنوية التي من خلالها سنتصدى لكل الهجمات الثقافية الغريبة عن ثقافتنا وإرادتنا المجتمعية، وهذا لن يكون إلا بعد أن نكون قد تخلصنا من الوعي المزيف والقيام بثورة ذهنية كبيرة للتخلص من كافة الشوائب الفكرية التي كبحت تطورنا الفكري والحضاري والثقافي. وأن أية ثورة ذهنية لا بدّ لها أن تبدأ بالتمسك بالأخلاق والمعنويات الاجتماعية ومعاني الجمال والحياة التي نعيشها.

to top