مستجدات سريعة ودراماتيكية كانت متوقعة بشكل كبير أن تحدث في ليبيا وفق التطورات في التصاريح والبيانات التي كانت تصدر عن مسولين في تركيا وخاصة أردوغان. ولكن الغريب هو أن القادة في ليبيا لم يدركوا مغزى ولغز تلك البيانات والتصاريح إلا بعد فوات الأوان وحدث ما حدث وإعادة نشر قواتهم وفق المستجدات الميدانية الأخيرة. ربما تكون الحملات التي تدعوا لحل القضايا العالقة بالأسلوب السياسي والحوار بين طرفي الصراع لها مدلولاتها الزمانية والمكانية، لكنها لن تتعدى اللعب بعامل الزمن والذي بالأساس هو ليس لصالح قوات الجيش الليبي.
قراءة ما يحدث في ليبيا على أنه شأن يخص الليبيين فقط ربما كانت قراءة سطحية بعض الشيء وغير عميقة وواسعة، لما يخطط الطرف الآخر المدعوم بكل قوة من تركيا بكل أنواع الدعم السياسي والدبلوماسي واللوجستي والعسكري والمادي وأخيراً بالدعم البشري من المرتزقة السوريين والإرهابيين من كافة جنسيات العالم المتواجدين بالأساس في إدلب من متطرفين وجهاديين عرب وأجانب كانت الاستخبارات التركية قد نقلتهم إلى ليبيا خلال الفترة الأخيرة بعيداً عن جعجعة وضجيج الاعلام.
أردوغان الذي ينقل هؤلاء المرتزقة والإرهابيين بغض النظر عن الأسلوب إن كان بالترهيب أو الترغيب، إلا أن عملية النقل تلك تتم أمام أعين العالم كله الذي التزم الصمت أو اتخذ وضعية القرود الثلاث (صم، بكم، عمي)، رغم تصريحات بعض الدول الأوروبية التي صرحت أنها بصدد إطلاق عملية “ايني” لمراقبة البحر الأزرق وخاصة نقل تركيا للمرتزقة والإرهابيين والتصدي لهذه العمليات. لكن الواقع الذي كان أمام الأعين هي أن الدول الأوروبية ومن بينها عملية “ايني” كلها أصابها العمى أو دوار البحر ولم ترّ البواخر التي كانت تنقل المدرعات والدبابات التركية وكذلك الإرهابيين إلى ليبيا وهي تمخر البحر المتوسط، وحتى أن الطائرات المدنية منها والشحن التي شكلت جسراً جوياً من مطارات تركيا إلى مصراتة ومعيتيقة لم يرها ويشاهدها أحد، وكذلك الرادارات أيضاً أصابها التشويش ولم ترصد أي منها وهي تحط في ليبيا.
احتلال اردوغان لبعض المدن في الشمال الليبي هي ليست شجاعة من أردوغان بحد ذاته أو متعلقة بشخصه هو فقط، بل أن أردوغان يستمد هذه القوة من تواطئ بعض القوى الإقليمية وكذلك الدولية التي تغض الطرف عن تحركاته في المنطقة بشكل عام. وأن هذا الأمر يجري بتنسيق ضمني فيما بينهم تنفيذاً لأجندات متفق عليها بين الأطراف الفاعلية في المنطقة، إن كانت في سوريا أو العراق والآن في ليبيا وبعدها في اليمن كما تتناقل بعض وسائل الإعلام عن نية أردوغان بنقل بعض من المرتزقة السوريين والإرهابيين الأجانب إلى اليمن أيضاً.
لا اعتقد أن اردوغان ومرتزقته بعدما احتلوا ترهونة سيتجهون نحو الشرق أكثر من ذلك، لأن عين أردوغان في الوقت الحاضر وحسب متابعتي لسياساته منذ فترة أنَّ مشاعره تدغدغه كي يتجه نحو الجزائر، لأنه قالها بكل علانية قبل فترة حينما استحضر القراصنة من أجداده فكان عروج وخير الدين بربروس الذي احتل الجزائر عام 1516 وتونس عام 1531. وما أشبه اليوم بأمس فنرى أن أردوغان وعن طريق المرتزقة والإرهابيين وأنكى عن طريق أهل هذه الدول نراه يحتلها وتتم مباركته على يد من يخونها إن كانوا الان من جماعة السراج في ليبيا أو الغنوشي في تونس.
رغم كل ما يحدث الآن في شمالي افريقيا وخاصة في ليبيا وإن ربح اردوغان والمرتزقة بعض المدن والمعارك، إلا أن الحرب ما زالت مستمرة وأن الشعب الليبي الذين لقنوا الايطاليين درساً في المقاومة بمقدور أحفاده الآن السير على خطاه وطرد أردوغان ومن معه من هذه المنطقة. ولكن بنفس الوقت من يعتقد أنه بمقدوره هزيمة أردوغان بمفرده إن كان هذا في ليبيا فقط أو في تونس أو في اليمن أو غيرها من الدول، ويعتقد أنه بمفرده سيلقن أردوغان الهزيمة فهو واهم ولن ينجح. لأن هزيمة أردوغان لن تتم إلا بتكاتف شعوب ودول المنطقة برمتها مع بعضها البعض شئنا أم أبينا حسب ما اعتقد.
وأن الضربة القاصمة التي ستوجه لأردوغان ستكون في عقر داره وليس في الأطراف، بل في شمالي سوريا وتركيا بالذات وهنا بيت القصيد. أن منطقة روج أفا التي ما زالت هي الأمل في بناء مستقبل المنطقة لجميع شعوبها بمختلف قومياتهم ومذاهبهم وطوئفهم، سيكون التحالف مع قواتها من قوات سوريا الديمقراطية هي الخطوة الأولى نحو القضاء على مشاريع أردوغان في المنطقة بشكل عام. كيف أن التوافقات الدولية والاقليمية بدأت مع أردوغان أثناء احتلاله لمدينة عفرين واستمرت حتى وصلت لاحتلاله مدينة ترهونة بنفس التوافقات الدولية، فإن تحرير عفرين ستكون الخطوة التي ستبدء منها تحرير مختلف المناطق التي احتلها اردوغان.
التحالف مع الكرد إن كان في شمالي سوريا أو في شمالي كردستان من كرد تركيا هي الجبهة الوطنية لكافة شعوب المنطقة لعرقلة كافة مشاريع التقسيم التي تُحاك للمنطقة والتي ينفذها أردوغان. خندق الدفاع الأول عن شمالي افريقيا والمنطقة هو جبال طوروس وتحديداً في جغرافية كردستان التي تعتبر خط الدفاع الأول عن المنطقة وكافة شعوبها. التعاضد ما بين الشعبين العربي والكردي ربما يكون سمة المرحلة المقبلة لتحريرها من عنجهية اردوغان وجماعته من الاخوان المسلمين والمرتزقة والإرهابيين الذين معه من الانكشاريين الجدد.