وفي مسار منفصل، تم عقد اجتماع بين البعثة الدبلوماسية للإمارات في سوريا ومحافظ ريف دمشق “علاء إبراهيم” في وقت سابق من الشهر الماضي في السفارة الإماراتية في دمشق. وركز الجانبان على الاستثمارات الأجنبية في سوريا، وسبل زيادة التعاون الثنائي على جميع المستويات، وتكثيف الاتصالات الدبلوماسية بين الدولتين، اللتين كانتا في حالة صراع لفترة طويلة.
وما بدا مثيراً للاهتمام حول اللقاء بين الوفد الإماراتي و”إبراهيم” هو التوقيت، وقد سبقت المحادثات زيارة قام بها “سيرجي ناريشكين”، مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية إلى الإمارات في 12 فبراير/شباط.
وفي لقاء مع مسؤولين استخباراتيين إماراتيين تحدث ناريشكين عن “آفاق التعاون لمكافحة الإرهاب، ومعالجة التحديات والتهديدات الجديدة للمصالح الوطنية للبلدين”، وفي أعقاب الاجتماع، قال المكتب الصحفي لجهاز الاستخبارات الروسي إن الجانبين أدركا “مسارات متشابهة أو قريبة” للأزمات والحلول الإقليمية.
وإلى جانب السعوديين، تعدّ الإمارات منافساً رئيسياً لتركيا في المنطقة، وبالتالي، فإن زيارة “ناريشكين” إلى دبي لا يمكن إلا أن تثير الشكوك في أن موسكو كانت تبحث عن وسيلة لموازنة القوة أمام أنقرة، خاصة في وقت يشتد فيه التوتر حول إدلب.
ووفقاً لبعض التقارير، فمن أجل سحب البساط من تحت أقدام أنقرة في سوريا، اقترحت الإمارات على موسكو مجموعة من الجهود لإنعاش الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب، والذي أعاقته العقوبات جزئياً، وتتوقع روسيا أن تساعد الإمارات إلى حد ما في مواجهة بعض أحكام قانون “قيصر” الذي اعتمدته الولايات المتحدة نهاية العام الماضي.
وتفيد التقارير أن روسيا والإمارات ناقشتا طرقاً لاستخدام مينائي “اللاذقية” و”طرطوس”، وكذلك معبر “نصيب” الحدودي المهم استراتيجياً، الذي يربط سوريا والأردن.
كما يشاع بأن الإمارات وعدت بالضغط على ما تسمى المعارضة السورية في اللجنة الدستورية لتكون أكثر تعاوناً مع النظام السوري، وقد يكون هذا بالفعل سيناريو ممكناً؛ ففي أواخر عام 2019، كان هناك قرار من السعودية مناهض لتركيا بإعادة تشكيل لجنة المفاوضات العليا التي تمثل ما تسمى المعارضة في المحادثات التي تدعمها الأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، بعد محادثات مع وزير الخارجية الأردني “أيمن الصفدي”، في 19 فبراير/شباط، قال وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” إن الجانبين ناقشا “مبادرات الأردن لتنفيذ مشاريع محددة لاستعادة البنية التحتية المدنية في جنوب سوريا، وتهيئة ظروف أخرى لعودة اللاجئين من الأردن”.
ونوقشت هذه المشاريع بالفعل على الأقل منذ أواخر عام 2019، وقد تحدث “علاء إبراهيم” للمرة الأولى عن العروض التي تلقتها دمشق من شركات عقارية إماراتية وأردنية لتنفيذ عدة مشاريع في ضاحية داريا غرب العاصمة.
وربما تشعر موسكو أن ما لدى تركيا لتقدمه فيما يتعلق بالتسوية السياسية لم يعد ذا صلة، ويعتقد المسؤولون الروس أنهم يستطيعون إملاء الشروط على أنقرة، وترى موسكو أن تركيا لا تسعى فقط لإخضاع إدلب لسيطرتها، ولكن أيضاً التوصيل بين المناطق التي احتلتها عبر هجماتها على الكرد في سوريا.
وبحسب التقرير فإن روسيا تنشغل حالياً بصياغة خريطة طريق لتهيئة حوار جدّي بين النظام السوري والكرد، والأهم من ذلك أنها تحاول ضم الكرد إلى اللجنة الدستورية، على الأقل من خلال منصة القاهرة، وهي خطوة ترحب بها الولايات المتحدة والملكيات العربية، ولدى أنقرة كل الأسباب للاشتباه في أنه إذا تمت الموافقة على خريطة الطريق بين “الأسد” والكرد من قبل الطرفين، فسوف يتم تهميش تركيا بدعم من مصر والسعودية والإمارات.
ومنطق روسيا واضح في هذه الحالة، حيث ترى أنه من الضروري إضعاف المرتزقة في محافظة إدلب إلى أقصى حد ممكن.
وفي الوقت الحالي، تستغل موسكو كلاً من أبوظبي والرياض، اللتين تتصرفان بحذر أكبر في القضية السورية، لدعم المصالح الروسية في شرق سوريا بالإضافة إلى دعم جهود موسكو لإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، مما يسمح للاجئين السوريين بالعودة إلى ديارهم.
ومن جهة أخرى يقول أنطون مارداسوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية لصحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية بأنه يعتقد أن “موسكو في الوقت الراهن بحاجة فقط إلى تغيير قواعد اللعبة في سوريا”، أولاً، كان من المهم للكرملين تقليم أظافر تركيا في إدلب، لذلك لم يكن لها أي طريقة أخرى سوى التدخل المباشر، ثانياً، موسكو مهتمة بإضعاف ما تسمى المعارضة السورية، لكنها أكثر اهتماماً بإدراك دمشق لحدود قدراتها: بدون الدعم المباشر من الاتحاد الروسي، فإن وحداتها غير قادرة على أي شيء، وهذا يعني، كما يقول المحلل أنه بسبب هذا الوضع يمكن لروسيا تحقيق ولاء أكبر من الرئيس بشار الأسد.
ثالثًا، يتيح الخلاف بين موسكو وأنقرة بشأن قضية إدلب لروسيا أن تأخذ في الاعتبار آراء الحكومات العربية المهتمة باحتواء ليس فقط الإيرانيين، بل الأتراك أيضاً.
وفي محادثة مع الصحيفة، صرح الممثل الخاص السابق لوزارة الخارجية الأمريكية لدى سورية، فريدريك هوف، أن هناك حاجة ملحة إلى وقف فوري لإطلاق النار في إدلب، وقال الدبلوماسي السابق: “تظل تركيا عضواً في الناتو، لذا لا يمكن استبعاد إمكانية التصعيد الخطير بمشاركة أطراف أخرى”.
ويعتقد الدبلوماسي الأمريكي أنه بلا شك أن خبراء السياسة الروس يسعون إلى إنشاء نوع من التحالف المناهض لتركيا مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.