بعكس معظم التوقعات التي كنّا نهذي بها طوال فترة الانتخابات الامريكية وخاصة عملية الانتخابين الأخيرين والتي فاز في الأولى ترامب وفي الثانية بادين، كنا وما زلنا نفتقر للكثير من المعلومات التي تفضي لها الانتخابات. معظمنا كان يتوقع فوز هيلاري في الانتخابات التي جرت في 2016 حتى آخر لحظة ولكن النتائج كانت معاكسة لمعظمنا الذي توقع فوزها. حيث أعلن ترامب عن فوزه على حساب هيلاري كلينتون ودخل البيت الأبيض منفوش الريش كما الطاووس متبختراً بالانتصار الذي حققه. والآن وبعد الانتهاء من الانتخابات وفوز بايدن، كتّا أيضا نتوقع فوز ترامب لولاية ثانية اعتماداً على الكثير من المعطيات التي كنا نعتقدها، لكن فاز بايدن على ترامب بعكس توقعاتنا. لنترك توقعاتنا التي لا مستقبل لها وخاصة أننا رغم كل الخسائر التي تلاحقنا جراءها إلا أننا ما زلنا نتمسك بما نعتقده صواب وحقيقة ونبني عليه أوهامنا التي لم يتحقق منها شيء.
إنها عقليتنا المشرقية التي لا تؤمن إلا بنفسها وما تتوقعه وتؤمن به، لاغية ورافضة لأي رأي آخر وذلك منذ فجر التاريخ وحتى راهننا. الأسباب كثيرة ولها مقال آخر في وقت آخر ربما نبحث عن أسباب فشلنا حتى بنتائج الانتخابات فما بالك بما يحدث ما بعد الانتخابات، والتي لا تكون سوى مأساة أخرى نضيفها لحيواتنا التي باتت من دون معنى حينما نرى الانتخابات الامريكية كيف تجري. فوز بايدن هو تأكيد على أن الانتخابات لا تبنى فقط على التوقعات وما يتم خلال عملية الانتخاب، بل أن أي عملية انتخابية يتوقف نجاحها من عدمه على وعي الشعب الذي ينظر للفائز على أنه انسان ربما يصيب أو يخطىء،
وكذلك ربما تكون سياساته الداخلية والخارجية متوافقة مع الناخب أم لا. فالذي يقرر في النهاية هو ذاك الانسان الذي يؤمن أن صوته له قوة تمكنه من تغيير رئيس أكبر وأعظم دولة في العالم. فوز بايدن هو فوز لصندوق الانتخابات الذي ما زال يمتلك عناصر القوة والإرادة التي تجعله الحكم وتكون له كلمة الفصل في النهاية. وكذلك لا يمكننا اغفال العمل المؤسساتي التي تقوم عليها أمريكا ودول أخرى بعيدة عن مشرقنا بكل تأكيد. العمل المؤسساتي هو الضامن لمستقبل أي بلد وانسان ومجتمع بأن يسير نحو الأفضل دائماً. وهذا الأفضل لا يمكن أن يكون إلا أحد قوانين ديالكتيك الطبيعة وهو وحدة الأضداد.
فالمنافس لهم في الانتخابات لا يعتبرونه عدواً وخصماً ينبغي القضاء عليه بمجرد ان تفوز بالانتخابات أو قبلها حتى، بل هم يؤمنون أن هذا المنافس هو عنصر قوة لهم وهو أحد أبناء الوطن الغيورين على مصلحته. من هنا ورغم أنه هناك الكثير الذي يمكن قوله عن دور اللوبيات المختلفة الأسماء والشركات العابرة للحدود والقوميات، عن أنها المخدد الرئيس فيمن سيفوز بالانتخابات، إلا أن دورهم إن كان متواجداً فسيبقى متوارياً خلف ألف قناع ومؤسسة وشخصية. ما بعد فوز بايدن وما رأيناه من سير للانتخابات يحق لنا نحن شعوب مشرق المتوسط بأن نلطم أكثر وأكثر على المأساة والتراجيديا التي نعيشها ونحن في أسوء وضع نعيشه. فمعظم الانتخابات التي تتم في منطقتنا نعرف من هو الفائز قبل الانتخابات بكثير. وكذلك أنه ليس هناك منافس لأي رئيس يتم انتخابه عندنا، فهو كما قال أبو فراس الحمداني “الخصم والحكم”، ولا منازع له وحتى إن كان الحاكم أو الرئيس مجنون أو طفل أو لا يمتلك مؤهلات علمية تمكنه من إدارة البلاد. فهذه الأمور متروكة لله وحده على أساس أن المُلك لله وأن الحاكم أو الزعيم أو الرئيس والملك ما هم إلا ظِل الله على الأرض، وكل من يعارضهم فهو كافر أو عميل لجهة أجنبية أو متخابر مع دويلة ما. النتيجة محسومة سلفا،
حيق المنافس إما في المعتقل أو في القبر، ليبقى وجه الملك والحاكم ذو الجلال والإكرام هو المنتصر في أية انتخابات صورية يتم إجراءها. شكراً، أمريكيا الامبريالية والتوسعية والناهبة لخيرات وثروات منطقتنا ورغم كل ما تفعلونه بنا، نحترم ديمقراطيتكم وعملية الانتخابات التي تتم عندكم.
وأكثر من ذلك نحترم الانسان عندكم لأن صوته له قيمة وقوة، بعكسنا نحن في المشرق، دعك من صوتنا لأن البحة أصابته ونحن ما زلنا نرضع حليب أمهاتنا التي فطمتنا على الصمت والخنوع وعدم الخروج عن طاعة الوالي والزعيم والملك. واعتقد أننا في مشرق المتوسط كنا نتابع الانتخابات في أمريكا وكأنه أمر يعنينا في المقام الأول وبكل تأكيد أننا لا نابع أي انتخابات تقوم بها حكوماتنا وبرلماناتنا. لأننا ندرك أن مصيرنا متعلق بذاك الرئيس الأمريكي مباشرة وليس بحكامنا وزعماؤنا الذي ما هم إلا دمى عند ذاك الرئيس. وصلنا لقناعة بأن الشعب الأمريكي لا ينتخب رئيساً له فقط، بل إن الانسان الأمريكي تحول إلى انسان عالمي وهو حينما ينتخب أي رئيس ينتخب عوضاً عنا جميعاً بنفس الوقت رئيساً تتوقف حياتنا ومصيرنا على مشاريعه ومصالحه.
فلا داع أن ننتخب رؤساء لنا يصدعون رؤوسنا وينهبون ثرواتنا وينشرون الفساد والانحطاط الخُلقي والأخلاقي باسم السياسة. بكل تأكيد فلا لبنان بحاجة لانتخابات رئاسية ولا كذلك سوريا وليبيا واليمن والعراق وتركيا وغيرها الكثير من دول مشرقنا، يكفي أن نعلنها علناً بأن العالم بالفعل أصبح قرية صغيرة ونتحول إلى حكومة عالمية يقودها رئيس واحد، وبكل تأكيد ليس من مشرقنا المأساوي. بل هناك حيث الانسان هو الذي يحدد من الذي سيفوز وكذلك الصندوق. مع مفارقة أن الرئيس في الغرب الكافر يأتي من خلال الصندوق ويذهب كذلك من خلاله لمدة أربع أو ثمان سنوات، ولكن عندنا يأتي الحاكم والزعيم عبر انقلاب وليبقى حتى نحمله على أكتافنا ليس في صندوق الانتخابات، بل في صندوق تابع لدفن الموتى ليذهب مباشرة ويحاسبه الله عمّا اقترفت ايديه بحث البشر والمجتمع. لكن عندهم حينما تنتهي ولاية الرئيس نرى أنه تتم محاكمته وسجنه إن تطلب ذلك. ما بعد فوز بايدن، هل نتعلم ونحن لا زلنا نتمسك بقيم وثقافة مشرقنا بأن الحاكم ليس كما نتصور أنه ظِل الله على الأرض، بل هو انسان مثلنا يخطىء ويصيب، وأنه حينما يكون للإنسان قيمة له ولصوته، حينها يمكننا القول أننا نعيش في حياة لها معن.