من تاريخ تركيا الأسود
جاسم الهويدي –
أخضع العثمانيون جميع أجزاء الوطن العربي لحكمهم ماعدا مراكش وأجزاء من جزيرة العرب، وبوفاة السلطان سليمان انتهى دور التوسع والفتوحات ومن ثم أخذت أحوال الدولة العثمانية تسير نحو الانحلال والانحطاط بسرعة تزداد تارة وتخف طورا وذلك حتى القرن التاسع عشر .
وكانت الدول الاوروبية الكبرى لا تنفك عن التدخل في شؤون الدولة العثمانية بطرق وأساليب متعددة وذلك استنادا إلى الامتيازات الأجنبية التي نشأت من الفرامين التي أصدرها والمعاهدات التي أبرمها سلاطين آل عثمان في تواريخ مختلفة في شتى الظروف والمناسبات .
وطبيعي أن البلاد العربية وكردستان التابعة للدولة العثمانية تأثرت كثيراً من المداخلات والمساومات مثل سائر الولايات العثمانية بل وأكثر من معظم تلك الولايات وقد عانى الوطن العربي في ظل الدولة العثمانية تخلفا في المجالين الاقتصادي والاجتماعي كما فرضت عليه العزلة السياسية والثقافية وبقي في معزل عن التيارات الفكرية العالمية .
كل ذلك نتج عنه فقدان القدرة والعجز عن مجابهة أطماع الدول الاستعمارية التي بدأت بغزو الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر ولم تكن لدى الدولة العثمانية القدرة على دفع الخطر عنه .
في ظل الدولة العثمانية فقد العرب كيانهم الخاص وعن طريق العثمانيين مارست اوروبا علاقاتها مع العرب فظهر رجال مصلحون وتألفت جمعيات وأحزاب رسمت أهدافا سياسية وأخذت تناضل من أجل التحرير في السر والعلن .
إن البركان العظيم الذي انفجر في شبه جزيرة العرب فماد له الاسلام طربا أخرج للعالم حادثا جللا في طليعة حادثات هذا العصر وقف التاريخ عنده ورمقه الدهر.
العثمانية لم تجلب سوى التخلف لمناطق نفوذها
إن اتفاق العرب مع الترك كان شراً عليهم لأنه لم يكن قائما على أساس القومية بل بظل الاسلام على اساس العدل والمساواة والعلوم والآداب في عهد العرب فلما جاء الترك تغيرت الحال فساد الجهل وعم الفساد فقتلوا الفنون والآداب الشرقية وقضوا على مدنية الأمم التي حكموها فما أبقوا لمدنية العرب أثرا ولا عينا وهدموا العلوم حتى العلوم الاسلامية فراجت السخافات والشعوذات في دولتهم وصار العالم والتقي يعرفان في بلادهم بطول اللحية وكبر العمامة.
فقد العرب باتحادهم مع الترك استقلالهم السياسي ومدنيتهم الزاهرة وكادوا يفقدون قوميتهم ودينهم ولغتهم بعدما نهبت أموالهم وخربت ديارهم وأقفرت بلادهم وأخذ الجهل أطنابه بينهم فصار اسمهم محتقرا ودينهم مهانا ونظر الغرب إلى ماحل بالشرق في عهد الترك فألقى تبعة ذلك على الاسلام والعرب معا .
كانت الأمة العثمانية قبل اعلان الدستور العثماني على مستوى واحد من حيث الظلم الذي كان ينالها من الحكومة المطلقة لا فرق بين مسلميها ومسيحييها وأتراكها وكردها وعربها ومن شأن الحكومات المطلقة أن تساوي بين رعاياها في الظلم كما أنه من شان الحكومات الدستورية أن تساوي بين شعبها بالعدل.
إن الاستبداد من طبيعته تخدير القوى الجامعة وتقطيع وشائج الصلة بين ابناء الوطن الواحد لكي تهن الأمة عن مناهضة السلطة المطلقة وتذل لعباد الشهوات من زعماء السلطة.
شهداء أيار نار الثورة التي لم تخمد
وصل جمال باشا السفاح الى سورية بعد اعلان الحرب الاوروبية بنحو سبعة اشهر فنصب المشانق وحكم على مجموعة من الوطنيين بالإعدام شنقا منهم :
” شفيق مؤيد العظم، عمر عبدالقادر، عمر مصطفى حمد، رفيق رزق سلوم، محمد الشنطي، شكري العسلي، عارف الشهابي، توفيق البساط، سيف الدين الخطيب، احمد طبارة، عبد الوهاب الانكليزي، عبدالغني العريسي”
وعبدالغني العريسي ولد سنة 1891 في بيروت أصدر مع فؤاد حنش جريدة المفيد وكانت أسبق الصحف في بلاد الشام في بث الكره “للعصمللي” وقد درس الصحافة في باريس وبرع في علم السياسة الدولية ثم عاونه في اصدار الصحيفة الأمير عارف الشهابي ثم انتقل الى دمشق ولاحقته الأجهزة الامنية لكنه اختفى في البادية السورية مع البدو إلا انه اعتقل مع كوكبة من رفاقه وسيقوا الى سجن دمشق وتعرض للتعذيب الشديد ثم إلى سجن عالية بلبنان وأعدم في 6 أيار عام 1916 م
أما عبدالوهاب الانكليزي فهو عبدالوهاب المليحي نسبة الى المليحة احدى قرى غوطة دمشق درس الحقوق ومارس المحاماة له محاضرات ومقالات كثيرة في السياسة ومقارعة العصمللي وأتقن أربع لغات الفرنسية والانكليزية والتركية والعربية عرفه الزركلي في كتابه الاعلام واعتبره نابغة عصره في الادارة والحقوق ألف كتاب التاريخ العام لكنه أعدم في ساحة المرجة في 6 أيار عام 1916م من قبل جمال باشا السفاح .
كذلك شملت احكام الاعدام: “سعيد عقل، بترو باولي، جرجي الحداد، سليم الجزائري، علي محمد حاجي عمر، رشدي الشمعة، امين لطفي الحافظ، جلال البخاري، توفيق زريق”
ووفيق زريق ولد في طرابلس الشام وكان ينشر مقالات قومية في صحف المهجر الامريكي التي كان يصدرها اخوه انطون زريق وكان هذا كافيا لنقمة الترك عليه وحينما فرضت الأحكام العرفية على البلاد عمدت حكومة جمال باشا السفاح الى اعتقاله واعتقال اخيه انطون فسيقا الى ديوان عالية بلبنان وجرت لهما محاكمة صورية وحكم عليهما بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى وتم تنفيذ حكم الاعدام بهما مع قافلة الشهداء في 6 أيار عام 1916 م
إن هؤلاء الشباب المؤمن بقضيته ضحوا بحياتهم وأرواحهم من اجل الوطن والخلاص من المستعمر التركي.
كما عانت عشائر وادي الفرات الظلم الشديد من التسلط التركي البغيض في نهب خيرات البلاد واقتصاده من حبوب ومزروعات وفرضت الضرائب وسيق شباب العرب والكرد لحروب في القرم وغيرها بلا عودة مما أثار نقمة العشائر على السلطة التركية فثاروا عليهم كما حصل في قطعة البوليل قرب دير الزور وحكم بالاعدام على شيخها موسى الهيال ابو صالح لكن ابناء العشيرة الشمرية ثاروا على الجنود الاتراك وطوقوا الحملة التي اعتقلت الشيخ وهم يطلقون الهوسة الفراتية.
لقد كان لمجازر الشعب الأرمني على يد الاتراك بعد صدور فرمانات بإبادته عن بكرة ابيه وقع مرير على قلوب شعوب العالم ومما جرى من قصص اثناء الذبح والسوقيات ودفنهم وهم أحياء، وبقر بطون النساء الحوامل عمل تشمئز منه النفوس وتذهل له العقول.
وفي منطقة مركدة جرت مجازر لمجموعات من الأرمن مازالت عظامهم مدفونة في مغارات المنطقة تشاهد عن قرب، ويندى لها جبين الانسانية جمعاء.
المصادر:
1- كتاب العقيدات –عيال الابرز –جاسم الهويدي
2- مجازر الارمن – الدكتور نعيم اليافي
3-ثورة العرب – اسعد مفلح
ارمينية في التاريخ العربي – اديب السيد
– روناهي