من يتابع اعلام النظام السوري وتصريحات قياداته,يعلم جيدا ان هذا النظام لم يعد له اي اواصر صلة لا مع قيم الحياة المقدسة ولا مع المجتمع السوري بكل مكوناته ولا مع التطور الديالكتيكي الفكري والفلسفي والمعلوماتي,كأنهم يعيشون في بلد اخر ليس في البلد الذي تسببوا هم في الدرجة الاولى في تدميره وتمزيقه وبيعه,فالايديولوجية الاسدية البعثية المبنية على مصطلحات القوموية والتعصب القبلي والمذهبي, ابتكارات وهمية لشرعنة احتكاره للسلطة.
ان المصطلحات والبنية السلطوية التي يسيطر عليها النظام ويعتقد ان ذلك واقع ازلي ابدي سرمدي وفق الدولة القوموية والتي عمرها لا يتجاوز قرنين في منطقة الشرق الأوسط ,اصبحت اوهام زائلة ولم تكن بإمكانها الصمود أمام صرح الحقائق الاجتماعية التاريخية وثقافة الشعوب التي تمتد جذورها إلى أغوار التاريخ،نرى اليوم تلك الحدود التي جعلتها مناطة بالقدسية العظيمة للدولة القومية والتي هي اصلا تحويل الوطن والجغرافيا التي يعيش عليها شعوب و أقليات وثقافات متنوعة إلى سجن كبير ومزرعة للنهب,تم اغتصاب تلك الحدود من قبل دول اقليمية ودولية دون ان يستطيع بشار الاسد واركان نظامه التفوه بلكمة وان تقاوم احتلالها,انما قاموا بجلب الروس والايرانيين وحزب الله ومجاميع اخرى لحماية كرسي السلطة,هذا المنطق ينطبق على المعارضة السورية ايضا بكل شفافية, فافعالها الاجرامية التي مارستها خلال العشر سنوات تضاهي ممارسات النظام خلال نصف قرن او اكثر.
فالنظام السوري الذي احتكر السلطة منذ اكثر من نصف قرن عمل بكل قوة عبر اجهزتها القمعية على فرض اللون والفكر والحزب والقومية الواحدة وفرض حالة الطوارئ ومنع التعددية القومية والحزبية ونهب اموال وثروات الشعوب السورية, ولا زال يحمل تلك الذهنية الالغائية والاقصائية تجاه الشعوب الاخرى كالشعب الكوردي خصوصا ولا تقبل باي شكل من الاشكال التفاوض مع ممثلي الكورد السورين حول حقوقهم الوطنية المشروعة ولا يقبل التطرق حتى الى كلمة الديموقراطية وكأنها كابوس يضرب مضاجع اركانه,بعد حوالي عقد من الازمة السورية والتدمير الهائل للبنية التحتية ومقتل مئات الالاف من الشعب وهجرة و نزوح الملايين منهم الى داخل وخارج سورية وفقدان اكثرية عوامل الحياة وتفاقم المشاكل الاجتماعية والنفسية وتفكك الحالة المجتمعية ,اصبح هذا النظام المهشم مجرد ألة لتنفيذ اجندات الدولة الروسية والايرانية الجيوسياسي, و تسبب في فقدان القرار والسيادة السورية بشكل نهائي وفي سبيل البقاء على كرسي الحكم حول رئيسها بشار الاسد الوطن الى جحيم.
في المقابل الجماعات الاسلاموية الراديكالية المعارضة اضافة انها لا تختلف عن ذهنية النظام البعثي الاقصائية والاجرامية واللصوصية والطائفية المقيتة في شئ, فهم لا يقبلون بدستور ديموقراطي تعددي علماني ليبرالي بحيث يحصل في ظلها الافراد و جميع المكونات السورية على حقوقهم الانسانية المشروعة,و اصبحوا مجرد تنظيمات مرتزقة تعمل وفق مشروع شمولي للدولة التركية في المنطقة بدءا من سوريا وصولا الى ليبيا, وحاربت هذه المجاميع المتدربة في تركيا تحت راية رجب طيب اردوغان الشعب الكوردي وجميع المختلفين والمعارضين لهم في عموم الجغرافية السورية, خاصة شمالي شرقي البلاد المتاخمة للحدود التركية واحتلت مناطقهم التي كانت الى حد بعيد تنعم بالامن والسلام المجتمعي بين مكوناتها,فدمروا ونهبوا ممتلكات المواطنيين وهجروا الاغلبية الساحقة من اهالي تلك المناطق وبداؤوا بممارسات وحشية على القلة القليلة المتبقية في بيوتهم من خطف النساء والفتيات واغتصابهم وقتل المدنيين الكورد واعتقال المئات منهم وتعذيبهم بشكل بربري وهذا ما حصل بشكل خاص في مناطق عفرين وسريكانيه بعد احتلالها من قبل الدولة التركية وهذه المجاميع الارهابية التابعة لها,وكل ذلك حصل ويحصل امام مرأى ومسمع المجتمع الدولي اجمع الذي فضل ان يتخاذل امام مأساة الشعب السوري عموما و امام ممارسات الاجرامية لهذه المنظمات الاسلاموية الذين يستمرون في وجودهم اعتمادا على سفك وامتصاص دماء البشر,فكيف لهذه الاطرف العميلة والمجرمة ان تأتي بدستور ديموقراطي يمثل قيم الانسان وتحفظ كرامته وحريته وتسترجع له املاكه وتبني البنية التحتية وتطور عوامل الحياة من جديد في وطن مدمر ممزق ومجتمع تمزق وتشتت وتشرد بفضل جرائم هؤلاء.
كيف سيتشكل حكومة ونظام ودستور وطني جديد ل سوريا تراعي حقوق ومصالح جميع مكونات المجتمع السوري,بينما جميع الاطراف الذين يجلسون حول طاولة المفاوضات لكتابة هذا الدستور والقوات التابعة لهم الممولين والمدربين والمسلحين من قبل دول متعددة,تنفذ سياسات دول المتنافسة على الجيوسياسية السورية كتركيا وروسيا وايران وقطر,وليست اجندات الشعب السوري المتطلع الى حياة كريمة ونظام ديموقراطي تعددي يحترم حقوق الانسان والاثنيات والمكونات السورية عموما.
هذه الاطراف السورية المتصارعة التي تبرر استعمار واحتلال الاراضي السورية من قبل الدولة التركية وحلفاءها او من قبل ايران و روسيا ويقومون ببيع كل شئ وطني من الاثار الى الجغرافيا, فكيف لهم ان يدعوا انهم وطنيين حريصين على مصالح ومستقبل الشعب السوري,هؤلاء الاطراف الذين تسببوا في تدمير الوطن وتقسيمه وكل هذه الويلات لا يملكون اي مشروع وطني ولا يمكن الاعتماد عليهم في بنائه,فهم مجرد كركوزات ودمى بيد الدول التي لا تريد خيرا لابناء الشعوب السورية.
فان اجتماعات لجنة صياغة دستور ل سوريا في جنيف بين هذه الاطراف الذين اجتمعوا وسوف يجتمعون في الطابق السفلي بينما يتم توجيههم من الطابق العلوي من قبل الدول المتواجدة كروسيا وايران و تركيا والولايات المتحدة الامريكية دون مشاركة اهم مكون من مكونات الشعب السوري وممثلي الادارة الذاتية الديموقراطية لشمالي شرقي سورية ولا ممثلي قوات سوريا الديموقراطية قسد التي حاربت بكل بسالة وقضت على تنظيم داعش اخطر منظمة ارهابية على شعوب المنطقة وعلى امن المجتمع الدولي وضحت بدماء عشرات الالاف من مقاتليها والتي تسيطر على اهم منطقة استراتيجية في سورية,فدون الاعتراف بهذه القوات ومظلتها السياسية مجلس سورية الديموقراطية الوحيدة التي تحمل مشروعا ديموقراطيا وبعيدة عن الذهنية العنصرية والالغائية وعدم مشاركتها لهذه المفاوضات لن تنتهي الى نتيجة ايجابية ولن تنعم سورية بالامن والسلام والاستقرار ولن تحل المشاكل السورية المتفاقمة كالتيهور ولا دول الاقليمية والمجتمع الدولي الذي لم تسلم من الازمة السورية.