الحدث – بغداد
لسوء الحظ فإن الدول العربية المستعمرة من الغرب خرجت من ربقة الإستعمار المباشر لتجد إن الدول المستعمرة لها هي التي تمسك بزمام السياسة الدولية، وتؤسس للنظام العالمي المتشكل حديثا بعد الحرب العالمية الثانية مع خسارة للأراضي وفجيعة كبرى في مواجهة الإحتلال لأراض فلسطينية وعربية في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي حيث تحول العرب الى لاعب خاسر في الميدان، وعليه تلقي المزيد من الأهداف، وإعلان الرضا، وعدم التعبير عن السخط فالشركاء في قيادة النظام العالمي هم المستعمرون السابقون والمهيمنون الحاليون، وهم المساندون للإحتلال الإسرائيلي في كل عدوان وجريمة يقوم بها ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، حيث له مايشاء أن يفعل، وعلى العرب أن ينظروا دون أن يبادروا لفعل يوقف العدوان، وهم لايجرؤون لأن النظام العالمي مع إسرائيل، وهو يجبرهم أيضا للذهاب الى مكان إلتقاء معه على قاعدة المصالح المشتركة، وحسن الجوار، ونسيان إنه معتد ومحتل، ويجب أن يركن الى العدالة، ويسلم بحقوق الشعب الفلسطيني، وينسحب من الأراضي المحتلة ضمن جغرافيا دول عربية أخرى كتبت عليها المواجهة.
من الصعب أن نجد دولا عربية خارج مشروع الهيمنة العالمي الذي فرضته نتائج الحرب العالمية الثانية، بل وصار لزاما التعبير عن الرغبة في التحالف مع قوى الهيمنة في هذا النظام، والموافقة لها في كل ماتريد، والسعي لعقد تحالفات وشراكات طويلة الأمد، وتوريد السلاح منها، وفتح الأسواق لشركاتها، وتقديم تنازلات كبرى، والأخذ بمايصدر عنها من قرارات تتعلق بمصالحها الحيوية، أو في إطار صراعها مع قوى نفوذ أخرى منافسة في العالم كما هو الحال في صراع الحرب الباردة بين القطبين الروسي والأمريكي الذي ظنته واشنطن إنتهى مع تفكك الإتحاد السوفيتي السابق الذي توزعت دوله على روسيا وشرق أوربا وحلف الناتو والإتحاد الأوربي حيث يعيد كل قطب العمل على كسب الحلفاء، ووضع قواعد إشتباك جديدة تفترض نظاما عالميا مغايرا قد تغادره قوى تقليدية، وتدخله قوى أخرى كانت مجرد مستعمرات وأسواق كالهند والصين اللتين لايبدو أنهما بعيدتان عن الطموح الروسي، مع إعتقاد إن الهيمنة الأمريكية تتراجع، وإنها الفرصة التاريخية لولوج عالم مختلف تكون الهيمنة فيه للشرق الذي يتحفز لدور مختلف.
الحرب الأخيرة، والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كشفت الغطاء عن تصورات مؤجلة تتعلق بالتحولات الدولية، ومنها مايخص العرب. فبالرغم من بقاء دول عربية على تحالفاتها التقليدية مع واشنطن وحليفاتها الغربيات، إلا إن دولا أخرى فاجأت العالم بمواقف صادمة لم تكن منحازة للروس، ولكنها ليست مع أميركا التي كانت تأمل بتشكيل حلف عالمي لتكسير عظام الدب الروسي، ونزع فروته عن جسده، ودون إغفال إن دولا عربية بدت وكأنها تهلل للموقف الروسي، وتبشر بعالم جديد، في محاولة للتخلص من هيمنة طالت، وتحولت الى عبودية، خاصة وإن دولا عربية لمست تغيرا في العالم، وتغييرا في المسار، وإن كل شيء من حولها يتبدل، وعليها أن تتحرك بسرعة لتقول، يمكنني النزول الى ساحة الأحداث، والتأثير فيها، وعمل شيء يجعلنا متحررين عن تلك الهيمنة، فهل يتلمس العرب طريق الخلاص ويستفيدوا ولو قليلا من تداعيات النزاع الروسي مع الغرب، ومع صعود قوى أخرى قريبة للعرب كالصين والهند؟
إن غدا لناظره لقريب.