محمد أرسلان علي
ربما بات من الواضح أنه القوى المهيمنة أو الممسكة بخيوط اللعبة في المنطقة لا تسعى لإيقاف الخراب والدمار والقتل والتهجير، ما دام ذلك ربما يدخل خدمة مصالحها وأجندتها التكتيكية والاستراتيجية في المنطقة. منذ حوالي القرن من الزمن وما زالت تلك وهذه القوى مصممة على أن تكون هي النافذة في أية قرارات تخص المنطقة إن كان حاضرها أو مستقبلها، لأن ما يهم هذه القوى هو مصالحها فقط وليس مصالح شعوب المنطقة وكما يقول اشقاؤنا المصريون “يغورو في داهية”.
لا يمكن ربط كل المأساة التي نعانيها بأردوغان تركيا أو بتدخلات إيران في بعض دول المنطقة رغم أنهما يمتلكان مشروعهما الخاص بهما، لكن لا يمكن لهذين المشروعين أن يكونا إلا في خدمة مصالح القوى المهيمنة الدولية، وإلآ لما سمحت لهما بالعبث بالمنطقة كما يحلو لهما.
فتركيا وأردوغان الآن عن طريقهما يتم نقل ونشر وتوزيع المرتزقة والإرهابيين بين دول المنطقة وأمام مرأى العالم كله ومن دون أن يقول أحدًا لأرادوغان ماذا تفعل ولماذا كل هذا القتل والدمار. الكل صامت عمَّا يفعله أردوغان ما دام يدخل في حسابات القوى المهيمنة وخاصة في زيادة نشر الفوضى في عموم المنطقة.
وإيران التي لا تختلف عن تركيا بشيء بالنسبة للدول المهيمنة فهي بالنهاية البعبع الذي عن طريقه يتم ترهيب السنَّة وبتم “حلبهم” كما البقرة حسب ما وصفهم ترامب في إحدى خطبه الكثيرة ومن دون أن يراع شعور أحد. هي أيضًا أي إيران تنقل ما تسميهم الحشد الذين هم أيضًا أصبحوا مرتزقة عابروا للحدود كما مرتزقة أردوغان. تركيا وإيران تحولتا إلى شركتين مساهمتين عملاقتين عابرتين للحدود ومتعددة الجنسيات. طبعًا، الترغيب ليس مشكلة بالنسبة من أدعى أنه يمثل خليفة المسلمين السنة أو أنه ولاية الفقيه الشيعي، لن يتعدى الترغيب سوى بضعة كلمات دينية وكم دولار، حينها ستُعمى بصيرة مرتزقة كِلا الشركتين وسيحاربون إن كان في سوريا أو العراق وكذلك في ليبيا واليمن.
تلعب القوى المهيمنة بكل دهاء وحنكة في تأليب الشعوب على بعضها وعلى الحكام أيضًا متى ما هي أرادت ذلك. فهي أخذت الدرس من الاستعمار القديم في بدايات القرن العشرين حينما كانت بقواتها تسعى للسيطرة على المنطقة وخيراتها، إلا أن ذلك الأسلوب الكلاسيكي أظهر معه مقاومة الشعوب ضدها وتم نعتها بالدول المحتلة والاستعمارية حتى تم شرَّ طردة. هذه كانت بالنسبة لهم مرحلة حُبلى بالدروس والعبر ومن المؤكد بأنهم لن يكرروها ثانية. لن يكرروها أقصد الأسلوب ولكن الجوهر سيستمرون به في نهب خيرات المنطقة والسيطرة عليهم.
الآن وبعد أن تعلموا دروسهم فها هم استنبطوا الجيل الرباع والخامس من حروبهم وذلك عن طريق أدواتهم التي هي من نفس المنطقة مع تقديم الدعم المادي واللوجستي لها وبعض الأحيان السياسي والعسكري إن تطلب الأمر. الملفت للأمر أن القوى الدولية التي تدعم حتى الآن سياسيًا ودبلوماسيًا الائتلاف السوري المعارض المرتمي في أحضان تركيا والذي هو يتبنى هؤلاء المرتزقة والإرهابيين الذين يتم تقلهم إلى ليبيا، ولكن ما زال الدعم مستمر لهم. ونفس الأمر بالنسبة للسراج ومن معه من المرتزقة المعترف به دوليًا والمرتمي أيضًا في أحضان أردوغان الذي يقدم له الدعم العسكري واللوجستي وكذلك المرتزقة، بالإضافة إلى دعم القوى الدولية. ونفس الأمر تكرر في العراق والتي فسحت القوى الدولية الطريق أمام تمدد القوى الشيعية في عموم العراق وكذلك باليمن، مع الدعم الدولي المقدم لهم سياسيًا ودبلوماسيًا. تغيير الأسلوب هو المهم والجوهر تبقى هذه القوى هي التي تنهي خيرات المنطقة على حساب تجهيل وإفقار الشعوب. والان نحن من نركض لعندهم كي يساعدونا من أن نخرج من هذه المهزلة التي نعيشها. كنا ننعتهم بالمحتلين والمستعمرين، لكنهم الآن تحولوا إلى ملائكة نرجوهم أن يساعدونا في حل مشاكلنا وإخراجنا من المأساة والحروب التي ضربت كل نواحي حياتنا. هنا يكمن دهاء القوى المهيمنة التي طورت من أساليبها في وقت ما زلنا نحن نعتمد نفس الأسلوب ونفس الخطابة وكأننا لم نغادر معاهدة سايكس – بيكو، وما زلنا نعيش زمنها وصدمتها. اللعبة مستمرة وربما ستكون أكثر من ذي قبل من سوريا إلى ليبيا وربما منها إلى دول أخرى ولن يسلم العراق أيضًا من اللعبة لأنها لم تنتهي بعد. أما اليمن السعيد لربما وقته لم يحين بعد.
طبعًا، النظم والشعوب تراقب اللعبة وليس في يدها أية حيلة غير الانتظار والمراقبة لما سيحدث في تلك الدول وتدعوا الله أن تنتهي هذه التراجيديا والمأساة التي حلَّت على المنطقة بأسرع وقت ممكن، كي تستريح بعض الوقت من تداعيات والحجر الذي فرضه فيروس كورونا على الجميع.
مع أن همسات اللعبة ما زالت مستمرة تحت الكمامات بين القوى المهيمنة في كيفية توزيع الأدوار ثانية للوصول إلى ما يخططون له في مرحلة ما بعد كورونا. وما زلنا نحن ننظر إلى الكمامة على أنها ستقينا من الفيروس، ولكن ما يُهمس تحت كمامات أباطرة القوى المهيمنة لهو أعظم بكثير مما نتمناه ومما ننتظره.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت