عقلية الاستعمار والاجتياح وسياسة الضم والإلحاق بالقوة العسكرية، بحق شعوب ودول المنطقة، التي تمارسها دولة الاحتلال التركية،برفقة المرتزقة والخونة والمتواطئين، تشكل خطورة وتهديد كبير لأمن واستقرار شعوب ودول المنطقة.
إن عقلية الاستعمار المباشر والاجتياح والغزو وسياسة الضم والإلحاق بالقوة العسكرية، رغم أنها انتهت قانونياً وتوافقياً بعد الحرب العالمية الثانية، وتعهد الدول بالاتفاقيات والمعاهدات واحترام مواثيق الأمم المتحدة التي وقعت عليها، ولا سيما في مجال احترام حرية الشعوب وتجريم العدوان والاجتياح على البلدان الأخرى، إلا أن تركيا وسلطتها العصبوية من القومية الطورانية والدينية الإخوانية الحاكمة، اجتاحت بالقوة العسكرية وبوكلائها من المجموعات الإسلاموية المرتزقة الإرهابيين في السنوات الأخيرة أراضي سوريا والعراق وتجاوزت سيادة وحرمة اراضيهما، دون أن يكون هناك عقوبات قاسية بحقها من قبل ما يسمى المجتمع الدولي أو تدخل إقليمي ودولي ضدها وتدمير لقوتها كما حصل مع صدام حسين عندما اجتاح الكويت.
والحق أن سلطة الرجل الواحد التركية الحالية وبرغباتها السلطانية وحنينها لثقافة الباب العالي وبتوابعها الإخوانية المرتزقة، ما زالت تعيش عقلياً وممارسة قبل الحرب العالمية الأولى والثانية وهي ترفض ما جرى من الهزيمة ورسم خرائط الدول الجديدة وتشكيل النظام الإقليمي، رغم أن الدولة القومية التركية التي ولدت بعملية قيصرية بريطانية من رحم الإمبراطورية العثمانية ,وتحورية خيانية من التزامات حرب الاستقلال، كانت وما زالت إحدى أدوات منظومة الهيمنة والنهب العالمية للنظام الدولي التي تحاول توسيع نفوذها ومنافسة القوى الإقليمية.
تحاول تركيا على المستوى الاستراتيجي، تطبيق وتنفيذ الميثاق الملّي وإلحاق شمال سوريا(إقليم شمال وشرق سوريا ومدينتي حلب وإدلب) وشمال العراق( إقليم كردستان العراق ومديني الموصل وكركوك) بتركيا، وخاصة أنها تعتقد أن حالة الفوضى والتوتر والظروف الصعبة السائدة في الشرق الأوسط في أجواء الحرب العالمية الثالثة تقليدياً والرابعة تكنولوجياً مساعدة لتحقيق هذا المشروع في المرحلة الأولى وثم التوسع لتنفيذ مشروع العثمانية الجديدة، والتمدد مجدداً في الدول الإسلامية وخاصة العربية، بعيداً عن الاقتراب من فلسطين-إسرائيل، لكون العقلية السلطوية والشخصية التركية النخبوية الحاكمة والمؤثرة لديها كمية كبيرة من الاستعلاء السلطوي وفائض من المشاعر الفوقية تجاه الشعوب العربية وكذلك مختلف شعوب المنطقة، وتوافق مع الكيان الإسرائيلي.
لقد هُزم أردوغان وحزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة وذلك لأولى مرة منذ وجودهم في الحكم منذ 2002 وهذا شكل مؤشر مهم على بداية مراحل انتهاء أردوغان وحزب العدالة والتنمية. مما استدعى وبالعقل السلطوي والفطرة الاستبدادية اتباع سياسات قاسية وسلوكيات متشددة جداً تجاه الأخرين، وخاصة تجاه القضية الكردية والشعب الكردي الذي يعاني من سياسات الإلحاق والإنصهار والذوبان والإبادة والتقسيم ومحاولة إنهاء مجتمعيته وشخصيته التاريخية، من قبل الدولة التركية وحكوماتها المتعاقبة منذ مئة سنة، في ظل تواطؤ دولي وإقليمي مقيت وقذر.
ونظراً لأن الثقافة السياسية السائدة في حقل السياسة السلطوية للتيارات والأحزاب والقوى السياسية والحكم والدولة القومية والدينية، هي الأحادية والتجانس القسري والتفرد واقصاء الشركاء والمخالفين واضعافهم قدر المستطاع للتحكم بهم وليس التشارك والتعاون واحترام الاختلاف في الوحدة الكلية ضد التحديات والتهديات الخارجية، فإنه ومع الأسف تظل حكومتي دمشق وبغداد صامتتين وخجولتين في الموقف، إن لم نقل متواطئتين في الاجتياحات العسكرية لدولة الاحتلال التركية لشمال سوريا وشمال العراق، رغم أن من يتعرض للاعتداءات التركية هم كل الشعوب والتكوينات الاجتماعية التي تعيش في هذه المناطق ورغم ما يتعرض للإلحاق هي أراضي من سوريا والعراق في النهاية، لكن النظرة الضيقة والعصبية القومية الإثنية وبعض المصالح السلطوية المؤقتة والخوف من السلطان ومرتزقته، هي من تتحكم بهذه السلطات والنخب التي تحكم دمشق وبغداد ومن يدور في فلكهم، رغم ادعاءات الاستقلال والوطنية والديمقراطية ومحاربة الاحتلال، إضافة إلى تبعية قرارهم ومصادرته من قبل جهات إقليمية معروفة تدعي هي الأخرة أنها ضد الاستكبار وأمريكا والغرب عموماً، ونحن نعلم أن وجود تركيا تساوي وجود الناتو وأمريكا والناتو، ولكنهم في مذهبهم السياسي الديني هذا ماضون، ولربما هم في اعتقادهم سيفوزون ببعض المصالح على حساب الشعب الكردي، أو أنهم بالإساس هم أضلع لنفس المثلث “التركي، الإسرئيلي والإيراني” الذي يشكل النظام الإقليمي الحالي الذي يخدم النظام العالمي المهيمن والذي تغيب فيه إرادة الشعوب وخاصة العربية والكردية.
ولكن لماذا تهاجم تركيا شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب الكردي والقوى الحاملة لراية النضال الديمقراطي والكفاح المسلح الشرعي والمقاومة المتنوعة والتشارك وتكامل الشعوب الحرة، بشكل وحشي وهي تضع كل إمكانيات الدولة وعلاقاتها والشعب التركي في هذه الحرب العبثية، حتى أصبحت في حالة اقتصادية وسياسية صعبة ومتأزمة، تعتقد السلطة التركية أنها وبإلحاق الهزيمة بقوى نضال الحرية والديمقراطية للشعب الكردي وشعوب المنطقة، أو إضعافهم، فإنها سوف تنقذ نفسها كسلطة وبقاء تركيا كدولة، وبل وسوف توسع حدود تركيا لتوصل لحدود الميثاق الملي وتتحكم عندها بقرار دمشق وبغداد وتكون لها اليد الطولى في المنطقة والضغط على الدول العربية المحورية ومنافسة القوى الإقليمية الأخرى. ولكننا نعتقد أنه وبهذه الطريقة المتشددة واستعانتها بالمجموعات التكفيرية والإرهابية كداعش والقاعدة والنصرة وبعض الخونة كعائلة البارزاني، وإصرارها على الإلحاق واستغلال وجودها في الناتو، لن يكتب لها النجاح مع استحالة انتصارها على شعب عريق يثابر ويقاوم لحماية نفسه وتنظيم أبنائه ويسعى لبناء التحالفات الديمقراطية مع شعوب المنطقة، وبث روح الإنسانية والديمقراطية بين شعوب المنطقة وبناء مشروع التحول الديمقراطي، ولن تكون تركيا إلا وهي تعاني المشاكل والقضايا والأزمات ويتحكم فيها الدول الكبرى، وينتشر فيها التطرف والتكفير والفاشية، في حين أنه لو تم الاعتراف بالشعب الكردي في تركيا وحقوقه في إدارة مناطقه وحماية نفسه والعيش بثقافته ضمن الحدود التركية، فستكون تركيا دولة ديمقراطية وقوية ومستقرة وليست بحاجة للتدخل في دول المنطقة أو الاستعانة بالتطرف والإرهاب أوالخضوع لمنظومة الهيمنة العالمية.
ولكننا نعلم أن منطق الدولة القومية الأحادي(القومي والديني) السلطوي، غير قادر على تقبل التشارك والإخوة والتعاون والخصوصية والاختلاف في الوحدة، وتظل هذه المقاربة العنصرية الفاشية والعقلية الدولتية السلطوية من أخطر وأصعب ما تعانيه شعوب الشرق الأوسط في غضون مئة السنة الأخيرة، في حين أنه لو تم افساح المجال للمجتمعات والشعوب وعقلياتهم التكاملية وسلوكياتهم التشاركية ومؤسساتهم الديمقراطية ستكون الحياة وبألوانه المتعددة حرة ونافعة للجميع وتستحق العيش فيها لكل الألوان والمجتمعات والتكوينات.
تقاتل تركيا الشعب الكردي منذ حوالي مئة سنة وأكثر، لإبادة الكرد وإنهائهم وتهجير وتتريك ما يتبقى منهم والهيمنة واحتلال مدنهم و أراضيهم ونهب ثرواتهم، تحت حجة الحفاظ على الدولة القومية التركية الأحادية وما يسمى أمنها القومي المزعوم. ورغم وجودها في الناتو وكل الدعم الدولي والإقليمي ورغم وصم النضال الكردي المحق والقوى الحاملة له بالإرهاب كذباً ونفاقاً ومساعدة الناتو لتركيا في حربها. إضافة إلى اعتقال المفكر والقائد أوجلان بمؤامرة دولية قادتها إسرائيل وأمريكا، وفرض العزلة والتجريد المطلق بحقه منذ 40 شهراً، إلا أن الشعب الكردي استطاع تعزيز مجتمعيته ومواصلة نضال الحرية والديمقراطية والتشارك مع المكونات والشعوب المتعايشة معه، وزيادة تأثير القائد أوجلان وخطه النضالي وفلسته الحياتية الحرة المرتكزة للمجتمع الديمقراطي والمرأة الحرة والأيكولوجية، على العديد من الفضاءات الشعبية والمجتمعية المختلفة في الشرق الأوسط والعالم، وطرحها كبديل لنظام الدولة القومية ومنظومة الهيمنة والنهب الرأسمالية.
الحرب الدائرة بين جيش الاحتلال التركي والشعب الكردي بقيادة حزب العمال الكردستاني وقوات كريلا حرية كردستان داخل شمال كردستان وتركيا وجنوب كردستان في شمال العراق، ليست هي فقط بين الدولة التركية والكرد، بل بين الاحتلال والاستعمار والإلحاق وبين من يرفض ويقاوم الإبادة ويريد العيش بحرية وكرامة، وكذلك تأثيراتها ليست محصورة بمنطقة ذات غالبية كردية، وليست كما يظن البعض أنها حرب بين طرفين نستفيد منها كطرف ثالث، ونعتقد أنها هي أكثر خطورة من الحرب الإسرائيلية ضد شعوب المنطقة، لكون إسرائيل ونتيجة الاختلاف في البعد الديني والثقافي والسياسي معروفة ومفضوحة لمعظم شعوب المنطقة والعالم، ولكن تركيا ولكونها تدعي أنها سنية مسلمة، فالعقل الشرق الأوسطي يتقبلها ولا يضعها في نفس مستوى الخطر والتهديد الإسرائيلي الصهيوني، ولكننا نعتقد أن هذه مقاربة خاطئة لكون تركيا وخاصة سلطتها الحالية الأردوغانية هي تدخلية المنطق وتوسعية الممارسة وتركية الثقافة المفروضة، وتستعمل كل الأدوات والشعارات والمقدسات التي تضلل وتخدع قطاع كبير من قوى وشعوب ودول المنطقة، غير ملتزمة بأي تعهد أو اتفاق، وكذلك يتم دعم الكيانين الإسرائيلي الصهيوني والتركي الطوراني من قبل نفس القوى العالمية ودعمهم بالسلاح وكل مستلزمات الحرب الشاملة والإبادة الجماعية وعلى رأسها أمريكا وألمانيا وبريطانيا وحلف الناتو ومع موافقة الجبهة الأخرى التي تدعي المخالفة كالصين وروسيا وغيرهم.
إن فهم حقيقة حرب الإبادة الجماعية الفريدة التي تشنها دولة الاحتلال التركية ضد الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة، يجعل أي مراقب ومختص بشؤون الشرق الأوسط مدرك لطبيعة وأزمة النظام الدولي والإقليمي، وكذلك حجم ونوعية المخاطر والتهديدات التي تهدد الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة والعالم، وكذلك فإن حل القضية الكردية في مركزها في تركيا وفي الدول الثلاثة الأخرى ستنقل الدول الأربعة نقلة نوعية ديمقراطية شاملة لمجالات الحياة، وستغير وجه المنطقة وستجعل المنطقة في مستوى مختلف من الحرية والديمقراطية عبر التحول الديمقراطي الذي سيتم، وستجبر أي يكون معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مختلفة، لكون الغالبية العظمى من الشعب الكردي وعبر فلسفة الأمة الديمقراطية اصبحوا نواة للتحول الديمقراطي وبناء الحياة الحرة لكاقة الشعوب والمكونات، وهم يعملون لأجل الحرية لشعبهم والديمقراطية للدول الأربعة وبالتشارك مع كافة الشعوب والمكونات وعلى رأسها المرأة التي حريتها تعني حرية المجتمع والشعوب التي نفتقد لها في بلدان الشرق الأوسط، نتيجة غياب الديمقراطية وتدخل القوى الخارجية، أما التواطؤ مع سياسة الاحتلال والإلحاق التركية والانبطاح أمام الطورانية الفاشية والعثمانية الجديدة الإخوانية تحت عنوانين مختلفة منها إرجاع العلاقة لوضعها الطبيعي وتحسين الاقتصاد وتجنب الاحتكاك وتخفيف التوتر والتركيز على مكان واحد، وعرض وجهة نظر تركيا فقط في الإعلام والدبلوماسية، فلن تجلب سوى مزيد من الغلط والإرهاب والخراب والفوضى وتمدد العثمانية وشرعنة احتلالها لمزيد من الأراضي، وعليه تبقى الوقوف مع الشعب الكردي وقواها المقاومة ضد الاحتلال التركي ودواعشه من مبادئ ومعاير الوطنية والإنسانية والعدالة وتحقيق الأمن والاستقرار في تركيا والشرق الأوسط، وللعلم لايمكن لأي إنسان لديه قليل من الشرف والكرامة أي يكون مع الحق في مكان ومع الباطل في مكان أخر تحت أي ذريعة أواعتبار وإلا فهو من المنافقين والخونة أو أنه غير قادر على الرؤية الواضحة والقراءة الصحيحة.