لست هنا بصدد شرح فلسفة الأسير عبد الله أوجلان، ولا بصدد إعطاء دروس لأحد بخصوص ما توصلت إلى إدراكه من تلك الفلسفة، إنما أحببت أن أفتح باباً للنقاش بعدما أصبحت الفكرة أساساً للتعامل بين القوميات والتي كانت وماتزال البعض منها تجد في موت الآخرين حياة، وكذلك بعد أن أصبحت مادة قيمة للنقاش بين المثقفين والمهتمين بأمر القوميات وتحرريها من رجس العنصرية والفكر القومي الضيق!.. كما اتضح ذلك في مؤتمر الإتحاد الديمقراطي التاسع المنعقد في أوروبا!..

على الأغلب توحي الفكرة للوهلة الأولى إلى إنكار للقومية، وهو ما تم تداوله بين المجموعات الكوردية المناوئة ليس للفكرة بل للآبوجية عموماً، وعلى الأغلب أغلبهم لم يكلفوا أنفسهم بقراءة كتابه بهذا الخصوص ولا حتى بالإستماع لشخص ما جدَّ في قراءة فلسفته!..

وأعتقد أن موقف هؤلاء هو سياسي تحزبي أكثر منه ثقافي واع، بل هو ضيق في أفق التعصب للزاعامات التي باتت للأسف الشديد، معضلة الكورد في القرن الواحد والعشرين !..

وهؤلاء لا أظنهم يشكلون سداً منيعاً لتوسع وتطبيق الفكر الأوجلاني بخصوص الأمة الديمقراطية، إنما الواقع وبعد دراسة ما تم تطبيقه على الأرض في روج آفا (شمال سوريا) يمكنني الجزم بأن أشد المتضررين من هذه الفلسفة وأكثرها تهكماً هي القوميات المتسلطة منذ عهود بل منذ قرون، أي القوميات التي عاشت وماتزال تعيش على فكرة إمحاء الآخرين!..

الترك والفرس قوميتان لا تتجاوز نسبتهم النصف بالنسبة لباقي القوميات والتي هي مستعمرة لها أرضاً وشعباً، وهنا نستثني العرب من هذه، لأن العروبيون مايزالون عتق ولم تتحرر رقابهم حقيقة بعد!..مع ذلك نجدهم يقفون مع القوميتان في عدائهم للكورد على الرغم من العداء بينها تاريخياً، ولا أظنهم يحملون نفس اسباب العداء، فالتركي والفارسي إن تحررت القوميات المستعمِرة ستكون نهاية ليس فقط لوجودها كبلدان لها وزنهما الإقتصادي والسياسي في العالم، بل قد تتعرضا لمراحل الإندثار على مدى البعيد، بخلاف العرب التي أصبحت متماسكة بوجود الفرقان ودين محمد!..

الأمة الديمقراطية، اي الفلسفة التي أصبحت الشغل الشاغل للقومية الشوفينية التركية وكذلك للفرس، تفرض بناء القومية على فكر جديد وليس الإلغاء، بناء أساسه إحترام الآخر كأنسان وليس لدّ أو وسيلة لغاية قذرة كما هي عليه الآن في الدولتان الشوفينيتان الفارسية والتركية !..

ولكي تصل بك الخلق أن تعترف بالآخر وتصون حقه، لابد لك أن ترتفع بك المقامات ثقافة وخلقاً ووعياً حقيقياً بواقع الحال المرير الذي يعيشه جارك الذي يخالفك في القومية أو الدين والمذهب!..

عبد الله أوجلان لاينكر القومية المنفتحة على الخير للأخر، إنما تلك التي تعبث بحقوق الأخرين وهي تدفع بالإنسان للإنتحار بدون وعي، وهذه وقد نالت نصيبها في الإختبار عبر التاريخ، إلا انها نكست بوعدها ولم تجر إلا الخيبة والمزيد من الدمار لشعبها قبل الشعوب المنضوية تحت سيطرتها، وخير مثال القومية التركية والفارسية، فهي ماتزال تعيش على ذل الآخرين وعلى إستعباد الآخرين، ولم تقدم لشعوبها إلا المزيد من الدمار والحروب العشوائية بدو طائل!..

الأمة الديمقراطية لا تعني بالنهاية إلا التآخي بين الشعوب، والعمل على بناء مجتمع سليم في ثقافته ورفيع في خلقه، بعيداً عن الشوفينية الضيقة التي تمارسها اليوم تركيا وفارس، وما الرعب الذي يعيشه أردوغان ومن هم من ورائه اليوم إلا تأكيد على خير هذه الفلسفة على المجتمع الشرق الأوسطي برمته حيث لن يكون للتعصب فيه قدر!..