الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

نادية حلمي تكتب : كيف تستفيد مصر من الإستثمارات الصينية في (دول حوض النيل) عبر مبادرة الحزام والطريق لحل إشكالية أزمة سد النهضة؟

الحدث – القاهرة

تولي مراكز الدراسات والأبحاث الصينية خاصةً في الجامعات الصينية المعنية بالشأن الأفريقي، إهتماماً كبيراً بالدور الصيني داخل (دول حوض النيل في أفريقيا، وبالأخص في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، والذي تقع دولة “أثيوبيا” ضمن حدوده الإقليمية والجغرافية الهامة)، ودرست المراكز الفكرية الصينية، كيفية دعم دور الصين جيداً في تلك المنطقة بعد إطلاق الصين مبادرتها التنموية للحزام والطريق في عام ٢٠١٣، وإنضمام ٥٠ دولة أفريقية للمبادرة الصينية، كما زاد حرص تلك المراكز الفكرية الصينية على تقديم إستشارات دائمة لصانع القرار والخارجية الصينية، حول أهمية دول حوض النيل بالأخص في أفريقيا، كحالة تستحق الدراسة، لذلك، تولي القيادة السياسية الصينية للرئيس الصيني “شى جين بينغ” عبر توجيه عدد من الباحثين والدارسين الصينيين المختصين بالشأن الأفريقي، لتوفير معلومات حول: تاريخ دول حوض النيل وجغرافيتها، وأسواقها، وكافة الفرص المتاحة لديها.
فلقد تخطى النفوذ الصيني في دول منطقة منابع (حوض النيل) حركة النمو الإقتصادي، لأبعد من ذلك عبر التغلغل الصيني في أعماق السياسات الداخلية لعدد من الدول الأفريقية التي تقع ضمن حدود دول حوض النيل التي تشترك في مياه النيل مع مصر، كما أضحى هناك إهتمام دولي وأمريكي مكثف بالعلاقات العسكرية الصينية الأفريقية، بسبب ما يثار من الدور الصيني الواسع في تصدير الأسلحة للدول الأفريقية، وبحسب دراسة حديثة قام بها) معهد إستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بالسويد)، تصدر الصين أسلحة لـ ١٦ دولة أفريقية منها دول في منطقة حوض النيل .

وبلغة السياسة التي عهدتها دوماً كخبيرة بالشأن السياسي الصيني وأستاذة وأكاديمية معروفة في الوقت ذاته للعلوم السياسية والسياسة الصينية، وتطبيقاً لمقولة أن: “أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس هم أنفسهم أعداء اليوم”، فإن لغة السياسة لا تعرف عداء دائم أو تحالف مستمر، فالمصالح هي من تحدد بوصلة التوجهات، فعكس ما بات يتم الترويج له مؤخراً بشأن (العلاقات الإستراتيجية الوطيدة بين الصين وإسرائيل في بناء سد النهضة الأثيوبي المناهض للمصالح المصرية)، فما أود هنا التأكيد عليه ومن خلال قراءتي وفهمي التام للمشهد العام بين الصين وإسرائيل في أفريقيا، هو سيادة وهيمنة (منطق التنافس الصيني – الإسرائيلي في منطقة طول حوض النيل والقرن الأفريقي الذي تتواجد به أثيوبيا)، والدليل الملموس على ذلك هو حالة العداء الإسرائيلي الملموس للجانب الصيني، والذي أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب (التواجد الصيني وقواعدها العسكرية التي أقامتها في السنوات الأخيرة وأعلنت عنها مؤخراً في جيبوتي)، حيث إعتبرت إسرائيل أن تلك القواعد العسكرية الصينية تعمل (كمهدد للأمن القومي الإسرائيلي) وفق الرؤية والتحليل العسكري والبحري والإستراتيجي الإسرائيلي بدعم أمريكي بالأساس.
ولأهمية دول حوض النيل وتلك المنطقة للصين، فقد صادق (منتدى التعاون الصيني – الأفريقي)، والذي يعرف بإسم (فوكاك) في شهر سبتمبر ٢٠١٩ في بكين، على خطة عمل مقترحة للتعاون الصيني الأفريقي، ستتمكن من خلالها الصين مساعدة الدول الأفريقية ودول حوض النيل وأثيوبيا على الحصول على (قروض ميسرة) قيمتها أكثر من ٢٠ مليار دولار لتطوير البنية التحتية والزراعية والصناعية ومساعدة تلك الدول الأفريقية لحوض النيل بالأساس على تحقيق التنمية الذاتية والتنمية المستدامة، كما وعدت الصين بتدريب أكثر من ٣٠ ألف كادر من الكوادر الشابة من الدول الأفريقية في مختلف المجالات خلال الأعوام الثلاث المقبلة، وتعهدت بكين أيضاً بتوفير ما لا يقل عن (١٨ ألف منحة دراسية للطلاب الأفارقة ضمن حدود دول حوض النيل في مراحل التعليم العالي والماجستير والدكتوراه في الجامعات الصينية)، وبالتالي أصبحت فكرة (تنامى النفوذ والدور الصيني في القارة الأفريقية)، ولاسيما ضمن نطاق (دول حوض النيل)، بإعتبارها المنطقة الأكثر أهمية لمصر في الفترة الأخيرة لحدودها المائية للحفاظ على (الأمن المائي لمصر وإدارة مصادر مياه النيل، والقريبة في الوقت ذاته من أثيوبيا لحل إشكالية سد النهضة)، كمنطقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمصر والصين والعالم بشكل لا يمكن الإختلاف عليه.
وطرحت الصين من خلال علاقاتها مع دول حوض النيل عبر مبادرة (الحزام والطريق الصينية)، خمس إقتراحات لإقامة (علاقات صداقة صينية أفريقية مستقرة وأكثر تعاوناً في القرن الحادي والعشرين)، وتشمل هذه المقترحات: (علاقة صداقة متينة، تحقيق المساواة بين الطرفين في التجارة البينية، الوحدة والتعاون والتنمية المشتركة، النظرة الواحدة للمستقبل ضمن مصير مشترك للبشرية)، وقد أصبحت هذه المقترحات الخمسة الركائز الأساسية للسياسة الصينية تجاه أفريقيا وفي مقدمتها دول حوض النيل الأكثر أهمية وإستراتيجية بالنسبة للصين ومثار التنافس الإقليمي والدولي، والأكثر عمقاً وتأثيراً على الأمن القومي المصري، وتم بلورتها بشكل عملي عبر جلسات حوار منتدى التعاون الصيني الأفريقي “فوكاك” بين الصين وأفريقيا، ومصر بالطبع في القلب منه، وذلك لتعزيز التعاون الثنائي بين الصين ودول أفريقيا، وعملت بكين بعد إطلاق مبادرتها للحزام والطريق عام ٢٠١٣، على التقارب مع أفريقيا ودول حوض النيل على وجه الخصوص، من أجل (بناء نوع جديد من الشراكة الإستراتيجية) التي عمقت التعاون الثنائي في جميع المجالات في السنوات الأخيرة.
وأصبحت الصين أكبر شريك تجارى لدول حوض النيل الأفريقية في الوقت الحالي، وإرتفعت حجم التجارة الثنائية بينهما. وسجلت الإستثمارات الصينية في أفريقيا نمواً قوياً أيضاً.
كما إتجهت الصين لتنفيذ عدد من الخطوات لإحتواء دول حوض النيل الأفريقية إقتصادياً، كان أبرزها إنشاء صندوق بقيمة ٥ مليار دولار كقروض ميسرة وتجارية، كما تعهدت الصين عبر (مبادرة الحزام والطريق) بمضاعفة المساعدات وبناء ٣٠ مستشفى صيني في أفريقيا أكثر ١٥ ألف مواطن أفريقي في مجالات مختلفة.
فلقد أبدت الصين مرونةً في علاقتها بدول أفريقيا وعلى رأسها دول حوض النيل خارج حدود بكين الجغرافية، وإستطاعت الصين أن تستفيد من الخلفية التاريخية لأفريقيا والتجارب السابقة لها مع المستعمرين الإنجليز والفرنسيين وغيرهم، الأمر الذي وضعت ملامحه مراكز الفكر الصينية، والتي رسمت بعناية فائقة آليات ومسارات تحرك العمق الصيني من أجل الولوج والتغلغل الصيني إلى العمق الأفريقي والتواصل مع المجتمعات الأفريقية المحلية، والتركيز على الجانب الإقتصادي وحيازة ثقة دول أفريقيا وحوض النيل عن طريق المشاريع الإجتماعية الصينية عبر مبادرة الحزام والطريق لخلق فرص عمل جديدة لتشغيل الأيدي العاملة الأفريقية خاصةً في دول حوض النيل، وأثبتت الصين أن توجهها نحو دول حوض النيل وأفريقيا عموماً كان خياراً إستراتيجياً لما تحمله القارة السمراء من إستثمارات واعدة وموارد هائلة.
وتبعاً لتقرير مطول للموقع الصيني المعروف (ساوث تشاينا مورنينغ بوست)، فإن معظم البصمات الصناعية والتجارية والإستثمارية المتنامية في أفريقيا ودول حوض النيل، تمت صناعتها في الصين، كما تكشف علاقة الصين ببعض الدول الأفريقية عن مدى التفاعل الكبير بين بكين والقارة العجوز، وفي القلب منه دول حوض النيل، وهو ما تجسده العلاقة الخاصة بين الصين مع كلاً من (الكونغو وأثيوبيا) بصورة خاصة، مع ما للصين من تأثير خاص على دولة الكونغو بإعتبارها الرئيس لدورة الإنعقاد الحالي للإتحاد الأفريقي، وبما تملكه دولة الكونغو من أدوات ضغط على الجانب الأثيوبي ودول حوض النيل الأخرى لتقريب وجهات النظر والرضوخ عملياً للشروط المصرية فيما يتعلق بشروط تشغيل وملء الخزان الخاص بسد النهضة.
كما أشارت مراكز الفكر والأبحاث الصينية إلى أن حجم الإستثمارات الصينية في دولتي (الكونغو وأثيوبيا) الأكثر أهمية إستراتيجية للأمن القومي المصري في الوقت الحالي بسبب أزمة سد النهضة الأثيوبي قد فاق ما كان عليه في السابق بمراحل عديدة، وعند مقارنة (التواجد والنفوذ وتدريب  الصيني بالأمريكي في دول حوض النيل)، نجد أن رؤية وتحليل مراكز الفكر الصينية القريبة من مراكز صناعة القرار في الصين، تؤكد في تناولها لتلك المقارنة، بأن بكين لا تهدف من وراء هذا التواجد في دول حوض النيل لأى مكاسب سياسية مقارنةً بما عليه الحال والوضع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نفس ما ذهبت إليه التحليلات الحكومية الأمريكية الأكثر مصداقية ذاتها، فوفقاً لدراسة أجراها مؤخراً (مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي)، فإن أهداف أمريكا من تواجدها الدائم في منطقة دول حوض النيل، هي: (بناء الديمقراطية، تعزيز التنمية، دعم التجارة، تعزيز الأمن)، أما بكين فعلى النقيض من ذلك، حيث تؤكد رسالتها على (إقامة علاقات أوثق) مع الدول الأفريقية، وتشمل أدوات الصين لتحقيق ذلك، من خلال: (السعي إلى المنفعة المتبادلة، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأفريقية).
ومن وجهة النظر العربية، وكما صرح منذ فترة وزير خارجية الصومال، بأن “دور الصين المتعاظم حالياً في دول حوض النيل والقارة الأفريقية، ما هو إلا نتيجة طبيعية لتراجع الدور العربي في أفريقيا”، مع تأكيده بأن “القلق الأمريكي والأوروبي من الصين يأتي في إطار كسر الصين للمستعمرات الأوروبية في أفريقيا والتي يعتبرها الغرب أسواقاً تاريخية له”.
وهنا، نجد أن الأمر اللافت للنظر في المشهد الأثيوبي، هو الدعم الذي تتلقاه هذه الدولة من قوى إقليمية وعالمية عديدة، وهو ما يعلنه دوماً التليفزيون الرسمي الأثيوبي، بأن أثيوبيا وعدة قوى إقليمية وعالمية قاموا بتوقيع إتفاقيات لتمويل بناء (سد النهضة) بهدف دعم مشاريع تنموية مختلفة في أثيوبيا، وإنشاء مشروعات مشتركة بين حكومة أثيوبيا وحكومات العالم، ومعظم أوجه التعاون الأثيوبي مع الدول المستثمرة في سد النهضة يأتي بالأساس في مجال البنية التحتية.
وبتحليل النظرة الإستراتيجية لدول حوض النيل الأفريقية، نجد أن الصين ليست وحدها في تنامى نفوذها عبر دعم علاقاتها الثنائية والجماعية مع دول القارة الأفريقية، فدول أخرى كتركيا وإيران وماليزيا أيضاً وغيرها قد نحت نفس المنحى والتوجه الصيني نحو دول حوض النيل، لكن تظل الصين هي الأنجح حتى الآن في إدارة سياساتها تجاه دول حوض النيل الأكثر عمقاً وتأثيراً إستراتيجياً بالنسبة للقارة الأفريقية.
والأمر الذي حللته مراكز الدراسات والأبحاث الأفريقية في بكين بشكل جيد، ووجهت إليه أنظار صانع القرار الصيني هو (أهمية العمق والمجال المجتمعي لضمان سيطرة بكين على دول حوض النيل)، لذلك نجد سعي الصين لبسط سيطرتها ميدانياً عن طريق المال الصيني الذي يضخ في المشاريع الأهلية وبقوة لكسب الولاءات في المناطق التي تغزوها إقتصادياً في حوض النيل والقرن الأفريقي في شرق أفريقيا. حيث نجد مساهمة الصين في بناء أكثر من ٦٠ مدرسة في مناطق ريفية نائية بدول حوض النيل والقرن الأفريقي وأثيوبيا كمركز هام لتلك المنطقة الشرقية من أفريقيا، كما ساهمت الصين في مجال المواصلات وتطويرها بمساعدات هائلة في البنية التحتية وغيرها، فكانت تلك واحدة من أكثر السياسات الصينية الناجحة، والتي قدمتها الصين لدول حوض النيل والقرن الأفريقي وشرق أفريقيا وأثيوبيا في القلب منه كما ذكرت، كنظير لتمددها الإقتصادى في القارة السمراء.
وبتوجيهات بحثية مدروسة في بكين، رسمت مراكزها البحثية خريطة التواجد الصيني في أفريقيا، بالنظر إلى تحليل ودراسة معلومة خطيرة باتت تدركها القيادات الصينية جيداً في الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، وهي بأن “أكثر من ٦٠% من أراضي العالم غير المزروعة موجود بأفريقيا ودول حوض النيل بالأخص في القلب منه، وبالنظر لكون الصين دولة ذات كثافة سكانية عالية ولديها متطلبات إستراتيجية كثيرة وهي في طور التحول أيضاً إلى قوة عظمى بين الكبار، لذلك باتت الصين تحاول دوماً الإقتراب من هذه الثورة الغير مستغلة في منطقة حوض النيل بالأساس، والتي تعرف الصين جيداً كيف تستغلها عن طريق (العامل البشرى) التي تتميز به والإمكانيات المادية المتوفرة به. فبالإضافة لمجال الزراعة في حدود (دول حوض النيل) التي تعد الأكثر أهمية للصين، لا تستطيع الصين تجاهل (ملف الطاقة) الذي يمثل لها أزمة دائمة بسبب كثرة إستهلاكها للطاقة، فالبترول الأفريقي ضمن منطقة الشرق الأفريقي وحوض النيل، يقع في نصب أعين الصين دائماً لتأمين إحتياجاتها من الطاقة التي تنفق الكثير والكثير في إستيرادها من أجل تأمين إحتياجاتها المتزايدة، إذ تعتبر الصين ثاني أكبر الدول المستهلكة للطاقة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فتواجد شركات البترول الصينية في دول حوض النيل الأفريقية، وشرق أفريقيا والقرن الأفريقي، بات واضحاً جداً، بل ودخلت الصين في منافسات حادة مع نظيرتها الأمريكية للسيطرة على أكبر قدر من مصادر البترول في تلك المنطقة، وخير مثال على ذلك، هو تواجد الشركات الصينية في السودان جنوباً وشمالاً، وإستثماراتها في هذا المجال التي بلغت قرابة الأربعة مليارات دولار، بل إن هذا الأمر بات مدعوماً سياسياً بعد أن عينت الصين في السنوات الماضية (مبعوثاً خاصاً بها لشئون دارفور)، مما يفسر أهمية الملف الأفريقي لدولة كالصين، كذلك الأمر في الجارة (تشاد)، فقد إحتكرت الصين ولمدة ٩٩ عاماً (النفط التشادي) بعد أن أنشأت بكين مصفاة للنفط تعمل بواقع ٦٠% لصالح الجانب الصيني مقابل ٤٠% للجانب التشادي. ونفس الحال بالنسبة للإهتمام الصيني العميق بالإستثمار في مجال النفط في (دولة جنوب السودان).
وفي هذا السياق، تبرز أهمية (دولة جنوب السودان) تحديداً كدولة ذات أهمية كبرى لمصر في (قضية سد النهضة وحوض النيل)، وكانت زيارة الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) إلى جنوب السودان نهاية العام الماضي، كزيارة ذات أهمية ملموسة وكبيرة، في ضوء (وقوف ودعم دولة جنوب السودان مع مصر ضد أثيوبيا في موضوع أزمة سد النهضة الأثيوبي)، وهو ما حللته بإهتمام مراكز الفكر الصينية، وإعتبرت أن توجيه الإستثمارات المصرية وجهود رجال الأعمال المصريين لجزء من إستثماراتهم نحو الدولة الوليدة في جنوب السودان لهو أمر مهم يصب في العمق الإستراتيجي لمصر حمايةً لمواردها المائية.
ولدعم (علاقات الصين بدول حوض النيل)، فقد قدمت الصين لأفريقيا، وفي مقدمة دوله بالطبع (دول حوض النيل) قرضاً بلغت قيمته أكثر من ٢٠ مليار دولار على شكل (قروض ميسرة لتطوير البنى التحتية الزراعية والصناعية) خلال لقاءات مؤتمرات منتديات التعاون الأفريقي الصيني خاصةً منتدى بكين “فوكاك” للتعاون الصيني الأفريقي في سبتمبر ٢٠١٩، كما تخطت قيمة الإستثمارات الصينية المباشرة إلى دول حوض النيل الإستراتيجية مليارات الدولارات، وأصبحت الصين ثاني أكبر سوق للصين في مجال المقاولات، وفي هذا المجال بلغت قيمة عقود المقاولات للشركات الصينية في أفريقيا أكثر من ١٢٧ مليار دولار حتى نهاية عام ٢٠١٨، وفي سنة ٢٠٢٠، بلغت قيمة الأعمال الصينية المنجزة في دول حوض النيل خلال الأرباع الثلاثة الأولى أكثر من ٢٠ مليار دولار بزيادة قدرها ٥٠% مقارنةً بالأعوام السابقة، وبلغت مساهمة الصين في القطاع الزراعي لدول حوض النيل ومشروعات الطاقة وتوليد الكهرباء والسدود عدة مليارات، وإرتفع عدد الشركات الصينية الزراعية لدى دول حوض النيل، وإستثمرت الصين بشكل مباشر في هذا المجال، وبعد أن كان عدد المصانع والمؤسسات الصينية في دول حوض النيل الأفريقية عام ٢٠٠٥ نحو ٧٠٠ شركة صينية، قفز عددها عام إلى أكثر من ثلاث آلاف شركة ومؤسسة صينية تعمل في جميع المجالات تقريباً بدول حوض النيل.
وتحرص الصين على دعم تواجدها في مناطق الصراع والنفوذ العالمي، وبالطبع تقع منطقة (القرن الأفريقي وحوض النيل)، والذي تقع به أثيوبيا في قلب مناطق الصراع التي لا تغيب الصين عنها مطلقاً، بحكم التنافس الإقليمي والدولي والأمريكي الشديد في تلك المنطقة.
وجاء توجيه مراكز الفكر الصينية لصناع القرار في بكين بضرورة تبنى الصين سياسة الشراكة الإستراتيجية مع دول حوض النيل الأفريقية، بغض النظر عن ماهية أنظمة الحكم الموجودة في السلطة في تلك البلدان، وهو الأمر الذي جعل الصين تلقى قبولاً عند كافة دول حوض النيل الأكثر أهمية للأمن القومي المصري، بغض الصين النظر عن المطالب الدولية السياسية الأمريكية والدولية في الموضوعات الشائكة لها، مثل: ملفات (حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحصار الإقتصادي لبعض الدول الأفريقية)، وغيرها.

وفي ذات الإتجاه، يوضح تحليل إقتصادي صادر في شهر إبريل ٢٠٢٠ عن (مؤسسة إنفستوبيديا الدولية) Investopedia المتخصصة في الاقتصاد، أنه في غضون السنوات الخمس الأخيرة، باتت الصين ضمن أكبر الإقتصاديات إستثماراً في دول حوض النيل الأفريقية ومنطقة شرق أفريقيا، خاصةً عبر الدعم المالي لتلك الدول. ويضيف التحليل أن الثروات المعدنية والطاقة والنفط هي أكثر المحاور الأساسية لإستثمارات الصين في كثير من الدول الإفريقية، مع وجود إستثمارات صينية أخرى في مجال (الأغذية، البنية التحتية، بناء الموانئ، النقل). ونلاحظ أيضاً أن إستثمارات الصين تتمتع بميزة تنافسية عند تقديم العطاءات والمناقصات، فالحكومة الصينية تدعم الشركات الصينية وتقدم إعانات مالية للبلدان الأفريقية نظير ترسية العقود على شركاتها.
وتأتي الخطة الصينية في توسيع نفوذها الجيوسياسى في دول حوض النيل، كدول نامية في حاجة للتكنولوجيا الصينية، ويمكن التدليل على ذلك من خلال تكثيف الصين لإستثماراتها في البنية التحتية في دول حوض النيل، والذي تقدمه الصين من خلال (صندوق التنمية الصيني الأفريقي).
وبالنظر لإستثمارات الجانب المصري في دول منطقة منابع حوض النيل، نجد أنه في الوقت الحالي تأتى الخطة المصرية بالإستثمار المصري في (دول حوض النيل)، والتي تقع ضمن دول المنبع لحوض النيل، من أجل الضغط على أثيوبيا في موضوع (أزمة سد النهضة)، فقد بلغ حجم الإستثمارات المصرية في (دول حوض النيل) أكثر من ١٢ مليار دولار، منها ٨ مليارات دولار في السودان والباقي موزعاً على دول أخرى، وتتركز غالبية الإستثمارات المصرية في مشروعات البنية التحتية في دول حوض النيل، والتي تعمل على المدى الطويل كسلاح للضغط على الجانب الأثيوبي للإستجابة للشروط المصرية في أزمة سد النهضة، وطريقة ملء الخزان، وعدم التأثير سلبياً على حصة مصر كدولة مصب من مياه النيل .

وهنا نجد أن مصر أكبر سوق أفريقية من حيث إجمالي الناتج المحلى الإجمالي، وتعد أيضاً في الوقت ذاته أكبر سوق إستهلاكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما نجد أن الإستثمارات المصرية في أفريقيا خاصةً دول حوض النيل لها أبعاد إقتصادية وسياسية مهمة جداً، بالنظر لما تمثله أفريقيا من بعد إستراتيجي وأمنى خطير يؤثر على العمق الإستراتيجي والقومي لمصر.
لذلك، يبقى الإقتراح الأهم، بالنظر لتنافس القوى الإقليمية والعالمية للدخول إلى عمق الأمن القومي المصري عبر التغلغل في دول منطقة منابع حوض النيل الأفريقية، لذلك، يمكن للصين أن تكون داعم قوى لمصر عبر تسهيل إستثماراتها وفتح قنوات دائمة مع الدول الأفريقية لضمان التواجد المصري في عمق حدوده المائية الهامة في حوض النيل، وهو ما يتأتى بتحالف مصر مع قوة ذات نفوذ إستراتيجى وعلاقات وثيقة مع تلك الدول كالصين.
وأخيراً، يمكننا الإشارة والتأكيد بأن العلاقات المصرية – الإفريقية، وبالأخص مع دول حوض النيل الأفريقية، تحتاج إلى مراجعة في عدد من المحاور، أهمها: (تغير المفهوم العام لهذه العلاقات، والتي كانت تعتمد أيام الزعيم الراحل “جمال عبد الناصر” على الدعم والمساندة لحركات التحرر الوطني)، في حين تغيرت أولويات الدول الأفريقية لحوض النيل الآن، وبدأت تركز على الجوانب الإقتصادية والتنموية، وبناء دول حديثة، وهذا كله يتطلب من مصر الإستثمار في (الموارد الطبيعية، المعادن، الصناعات التحويلية)، وبالنظر لضخامة حجم الإستثمارات الصينية في تلك البلدان عبر (مبادرة الحزام والطريق الصينية)، فإن الصين من خلال شراكتها الإستراتيجية مع مصر يمكنها أن تكون شريكتها لدول حوض النيل، بالنظر لحجم التنافس الدولي والإقليمي القوى على منطقة حوض النيل، وبسبب تلك العلاقات الصينية الوثيقة مع تلك الدول الأكثر أهمية للأمن المائي والقومي لمصر، فهنا، يمكن للجانبين المصري والصيني الإتفاق سوياً على وضع خطة عمل مقترحة قصيرة وطويلة الأجل، يمكن للصين من خلالها مساعدة مصر ومساندة مشروعاتها التنموية في دول حوض النيل، والتي تمس عمق الأمن القومي المصري.

to top