الحدث – كردستان العراق
تتفق غالبية القوى المعارضة للنظام العراقي في وصف المشهد السياسي المقبل، في كونه بداية فترة احتقان جديدة بين الأطراف المتصارعة في النظام الطائفي، ونهاية للعملية السياسية، واحتمال نهاية غض نظر المجتمع الدولي على استمرار هذا الصراع ضمن حدود العراق، التي رسمها دستور الاحتلال قبل أكثر من عقدين. وهذا قد يدفع بالعراقيين الى التساؤل عن شكل وطبيعة التغيرات التي ستطرأ على بلدهم، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حالة الانقسام السياسي والطائفي، وفشل العملية السياسية التي لم تعد تتحمل الترقيع أو المماطلة. ثمة من يرى بأن تفكك الجبهة الطائفية بعد انسحاب مقتدى الصدر وترك مقاعد تياره في البرلمان العراقي سينتج في النهاية إبعاد تيار الصدر عن الحكومة والتمهيد لخلق فوضى سياسية، مما سيؤدي إلى غضب أنصاره، ونزولهم للشارع العراقي وهذا ما يرجح حتمية وقوع الصدام واعتبار خروج الصدر أشبهه بعملية إقصاء على الرغم من فوزة في الانتخابات. وهذا ما تتمناه بعض القوى المعارضة المتلهفة للعودة الى المشهد السياسي لإملاء الفراغ. لقد عزز هذا التساؤل فشل العملية السياسية ووصولها لهذا المنعطف الخطير، ناهيك من وصول الملف النووي الإيراني إلى مراحله الأخيرة، التي ستحسم ملف العراق وإبعاده عن الفلك الإيراني عسكريا في حالة رفض ملالي إيران القبول بحل مع المجتمع الدولي، أو حتى في حالة قبولهم بالمقترحات الأمريكية، فيما يخص الملف النووي وملحقاته، المتمثلة بوقف زعزعة النظام الإيراني للشرق الأوسط وأنهاء التدخل العسكري والطائفي في العراق وسوريا واليمن. وهذا يعني قدرة المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن على إضعاف النظام الطائفي في بغــداد ومن ثم إسقاطه. وهنا لابد من الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الحالية إلى الشرق الأوسط ستحدد السياق لطبيعة العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية، وتدفع في النهاية لبلورة موقف أمريكي واضح في حال نجاح محادثات إيران في الدوحة، للوصول إلى حلول تضمن قبول الإيرانيين باتفاق كلي يشمل الملف النووي، وإنهاء سياسة طهران التوسعية في البلدان العربية. وهذا ما سيسمح أيضا بأنهاء العملية السياسية وإعادة شكل من أشكال أسس النظام القديم الذي أسقطه الغزو الأمريكي، أو إبدال النظام السياسي الطائفي بنظام جديد يتم اختياره من قبل الغرب وأمريكا عن طريق دفع بعض الشخصيات المعارضة المتواجدة على أراضيها من الذين لمعت أسماؤهم بأضواء الفضائيات، ليجعلوا من أنفسهم القوة المعارضة الشرعية الوحيدة القادرة على تغيير وحسم الأمور.
في الوقت الذي ذهب البعض الآخر بعيدا في التفاؤل والتنبؤ، معلنين على الملأ في إن «النظام السياسي في العراق على موعد مع تغيير مقبل نتيجة لمخطط دولي» وصف بالعظيم، مرددين ما يتمناه أغلبية العراقيين لإنقاذ بلدهم من الهيمنة الفارسية وفي قدرة المجتمع الدولي المُتمثل في مجلس الأمن الدولي لـ «تغيير النظام في العراق» ودعم نظام وطني عابر للطوائف والمكونات.
وهذا قد يدفع كل من له بصيرة وطنية إلى معرفة حقيقة ما سيطرأ على البلد في الفترة المقبلة، حيث تكمن موضوعية التغيرات انطلاقا من التفكير ومن خلال التحليل وبناءً على معطيات متوفرة، وإن كانت لم تكشف قياسا بالمتغيرات، وهذا ما يبعدها عن حالة التنجيم وطرق التنبؤ التي قد تورط البعض من المحللين أو السياسيين المتلهفين للعودة إلى المسرح السياسي، فيما يتعلق بإعلان تاريخ تغييرات الأنظمة وبالتحديد النظام العراقي، والخلط المتعمد بين التحليل الموضوعي والتنجيم الشخصي الذي لا يستند إلى الواقع.
يبدو أن انتشار حالات التنبؤ وحمل العصا السحرية في بعض الفضائيات، التي ينفرد بها بعض المعارضين الجدد للنظام العراقي، تكمن في القدرة والسهولة على الوصول إلى بعض قنوات الإعلام، وهذا ما دفع بعضهم الى الخلط بين التحليل والتنجيم فيما يخص التطورات المستقبلية في المشهد العراقي. فشتان ما بين التحليل السياسي الذي يحتاج إلى فهم عميق للسياسة المقبلة التي خُططت للنظام السياسي في العراق والعمل على إفشال ما قد يحاك له في المستقبل، وبين التنجيم أو قراءة الفنجان الذي لم يعد يطرب أذان العراقيين.
تبقى الإشكالية هي في توظيف برامج التنجيم كوسيلة للانفراد النخبوي السياسي، لكسب الشارع العراقي، بدلا من التحليل للتخطيط والعمل مع القوى الوطنية لولادة جبهة إنقاذ وطني، هدفها إعادة اللحمة الوطنية وسيادة العراق، بعيدا عن الدكتاتورية والطائفية الرثة التي أذلت العراقيين وجعلت بلدهم لقمة سائغة للآخرين ….