الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

نادية حلمي تكتب : رؤية المواطن الصيني لتطبيق (القانون المدني الجديد) للانفصال والطلاق

الحدث – القاهرة

جاءت استضافتي في البرنامج الإجتماعي للبى بي سي البريطانية BBC وبصفتي متخصصة في الشأن الصيني، للحديث حول: (القانون الجديد للطلاق في الصين)، بمثابة فرصة جيدة للتعرف وتحليل أول مواجهة شعبية بين المواطن الصيني والدولة الصينية. وتأتي فكرة هذا القانون الصيني الجديد بضرورة وضع (فترة تهدئة لمدة شهر كامل بين الزوجين عند التقدم بطلب الإنفصال لربما يتراجع الزوجين في قرارهما).
– أولاً: وجهة نظر الدولة الصينية في تطبيق قانون التهدئة الجديد الخاص بالطلاق.
تأتي وجهة نظر الدولة الصينية، وإتحاد النساء لعموم الصين كأكبر هيئة في البلاد لتمثيل المرأة الصينية حكومياً، ووزارة الشئون المدنية، بأن هذا القانون بمثابة فرصة كبيرة للقضاء على ما يعرف بـ (الزواج العبثي والطلاق العبثي) في البلاد.
وكانت أبرز التصريحات والتحليلات المدافعة عن وجهة نظر الدولة الصينية، هي تصريح “ليانغ تشونغ تشاو”، بصفته المسؤول البارز بوزارة الشؤون المدنية في الصين، بأن “سبب إقرار قانون التهدئة الجديد يعود إلى إنخفاض نسب ومعدلات الزواج في البلاد، مما أثر سلبياً على معدل المواليد، والتنمية الإقتصادية والإجتماعية في الصين”، وتعهد مسئول الشئون المدنية الصينية، السيد/ “ليانغ تشونغ تشاو”، بأن هذا القانون الجديد الهدف من ورائه هو “وضع سياسة إجتماعية تعزز الجهود الدعائية للترويج لقيم إيجابية حول الحب والزواج والأسرة، بحيث تشكل فترة التهدئة جزءاً رئيسياً من السياسة الجديدة في دولة الصين”.

ونجد أنه في الوقت الحالي، تزداد المخاوف في الصين من أن تشكل “شيخوخة المجتمع” عامل ضغط إضافياً على الإقتصاد الصيني، ورغم إلغاء سياسة الطفل الواحد لكل أسرة، إلا أن ذلك لم يشجع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال.

ثانياً: نتائج تطبيق قانون التهدئة الجديد وفترة المهلة عند نظر طلبات الإنفصال على نسب الطلاق في المجتمع الصيني.
كان من أبرز نتائج تطبيق “قانون فترة التهدئة”، هو تراجع نسبة الطلاق بأكثر من ٧٠ في المائة بعد فرض الحكومة لفترة “تهدئة” إلزامية يخضع لها الأزواج قبل أن يتخذوا قراراهم النهائي. وترى السلطات الصينية أن فترة الإنتظار لمدة ٣٠ يوماً بعد تقديم طلب الإنفصال، يمكن كلا الطرفان خلال تلك الفترة سحب طلب الطلاق في أي لحظة، وبعد إنقضاء مهلة الـ ٣٠ يوماً الخاصة بالتهدئة، يمكن للزوجين التقدم مرة أخرى لإنهاء الزواج بشكل رسمي لدى المحكمة التشريعية المختصة في كل مقاطعة صينية يتبعها الزوجين. وتشير البيانات الرسمية أنه تم تسجيل أقل من ٣٠٠ ألف حالة طلاق في الربع الأول أي الشهور الأولى الثلاث من عام ٢٠٢١، مقارنة بـ ١.٠٦ مليون حالة طلاق في الربع الأخير من العام الماضي أي من سبتمبر حتى ديسمبر ٢٠٢٠، وهو ما مثل نسبة إنخفاض كبيرة تقدر بحوالي ٧٢ %. وهذا القانون المدني الصيني الجديد للطلاق، يستند إلى تشريعات محلية تم تطبيقها فعلياً في عدة أجزاء من الدولة الصينية.
وجاءت الإنتقادات الواسعة لهذا القانون الجديد، لأنه يعيق الحريات الشخصية ويحاصر الناس في زيجاتهم وفقاً لرأي المواطنين الصينيين، ونجد أن قانون “فترة التهدئة” لا يحظى بشعبية في البلاد، ومعظم التبريرات تشير وتربط بين (العلاقة بين تنفيذ قانون التهدئة الجديد عند طلب الطلاق وإرتفاع نسبة ومعدلات العنف بين الأزواج والذي قد يصل إلى القتل)، ويشير المعارضون لهذا القانون إلى حادثة مقتل صينية على يد زوجها في (مقاطعة هوبي) في شهر يناير ٢٠٢١، وربطت بعض الحسابات على الإنترنت هذا الحادث بفترة التهدئة وعجز تلك الزوجة وزوجها حينئذ على الحصول على حريتهم وإضطرارهم للعيش سوياً لمدة شهر كامل، الأمر الذي قد ينجم عنه حوادث عنف منزلي وجرائم في المجتمع الصيني.
– ثالثاً: وجهة نظر المشرّعون الصينيون في إقرار القانون المدني الجديد الخاص بمهلة الطلاق تبرر السلطات الصينية بأنها لجأت إلى تطبيق هذا القانون رغم موجة الإعتراضات الشديدة عليه، بعد تزايد نسبة الطلاق في السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تحاول فيه بكين تشجيع الصينيين على المزيد من الإنجاب لأكثر من طفل واحد لكل أسرة، من أجل التخلص من قنبلة ديموغرافية محتملة، وزيادة عدد المواليد الأمر الذي يساعد على زيادة نسبة التنمية الإقتصادية في السنوات الأخيرة.
وبعد إقرار قانون التهدئة عند طلب الطلاق، إنخفضت بدايةً من هذا العام في ٢٠٢١ معدلات طلب الطلاق، بعد ملاحظة الحكومة الصينية كارثة إقدام أكثر من ٤ ملايين و ٢٥٠ ألف مواطن صيني- وفقاً لإجمالي الإحصائيات المحلية في الصين- على الطلاق خلال عام ٢٠٢٠ فقط، إلا أنه بعد دخول “القانون المدني الجديد حيز التنفيذ” في الأول من يناير ٢٠٢١ إنخفضت نسبة الطلاق منذ يناير حتى إبريل ٢٠٢١، إلى أقل من ٣٠٠ ألف حالة طلاق، أي إنخفاض نسب الطلاق لأكثر من ٧٠% عام ٢٠٢١ مقارنةً بالأعوام السابقة.
ولكن احتدام الجدل بعد إقرار (قانون الإنفصال الجديد في الصين) بين المتضررين من جراء تطبيقه مع الدولة الصينية، خاصةً بعد أن بات يتعين على الأزواج الصينيين الذين يسعون للحصول على وثيقة الطلاق إكمال فترة “تهدئة” لمدة شهر، فوفقاً لهذا القانون الجديد الذي أثار غضباً بشأن تدخل الدولة في العلاقات الخاصة للأفراد والمواطنين في الدولة، بعد أن فرض وأجبر جميع من يتقدمون بطلب للحصول على الطلاق الإنتظار لمدة شهر قبل بدء معالجة طلبهم، في محاولة من قبل صانع القرار الصيني الحد من معدلات الطلاق، والذي لاقى معارضة واسعة النطاق وشديدة عندما طرحه المشرعون الصينيون منذ نهاية عام ٢٠٢٠.
– رابعاً: وجهة نظر المواطن الصيني في إقرار قانون التهدئة المدني الجديد الخاص بالإنفصال:
بعد إقرار قانون التهدئة عند طلب الإنفصال، أصبح هذا القانون أحد أكثر المواضيع شيوعا للمناقشة والإنتقاد العلني على منصة “ويبو” الصينية للتواصل الإجتماعي والشبيهة بـ “تويتر”، مع أكثر من ٢٥ مليون تفاعلاً مع هذا القانون، ما بين (مشاهدة، مشاركة، تعليق) حول هذا الخبر، كما تصدر عنوان (عارضوا فترة تهدئة الطلاق) جميع منصات التواصل الإجتماعى الصينية.
وكتب أحد المعلقين الصينيين المعارضين لتطبيق وتمرير هذا القانون، بأنه: “لا يمكننا حتى الطلاق بحرية؟ لا يزال هناك الكثير من الأشخاص الذين يتزوجون بشكل متسرع، فليحددوا إذاً فترة تهدئة للزواج أيضاً.
وجاء إعتراض مواطن آخر، معلقاً بالصينية: “لقد مرروا هذا القانون رغم معارضة الجميع عبر الإنترنت، مما يعنى أن احترامهم للرأي العام في الصين، هو فقط بهدف الإستعراض”.
وهنا يجب الأخذ في الإعتبار، وفقاً للقانون الجديد، بأن “فترة “التهدئة” لا تطبق إذا كان أحد الزوجين يطلب الطلاق بسبب العنف المنزلي الذي يتعرض له”.
وتأتي وجهة نظر حكومة بكين، بأنهم قد إضطروا لتمرير هذا القانون، نتيجة لإزدياد معدلات الطلاق بنسبة كبيرة في المجتمع الصيني، فقد إزداد معدل الطلاق في الصين بشكل مطرد منذ عام ٢٠٠٣، عندما أصبحت قوانين الزواج أكثر تساهلاً في الدولة، إضافةً إلى إزدياد نسبة إستقلالية النساء مالياً.
وفي تقرير مطول أعدته صحيفة “تشاينا ديلي” الصينية، والقريبة من قيادات الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، فلقد دافعت عن وجهة نظر المشرعون الصينيون، بأن: “سهولة قوانين الزواج والطلاق في البلاد قد ساهم في جعل الطلاق العبثي ظاهرة شائعة بشكل متزايد، وأدى إلى عدم إستقرار الأسر”.
– خامساً: إيجابيات وسلبيات إقرار “قانون التهدئة المدني الجديد الخاص بطلب الطلاق”…وإقتراحات بـ “حلول وسط” لتفادي سلبيات تطبيق القانون، وزيادة مردوده الإيجابي:
بعد عرض وجهتي نظر الطرفين، وهما (الدولة والمشرع الصيني، والمواطن الصيني ذاته)، فيمكننا هنا القول بكل سهولة، بأن تطبيق مثل هذا القانون له إيجابيات وسلبيات عند تطبيقه، وتأتي أبرز تلك (الإيجابيات) هي تراجع نسبة الطلاق بأكثر من ٧٠ في المائة بعد فرض الحكومة “فترة التهدئة الإلزامية لمدة شهر”، والتي يخضع لها الأزواج الصينيون قبل أن يتخذوا قراراهم النهائي بالإنفصال من عدمه.
وهو نفس الإتجاه الذي ذهبت إليه المحللة الإجتماعية الصينية “لي جيا جانغ”، بتعليقها عبر وسائل التواصل الإجتماعي الصينية، بالإشارة إلى فاعلية تطبيق مثل هذا القانون الجديد أكثر من سلبياته، قائلة بأنه: “بات في السنوات الأخيرة، كلاً من الزواج السريع والطلاق السريع من المظاهر المألوفة في مجتمعنا، لذلك فإن إدخال فترة التهدئة عند طلب الطلاق مؤخراً قد لعب دوراً مهماً في الحد من حالات الطلاق المتفشية في المجتمع الصيني”.
وعلى الجانب الآخر، فإن من أبرز (سلبيات) تطبيق قانون التهدئة عند طلب الطلاق، هو (بطئ وطول فترة ومدة إجراءات التقاضي في طلب الطلاق)، قد تؤدى إلى تزايد أعمال ومعدلات العنف المنزلي بين الأزواج نتيجة لإضطرارهم للتعايش سوياً قبل البت نهائياً في طلبهم بالإنفصال من قبل المحكمة المدنية المختصة بحكومة المقاطعة التي يخضع لها الأزواج، وهو الأمر الذي قد يتطور في نهاية المطاف إلى إرتكاب جرائم مجتمعية عديدة أشدها القتل والتعذيب، مثلما أشرت لتلك الحادثة المشهورة في (مقاطعة هوبي) وقتل زوجة صينية شابة على يد زوجها، نتيجة لإضطرارهما الإنتظار والتعايش شهراً إضافياً آخر قبل البت والنظر في طلبهم الخاص بالإنفصال والطلاق.
كما أنه من بين (سلبيات) تطبيق هذا القانون أيضاً هي (انتشار حيل التحايل على هذا القانون بشكل غير مباشر)، وهو ما أدركته السلطات الصينية مؤخراً عبر ما نشرته وسائل الإعلام الصينية الرسمية والتي أفادت في شهر فبراير الماضي لعام ٢٠٢١، بأن: “جميع المواعيد الخاصة بمناقشة طلبات الطلاق، كانت محجوزة في عدة مدن صينية، مثل: شنتشن وشنغهاي، وغيرها، بل إن بعض هؤلاء الأزواج المقبلون على الطلاق قد إضطروا في نهاية المطاف إلى شراء مواعيد متقدمة من أزواج آخرين لا يتسرعون نتيجة حكم إستصدار وثيقة الطلاق نظير دفع مبالغ كبيرة لهم من قبل الأزواج الآخرون الذين يتسرعون إقرار إستصدار وثيقة الطلاق.
ويبقى هناك أخيراً منطقة (الحل الوسط والمنطقي) لحل إشكالية تطبيق هذا القانون المدني الجديد بين المواطن والدولة الصينية بتفادي ما قد ينجم عنه من سلبيات وزيادة إيجابيات تطبيقه وتنفيذه، وهذا وفقاً لما أشارت إليه الباحثة الإجتماعية الصينية “تشن يايا”، بأنه: “بعد أن أصبح قانون فترة التهدئة حقيقة واقعة ودخوله حيز التنفيذ فعلياً، لذا، يجب علينا البدء في التركيز على حل المشكلات المتعلقة بأسباب طلب الطلاق بين الأزواج عند تقديمهم طلب بالإنفصال، ويمكننا هنا كإخصائيون إجتماعيون حل مشاكلهم الزوجية وأسباب رغبتهم في الإنفصال بشكل واقعي وحكيم، ومساعدتهم في فترة التهدئة على كيفية التخلص من السلبيات التي قابلتهم طيلة فترة الزواج”.
وتبقى (المحصلة النهائية) لهذا النقاش الدائر داخل المجتمع الصيني ذاته بشأن هذا القانون، وهو الأمر الذي أدركه وبحثه وحلله فعلياً عدداً من علماء الإجتماع والخبراء والمختصين الصينيين، بأن: “هناك حاجة ملحة إلى المزيد من البيانات لإستخلاص الإستنتاجات والحلول العملية والتطبيقية حول جدوى تطبيق هذا القانون المدني الصيني الجديد، منوهين إلى أن وجود معدلات وعوامل متغيرة تختلف من منطقة إلى أخرى تساهم في إجراء المزيد من النقاشات المتعلقة والمعمقة لهذا القانون”.

 

to top