الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

نادية حلمي: سيناريوهات التنافس والمواجهة الأيديولوجية الأمريكية – الصينية بعد جائحة كورونا وتأثيراتها عالمياً

الحدث – القاهرة

مقدمة:
جاء انتشار وباء جائحة كورونا عالمياً في وقت كانت العلاقات بين الصين والولايات المتحدة متأزمة في الأساس. فلم ينجح الاتفاق التجاري الجزئي الذي تم إبرامه في منتصف يناير 2020 في حل الخلافات التجارية بين البلدين.
فلقد سبب الصعود السريع للصين إزعاجاً كبيراً لواشنطن وحلفاؤها في الغرب، حيث تمحورت رؤيتهم في أن النموذج الصيني الشيوعي أضحى مهدداً رئيسيًاً للديمقراطية الليبرالية، وتعددت النقاشات على مدار السنوات الماضية، حول: هل بإمكان الصين فعلاً أن تحتل مكان واشنطن، وتصير القوة العظمى عالمياً، وقطب العالم الأول؟، حتى جاءت جائحة كورونا وطرح السؤال من جديد في عالم (ما بعد كورونا)، بشأن: هل تكون الصين القوة العظمى في عالم ما بعد (كورونا)؟
وتسبب انتشار وباء كورونا حول العالم في زيادة حدة التنافس والصراع في نمط العلاقات الصينية – الأمريكية لمرحلة أكثر صعوبة وخطورة. ومحاولة كل طرف الدفاع عن نظامه السياسي (سواء بشكله الليبرالي أو الشيوعي) في مواجهة الآخر لكيفية تعاملهما مع الأزمة. وهو الأمر الذي أثر بشدة على مسار انتشار الوباء وربما شكل العالم الجديد بعد انحساره، خاصةً في ظل الحاجة الملحة للصين لإعادة تأهيل الاقتصاد العالمي المنهار.
في الوقت ذاته، يخشى العديد من المحللين في واشنطن والغرب من صعود الصين لزعامة النظام الدولي في (حقبة ما بعد كورونا) وتأثير ذلك سلبياً على قيادة وهيمنة الولايات المتحدة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرين أن سيناريو (الصعود الصيني الشيوعي) – وفقاً لتصورهم – سيؤدي لاعتماد المزيد من السياسات التسلطية والقومية، ويخشون من تصاعد هذا المنحى نتيجة تأثيرات الوباء والتباطؤ الاقتصادي العالمي الناتج عنه، مع قدرة النظام الصيني على قيادة العالم للتعافي من تلك الآثار السيئة.
ونلاحظ هنا، استمرار الصراع والتنافس الصيني – الأمريكي خلال فترة جائحة انتشار فيروس كورونا عالمياً، وطوال تلك الأزمة كان هناك استفزازاً أمريكياً متعمداً للصين.

لانتقاد سياسات (الحزب الشيوعي الصيني) نفسه في إدارته للأزمة وبطئ تعامله معها، ووصف الفيروس بالصيني، قبل أن يتم تغيير اسمه لاحقاً من قبل “منظمة الصحة العالمية” إلى (كوفيد-19)، مع إصرار (ترامب) عدة مرات على وصم فيروس كورونا بـ (الفيروس الصيني)، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بكين، وعمل كلا الجانبين الأمريكي والصيني على تصعيد حدة (الحروب الدعائية) والاتهامات المتبادلة بينهما خلال أزمة انتشار وتفشى جائحة كورونا عالمياً، والتي طالت الطرد المتبادل للصحفيين الصينيين والأمريكيين من واشنطن وبكين رداً على بعض الانتهاكات الصادرة من أحد الأطراف تجاه الآخر.
واتفقت معظم التحليلات بأن أكثر الأسئلة والتحليلات إلحاحاً خلال أزمة (كوفيد–19) تتعلق بقضية أوسع، مفادها: كيفية صياغة الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين؟، واتضح أن السؤال الملح الآخر الآن، هو: هل نستطيع إدارة وصياغة نمط تنافس تعاوني بين واشنطن وبكين خاصةً في وقت الأزمات؟
فعلى الرغم من حالة الأزمة الدولية، إلا أنه ثبت فشل إدارة (ترامب) في صياغة نموذج تعاوني مع حكومة بكين خلال الجائحة، فكانت أولى الاتهامات الأمريكية لبكين هي افتقار الشفافية في تبادل المعلومات حول الفيروس، وتعدى الأمر إلى إتهام إدارة “ترامب” رسمياً لمنظمة الصحة العالمية، ورئيسها “تيدروس أدهانوم” بالتحيز للصين، وعدم كفاية المعلومات، وكانت المحصلة النهائية هي: انسحاب واشنطن (رسمياً)، ورفضها دفع مخصصاتها في منظمة الصحة العالمية، في محاولة “ابتزاز” أمريكية واضحة لمنظمات الأمم المتحدة لفرض إرادتها في كيفية التعامل مع “بكين” خلال الأزمة، وعلى رأسها “منظمة الصحة العالمية”.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كانت هناك محاولات مستمرة لتمرير مشروع قانون أمريكي يعطى حكومات الولايات، والهيئات التشريعية الأمريكية ممثلةً في مجلسي النواب والشيوخ، لتمرير مشروع قانون إلى الكونغرس الأمريكي، ومؤسسة الرئاسة الأمريكية لرفع (قضايا وتعويضات ضد الصين)، لأنها سبب انتشار هذا الفيروس، بسبب عدم شفافيتها في نقل وتداول ونقص المعلومات. ففي يوم 21 إبريل 2020، قام المدعى العام في (ولاية ميزوري) الأمريكية (إيريك شميت) برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الصينية في المحكمة الفيدرالية متهماً الحكومة الصينية بأنها تتحمل مسؤولية ما حدث.
ودحض المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية (جينغ شوانغ) في مؤتمر صحفي يوم 22 أبريل 2020 تلك الدعوى، قائلاً: “إن هذه الدعوى القضائية لا تستند على أي دلائل وتنتهك مبادئ القانون الأساسية”.
وبرز خلال الأزمة، توتر في الفعل ورد الفعل المضاد بين واشنطن وبكين، نتج عنه تحذير وزارة الخارجية الصينية للولايات المتحدة، يوم الأثنين الموافق 16 مارس 2010، بعد أن استدعت الأخيرة سفير بكين لديها على خلفية إتهام الصين للجيش الأمريكي بأنه هو من جاء بفيروس كورونا إلى مدينة (ووهان) في الصين، التي تعتبر المنطقة التي بدأ وانتشر منها الفيروس حول العالم.
لذا، انصبت أغلب الانتقادات ضد الولايات المتحدة بالتركيز على ضرورة إعادة النظر في السياسة الأمريكية ضد الصين والعالم، والتراجع عن ومراجعة استراتيجية (ترامب) الحمائية والانعزالية القائمة على مبدأ (أمريكا أولاً)، حيث أتضح جلياً خلال فترة جائحة كورونا بأن ثورة المعلومات والعولمة قد أحدثت تحولاً كبيراً في السياسات الدولية. فحتى لو تفوقت الولايات المتحدة على الصين كقوة عسكرية، فهي لا تستطيع حماية أمنها بمفردها. وباتت الأوبئة وتغيرات المناخ تهدد جميع الأمريكيين، وليس بوسعهم معالجة تلك المشاكل لوحدهم.
واتضح خلال الأزمة، أن واشنطن تخشى أنّ الصين ستنشر نموذجاً للتنمية السياسية والاقتصادية سيقوّض النظام الدولي الليبرالي الذي تسعى أمريكا للتمسّك به.

– مشكلة الدراسة:
يثور الجدل عالمياً حول الحديث عن الأشكال الجديدة للأنظمة السياسية (ما بعد حقبة كورونا)، وتدور إشكالية الدراسة حول أساليب المواجهة و (الفعل) و (رد الفعل) بين بكين وواشنطن خلال فترة إدارة أزمة جائحة كورونا، وما يمكن أن يتمخض عنه من انتشار للقيم (الشيوعية) أو (الليبرالية) في إدارة الأزمات العالمية.
واتضح أن الإشكالية الكبرى تدور حول: كيفية أو إمكانية قيام وإدارة نمط أو شكل

ن د ل (التنافس التعاوني) بين واشنطن الليبرالية وبكين الشيوعية الآن؟، مع مطالبة المجتمع الدولي لكلاً من بكين وواشنطن باختلافات (توجهاتهما الأيديولوجية)، بضرورة الاستفادة من بناء شبكة غنية من التواصل بين العلماء والكوادر الطبية حول العالم. ولربما كان من الأفضل تشكيل لجنة ثنائية عالية المستوى خاصة بـ (كوفيد-19) تحت إشراف صيني – أمريكي مشترك، لتوفير غطاء سياسي واقتصادي دولي، بحيث تعمل تلك اللجنة من الآن على صياغة استراتيجيات صحية حقيقية طويلة الأجل، خاصةً مع فترات اجتياح موجات الفيروسات والأوبئة حول العالم.

– هدف هذه الورقة البحثية:
انطلاقاً من التحديد السابق للمشكلة، تسعى الورقة البحثية لدراسة (أهم التحديات التي تواجه النظامين السياسيين الأمريكي والصيني بالأساس) في الوقت الحالي فترة ما بعد كورونا، خاصةً في ظل استمرار الصراع والتنافس الدائر بينهما. ويمكن اعتبار أن تفشى الفيروس وانتشاره عالمياً كان بمثابة (اختباراً حقيقياً) لقدرة كلاً منهما في طرح نفسه كنموذج (أيديولوجي) مكتمل في معالجة الأزمة، مع اتفاق العالم على نجاح النموذج الصيني بشكله (الشيوعي)، في حين أن دولاً أوروبية ومعها الولايات المتحدة (ليبرالية) قد سقطت في اختبار إدارتها للأزمة، ولم تكن على قدر المستوى المطلوب. لذا بات البعض الآن يتحدث علانيةً عن: ملامح النظام الدولي بعد (كورونا).

أهمية الدراسة:

تنحصر أهمية هذه الورقة البحثية في النقاط التالية:
1) حداثة موضوع الدراسة، وعدم وضوح الرؤية جيداً لدى معظم الباحثين حول العالم.
2) وجود مفارقة بين انتشار وباء كورونا عالمياً، وتعدد حركة النظريات والتفسيرات الدولية الجديدة الناشئة، بل والانتقادات للأنظمة الغربية والأمريكية الليبرالية، بسبب فشلها في إدارة الأزمة، وانصبت أغلب التحليلات الدولية في تفسير وتحليل (حقبةما بعد كورونا)، وتعددت النظريات المطروحة دولياً، مثل: دبلوماسية كورونا أو دبلوماسية الأوبئة، الانقلاب على العولمة، المواجهة بين الليبرالية والشيوعية، هشاشة فكرة العولمة الليبرالية، تغيير شكل العالم، سيادة الدولة القومية وسيطرة الحكومات المحلية، الانكفاء داخلياً، مسألة إعادة النظر إلى القطبية العالمية، وتأكيد المفهوم الذى طرحه الرئيس الصيني (شي جين بينغ) حول “المصير المشترك للبشرية”. وغيرها من التفسيرات والنظريات.

3) تعدد (سيناريوهات وأشكال وتفسيرات النظام الدولي لحقبة ما بعد كورونا ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية)، مع تأكيد معظم التحليلات العالمية، بأن هناك (ثلاثة سيناريوهات) لن تخرج عنها (حقبة ما بعد كورونا)، السيناريو الأول يتمثل في خروج الصين من هذه الأزمة أكثر قوة وأكثر تصميماً على قيادة العالم ومحاولة فرض (نموذجها الشيوعي للحكم) على العالم. والسيناريو الثاني يتمثل في استغلال الولايات المتحدة لهذه الأزمة لتجديد قيادتها على قمة النظام العالمي بشكله الليبرالي، والسيناريو الثالث يرى خروج الجميع سواء الصين أو الولايات المتحدة خاسراً بعد هذه الأزمة.
وهنا يبقى السؤال الملح حول العالم: هل سيبقى العالم كما كان بعد أزمة كورونا؟ أم إننا مقبلون على نظام عالمي جديد لا نقول بقيادة الصين، بل على الأقل بمشاركة الصين وغيرها من القوى الصاعدة حول العالم؟

– منهجية الدراسة:
تعتمد الدراسة على قراءة وتحليل العديد من الدراسات البحثية (سواء باللغتين الصينية والإنجليزية)، التي تشمل معلومات نظرية وإحصائية ترصد واقع ظاهرة الصراع والتنافس بين واشنطن وبكين خلال فترة تفشى جائحة كورونا عالمياً، مع مراعاة تنوع المصادر المكتبية ما بين (كتب ودوريات وصحف وتقارير ومقالات منشورة على الإنترنت ولقاءات مع خبراء وأكاديميين صينيين)، لدراسة المحاور التالية:
1- المفاهيم والنظريات الأساسية للدراسة، بالتركيز على النظريات الجديدة الناشئة لحقبة ما بعد فيروس كورونا.

نظري وتفسيري متكامل لأهم التفسيرات السياسية الناشئة والمستقبلية الجديدة)، مع تنامى ظاهرة استخدام مصطلحات سياسية جديدة لم نسمع عنها من قبل، مع ربط المجال الطبي والصحي بمجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فباتت لدينا نظريات سياسية جديدة، وأدواراً اجتماعية وتنموية وصحية غير تقليدية، لضمان السيطرة على تفشى الوباء ومنع انتشاره.
5- وربما سيتضح لنا في هذه الورقة البحثية حرص الباحثة، على إبراز الأدوار الجديدة للدولة القومية في الصين، ومناهج جديدة لإدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع، والنهج التعاوني بين الصين والعالم، وتراجع دور الولايات المتحدة لصالح الصين التي مدت يد العون والمساعدة للعديد من الدول حول العالم. مع محاولة الإجابة على أهم إشكالية مطروحة الآن، بشأن: ما هي أهم المناهج والنظريات الجديدة التي تؤسس لحقبة ما بعد كورونا؟

– تقسيم الدراسة

2- بالتركيز على منهج (المصلحة القومية) في العلوم السياسية، يتضح مناسبته لموضوع الدراسة، انطلاقاً من بحث كلاً من واشنطن وبكين على مصلحتها القومية، ودفاع كلاً منهما عن أيديولوجيته في شكلها (الليبرالي أو الشيوعي)، وانكفاء واشنطن – عكس الصين – على ذاتها لمعالجة جائحة كورونا دون تقديم يد العون للعالم، ما بين: غلق الحدود، منع السفر، العزل الذاتي، الحجر الصحي، التباعد الاجتماعي، توفير الكمامات والأدوات الطبية اللازمة وأجهزة التنفس للتعامل مع مصابي كورونا، وغيرها من الأشكال التي تؤكد سلامة تطبيق منهج “المصلحة القومية” على موضوع الدراسة.

3- كذلك يتضح لدى إمكانية تطبيق (منهج أو نظرية الدور) كأحد المناهج الأساسية والرئيسية في العلوم السياسية، بإبراز دور الدول والحكومات المحلية، وعلى رأسها الصين والولايات المتحدة في التعامل مع جائحة كورونا، وما ترتب عليها من تعقيدات وصعوبات ومحاولة كل طرف الدفاع عن نظامه السياسي (سواء بشكله الليبرالي أو الشيوعي) في مواجهة الآخر.
4- وربما – وهو الأمر الأهم لدى الباحثة – قد تؤسس الدراسة رغم حداثتها، لعمل (إطار :
ستعتمد الباحثة بالأساس على تقسيم موضوع الدراسة لعدة محاور وأجزاء (3 أجزاء)، لإلقاء الضوء بالأساس على (وقائع وإشكاليات التنافس خاصةً الأيديولوجي بين واشنطن وبكين) خلال فترة جائحة كورونا، مع رصد وتحليل (ظاهرة النظريات والتفسيرات السياسية الجديدة التي تؤسس لحقبة ما بعد كورونا)، وصولاً للإشكالية الأكبر في موضوع الدراسة حول: (أهم السيناريوهات المستقبلية المطروحة لشكل التنافس والصراع بين واشنطن وبكين، وتحليل أوجه العلاقات المستقبلية بين الطرفين للتعرف على شكل النظام الدولي القادم، فضلاً عن محاولات اجتهادية من قبل الباحثة لرسم وبناء النموذج الصيني الذى يمكن الاعتماد عليه كركيزة أساسية في القيادة العالمية مستقبلاً، والتنبؤ بسبل وأشكال المواجهة المستقبلية بين واشنطن وبكين ما بعد كورونا).

الجزء الأول.

تحول المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى “حرب إيديولوجية” عنصرية صريحة (الليبراليين في مواجهة الشيوعيين) بعد تفشى وباء “كوفيد-19”
المتتبع للصراع الأمريكي – الصيني بعد تفشى وباء كورونا، سيلاحظ سيادة (نظرية الصراع بين القيم الليبرالية الأمريكية والغربية ضد الأيديولوجية الشيوعية الصينية) في تفسير تفشي فيروس كورونا في مدينة (ووهان) الصينية، ويمكن تتبع ذلك من خلال الآتي:

1) لعل أخطر ما لاحظته الباحثة المصرية – كمتخصصة في الشأن الصيني – هو ملاحظتها أن شكل الصراع القادم بين واشنطن وبكين قد اتخذ (شكل الصراع الإيديولوجي) بين الجانبين: فالأمر لم يكن مرتبطاً فقط بالتجارة أو التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، فقد استخدم عدد من الساسة في “واشنطن”، وعلى رأسهم (مارك إسبر) وزير الدفاع الأمريكي، الإشارة إلى تصرفات “الحزب الشيوعي الصيني” بدلاً من “الصين”، وهى سابقة خطيرة توقفت عندها الباحثة، تعكس “الشكل الجديد للصراع الأيديولوجي” بين واشنطن وبكين خلال المرحلة المقبلة ما بعد كورونا.
2) إتهام الغرب وواشنطن لبكين (صراحةً) بأن أيديولوجية الحزب الشيوعية في الصين قد عطلت وبطأت الاستجابة الفعالة للأزمات: وهو ما يطرحه الرئيس الأمريكي “ترامب” وعدد من الساسة الغرب والأمريكيين في الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمريكي (مارك أسبر) الذى وصف سياسة “الحزب الشيوعي الصيني” بأنه هو سبب الأزمة، في سابقة خطيرة من قبل مسئول أمريكي وكأنها “حرب أيديولوجية” بين دولتين، وما صرح به وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو”، مفاده بأن الصين “فقدت وقتاً ثميناً في معالجة الأزمة بسبب نظامها السياسي وتصميمها على إسكات الأصوات المستقلة”، وأنه “تحت حكم الرئيس شي جين بينغ، أصبح المسئولون المحليون أكثر خوفاً من الإقرار بأن الأمور لا تسير على ما يرام. وقد أعاق هذا أيضاً الاستجابة الفعالة للأزمات”.
3) دفاع الحزب الشيوعي الحاكم في الصين ضد اتهامات واشنطن والغرب: وتبنى طرحه بالأساس أمام المجتمع الدولي (السلك الدبلوماسي الصيني)، حيث يؤكد بأن الصين قد اتخذت تدابير استثنائية لاحتواء الفيروس – من أجل شعبها وكهدية لبقية .

كما حرصت تلك الدراسة على تتبع استخدام (السياسيين) أنفسهم في أمريكا وأوروبا بالأساس لمصطلحات عنصرية ضد الصين بعد تفشى الوباء وعلى رأسهم “ترامب” و “الجمهوريين”، مع رصد اتجاهات من الصحافة والجمهور حول العنصرية ضد الصين، واكتشفت أنه كانت هناك زيادة واضحة في ارتفاع نسب استخدام العبارات العنصرية ضد الصين والآسيويين، خاصةً في الأسبوع الثاني من شهر مارس 2020. وتم رصد (ردود الفعل العنيفة ضد الصين من قبل الجمهور المشاركين في تلك الدراسة الاستقصائية).
وتوصلت الدراسة لنتيجة مفادها: لوحظ تنامى النزعة العنصرية الأيديولوجية ضد الصين، والخطاب المناهض للصين على المنصات الاجتماعية المختلفة، وتبنى وسائل الإعلام النظرة اليمينية المتشددة ضد الصين بعد تفشى الفيروس، مع انتشار النظرة العنصرية المعادية لآسيا بشكل صارخ، ونظريات المؤامرة التي تتمحور حول الصين عبر الإنترنت.
5) زاد انتشار نظرية (تسييس فيروس كورورنا) بشكل إيديولوجي:
‘The politicization of the Corona Virus’ Theory
حيث أدى انتشار الفيروس عالمياً لتنامى ظاهرة التفسير السياسي والايديولوجي له، و(ربط الوباء بأنظمة سياسية بعينها)، مع تزايد تأكيد (واشنطن) والغرب بأن مواجهة الأمراض مستقبلاً مرتبط بـــ (محاربة الحكومات البيروقراطية أو الاستبدادية والشيوعية)، والتي يعتبرونها سبباً رئيسياً في انتشار كورونا، ووصولها إلى معظم دول العالم، وعلى رأسها حكومات طهران وبكين. معتبرين أن سياسة الإنكار واللامبالاة التي تتبعتها بعض الدول كـــ (إيران والصين) في البداية ساهمت في زيادة انتشار الفيروس عالمياً.
وهو الأمر الذي رد عليه المرشد الأعلى الإيرانى (على خامنئي)، بأن هناك مؤشرات ودلائل تعزز فرضية حدوث (هجوم بيولوجي أمريكي) شنته واشنطن ضد إيران والصين. وهنا يتضح لنا (الأبعاد السياسية) التي اتخذها تفشى الفيروس حول العالم، وفي دول بعينها.

) التخوف الأمريكي من الطرح الأيديولوجي في (حقبة ما بعد كورونا)، وتنامى نظرية (العولمة الصينية البديلة):
‘The Alternative Globalization’ Theory
اقترح عدد من المحللين وجود (عولمة بديلة) أو مغايرة للعولمة الليبرالية، ومركزها هيمنة واشنطن. فشكل العولمة البديلة المطروحة الآن هي (عولمة أكثر تمحوراً حول الصين)، مع تأكيد أصحاب هذا التيار أن جائحة “كوفيد-19” لن تغير الاتجاهات الاقتصادية العالمية بشكل جوهري. ولكنها سوف تسرع فقط من وتيرة التغيير الذى بدأ بالفعل، وهو: الانتقال من عولمة تتمحور حول الولايات المتحدة إلى واحدة تتمحور حول الصين.
7) ثبوت فشل سياسة الاعتماد على النظم الديمقراطية والليبرالية، والت ربما ستتعزز خلال المرحلة المقبلة، وتفوق نظرية (سيادة الدولة القومية أو سيطرة الحكومات) ما بعد كورونا
‘The Nation state sovereignty or government control’ Theory
يؤكد أصحاب هذه النظرية بأننا سوف نشهد تراجعاً عن نظام العولمة المفرطة والتعاون الدولي، حيث بات (مواطنو ما بعد كورونا) يتطلعون إلى حكوماتهم الوطنية لتوفير الحماية لهم، وتسعى الدول والشركات المحلية والحكومية إلى تقليل نقاط ضعفها في المستقبل.
وخلص أصحاب هذا الطرح إلى أنه باختصار، سوف يصنع “كوفيد-19” عالماً أقل انفتاحاً، وأقل ازدهاراً، وأقل حرية.
ونتجت هذه النظرية نتيجة لاعتماد حكومة كل دولة على نفسها داخلياً لمكافحة الوباء بدون مساعدة، ويعزى أصحاب النظرية القومية لسيطرة الحكومات المحلية والدولة القومية تفسير نظريتهم بشكل أساسي إلى أنه بسبب:

(عدم اتجاه واشنطن والغرب كدول ديمقراطية لتقديم يد المساعدة إلى دول العالم التي احتاجت لمساعدات كإيطاليا، وإيران وغيرها مثلما فعلت (الصين) و (كوبا).

6ا) كدول غير ديمقراطية، في الوقت الذى رفضت فيه دول الاتحاد الاوروبي المتقدمة تقديم يد العون لدول تفشت فيها نسب الوباء، مثلما هو الحال مع حليفتها (إيطاليا) مما يطيح بفكرة “التكامل الإقليمي” في ظل الاتحاد الأوروبي).
8) راقبت الباحثة المصرية مدى عمق سيطرة الفكر الأيديولوجي والديني على شرائح كثيرة في العالم العربي والإسلامي بعد تفشى وباء كورونا: فالخلط العربي بين الشأنين الديني والسياسي بشأن أسباب تفشى الفيروس في الصين بما يخدم مصالح واشنطن بشكل غير مباشر لصالح الصين. فقد تراوحت السيناريوهات العربية المطروحة ما بين ما حدث للصين ما بين (فتوى العقاب الإلهي) بسبب اضطهادهم لمسلمي “الايغور” في شينغيانغ، أم أنها (حرب بيولوجية) أمريكية ضدها.
ومن هنا تخلص الباحثة، إلى أن تنامى انتشار النظريات والتفسيرات والمواجهات الإيديولوجية الجديدة بين واشنطن وبكين بعد كورونا قد أثر على “شكل وطبيعة التنافس أو بمعنى أدق الصراع المستقبلي بين الصين الشيوعية والولايات المتحدة الأمريكية الليبرالية”، فكلما تحدّث البعض عن “زعامة الصين المبكرة” للعالم بعد ثبوت فشل واشنطن وإدارة “ترامب” في التعامل مع الوباء كالصين، جاء رد “واشنطن” بأن “الأخطاء الصينية” بل وتحديداً “أخطاء الحزب الشيوعي الحاكم” في الصين، في التعامل مع الوباء كانت أحد أسباب انتشاره عالمياً.

الجزء الثاني
السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لشكل النظام الدولي، ومستقبل العلاقات بين بكين وواشنطن (فترة ما بعد حقبة كورونا) وتأثيراته عالمياً.
أن تفشي وباء كورونا قد يؤدي بنا إلى نظام عالمي جديد، مع تفسيرات جديدة لمصطلحات مثل: العولمة، ودور الدولة، والأمن، والحدود، وواجبات الفرد والمجتمع، والشراكة الاستراتيجية، والتعاون الدولي. وقد يتزامن كل هذا مع انغلاق بعض الدول على نفسها وتركيز اهتمامها على شؤونها الداخلية بعد تجربتها المرة مع الوباء. وتجاوز الأمر الآن نحو (التنظير) للبدء بعملية “فك الارتباط الدولي” وإعادة “هندسة النظام الدولي”، وعمل وتشكيل “توازنات دولية وإقليمية” جديدة. وتجلى ذلك بوضوح الآن في ضعف أداء المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، وصعوبة حصولها على التمويل اللازم، مع انسحاب “واشنطن” من “منظمة الصحة العالمية” ورفضها دفع مخصصاتها المالية للمنظمة في ظل تفشى الوباء، واقترن ذلك بالتوازي مع تراجع حجم الدعم التنموي الذي تقدمه الدول المتقدمة كواشنطن والغرب مقارنةً بالصين كأمثلة حية لمساعدة الدول الضعيفة على تجاوز أزماتها، خاصةً بعد تفشى الوباء عالمياً.
 وبشكل عام، ستحاول الباحثة في هذا الجزء – وبشكل مكثف – الوقوف على كافة السيناريوهات المستقبلية المتوقعة لشكل العلاقة بين واشنطن وبكين، مع وضع تحليلات وسيناريوهات مستقبلية بالتوازي لما قد يكون عليه شكل النظام الدولي الجديد بعد كورونا، ويمكن هنا إجمالاً رصد ملامحها ومظاهرها في السيناريوهات التالية:
1) التشكيك الأمريكي والرد العملي الصيني لشكل ومدى نجاح ومستقبل مبادرة الحزام والطريق الصينية ما بعد كورونا: وتعد تلك أخطر وأهم نقطة تمت إثارتها في الداخل الأمريكي وعالمياً على السواء، مع تخوف العديد من دول العالم لتوقف المشروعات الصينية بها، ففي الوقت الذي روجت فيه (واشنطن) لفشل المبادرة الصينية، كثفت فيه (وسائل الدعاية الإعلام الصينية الرسمية) جهودها في نفي ذلك. ونظراً لإجادة الباحثة للغة الصينية كمختصة بالشأن الصيني، فلقد تابعت (تقرير صيني) هام بالصينية من (التلفزيون الرسمي الصيني) CGTN بتاريخ 2 إبريل 2020، سعى من خلاله هذا التقرير الصيني الرسمي – صراحةً – لعرض بعض الاقتراحات العملية المقدمة من بكين، لكيفية مواجهة الصين والدول الشريكة لمبادرة “الحزام والطريق” في الأزمة الحالية. مع تأكيد “الإعلام الصيني الحكومي” بأن (مبادرة “الحزام والطريق” هي مبادرة استراتيجية طويلة الأمد بالأساس، لذا يجب الحفاظ على رؤية طويلة الأجل لضمان بناء البنية التحتية الخاصة بالمبادرة بطريقة متسقة وفعالة وتحمل مخاطر التعاون في المستقبل).
ولاحظت الباحثة في الفترة الأخيرة، تكثيف الإعلام الصيني الرسمي الحديث الآن عن (مبادرة الحرير الصحي)، كامتداد لمبادرة الحزام والطريق لربط الصين بالعالم في كافة المجالات، خاصة بعد تفشي الوباء.
2) طرح الصين رسمياً لخطة (طريق الحرير الرقمي)، والتحول الرقمي المستقبلي كجزء من مبادرة الحزام والطريق بعد فيروس كورونا: وهي الخطة التي تقودها (شركة هواوي للتكنولوجيا) الصينية بالتعاون مع كبرى شركات التكنولوجيا الصينية، والتي ساهمت في إدخال شبكات (الجيل الخامس 5G) لتكنولوجيا الاتصالات في الداخل الصيني، وتعد تلك (أخطر) أنواع المواجهات بين بكين وواشنطن، خاصةً مع حظر أمريكا لعمل شركة “هواوى” بها لتأثيرها السلبي على (الأمن القومي الأمريكي) واتهامها بالتجسس لصالح الصين. ووصف رئيس (شركة تشاينا موبايل) السيد (يانغ جي) Yang Jie جهوده بشأن بناء شبكات (الجيل الخامس 5G) بأنها “مهمة سياسية رئيسية”، وبحلول نهاية عام 2020، تهدف (شركة هواوى) بالتعاون مع شركات (تشاينا تيليكوم) و (تشاينا يونيكوم) إلى بناء أكثر من 300 ألف محطة كقاعدة لشبكات الجيل الخامس، مع الإعلان عن توسيع التغطية لتصل إلى 300 مدينة صينية، مقارنةً بــ 50 مدينة صينية فقط في عام 2019. وأعلنت الشركات الثلاث عن خطط لبناء خدمات (شبكة الجيل الخامس) كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية للتحول الرقمي، مبدية تعاونها مع حكومات وشركات الدول الحليفة للصين، من أجل عالم “متحول رقمياً” بقيادة الصين.
3) توقع (حرب باردة تكنولوجية) بين الولايات المتحدة والصين: أدت التوترات المحيطة بانتشار الفيروس إلى تزايد الأمور سوءاً. وقد كانت مشاعر العداء تجاه الصين واضحة خلال مؤتمر ميونيخ، إذ ترأست رئيسة مجلس النواب الأمريكي (نانسي بيلوسي) وفداً كبيراً من الكونغرس، وكانت صريحة ضد الصينيين، وخاصة فيما ما يتعلق بالتنافس التكنولوجي الواقع بين بكين وواشنطن، وهو ما اعتبره المحللين بأن الأمر يرقى إلى إعلان “حرب باردة عالية التقنية” عالمية جديدة بين الولايات المتحدة والصين.
4) إن تفشي فيروس كورونا جعل من غير المحتمل بدرجة كبيرة أن تكون الصين قادرة على تنفيذ (المرحلة الأولى من الصفقة التجارية) مع واشنطن: وهي الصفقة أو الاتفاقية التي وقعتها في منتصف شهر يناير 2020 مع الولايات المتحدة بشكل كامل، وهو ما قد يؤثر على طبيعة العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.
5) ثبت خلال فترة مكافحة جائحة كورونا التقاطع المهم وتشابكات في علاقات واشنطن وبكين بين (الاقتصاد والدبلوماسية والسياسة الداخلية): فاتضح أن لكل منها دور في شكل العلاقة بين واشنطن وبكين، ولكن الأهمية النسبية لكل عامل تختلف باختلاف الظروف. فمثلاً، مع تركيز (ترامب) على إعادة انتخابه، فسيحتفل الرئيس (ترامب) بإنجازه وشرح أهم جهوده في محاربة (فيروس كورونا) للشعب الأمريكي في الداخل، وسيسعى في الوقت ذاته للحفاظ على علاقات جيدة مع الرئيس الصيني (شي جين بينغ)، بينما يتعهّد بتحقيق المزيد من التقدم في المرحلة الثانية من عام 2020.
6) لعل أخطر ما لاحظته الباحثة المصرية – كمتخصصة في الشأن الصيني – هو ملاحظتها أن شكل الصراع القادم بين واشنطن وبكين قد اتخذ (شكل الصراع الإيديولوجي) بين الجانبين: فالأمر لم يكن مرتبطاً فقط بالتجارة أو التكنولوجيا، فعلى سبيل المثال، فقد استخدم عدد من الساسة في واشنطن، وعلى رأسهم (مارك إسبر) وزير الدفاع الأمريكي، الإشارة إلى تصرفات “الحزب الشيوعي الصيني” بدلاً من “الصين”، وهي سابقة خطيرة توقفت عندها الباحثة، تعكس الشكل الجديد للصراع الأيديولوجي بين واشنطن وبكين خلال المرحلة المقبلة.
7) أظهر تفشى الوباء أن تلك الأزمة قد تعيد تشكيل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل كبير: حيث تأكد أهمية الصين بالنسبة للاقتصاد العالمي، ومناداة عدد من الشركات الأمريكية بالفعل خلال جائحة كورونا على ضرورة تنويع سلاسل التوريد الخاصة بمختلف المنتجات، وربما يشجع ذلك المزيد من الشركات على عدم الاعتماد على السوق الصيني بشكل كبير في مجال التصنيع، وكذا الحال بالنسبة للاعتماد بشدة على السوق الاستهلاكية الصينية.
8) اتضح خلال الأزمة مدى الارتباط الوثيق والمستقبلي بين (حروب الدعاية وحرب الشائعات) من خلال وسائل الإعلام الأمريكية والصينية على الاقتصاد العالمي: إن ظهور الأخبار المزيفة عبر وسائل الإعلام، أدى لانتشار الخوف والذعر العالمي، وهو ما كان له تداعيات اقتصادية كبيرة.
9) سيطرة الفكر الإيديولوجي والديني على شرائح كثيرة في العالم العربي والإسلامي، والخلط العربي بين الشأنين الديني والسياسي بشأن أسباب تفشي الفيروس بما يخدم مصالح واشنطن بشكل غير مباشر: فقد تراوحت السيناريوهات العربية المطروحة ما بين ما حدث للصين ما بين (فتوى العقاب الإلهي) بسبب اضطهادهم لمسلمي الإيغور في شينغيانغ، أم أنها (حرب بيولوجية) أمريكية ضدها.
10) أدى تنامي فيروس كورونا إلى إساءة العلاقات بين واشنطن والقارة الأوروبية في آسيا: فمع تنامى التواجد الأمريكي في القارة الآسيوية خاصةً فيما يتعلق بالمسائل الأمنية خوفاً من تنامى قوة الصين هناك على حساب الإضرار بمصالح واشنطن، في حين لا يهتم الأوروبيين – حلفاء واشنطن – بمسائل الأمن في آسيا، لذا فمن المحتمل أيضاً أن تسوء الأمور بين واشنطن والدول الأوروبية في العلاقات عبر الأطلسي.
11) طرح سيناريو فشل وتفكك التكتلات الإقليمية، مع محدودية دور الاتحاد الأوروبي (الحليف الأساسي لواشنطن) في التعامل مع الأزمة مقارنةً بالصين: حيث تذهب العديد من التحليلات إلى أن (مستقبل الاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية الأخرى) بات في خطر، وهو ما يعرف بـــ “تداعيات أزمة كورونا”، وتطرح احتمالات خروج دول أخرى منه مثل (إيطاليا) على سبيل المثال، مستندين إلى أمرين، أولاً: ما يُثار عن وجود حالة من الغضب الشعبي ضد الاتحاد الأوروبي داخل إيطاليا، مثل: (حرق علم الاتحاد الأوروبي، وإنزال علم الاتحاد في مقابل رفع علم الصين)، وثانياً: تزايد حالة الاستياء على المستوى الرسمي الإيطالي خاصةً بعد رفض الاتحاد الأوروبي في مارس 2020 (بالتحديد ألمانيا، وهولندا، وبعض دول شمال أوروبا) طلب تسع دول أوروبية منها إيطاليا بإصدار ما يسمى بــ “سندات كورونا” للتخفيف من الآثار الاقتصادية للوباء. وهو ما يهدد (مستقبل العلاقات الأمريكية – الأوروبية) في مجملها، بالنظر لحجم التعاون الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة في كافة المجالات، في حين نجحت (الصين) في اختراق بعض دول الاتحاد، وبناء (قاعدة شعبية ورسمية) بها، كما حدث في الحالة الإيطالية.
12) التأثير على مستقبل الهجرة إلى الولايات المتحدة لتفشى الفيروس، وتأثير ذلك على الأمن القومي الأمريكي: فقد ربط الرئيس “ترامب” بين جائحة كورونا، واعتزامه توقيع أمر تنفيذي لوقف باب الهجرة مؤقتاً إلى الولايات المتحدة لوجود “عدو غير مرئي” على حد قوله، وهذا الوقف المؤقت للهجرة يطرح علامات استفهام مستقبلية حول القيود الأمريكية الجديدة على فتح باب الهجرة إليها بذريعة احتمالية شن حروب بيولوجية عليها من الصين. كما أن هذا الوقف سوف يكون له آثار مستقبلية على تشغيل المعابر الحدودية الأمريكية، وعلى من يحملون بالفعل بطاقات إقامة خضراء.
13) الصراع المستقبلي بين واشنطن وبكين للاستحواذ على تكنولوجيا التحول الرقمي، لدورها المستقبلي في عالم ما بعد كورونا: حيث اتضح جلياً خلال الأزمة أهمية تقنيات مثل: (الذكاء الاصطناعي) و (الحوسبة السحابية المتقدمة) في مكافحة الصين لتفشي فيروس “كورونا” بمعاونة شركة “هواوى” الصينية التكنولوجية المتقدمة، خاصةً مع استمرار حظر واشنطن لها كمهدد للأمن القومي الأمريكي. مع توقعات مستقبلية بضرورة التوسع في هذه الاستخدامات والتطبيقات المتقدمة مستقبلياً، وبالأخص شبكات (التعليم والمؤتمرات الافتراضية عن بعد) للطلبة والمسئولين والعاملين على حد سواء، فوفقاً لما أعلنته منظمة الصحة العالمية، فقد كان للتكنولوجيا الحديثة، ومنها تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، دوراً محورياً في احتواء الصين للأزمة، وهو حل اقتبسته عنها الحكومات الأخرى لاحقاً في شتى أنحاء العالم. مع التركيز بقوة على الدور الحاسم للبنية التحتية السحابية في احتواء الأزمة. فعلى سبيل المثال، قد لعبت مستودعات البيانات التي تعتمد تكنولوجيا الحوسبة السحابية دوراً مهماً في تمكين قطاع الصحة من استيعاب نطاق العدوى بسرعة ووفرت له صوراً أوضح عن الأوضاع الحالية.

14) إعادة النظر في الأدوار المستقبلية للمنظمات الدولية الحكومية، وإعادة هيكلتها وترتيبها: مع احتمالية استخدام منظمات الأمم المتحدة مستقبلياً كذريعة لتصفية الحسابات والصراعات بين واشنطن وبكين، وهو ما اتضح للعالم من خلال إتهام واشنطن لــ “منظمة الصحة العالمية” بسوء إدارتها لملف الفيروس، عدم الشفافية والتحيز للصين، والتي أعقبتها محاولة واشنطن فرض “سياسة الأمر الواقع دولياً” من خلال إعلان الرئيس الأمريكي ترامب”، بأن أمريكا ستوقف تمويلها ودفع مخصصاتها لمنظمة الصحة العالمية، وهو ما تم اعتباره من قبل الصين والمجتمع الدولي بأن الانسحاب الأمريكي يعد “نكسة كبيرة” للاستجابة الدولية لفيروس كورونا.
15) سيناريو أمننة التهديدات الوبائية، وإعادة صياغة وتشكيل أدوار الجيوش والعلاقات المدنية – العسكرية: تزايد الاعتماد خلال تفشى الوباء على الجيوش – سواء الجيش الشعبي الصيني أو الأمريكي وفي مختلف الدول – نتيجة لأمننة التهديدات الوبائية، والحاجة لفرض إجراءات احترازية معينة، مثل: الحجر الصحي وحظر التجوال في مناطق تفشى الأوبئة، وإلزام المواطنين بتطبيق القوانين والقواعد المنظمة للحركة، بالإضافة لدعم قدرات الرعاية الصحية المدنية، وتشييد مستشفيات (مؤقتة) خلال الأزمة ومنشآت صحية جديدة بصورة سريعة وغيرها من المهام (غير التقليدية) للجيوش في مواجهة الأزمات الصحية.
16) تقييم طبيعة العلاقة بين القطاعين “العام والخاص” في ظل أزمة كورونا: حيث أنه مع زيادة إجراءات الحجر الصحي وتوقف الأعمال والموظفين عن الذهاب لأعمالهم، ظهرت جلياً مطالبات رسمية وشعبية صينية وأمريكية بل وعالمية، بضرورة إعادة صياغة العلاقة بين القطاعين العام والخاص، وباتت مناقشة فكرة إنشاء (صندوق تأمين لمخاطر الأعمال ضد أي أحداث استثنائية في المستقبل)، يموله القطاع الخاص جديرة بالدراسة، أو على جانب آخر مناقشة دعم القطاع الخاص لمجالات التأمين ليغطي أنشطة وقطاعات غير مشمولة.
والشكل البياني التالي، يشرح عملياً وتطبيقياً الأبعاد السابقة، لتأثير الفيروس علي شكل العالم مستقبلاً، وانهيار وفشل العولمة بمعناها الحديث، كالآتي:
– الشكل البياني (2): كيف يؤثر فيروس (كوفيد-19) على العولمة بشكلها الحالي؟
– Source: James, Harold. (2020, March 3). Could corona virus bring about the ‘waning of globalization’?, published in collaboration with Project Syndicate and World Economic Forum. Retrieved From:
https://www.weforum.org/agenda/2020/03/globalization-coronavirus-covid19-epidemic-change-economic-political
حيث يفسر هذا الشكل، كيف تحولت الفترة التي أعقبت انتشار الجائحة وزيادة الوفيات في أوروبا إلى “عودة ثقافة العصور الوسطى”، مما أدى إلى (إنهاء الثقافة الكونية)، ويفضي إلى تغير عالمي بعيد المدى. إن انتشار الأوبئة يفضى إلى حالة من عدم اليقين والخوف المصاحب لها، يؤديان إلى سلوكيات ومعتقدات جديدة، فيصبح الناس – بعد فترة الوباء – أكثر ارتياباً وأقل ثقة وأقل رغبة في التعامل مع أي شخص أو حتى شىء يبدو غريباً أو أجنبياً. كما سيؤثر على نظرة العالم لبعضه، مثل نظرة بعض الأمريكيين بأن الأصول الصينية للمرض ستعيد التأكيد بأن الصين تشكل خطراً على العالم ولا يمكن الوثوق بها، وفي الوقت نفسه، يرى العديد من الصينيين أن بعض الإجراءات الأمريكية لها دوافع عنصرية وتهدف إلى منع صعود الصين. ومن هنا، ستنهار العولمة بشكلها الحالي نتيجة لعدم الثقة العالمية، وما يصاحبها من سلوكيات انعزالية.
ومن هنا، يلاحظ حجم التغيرات المتوقعة في فترة ما بعد كورونا، حيث اتضح أن فيروس كورونا المستجد لم يغير أوجه النشاط العالمي، وشكل المنافسة الحالية بين بكين وواشنطن من نواح اجتماعية أو اقتصادية أو مهنية فقط، بل إن تأثير الوباء الذى يجتاح العالم قد يمتد أيضاً إلى الحروب والجيوش، وإلى استحداث طرق ووسائل غير تقليدية مبتكرة للتعامل مع الأزمات المستقبلية كتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأنظمة تكنولوجية متقدمة، وإعادة النظر في نمط وأشكال التحالفات الإقليمية والعالمية، وغيرها.

الجزء الثالث
النموذج الصيني الذي يمكن الاعتماد عليه كركيزة أساسية في القيادة العالمية مستقبلاً (رؤية تحليلية مستقبلية).
من المتوقع أن تحاول الصين تقديم (نمط مختلف) لما هو عليه لشكل القيادة المستقبلية (بديلاً) عن واشنطن، وفي تصوري الخاص – كباحثة متخصصة في الشأن السياسي الصيني – فإن الصين ستسعى، لتقديم نموذج مغاير، ربما سيقوم على الاعتبارات التالية:
1- الاعتبار الأول: من المتوقع أن تسعى الصين للتحول من (الموقف الدفاعي) في مواجهة الضغوط الاستراتيجية الأمريكية إلى بناء (موقف متوازن) لن يصل بالضرورة إلى حد تحدى النفوذ الأمريكي عالمياً، ولكنه سيوفر للقيادة الصينية فرصة (الإمساك بزمام المبادرة) في علاقاتها المعقدة والصعبة مع الولايات المتحدة بما يمكنها من فرض رؤاها وتصوراتها في هذه العلاقات، وربما قد يدفع واشنطن بالتبعية إلى إبداء (مرونة) كبيرة لتفادى التحدي الصيني.
2- الاعتبار الثاني: مما لا شك فيه أن الصين ستسعى إلى (ملء الفراغ الاستراتيجي) المحتمل الناجم عن تراجع الولايات المتحدة كلياً عن قيادة النظام العالمي القائم. مع مواصلة الصين لسياسة تقديم المساعدات لدعم الاقتصادات حول العالم من أجل الخروج من (الركود الاقتصادي) الذى يفوق في تأثيراته الأزمة المالية عام 2008، ويضاهى ما يعرف بــ (الكساد العظيم) في ثلاثينيات القرن العشرين. والشكل التالي يوضح مدى الانكماش الذي سيشهده العالم تأثراً بالوباء، كالآتي:
– الشكل البياني (3): توقعات صندوق النقد الدولي بتأثير فيروس (كوفيد-19) على الناتج المحلى، والنمو الاقتصادي العالمي.
– Source: Richardson, Peter. (2020, April 30). Global Corona virus Impact and Implications, Counter Point Research Center. Retrieved From:
https://www.counterpointresearch.com/coronavirus-weekly-update

حيث يوضح الجدول السابق، البيانات التي سبق وأعلن عنها (صندوق النقد الدولي) بأن العالم دخل رسمياً في حالة (ركود عالمي). بالنظر إلى حجم التخفيضات في النشاط الاقتصادي عبر قطاعات متعددة. ووفقاً للشكل السابق، يتوقع معظم الاقتصاديين انكماشاً في النمو الاقتصادي بنحو 2٪ على أساس سنوي في عام 2020، وهو ما يمثل تأرجحاً هبوطياً بنحو 4.5 نقاط مئوية عن التوقعات السابقة.
3- الاعتبار الثالث: ستدعم الصين من (قوتها الناعمة) حول العالم، من خلال محاولة الصين لإعادة بناء (الصورة الذهنية) لها دولياً وتقديم وجه أخلاقي للصين بدلاً من المصالح الجيوسياسية فقط. من خلال مواصلة (تقديم المساعدات) الصحية والطبية والاقتصادية لترسيخ (صورة نمطية صينية) قائمة على الأخلاق والمبادىء، مثلما فعلت من دعم إيطاليا وإيران وأكثر من 80 دولة حول العالم خلال جائحة كورونا في حين تراجعت (واشنطن) عن تقديم الدعم.
4- الاعتبار الرابع: ستحاول الصين (إعادة إحياء طريق الحرير الصحي الصيني)، والذي يعد امتداداً لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، فقد شكّل تفشي فيروس كورونا المستجد فرصة ثمينة للصين لإعادة إحياء مبادرتها المعروفة بـــ “طريق الحرير الصحي”، التي سبق أن طرحتها في عام 2017، كجزء من جهودها الرامية إلى تعزيز مكانتها كقوة صحية عالمية. وهو الأمر الذى انتقده (الأمريكان) بشدة، والذين باتوا لا يكفون في الفترة الماضية عن الحديث عن (فشل مبادرة الحزام والطريق الصينية بعد كورونا)، ولكن مع تكرار طرح المسئولين ووسائل الإعلام الصينية لمفهوم المبادرة الصحية الصينية، فإن ذلك يؤكد سعى بكين إلى إعادة توظيفه في الوقت الراهن، بما يخدم مصالحها القومية.
5- الاعتبار الخامس: وهو اعتبار (داخلي بالأساس) لاحظته الباحثة، من خلال (دعاية وسائل الإعلام الصينية الرسمية) على تسليط الضوء، وإرسال رسائل (غير

مباشرة) للعالم، وبالأخص للرأي العام وللقواعد الشعبية من الجماهير الصينية خلال الفترة الماضية، مفادها: أن الحكومة تؤدى كامل مهامها، من خلال (التأكيد على أهم إنجازات الحزب الشيوعي الصيني داخلياً بالأساس)، ومن أبرزها: التأكيد على عقد الاجتماع السنوي للمؤتمر الوطني الشعبي في مايو عام 2020، والتأكيد بأن دورة الانعقاد ستشهد مناقشات وقضايا جديدة. ويوصف هذا المؤتمر بـ “الجلستين”، لأنه يضم أعضاء المجلس الاستشاري والمؤتمر الوطني الشعبي معاً لمناقشة كافة قضايا الدولة في الداخل والخارج. وهو أبرز حدث سياسي في العام – بعد تأجيله عدة أشهر – لحشد التأييد الشعبي لمواطني الصين وراء قياداته أمام العالم.
وفي اعتقادي – كخبيرة في الشأن الصيني – فأنا قد اعتبرتها بمثابة (رسالة خطيرة) موجهة من الصين لواشنطن والعالم، لمواجهة (النظرة الليبرالية الفردية) الأمريكية أمام (الإيديولوجية الشيوعية التي تعمل لصالح المجتمع).
6- الاعتبار السادس: تقديم (نموذج تنموي مختلف للصين في الداخل)، من خلال مساعدة (الحزب الشيوعي) للمصدّرين الصينيين الذين يعانون اقتصادياً عبر استضافة معرض “كانتون” في مدينة “غوانغزو”. فعند النظر لتوقف حركة السفر الدولية وفرض حظر على دخول الأجانب للبلاد، ستحتاج المصانع الصينية لإيجاد مصادر جديدة للأعمال التجارية.
فالصين هنا – وفق تفسيري وتحليلي – تحاول لفت أنظار العالم، على قدرة (نموذجها التنموي) على النهوض من جديد والتعافي، مع (الترويج والتأكيد على دور الدولة الرسمي)، وقيادات الحزب الشيوعي الحاكم في مساعدة الاقتصاد الصيني على النهوض والتعافي بشكل تدريجي.

الجزء الرابع

توقعات (غير تقليدية) لسيناريو المواجهة القادمة بين أمريكا والصين ما بعد جائحة كورونا (رؤية بحثية جديدة).

بالنظر لموقعي كباحثة في العلوم السياسية، ولا سيما الشأن السياسي الصيني، فلقد لاحظت زيادة حدة التحليلات المستقبلية Futurology – من قبل الباحثين والمتخصصين الأجانب والصينيين على السواء – لوضع رؤيتهم حول (شكل المواجهة القادمة) بعد معركة كورونا بين واشنطن والصين. ومنعاً للتكرار، فلقد حرصت الباحثة المصرية على (وضع رؤيتها الشخصية بما لديها من أدوات تحليلية ومعرفية) لإجمال عدد من النقاط (غير التقليدية وربما المبتكرة) لكيفية الرد الصيني ضد اتهامات واشنطن، والعكس، من خلال التوقعات الجديدة التالية:
1- التوقع الأول: ستعمل الصين جاهدة على (إبطال الدعاوى الأمريكية) بأنها مصدر الفيروس، عبر الترويج لنظريات مؤامرة على الساحة الدولية لإلقاء ظلال من الشك على مصدر فيروس “كوفيد-19″، باسمه الجديد، مع تأكيد وسائل الإعلام الحكومية الصينية بأن واشنطن تشن (حرب بيولوجية) ضدها للتأثير على العالم.
2- التوقع الثاني: بمجرد أن تهدأ الأوضاع، يتوقع أن (إدارة ترامب) ستستخدم نظام (الأوامر التنفيذية في الداخل) للضغط على أهم الشركات لأمريكية لسحب استثماراتها من الصين، بينما ستضاعف (بكين) من استثماراتها في مبادرة “الحزام والطريق” لتعويض خسائرها، عكس ما يروج له البعض من فشل المبادرة في ظل الأزمة الراهنة.
3- التوقع الثالث: بدأت مؤشرات حقيقية لمنافسة العملة المحلية الصينية (اليوان أو الرينمبى) (Yuan / Renmimbi) الصيني للدولار الأمريكي على عرش العملات فترة ما بعد تفشى جائحة كورونا. حيث اتضح جلياً سعى الصين جاهدةً لتحويل عملته
ا “اليوان” إلى “عملة عالمية” بعدما أعطى (صندوق النقد الدولي) الضوء الأخضر (رسمياً) لقبول العملة الصينية (اليوان) في ضمن سلة العملات الدولية المعترف بها للصندوق، مع التوقع أن تحوُّل العملة الصينية إلى “عملة عالمية” توجّه خطير سيؤدى لتنامى (نفوذ الصين) على (حساب واشنطن)، وسيعجل بــ (إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الدولي) لصالح الصين. مع الاتفاق على أنه “بمجرد أن تصبح (العملة الأخرى الصينية) بديلاً للدولار، ستبدأ قواعد اللعبة في التغيير”.
4- التوقع الرابع: المواجهة القادمة بين أمريكا والصين ما بعد كورونا ممتدة، وستأخذ شكل (تصاعد الحرب الإعلامية وحرب التقارير والسياسة الدعائية المضادة بين واشنطن وبكين)، فلقد توالت اتهامات (الإعلام الصيني) لنظيرتها الأمريكي بتوجيه (حملة دعائية مضادة) لا تراعي القواعد المهنية والإنسانية، متجاهلة القواعد الطبية والعلمية خاصةً بعد تفشى الوباء. بما يتجاوز التغطية الإعلامية المهنية، وزادت ساعات بث وتقارير التلفزيون الرسمي الصيني CGTN الذي يبث باللغة الإنجليزية لتفنيد ادعاءات واشنطن. فقد تم توظيف كورونا لتحقيق مكاسب كل طرف على حساب الطرف الآخر، وشن حرب دعائية. واللافت للنظر هنا، هو إجراءات (الخارجية الأمريكية) الرسمية في شهر مارس 2020 وقت ذروة تفشى الوباء ضد خمس وسائل إعلام صينية رسمية بعد جائحة كورونا، باعتبارها تعمل كبعثات دبلوماسية أجنبية لأنها تتبع الحكومة الصينية مباشرةً، ودفع ذلك (الخارجية الصينية) للاحتجاج، محذرة “نحتفظ بحق الرد على هذه المسألة”. وعلى الجانب الآخر، جاء طرد بكين (ثلاث مراسلين) من “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وألغت اعتمادهم لديها، بعد نشرهم مقال (الصين رجل آسيا المريض) في شهر فبراير 2020، واتهمتهم بأنه “مقال عنصري” يشوه جهود الحكومة الصينية والشعب الصيني في مكافحة الوباء

5- التوقع الخامس: وربما – لم يتم تسليط الضوء عليه عربياً – ولكن على الجانب الآخر، فإن (الإعلام الصيني) قد ألقى الضوء عليه بشكل مكثف، بشأن: ما أسباب زيادة الوفيات بسبب فيروس كورونا بين (السود الأمريكان وقاطني الأحياء الفقيرة) مقارنةً مع (البيض وذوى البشرة البيضاء)؟. مع المطالبة بنشر إحصاءات وطنية من أجل التمكن من فهم حجم هذه الظاهرة. ولعل وفاة المواطن الأمريكي الأسود (جورج فلويد) وما تمخض عنه من مظاهرات أمريكية، هو أمر جاء في مصلحة الصين تماماً، لتأكيد مشروعية (نموذجه الشيوعي ممثلاً في حزبها الشيوعي الحاكم) في مواجهة النموذج الليبرالي الأمريكي غير العادل مع مواطنيه.
ووفق رؤيتي الشخصية، فإن (الصين) ربما تكون قد لجأت لهذا السيناريو كي توجه رسالة للعالم ولشعبها من خلال إعلامها، بفشل (النظام الليبرالي الأمريكي) في التعامل بقدر متساو مع شعبه (من ذوي البشرة البيضاء والسوداء والفقراء على السواء)، مثلما فعلت (بكين ونظامها الشيوعي) ورئيسها (شى جين بينغ) في التعامل مع أبناء شعبه.
وربما كان مفيداً في هذا السياق، عرض الباحثة لإحصائيات رسمية أمريكية، تؤكد زيادة وفيات السود والافارقة، تليها الأعراق الأخرى مقارنةً بالبيض تأثراً بالفيروس، كدلالة على (عدم المساواة) في الداخل الأمريكي، كالآتي:
– الشكل البيان (4): اهتمام تقارير صينية وعالمية بزيادة أعداد الوفيات بتأثير فيروس (كوفيد-19) من السود والافارقة الأمريكان، مقارنةً بذوي البشرة البيضاء
– Source: Fenwick, Tyler. (2020, April 10). Data confirms African Americans hit especially hard by COVID-19 in Indiana, Indiana State Health Department. Retrieved From:

http://www.indianapolisrecorder.com/covid-19/article_affef376-7b66-

11ea-b087-3f4ed5cfd127.html

يوضح الشكل السابق، مؤشرات حقيقية من الولايات المتحدة الأمريكية لزيادة وفيات ذوى البشرة السوداء والافارقة مقارنةً بالبيض، وهو ما سلطت الصين عليه الضوء بشأن زيادة (النزعة العنصرية) الأمريكية في الداخل، عكس الصينيين وسياسة الحزب الشيوعي الحاكم التي تضع الكل (على قدم المساواة)، حيث يشكل (الأمريكيون الافارقة) حوالى 18.5٪ من حالات (كوفيد- 19) و 19.2٪ من الوفيات في ولاية (إنديانا) فقط، ويلاحظ زيادة معدلات وفاة السود في عدد من الولايات والمدن الأخرى. وهو ما يثير علامات استفهام عديدة ضد واشنطن، وسياساتها المتعلقة بالعرق واللون والبشرة؟
6- التوقع السادس: وهو من وجهة نظري (الأخطر في سيناريو المواجهة القادمة بين واشنطن وبكين)، ويكمن في آلية استخدام أهم سلاح مستقبلي وهو (حرب المعلومات)، ومدى قدرة أجهزة الاستخبارات (الصينية والأمريكية على حد سواء) على استخدامها وتمريرها لمحاولة (خنق وتقويض قدرة الطرف الآخر على التحرك والمواجهة). فالصين اليوم – ووفق قربي الشديد من المجتمع الأكاديمي والبحثي والسياسي الصيني – تراهن على استخدام هذا السلاح وفق معطيات معينة لكبح حدة الاتهامات الأمريكية ضدها، وهو ما ترد عليه واشنطن بالمثل.
7- التوقع السابع: وهو من أكثر ما استوقفني تحليلياً، من خلال (تصاعد دعوات المسئولين الأمريكان لمنع استقدام الطلاب الصينيين للجامعات الأمريكية، ورد الصين عليها رسمياً بتقارير ورسائل إعلامية لطلبتها بإعادة توجيه دراساتهم لدول أخرى، وتذكير واشنطن بمليارات الدولارات التي ينفقها دارسوها في الجامعات الأمريكية)، وتزامن ذلك مع طلب مسئولين أمريكان بإعادة النظر في (تأشيرات الطلاب الصينيين) القادمين للدراسة في أمريكا، خاصةً في مرحلة الدراسات العليا في المجالات التكنولوجية والعلمية، وهى الحملة التي قادها السيناتور الأمريكي (توم كوتون) عن ولاية “أركنساس”، وذلك في مقابلة مع التلفزيون الأمريكي (فوكس نيوز)، متهماً هؤلاء الطلاب بسرقة التقدم والابتكار الأمريكي لصالح الصين.
وتصاعد (الخطاب السياسي الأمريكي بعد فيروس كورونا) – وفق ما تابعته الباحثة – الذي يدعو الطلاب الصينيين ويصفهم صراحةً بـــ “الجواسيس”. وحسب ما ذكرته صحيفة “جلوبال تايمز الصينية” الرسمية للرد على استفزازات “واشنطن” في هذا الخصوص، بأن قطاع التعليم الأمريكي يعد عنصراً مهماً في قطاع الاستيراد الأمريكي، حيث بلغت إيرادات الجامعات الأمريكية 649 مليار دولار في عام 2017، طبقاً لــ (المركز الوطني لإحصاءات التعليم). ووفقاً لـــ (رابطة المعلمين الدوليين ووزارة التجارة الأمريكية)، كان قد ساهم (الطلاب الصينيون) وحدهم، بأكثر من (30 مليار دولار) في الاقتصاد الأمريكي في العام الدراسي 2014- 2015.
وبشكل رسمي، حذرت (وزارة التعليم الصينية) أوائل شهر إبريل 2020 الطلاب والباحثين الصينيين من مخاطر الذهاب للدراسة في الولايات المتحدة، مشيرة إلى قيود التأشيرات الأمريكية، وحثهم على تكثيف تقييم المخاطر والاستعداد وفقاً لذلك. وقالت على موقع (التعليم العالي الصيني): “إذا كنت ترغب في الحصول على تعليم باللغة الإنجليزية، فهناك دول أخرى ناطقة باللغة الإنجليزية حيث يكون النظام التعليمي جيداً والجو أكثر ترحيباً”.
وما استوقفني كباحثة مختصة في الشأن الصيني، هو ذلك التصعيد الأمريكي – غير المبرر – في مسألة تشديد الإجراءات والقيود على الطلاب الصينيين، وهي سابقة فعلاً خطيرة في تاريخ (التبادلات الثقافية والتعليمية) بين واشنطن وبكين، بل والأدهى هو تشجيع واشنطن أيضاً لحلفاؤها مثل (أستراليا) لاستفزاز الصين بهذا الخصوص، وهو مسألة طرد طلابها، مما دفع بالسفير الصيني في (أستراليا) أيضاً فور تصاعد دعوات مماثلة بمنع بمسألة سفر (الطلاب الصينيين) للدراسة في (الجامعات الأسترالية)، بتذكيرهم بأنه يعد مصدراً رئيساً للعائدات لهذه الأخيرة. ولو كان الأمر جدياً في هذا الشأن، فربما في ذلك (تخلياً عن القوة الناعمة الأمريكية) لصالح الصين في المستقبل، لاستقطاب الدارسين حول العالم، ومنها طلبة الصين والمساعدة في توجههم وتبنيهم (النهج الليبرالي)، ففي ذلك ستفقد واشنطن أهم ميزة لها بأنها منارة نشر الفكر الليبرالي لجميع الدارسين حول العالم.
وفي تصوري الخاص، أن الصين قد نجحت في (نشر قوتها الناعمة)، مع توسع الصين في إعطاء المنح للطلبة الأجانب أكثر من منح الأمريكان أنفسهم، وتشجع على افتتاح (معاهد كونفوشيوس) لتعلم اللغة الصينية حول العالم. كما تعقد (الجمعية الصينية للتعليم الدولي) منذ أنشئت عام 1989، مؤتمراً دولياً كل سنة عن مواضيع دفع التعليم والتبادل الثقافي حول العالم، وضمان جودة التعليم الصيني، ومساعدة الوافدين على الاندماج. كما بدأت الحكومة الصينية برنامج “دراسة في الصين” عام 2009 من أجل تمويل الطلاب الأجانب.
وبذلك يمكن استيضاح سيناريو (مواجهة مختلف كل الاختلاف بين واشنطن وبكين في قطاع التعليم واستقطاب الباحثين)، بتخلي واشنطن عن قوتها الناعمة في مجال الثقافة والتعليم لصالح الصين، مما يمهد مستقبلاً لـــ (نشر الإيديولوجية الشيوعية الصينية على حساب القيم الليبرالية الأمريكية)، وما تدعيه من قيم العدالة والحرية وإعطاء فرص متساوية للجميع.
8- التوقع الثامن: وهو مرتبط مباشرةً بالتوقع السابق، حيث المراهنة على (طبقة الشباب الصيني والأمريكي) كقوة أغلبية ضاغطة تختلف عن شكل المواجهات السابقة بين واشنطن وبكين. حيث – لاحظت الباحثة بشكل شخصي زيادة المنح الصينية المخصصة للطلبة والدارسين والباحثين الأمريكان في الجامعات الصينية – وعلى الجانب الآخر والهام – هناك مئات الآلاف من الطلبة والباحثين الصينيين الدارسين في أكبر وأهم الجامعات الأمريكية – وفقاً للإحصائيات الأمريكية المعلنة، فإن الجامعات الأمريكية تستضيف ما يزيد على (350 ألف طالب صيني).
فوفق توقعي غير التقليدي هنا بالأساس، وما دمنا نتحدث عن (شكل مواجهة مستقبلية غير تقليدية)، فسيسعى كل طرف منهما (الصين والولايات المتحدة) لمحاولة التأثير على (جيل الشباب) الدارس عنده، بما سيقدمه كل منهما من معلومات مختلفة تقدم لدارسي البلد الآخر لتحقيق المزيد من الضغوطات ووقف أي اتهامات يحاول أي طرف تمريرها ضد الآخر. وأنا شخصياً – كباحثة متمرسة في الشأن السياسي الصيني وعلى تماس مباشر مع طلبة وباحثين صينيين يدرسون في الولايات المتحدة كباحثين زائرين أو وفق برامج للتبادل العلمي والطلابي والبحثي– فقد أبديت هذه الملحوظة المهمة من محاولات أمريكية للتأثير على عقلية الطلبة الباحثين الشباب الصينيين من خلال برامج خاصة تقدم لهم.

– الخاتـــمة:
يتضح من خلال ما تناولته الورقة البحثية من محاور وتحليلات، مدى التغير الحادث الآن في شكل الأنظمة السائدة حالياً، ومدى نجاح النماذج الشيوعية أو الليبرالية في مواجهة الأزمات و(التنظير) الدولي الدائر الآن حول من سيتولى زعامة العالم؟، بل كان انتشار الوباء فرصة جيدة لاختبار مدى قدرة الأنظمة السياسية والإدارية لكل الدول إلى أقصى مدى، وصولاً لمن لديه القدرة على قيادة شكل النظام الدولي الجديد خلال المرحلة المقبلة، وأيهما أكثر استحقاقاً: واشنطن أم بكين؟، خاصةً مع عقد العديد من المقارنات الدولية حول تعامل زعماء الدول، وعلى رأسهما: الرئيس الصيني “شي جين بينغ” ونظيره الأمريكي “دونالد ترامب” لأزمة جائحة كورونا، ومدى انعكاساتها الإنسانية والسياسية والاقتصادية على مختلف مكونات النظام العالمي.
وتأكد خلال الأزمة مدى مصداقية جميع القادة السياسيين وحكومات الدول من خلال الحكم عليهم بالطريقة التي تعاملوا بها مع الأزمة والسرعة التي تحركوا بها للتصدي للوباء، والوضوح الذي تحلوا به مع شعوبهم، والكفاءة التي أبدوها في توجيه موارد بلدانهم لوقف انتشار الوباء.
وأخيراً، تعتقد الباحثة أنه مازال من المبكر الحديث عن إعادة “هندسة النظام العالمي ونقل المركزية القطبية إلى الشرق”، لأنه مازال لدينا خياراً مطروحاً في الورقة البحثية، ألا وهو أنه قد تسود نظرية “الاعتماد المتبادل” وربما سيادة نمط التعاون المستقبلي بين واشنطن وبكين في دفع أي مخاطر دولية مستقبلية محتملة. وبالتالي، فمن الصعب التنبؤ الآن بشكل محدد لمن سيتولى زعامة وقيادة العالم ما بعد جائحة كورونا؟
وتبقى مع ذلك كل السيناريوهات مفتوحة، خاصةً مع اختبار مدى قدرة كلاً من واشنطن وبكين على إبداء قدر من المرونة – حتى وإن كان ذلك مستبعداً على المدى القصير في ظل تبادل الاتهامات بينهما حول منشأ الفيروس – وقدرتهما على التكيف والتعامل مع مختلف التداعيات، أو إبداء قدر من التفاهمات السياسية المستقبلية. وهو ما يعرف في “السياسة الصينية” – باعتباري متخصصة بشكل دقيق في الشأن السياسي الصيني – بــ “نظرية أو سياسة الانتظار”، بمعنى: أنه وفقاً لتوجهات قيادات الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد، فلا رغبة لديهم في استعجال الأمور حتى تتكشف، نتيجة لسياسة الحزب القائمة على التوازنات والتفاهمات والمواءمات في كافة الملفات الخارجية التي يتعامل بها مع الخارج، ولاسيما واشنطن. لذا، فوفقاً لهذا

السيناريو والطرح الصيني الخالص – الذى أتفق معه بشكل شخصي – ما علينا إلا الانتظار لاتضاح الرؤية وما سيكون عليه الحال؟

*نادية حلمي: أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد/ جامعة بنى سويف- مصر- خبيرة في الشئون السياسية الصينية والآسيوية- محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا- عضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب في الشئون الصيني.

 

to top