الأحد 22 ديسمبر 2024
القاهرة °C

مهدي كلي يكتب: القضية الكوردية والخيار السلمي . بعد سنوات مريرة وطويلة من النضال المكلف والغالي الثمن

الحدث – القاهرة

حقق الكورد بعد انتفاضات وثورات وحروب قاسية ومئات الآلاف من الضحايا والدمار لمدنهم وقراهم، نوعاً من الحكم الذاتي الضعيف بعد اتفاقية مارس (آذار) 1970م مع حكومة أحمد حسن البكر، لكنها سرعان ما تخلّت عنها؛ وذلك بفرضها قانوناً بالحكم الذاتي من طرفٍ واحد، والذي تسبب في انهيار التحالف بين الحزبين «البعث العربي الاشتراكي» و«الديمقراطي الكوردستاني»، لكي يبدأ صراع دموي استمر قرابة عامٍ كامل، انتهى بتوقيع اتفاقية 1975، بين إيران والعراق في مؤتمر القمة الإسلامي بالجزائر، تخلت فيها إيران عن مساندتها للحركة الكوردية، طالبةً من زعيمها إيقاف الحرب، وهذا ما حصل فعلاً، ولكن لم يستمر أكثر من سنة واحدة لتبدأ انتفاضة أخرى توجت باستقلال ذاتي إثر غزو العراق للكويت وصدور قرار مجلس الأمن الدولي 688 الذي حرّم أي وجود عسكري عراقي أرضاً وجواً في المنطقة شمال خط 36 التي تكاد أن تشمل معظم إقليم كوردستان الحالي. ورغم أنَّ المعاناة كانت عظيمة كما وصفها الزعيم الكوردي مسعود بارزاني: (بالاضطهاد والظلم المستمر ضد الكورد، والتي أدت إلى أعمال قتل وحروب ونزاعات لكن الكورد تمكنوا من البقاء)، هذا الإصرار على البقاء وعدم الانكسار أفضى إلى تمتع الإقليم باستقلال ضمّنه الدستور العراقي الدائم الذي تمّ تشريعه بعد انهيار نظام صدام حسين في أبريل (نيسان) 2003، إثر احتلال الولايات المتحدة الأميركية للعراق. لقد شارك الكورد في تشكيل الحكومة العراقية وقبلها البرلمان العراقي، بضمانة دستور اعترف بإقليم كوردستان ومؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية وكل ما صدر عنهم من قوانين وتشريعات، وبذلك وضعت خارطة حل القضية الكوردية في هذا الجزء من كوردستان بالشراكة في دولة اتحادية ديمقراطية تعددية، إلا أن ذلك أثار مخاوف كل من تركيا وإيران وسوريا من مغبة ونتائج هذا الحل، وتأثيراته على الأجزاء الأخرى الملحقة بتلك الدول، خاصةً أنها تعاني من انتفاضات وثورات وصراعات سياسية ودموية، مع حركات وأحزاب انبثقت في تلك الأجزاء مطالبة بذات المطالب؛ ذلك القلق الذي جعل الدول الثلاث تتعامل بتوجس وأحياناً بعدائية وعدم اعتراف بالتغييرات التي حصلت، كما تفعل تركيا بعدم استخدام الاسم الرسمي والدستوري (إقليم كوردستان العراق)، مستبدلةً إيّاه بمصطلح آخر ينم عن عدم الرضا والقبول وهو (إقليم شمال العراق)، ومظاهر التخوف ذاتها بانت في كل من إيران وسوريا، إلا أن هذا القلق والتوجس وعدم الرضا ما برح أن ضعُف تدريجياً أمام التقدم السريع للدبلوماسية الكوردية التي قادها مسعود بارزاني، الذي فتح قنوات للتواصل والتعاون بين الإقليم الناشئ وبين كل من تركيا وإيران وسوريا، خاصةً في المجال الاقتصادي والاستثماري، إضافةً إلى طمأنتهم بعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، بل العمل من أجل إيقاف حدة الصراع بينهم وبين معارضيهم في حزب العمال، حيث نجح بارزاني في إقناع الطرفين بالتفاوض الذي أفضى إلى توقف العمليات الحربية لأكثر من سنة. وفي الجانب الإيراني أيضاً نجح الإقليم في طمأنة الإيرانيين، بأنه كيان إيجابي وتجربته مدنية ناجحة، وهي بالتالي شأن عراقي بحت، يعود نجاحه للعراقيين الذين شرعوا دستوراً ضمن فيه حقوق كافة المكونات ومنها المكون الثاني بعد العرب في إقليم كوردستان، الذي أرسى حلاً قانونياً وسياسياً للقضية الكوردية ضمن الدستور الذي اتفق عليه كافة الشركاء، بإقامة دولة ديمقراطية فيدرالية تعددية. ولكي تَطمَئِنَ دول الإقليم التي تعاني من الإشكالية ذاتها مع أجزاء كوردستان الأخرى، قال الزعيم الكوردي مسعود بارزاني في هذا الصدد:
«كل منطقة كوردية لها خصائصها ومكانتها وظروفها داخل البلدان التي تعيش فيها، ولهذا لا يمكننا القول إن النموذج في العراق يمكن أن يطبق بحذافيره على الأجزاء الأخرى، بل ليكن نموذجاً أو مخططاً للكُرد في سوريا وتركيا وإيران، ولذلك وجَبَ إيجاد حلول في تلك البلدان والابتعاد عن سياسات القمع والإنكار، مقابل ألا تلجأ الجماعات أو الحركات الكوردية إلى العنف، وأن تكون هناك أرضية مشتركة للحوار حتى يتمكن الكورد في تلك الدول من التمتع بحقوقهم وهوياتهم الديمقراطية».

to top