الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

من عفرين إلى ترهونة، لا تستغربوا

محمد أرسلان علي

ربما تضاف مقالتي هذه إلى مقالات أخرى كنت قد أوضحت فيها عن جرائم أردوغان ومرتزقته في شمالي سوريا بشكل عام وعفرين على وجه الخصوص. بالنسبة لنا لا جديد في ليبيا تقريبا لأن كل ما يحدث وسيحدث في ترهونة، أهل عفرين عايشوه وذاقوا مرارة هذا الاحتلال وما زالوا منذ سنتين وأكثر. ولا يحتاج أردوغان لأي سبب مقنع ومنطقي كي يقوم باحتلال أي مدينة إن كانت في سوريا أو العراق والآن في ليبيا وغداً ربما تكون لبنان وتونس والجزائر. إنه فقط يستحضر تاريخه العثماني ويسعى لإحيائه من جديد بنفس الأدوات والأساليب.

الأدوات هي نفسها التي احتل بها العثمانيون المنطقة وهم من عامة شعوب المنطقة تم خداعهم باسم الإسلام وحماية الدين، لكن في الجوهر هو سرقة هذه البلاد وإفقارها ونشر الجهل والخراب والدمار فيها، وكل ذلك بيد أبناء المنطقة ذاتهم وكان يُطلق عليهم حينذاك بالجيش الإنكشاري أو الفرق الحميدية واليوم هي نفسها الفرق الأردوغانية. والأسلوب هو نفسه لم يتغير البتة وهو استثماره بالدين الحنيف كما فعل أسلافه من السلاطين. اليوم أيضاً يستثمر أردوغان بالدين كما فعلها في عفرين أثناء احتلاله لها والتي جمع شيوخ السلاطين والحرملك ليقرؤا سورة “الفتح” ويدخلوا عفرين وكأنهم فاتحين لها يعد طرد الكفرة من أهلها، كما كانوا يدَّعون. الان نفس الاستثمار بالدين فعلوه في ترهونة باسم الدين و “الله أكبر” وفتاوي من شيوخ دويلة قطر من القرضاوي وحتى القرةداغي.

أول شيء قاموا به بعد احتلالهم لعفرين هو سرقة كل ما في الدكاكين والحوانيت والمولات حتى وصلوا لبيوت الناس الذين هربوا وتركوا كل شيء وراءهم، هي نفس اللوحة رأيناها في ترهونة من عمليات سرقة ونهي وحرق ولم يسلم منهم أي شيء. طردوا أهل عفرين من قراهم وديارهم كي يتم توطين عائلات المرتزقة مكانهم وربما هذا ما سيحدث في قادم الأيام في ترهونة، لنرى أن أهلها يتم ترهيبهم وترحيلهم بأسماء وحجج شتى ليتم توطين عائلات المرتزقة مكانهم.

وأفظع ما قامت به الفرق الأردوغانية حينما احتلت عفرين هي تحطيم تمثال كاوا الحداد الذي يعتبر رمزاً في الثقافة الكردية والمقاومة، وأرادوا من خلال فعلتهم الشنيعة هذه أن يقولوا؛ سنقضي على ثقافتكم ورموزكم ولن ندع لكم أثراً في الحياة. وهو نفس ما فعلوه على ما اعتقد حينما احتلوا ترهونة وكأنهم يقولون أن رمزكم في المقاومة ومحاربة العدو إن كان عمر المختار، فها نحن قضينا عليه وسنقضي على كل ثقافة عائدة له.

أما عن القتل فلا مكان لذكرها هنا لكثرتها وتعددها ولم يسلم من هذه الوحوش لا رجل ولا امرأة ولا طفل ومسن وكحل ولا شيخ، الكل بنظرهم كفرة وارهابيين ولعل ملك لم تكن آخرهم التي تم قتلها في عفرين بعد اعتقالها منذ فترة، وبكل تأكيد معلوم عندنا في ثقافتنا المشرقية ما هو معنى أن يتم اعتقال فتاة أو امرأة من قبل مرتزقة وماذا سيفعلون بها.

وربما يتم تغيير أسماء الكثير من المدن والقرى والأماكن إلى أسماء تركية كي يوهموا العالم بأن هذه المدينة تعود أصولها للعثمانيين وأن شعبها من أصول عثمانية وتركية ولهذا هم جاؤوا لينقذوهم من الانقراض كما فعلوا في عفرين وقبل ذلك في قبرص. وليس بعيداً مطلقاً أن يخرج علينا في قادم الأيام بعض المرتزقة الليبيين بأن يقول علينا استخدام العملة التركية بدلاً عن الدينار الليبي لأنه فقد قيمته، كما فعلوا في عفرين والمدن الأخرى التي احتلوها.

وكما أهل عفرين الذين تم تهجيرهم من ديارهم والآن يعيشون في المخيمات منتظرين العودة لقراهم وزيتونهم ويداووا مرارة جراح الخيانة التي تعرضوا لها من كان يتكلم بلسانهم وكذلك من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية. وأعتقد أنه الان أهل ترهونة الذين تم تهجيرهم أو فروا من ديارهم خوفاً من الفرق الأردوغانية يلاقون نفس المصير وسينتظرون حتى يحين موعد عودتهم لديارهم. والكثير من البيانات والمقابلات ستخرج قادم الأيام لتندد وتشجب ما تقوم به المرتزقة في ترهونة كما في عفرين، ولكن صدقوني لن يستمع أحداً لبياناتكم هذه ولا لصراخكم ولن يرتجف ضمير أحداً من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الانسان لما يعانيه أهل ترهونة وباقي المدن التي تم احتلالها من الفرق الاردوغانية.

لا تستغربوا أبداً أشقائي في المعاناة أن ما حدث في ترهونة والغرب الليبي لم يكن فقط من قوة أردوغان لوحده، بقدر ما هو مخطط إقليمي ودولي وأن أردوغان هو فقط المنفذ على الأرض. عفرين تم احتلالها بتواطئ روسي فاضح وصمت أمريكي وعدم مبالاة أوروبية والأنكى هو تخاذل محلي، وهو ما رأيناه في ترهونة أيضاً وهو نفس الصمت والتواطئ والخذلان وعدم المبالاة. وبعد احتلال عفرين وجرى ما جرى راحت هذه الأطراف نفسها تندد بجرائم أردوغان ومرتزقته وكأن ما حصل لم يكن لهم علم به، وهذا ما سيحصل عندكم أيضاً. إذ، ستظهر التنديدات والمبادرات السلمية من نفس هذه الأطراف ولكن ليس لوضع الحول بقدر ما هو اللعب على طرفي الصراع وما هي إلا لعبة توازنات وخلق الثنائيات المتصارعة لاستنزاف الكل.

لكن أيضاً لا تستغربوا بكل تأكيد أنه رغم أن أردوغان ومرتزقته قد احتلوا عفرين، إلا أنه إلى الآن شبابا وشابات عفرين من المقاتلين لم يخرجوا منها ويومياً يلقنون عناصر الجيش التركي ومرتزقتهم دروس في المقاومة وجعلهم يعيشون الخوف بكل معنى الكلمة. ما زالت المقاومة مستمرة في عفرين لأنهم مؤمنين كل الايمان بأن من سيحرر عفرين هم أهلها قبل التفاهمات والمصالح الدولية، والتي من يستكين لها وينتظرهم حينها التاريخ لن يغفر لهم البتة.

رسالة قالها لي أحد مقاومي عفرين كي أنقلها لكل من يقاوم أردوغان ومرتزقته في ترهونة وليبيا عموماً. ومن عفرين لكم سلام المقاومين فيها حتى تحرير ترهونة وباقي المدن.

to top