كم هي شبيهة المرحلة التي نعيشها الآن وبكل منغصاتها والفوضى التي تضربها، بفترة وفاة الرسول عليه السلام وحالة التردد والشك التي عاشها المسلمون وما تلاها من ظهور الفرق المختلفة ومنها المؤيدة لهذا الطرف وأخرى لطرف آخر. تاريخ يكرر نفسه منذ أكثر من عشرة قرون بخلفائه وسلاطينه وزعمائه حتى بات التشتت سمة ملاصقة لمرحلة طويلة من الاقتتال والصراع على السلطة تحت مسمى أحقية طرف على آخر في تمثيله للدين. وهذا ما نعايشه الآن بكل تفاصيله من خروج البعض من الشخصيات التي أعلنت عن نفسها بأنها خليفة المسلمين بفتوى من شيوخ السلطة والمال أمثال القرضاوي والقرةداغي اللذين يستوطنون إمارة قطر.
والمشكلة ليست بأمثال هؤلاء الذين صدَّقوا أنفسهم بأنهم بالفعل يمثلون الدين الحنيف من عدمه وأنَّ ما ينطقون به وكأنه يعتبر من الاجماع الديني، وعلى الجميع قبول وإطاعة فتواهم وكأنها منزلة، بل الطامة الكبرى هي فيمن يصدقون أمثال هؤلاء ويسيرون على خطاهم مكبرين باسم الله ويمدحون بخليفتهم المزعوم أردوغان. هؤلاء الذين يعتبرون اردوغان وكأنَّ الله اصطفاه على باقي عباده لإعادة إحياء الدين من جديد كما فعل أجداده العثمانيون قبل ذلك. والمصيبة الكبرى هي أنَّ هؤلاء القطيع المنقادون وراء شيوخ السلطة والمالوخليفتهم أردوغان تناسوا أو أنهم تعاموا عمَّا فعله العثمانيين من قتل وسلب واغتصاب ونهب وتهجير وسرقة بحق شعوب المنطقة وكذلك أينما حلَّوا.
الآن يسعى أردوغان إعادة أمجاد أجداده عن طريق الدين وكذلك الفرق الانكشارية التي أنشأها من المرتزقة بمختلف قومياتهم ومناطقهم، إن كانوا من سوريا أو ليبيا وتونس ومصر وتركيا وغيرها من الدول. هؤلاء المرتزقة الذين يكبرون باسم الله وخليفتهم أردوغان لا هدف لهم سوى الطاعة العمياء للمال والقتل والجنس تحت مسمى جهاد النكاح أينما وصلوا. هذا ما فعلوه في العراق وسوريا خلال العقد المنصرم.
القتل والذبح والنحر والحرق والسرقة والنهب والدمار والاغتصاب كان ديدنهم وهدفهم وكل ذلك تحت مسمى إعلاء كلمة الله ونشر الدين، لكن حقيقتهم تبقى وبقيت أنهم ليسوا سوى منافقين يخدعون أنفسهم قبل أن يخدعوا غيرهم بأفعالهم التي لا تمت للأخلاق والإنسانية بأي رابط. ما سمعناه في الآونة الأخيرة عبر تسجيلهم الصوتي في ليبيا في أنهم يطلبون “الفتيات” مقابل المال من مرتزقة ليبيين، ليس إلا حقيقتهم التي يجاهدون من أجلها. وهذا طبعاً ما هو إلا مثال واحد من حقيقة تمت معايشتها بكل تفاصيلها في سوريا على مدى العقد المنصرم.
وآخر مثال لهم على ذلك هو ما حدث في عفرين قبل أيام من اشتباكات بين فصائل المرتزقة بحد ذاتها والتي هرب منها السجناء المحتجزين في أحد مقراتهم، وكان السجناء من النساء اللواتي تم القبض عليهم، والغريب أنهن كنَّ محتجزات بشكل عاري من دون أي شيء يغطي أجسادهن. وهذه الأمثلة ما هي إلا غيض من فيض تمثل حقيقة هؤلاء المرتزقة الذين يسيرون على نهج خليفتهم أردوغان الذي هو أيضاً لا يهمه من الإسلام والدين أي شيء سوى السلطة.
وصفوهم الله عزَّ وجلّ في كتابه بشكل واضح أمثال هؤلاء الذين يخدعون أنفسهم ويقولون مالا يفعلون، ولكن بما أننا نعيش القرن الحادي والعشرون وأن الانسان الآن لا يمكن خداعه ببعض الآيات من الذكر الحكيم كما السابق. بل هم منافقون لا يمكن لأي انسان أن يسير ورائهم إلا إن كان على شاكلتهم. يقول الله في كتابه الحكيم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ {9} فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ {10} [البقرة].
إنهم مرضى تفاهتهم ونفاقهم الذين انغمسوا به ولا يستطيعون الخروج منه. وكأن الله يتوعدهم وكل من على شاكلتهم بأن لهم عذاب أليم جراء ما تفعله أيديهم وما يقومون به من جرائم يندى لها جبين الإنسانية. فلا الظلم باق ولا النفاق عنوان الأخلاق والتطور المجتمعي. ما يحدث في سوريا والآن في ليبيا يحثّ كل انسان أن يعرف حقيقة هؤلاء المنافقين الذين يخدعون أنفسهم ليس إلا. وما أردوغان الذي طغى سوى نسخة هزيلة جداً من المستبدين الذين قبله، وأن عاقبته لن تكون أقل مما حلّ بهم.
ما يلزم الآن هو للوصول لنتيجة مفادها حماية الإنسانية والمجتمعات من أمثال هؤلاء المرتزقة الانكشاريين من الفرق الاردوغانية التي تعيث فساداً في سوريا وليبيا، هو تحطيم هذه الأصنام التي جعلت من نفسها آلهة على رؤوس البشر بمباركة من بعض شيوخ السلطة والمال. هؤلاء الأصنام ينبغي تحطيمها كما فعل سيدنا إبراهيم بتحطيم الأصنام التي كان يتعبدها العامة البسيطة من الناس الذين انخدعوا بها. من غير تحطيم هذه الأصنام من أمثال أردوغان وشيوخ السلطة لا يمكن حينها أن ندعي أننا من أمة “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.