الحدث – القاهرة
– العناصر الرئيسية
– أولاً: التخوف الامريكي من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي
– ثانياً: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
– ثالثاً: بدائل دولية أخرى يمكن أن تقدمها الصين لمصر خلال فترة ترأسها القادمة لمجلس الأمن الدولي لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا
– رابعاً: مقترحات عملية أخرى “على المدى الطويل” أقدمها للجانب الصيني الرسمي – للإستفادة من عمق العلاقات الصينية الأثيوبية – لوضع الصين حلول عملية للجانب الأثيوبي بشأن أزمة “سد النهضة” بين مصر وأثيوبيا – خامساً: هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوياً مع مصر لإقناع الجانب الأثيوبي بوجهة النظر المصرية – السودانية بشأن أزمة “سد النهضة” بين مصر وأثيوبيا؟ بالنظر لعمق العلاقة المزدوجة والثنائية بين أثيوبيا والصين وواشنطن.
ربما جاء هذا العنوان محل إستفهام للعديدين ممن يتساءلون عن (أبرز الملفات التي يمكن أن يحملها الجانب الصيني خلال فترة ترأسه للجلسة القادمة في مجلس الأمن الدولي)، وكخبيرة في الشأن السياسي الصيني – ومقربة في الوقت ذاته من كافة الأطراف الرسمية في بكين – فكنت ومازلت كأكاديمية شابة مصرية أحمل للجانب الصيني الرسمي بإستمرار كافة التخوفات المصرية والعربية من الصين، ولا سيما في ملفات عديدة ندرسها سوياً، كملفات: (سد النهضة الأثيوبي ودور الشركات الصينية والدولية به، وملف العلاقة بين مسلمي الإيغور والدولة الصينية، وملف الدور الإيراني في المنطقة والتخوفات الخليجية من التقارب الصيني – الإيراني وملفات حساسة أخرى).
وتأتى أهمية (ترأس الصين لمجلس الأمن هذا الشهر بالنسبة للأمن القومي لمصر) لأهمية الإستفادة منه على الجانب المصري (بضرورة عودة مصر ولجوئها إلى مجلس الأمن الدولي عبر تقديم مذكرة رسمية دولية، تطلب مصر فيها مساعدة الصين بصفتها “رئيس دورة الإنعقاد الحالي لمجلس الأمن” ومعها حليفتها روسيا، قبل أن تبدأ أثيوبيا عملية تعلية “الممر الأوسط” الذي يؤدي في النهاية إلى التخزين للمرة الثانية للصيف المقبل في حدود 13 مليار متر مكعب، ليصل المجموع إلى 18 مليار متر مكعب وهو ما يؤثر سلبياً على دولتي المصب “مصر والسودان”.
وفي حال عدم التوصل – حتى هذه اللحظة – لإتفاق كلي شامل لحل أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا من خلال وساطة الإتحاد الأفريقي، يبقى لدى مصر المسار الأهم في ذلك الإطار، وهو “مسار مجلس الأمن الدولي الذي تترأس الصين دورته الحالية”، ذلك أنه “ليس أمام مصر في هذه الحالة إلا أن تتجه لمجلس الأمن الدولي الذي ترأسه الصين في دورته المقبلة لوضع أزمة سد النهضة على أجندة الصين”، والصين وفق إعتقادي وفهمي لهم تتفهم تماماً الجانب المصري، والذي يمكنه أن يطلب من الصين خلال ترأسها لدورة مجلس الأمن القادمة، أن “يعين مجلس الأمن الدولي بإشراف صيني مجموعة من الخبراء تقوم بوضع مسودة إتفاق للتوافق عليها”، ولمن يخشى من عامل الوقت، بإعتبار أن “فترة الملء الثانى للخزان الأثيوبي سيكون في شهر يوليو القادم لعام 2021″، ولكني أعتقد وفقاً لقراءتي وفهمي للمشهد العام “أنه مازال هناك متسع من الوقت لدى مصر والصين للتوافق حول شروط وإمكانيات الحل في ظل تفهم الصين لرغبة مصر في حل تلك الإشكالية بين مصر وأثيوبيا”.
ولعل طلب مصر لجهود الوساطة الصينية، هو ما يتوافق تماماً مع ما طالبت به دراسة صدرت أخيراً عن (مجموعة الأزمات الدولية) ووجهتها للدول الثلاث المعنية “مصر، السودان، أثيوبيا” بشأن قضية سد النهضة، بعد فشل جهود الوساطة الأمريكية، وتأكيد تلك الدراسة بضرورة “طلب الدعم من طرف ثالث موثوق لدى كافة الأطراف، كشريك متفق عليه للخروج من المأزق الراهن”.
وهنا يأتي “التخوف الأمريكي من ترأس الصين لمجلس الأمن في دورة إنعقاده القادم”، والذي ترجمه عدداً من محلليها وخبرائها الدوليين، بتخوفهم من دور الصين في ترأس مجلس الأمن الدولي، وإستخدام الصين مجلس الأمن الدولي كـــ “أداة سياسية لتمرير سياستها ومصالحها وأجندتها الدولية”، مؤكدين بأن “الدول التي تتولى الرئاسة، تتولى صياغة جدول الأعمال الرسمى للمجلس، بما يعكس أولوياتها الوطنية، وهو بالقطع ما ستفعله الصين وفقاً لتأكيداتهم”.
ولمن لا يفهم الصين خاصةً لزملائى المختصين بالشأن الصيني، فإسمحوا لي أن أنقل لكم بعناية فائقة بأن “الصين تهتم وبشدة بكل ما يكتب ويقال عنها حتى لو كان بشكل سلبي أو فكاهي ساخر، على غرار الفيديو السلبي الفكاهي لمجموعة من الفتيات المصريات”، والذي تم نشره منذ أقل من يومين من تاريخ كتابتي لهذا المقال غير المعتاد بالنسبة لكم، والذي يسخر من الصاروخ الصيني وفيروس كورونا الصيني ودور الصين السلبي في العالم. فلمن لا يعلم، فإن “الصين تهتم إهتماماً كبيراً بدراسة وقياس كافة توجهات الرأي العام المصري والعربي والإسلامي، ومراكز بكين البحثية والفكرية تبحث وتدرس على الدوام كيفية سد أي فجوة وإزالة أي فهم لسوء بينها وبين مواطنينا سواء في مصر والعالمين العربي والإسلامي”.
وفي الوقت ذاته، تولي الصين أهمية كبيرة للدور المصري عالمياً وإقليمياً ومركزية المحور المصري وجغرافيتها في (مبادرة الحزام والطريق الصينية)، لذا، جاءت تقارير مراكز الفكر والأبحاث الصينية منذ فترة قصيرة للغاية كي تثبت أن “مصر قد أثبتت بالفعل دورها عالمياً ومحورية تأثيرها في صناعة القرار العالمى وإقتصاد العالم بشكل عملي”، ولقد أثبتت التقارير الفكرية والبحثية الصينية ذلك، بالتأكيد على “أن جنوح السفينة “إيفر جيفن” في قناة السويس، وتعطل هذا الممر الحيوي المصري العالمي، قد أثبت مركزية الدور المصري ومحوريته في الشرق الأوسط والسياسة الدولية فضلاً عن أهمية دور مصر في إحتفاظ أي دولة بمكانتها في هذا النظام الدولي كالصين”.
ولمن يفهمني بشكل خاطئ، فأنا أيضاً أقع وعلى الدوام فريسة غضب المحيطين بى من الصين، فمنذ سنوات طويلة يتم ربطي بالصين – وربما كان الجميع فعلاً محق في ذلك لقربى الشديد للصين والذي لا ولم أنكره لحظة – والذي كان من أهم نتائجه هي وصول العديد من الدعوات الرسمية والأكاديمية الدولية لي لتوضيح وجهة نظر الصين حول كل شئ، ومشاركتي في مؤتمر “جامعة هارفارد” الذي شارك به السيد/ يانغ جيتشى – رئيس مكتب العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الحاكم في الصين، للحديث عن “مستقبل وإشكاليات العلاقات الأمريكية – الصينية وإنعكاساتها دولياً”.
مع العلم، أن “جامعة هارفارد” هي الجامعة الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم، والتي نشرت كتابي الدولي الهام بالإنجليزية، والذي تمت دعوتي في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد لتأليفه، حول: “تأثير مراكز الفكر الإسرائيلية والأقليات اليهودية في الصين على الأمن القومي العربي”، ونشرته ووضعته في مكتبتها الدولية، ونفس الأمر فعلته أبرز الجامعات الأمريكية الأخرى والعالمية المرموقة، ومؤتمر “جامعة هارفارد” هو المؤتمر الذي شارك به السيد/ يانغ جيتشى – رئيس مكتب العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الحاكم في الصين، والذي شارك أيضاً مع السيد/ وانغ يى وزير خارجية الصين في “مباحثات ألاسكا” نهاية شهر مارس الماضي مع وزير الخارجية الامريكي “أنتونى بلينكن” لوضع “الملامح العامة للعلاقات بين الصين وواشنطن”، ودعوتي القادمة للمشاركة في “مؤتمرات لعدد من الدبلوماسيين الصينيين في سفارة الصين في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية لبحث وحل إشكاليات العلاقة بين الصين والجانب الأمريكي”.
لذلك فليس مستغرباً أيضاً “ترأسي وإختياري لرئاسة مؤتمر دولي هام الشهر القادم لبحث عدد من “إشكاليات العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والعالم”، أوجه فيه الدعوة “رسمياً” لأبرز الشخصيات الدولية والأممية للإستماع والمشاركة – وحتى لا تتوهون معي في تفاصيله – فسأكتب بشكل منفرد عنه وعن “نتائج المفاوضات والمؤتمرات الرسمية والفعلية والأكاديمية بين واشنطن وبكين بإعتباري مشاركة فعلية فيها، وليس مجرد محللة للمشهد من بعيد كزملائي الباحثين الآخرين في الشأنين الصيني والامريكي”.
وأعلم تماماً، أنني ربما إخترت مقدمة طويلة شخصية لمقالي للتحدث فيها عن نفسي وعن دوري وعن حضوري وكافة مشاركاتي الدولية – ولكن كان لابد أن أبدأ بها حتى يتفهم الجميع وجهة نظر الصين وكيف تعمل مراكزها الفكرية والبحثية، بل والأهم لكم: الفهم التام لدوري كأكاديمية مصرية ومشاركتي بين واشنطن وبكين في عدة ملفات شتى أحضرها وأستمع لها دولياً عبر برامج التواصل الحية – وبناءاً عليه، فأرجو أن يتسع صدر الجميع لفهم المغزى العميق من وراء كتابتي لهذا المقال التحليلي القصير وتحليل وفهم ما أرمي إليه من وراءه كمواطنة مصرية أولاً قبل أن أكون أى شيئاً آخر؟
ولتفهم وجهة نظري لكتابتي لهذا المقال التحليلي الهام، الذي أدعوكم جميعاً لقراءته وفهمه، فلتفهموا جميعاً وجهة نظري، خلال العناصر التالية:
– أولاً: التخوف الامريكي من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي.
من خلال متابعتي المستمرة والدقيقة – كخبيرة في الشأن السياسي الصيني – لكافة التحليلات الأمريكية بشقيها (الرسمي والأكاديمي) حول (فترة رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي)، لاحظت (مدى التخوف الامريكي من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي).
وكان واحد من أبرز التحليلات الشاملة الطرح والتي أطلعت عليها الباحثة، هو تحليل الخبيرة الأمريكية في الأمن القومى “مورغان لورين فينا”، عبر موقع “مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية”، بتأكيدها على “ضرورة منع الصين من إستغلال مجلس الأمن الدولي عندما تتولى الرئاسة الدورية له هذا الشهر”. مع توجيه الباحثة “مورغان فينا” لرسالة شديدة اللهجة التحذيرية إلى الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن الدولي، بقولها: “لا تدعوا الصين تختطف المجلس، ويجب على الولايات المتحدة والدول االخمس دائمة العضوية حماية نزاهة المجلس وفضح خداع الصين”، مع تأكيد الباحثة الأمريكية “فينا” في نهاية مقالها، بأن: “الأمم المتحدة ومجلس الأمن هدف سهل لبكين لتحقيق أقصى قدر من النفوذ”.
ويأتي التخوف الامريكي تحديداً من سياسية وإستراتيجية الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، والذي بات يتبنى عملياً (رؤية إستراتيجية دولية للصين على المستويين المتوسط والطويل)، فعلى المستوى المتوسط، يسعى الحزب الشيوعي الصيني لتطوير الصين لتصبح (دولة متقدِمة متوسطة المستوى بحلول عام 2035)، وعلى المستوي الطويل، يسعى الحزب الشيوعي الصيني لتحويل الصين إلى (قوة عظمى بنفس مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بل وأكثر تفوقاً عليها وذلك بحلول عام 2050). لذلك تحولت شكل العلاقة الحالية إلى ما يشبه (التنافس الإستراتيجى) بين الطرفين الامريكي والصيني.
كما يمكن فهم التخوف الامريكي أيضاً من الصعود الصيني، من خلال تقرير “فرقة العمل الصينية التابعة لمجلس النواب الامريكي” – والذي أطلعت عليه الباحثة المصرية منذ عدة أشهر – وتأكيدهم على أنه “يتعين على الحكومة الأمريكية والكونغرس الإلتزام بسياسة طويلة الأمد من الحزبين الديمقراطى والجمهورى لإنهاء سيطرة الحزب الشيوعي على الصين”.
كما كشفت “تقارير سرية أمريكية” أخرى تم الإفصاح عنها مؤخراً من خلال “دراسة سرية أعدها مركز أبحاث الكونغرس الامريكي”، عن “إنتهاج ودراسة إدارة الرئيس الامريكي “بايدن” خططاً لتجريد الرئيس الصيني “شى جين بينغ” إعلامياً بالأساس من لقب “الرئيس شى”، وهو اللقب الذي تستخدمه – من بين ألقاب عديدة يحملها كالأمين العام للحزب الشيوعي العام ورئيس المؤسسة العسكرية الصينية وغيرها – الحكومات والمؤسسات الإعلامية الغربية الناطقة باللغة الإنجليزية.
كما يأتي التخوف الامريكي الأبرز من الصين، وذلك بحسب (نظام القياس الذي تحدد من خلاله وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية أفضل معيار للمقارنة بين الإقتصادات الوطنية في العالم) بصعود الصين لتصبح أكبر إقتصاد في العالم، حيث أصبحث الصين فعلياً الآن بمثابة “ورشة التصنيع الرئيسية في العالم”، والشريك التجاري الأول لمعظم الإقتصادات الرئيسية، وأيضاً المحرك الأول لنمو الإقتصاد العالمي. ومن هنا، يمثل
ى ل (صعود الصين التحدي العالمي الأكثر تعقيداً الذي يواجه صناع القرار في واشنطن)، فهي الخصم الأكثر شراسة الذي يواجه الولايات المتحدة.
كما أنه وعلى الجانب الآخر، فتكمن وجهة نظري هنا بأن الصين دولة مؤثرة ولها نفوذ دولي عميق، لذلك أتوقع أنه مع طول أمد وفترة الصراع بينها وبين الولايات المتحدة، فسوف يتعين على أمريكا مستقبلاً أن تجد سبلاً لــــ “التعايش السلمي” مع الصين، بدلاً من حالة التنافس والصراع المتبادل بينهما الآن.
– ثانياً: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
يمثل ملف سد النهضة (أزمة حقيقية في إدارة الملف المصري لعلاقاته الدولية إقليمياً وعالمياً)، حيث أعلنت أثيوبيا عدة مرات (فشل المفاوضات) ثم تبعها تصريحات من الخارجية الأثيوبية نفسها – وعلى خلاف الحقيقة – بإعلان أن المفاوضات فشلت من الجانب المصري، ونجد هنا أن (كثرة الأطراف الفاعلة في ملف سد النهضة يعقد الملف ويحتم على مصر بناء التحالفات وآليات الضغط على الممولين)، وأن يكون لكافة تلك الأطراف دور في جهود الوساطة والحل مع الجانب الأثيوبي بحيث (لا يضر ملء السد الأثيوبي بحصة مصر المائية ضرراً كبيراً).
ولمحاولة حل تلك الإشكالية، قام الرئيس (عبد الفتاح السيسى) بعدد كبير من الزيارات للدول الأفريقية، وعقد أكثر من (120 إجتماعاً مع قادة ومسؤولين أفارقة خلال زيارتهم لمصر أو على هامش المؤتمرات التي شارك فيها)، ويعتبر ذلك (مؤشراً هاماً في التحول الجذري في سياسات مصر تجاه أفريقيا من خلال تكثيف الزيارات والإجتماعات رفيعة المستوى) حيث مثلت تلك السياسة أثراً في (إستعادة مصر دور الحضور داخل عضوية منظمة الإتحاد الأفريقي)، هذا المدخل كان له تداعياته فيما يتعلق بـــ (أهمية الشق القانوني وجهود الوساطة والتفاوض الدولي فيما يتعلق بإدارة مصر لعلاقاتها مع القوى الإقليمية والكبرى والشركات الدولية العاملة في سد النهضة) مقابل إصرار وتعنت الحكومة الإثيوبية تجاه مصر والسودان.
وقد إستغلت إثيوبيا إنشغال مصر مرتين، (المرة الأولى) خلال (إنشغال مصر بأحداث ثورة 30 يونيو) حيث قام رئيس الوزراء الأثيوبي السابق (ديسالين) بوضع حجر الأساس في 2 أبريل 2011، بعد أن تم تحديد موقعين في منتصف 2010 لدراستهم قبل وقوع الإختيار النهائى على نفس الموقع، و(المرة الثانية) حينما أخذت أثيوبيا عدة تحركات سريعة من أجل (إبرام عقود أثيوبية مع الشركات وجمع الممولين والمتبرعين وحصلت عليه شركة إيطالية بقيمة 4.5 مليار دولار)، وقابل ذلك وجود تخبط شديد وإرتباك في إدارة السياسات المصرية تجاه الموضوع في بادئ الأمر، وعدم إعطاء الأمر وزنه الحقيقي والمناسب حيئذ، مما تسبب لاحقاً في العديد من التداعيات السلبية على سياسات مصر وعلاقاتها الخارجية.
وتعتبر أهم الفواعل حول ملف سد النهضة هي (القوى الدولية والإقليمية التي لها إستثمارات داخل إثيوبيا، مثل بعض الشركات الأمريكية نفسها وشركات أخرى دولية متعددة الجنسية وإستثمارات دولية من جانب الصين وإسرائيل وتركيا وقطر ودول أوروبية عديدة وبعض الدول الخليجية) بالإضافة إلى العديد من الدول والقوى الدولية والإقليمية الأخرى، وتلعب تلك القوى دوراً كبيراً في (تشكيل وصناعة القرار الإثيوبي)، حيث أن (بعض تلك الإستثمارات الدولية والأجنبية في سد النهضة الأثيوبي ليست ذات عائد إقتصادي فقط، فالبعد السياسي والأمني يلعبان دوراً كبيراً في توجيه الإستثمار وتحديد أطره وأشكاله الفنية التي تؤثر في ديموغرافية المنطقة والأمن القومي لعدة دول بالمنطقة) وذلك نظراً لأهمية (منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا التي تعد دولة “أثيوبيا” مدخل هام لها) في الدخول إلى عمق القارة الأفريقية والتحكم في مساراتها المستقبلية وعمق علاقاتها.
– وللإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
كباحثة متخصصة في الشأن السياسي الصيني، لا يمكنني أن أنكر أبداً دور الشركات الصينية العاملة في أثيوبيا وسد النهضة الأثيوبي، فضلاً عن دور قوى إقليمية ودولية أخرى عديدة، من بينها دول عربية شقيقة وإن كان ذلك ليس موضوعنا الآن لعدم تشتيت التركيز، وعند دراستي المتعمقة لبيان (خريطة الإستثمار داخل مشروعات السد الأثيوبي)، كان ذلك قادراً على توضيح (حجم التأثير في صناعة القرار الأثيوبي من قبل كل دولة تستثمر في مشروعاته)، تبين لى أهمية الجانب الصيني في التأثير على “صناعة القرار الأثيوبي” خاصةً أن فشل جهود الوساطة الأمريكية أظهر أن الخلاف وصل طريقاً مسدوداً، لذلك كان لابد له من إشراك أطراف أخرى مؤثرة على القرار الأثيوبي وفي مقدمتها الصين.
ونظراً لبعد المنطقة وخبرائنا وباحثينا عن مراكز الفكر والأبحاث الصينية المؤثرة في صناعة القرار الصيني، ولاسيما (مراكز الفكر البيئية الصينية المهتمة بدراسة آثار التغيرات المناخية والطبيعية على العالم، والتي تدخل دراسة أزمة سد النهضة ضمن حدودها البحثية لصانع القررار في الصين)، فإن وجهة نظرهم تكمن في “أن بكين يمكنها إستخدام خبرتها في بناء السدود وإدارة آثار السدود الضخمة لمساعدة الدول الثلاث “مصر، السودان، أثيوبيا” على التوصل إلى إتفاق مرضي لكافة الأطراف”.
وعلى مستوى (جهود الوساطة الدولية)، يمكن ملاحظة أنه على جانب (الإتحاد الأوروبي)، فلقد تميز بحضور باهت وخطوات مترددة في هذه أزمة سد النهضة، بل وتوارى، مرة أخرى، أمام مبادرة الوساطة الأمريكية التي فشلت تقريباً في التقريب بين وجهات نظر القاهرة وأديس أبابا.
لذلك، فإنه لا يجب للمجتمع الدولي ترك البلدين (مصر وأثيوبيا) في الوضع الراهن لحالهما، وإلا سيكون لذلك عواقب على الإستقرار الأمنى في المنطقة وأفريقيا ككل والعالم، وبات يتعين على القوى الإقليمية والدولية ممارسة جهود حقيقية للضغط على أثيوبيا وتعبئة الدول الحليفة (لمصر). مع الأخذ بعين الإعتبار كما رأينا في السابق، أنه رغم أن الولايات المتحدة والأوروبيون، وكذلك دول الخليج وغيرهم يرتبطون جميعاً بعلاقات جيدة مع البلدين (مصر وأثيوبيا)، ولكن، من الواضح أنهم “غير مستعدين للإنحياز إلى أي من أطراف الصراع لصالح الآخر من أجل إنجاز وتحقيق مصالحهم”.
ومن هنا، يكمن الحل من وجهة نظرى للجانب الرسمى الصيني بأهمية لعب دور مؤثر ومساندة الجانب المصري والسوداني خلال (فترة ترأس الصين القادمة لمجلس الأمن الدولي)، من خلال الإستفادة من (العلاقات الإيجابية الصينية الروسية في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن دور الوساطة الامريكي الفعلي بين مصر وأثيوبيا مما يعنى رغبة وترحيب الجانب الامريكي في وضع أطر وبدائل أخرى لحل إشكالية السد الأثيوبي)، لذلك (يمكن لمصر أن تنسق مواقفها مع الصين وبالأخص خلال فترة ترأسها لمجلس الأمن الدولي، لرفع الأمر دولياً للصين كما ذكرت، للتأثير على أثيوبيا إيجابياً لصالح مصر والسودان الشقيقة، ولا أعتقد أن الصين سيكون لديها مانع للعب دور ما في الوساطة بين مصر وأثيوبيا لصالح الطرفين)، بالنظر كما قلت لعلاقة الصداقة بين الصين وأثيوبيا ومصر، ونفس الأمر أيضاً ينطبق على الجانب الامريكي في علاقته بمصر وأثيوبيا بشكل إيجابية)
وتكمن وجهة نظري المقدمة إلى الصينيين بـــ (تقديم مبادرة تعترف بشكل أساسي بدور أثيوبيا وحقوقها في التنمية وتوليد الطاقة، ولكن أيضاً الأخذ بعين الإعتبار العواقب السلبية على مصر وإدارة ملف العلاقة بشكل عملي وإيجابى مرضي بين الجانبين)”.
– ثالثاً: بدائل دولية أخرى يمكن أن تقدمها الصين لمصر خلال فترة ترأسها القادمة لمجلس الأمن الدولي لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا.
تعد مباحثات سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا من أكثر المباحثات المعقدة عالمياً أمام تشبث مصر بـــ “حقوقها التاريخية المشروعة وفقاً للقانون الدولي” وأثيوبيا بـ “طموحاتها في التنمية وتوليد الطاقة وفقاً لوجهة نظرها”، غير أن هناك خيارات وبدائل أخرى تتطلب قدراً من الشجاعة بتقديم تنازلات متبادلة كما يرى خبراء المياه حول العالم.
وأهم البدائل والخيارات التي يمكن أن تحملها الصين لأثيوبيا في مجلس الأمن، وأعتبرها تقع ضمن منطقة “حلول الوسط” الممكنة، هي أن (تتفاوض الصين لإقناع أثيوبيا على أن يتم ملء السد تدريجياً في موسم الأمطار، مع أخذ التداعيات على السكان في مصب النهر بمصر والسودان بعين الإعتبار). بعد ذلك، “يمكن تشغيل السد على المدى الطويل وفقاً لآلية تأخذ في الإعتبار إحتياجات توليد الطاقة وتدابير الحماية المناسبة لمصر والسودان خلال فترات الجفاف”.
ويجب على الجانب الصيني عند لعب دور لجهود الوساطة بين مصر وأثيوبيا، أن يسعى إلى “تضمين أي إتفاق يحدث بين مصر وأديس أبابا لأكبر قدر ممكن من التفاصيل التي تغطي جميع الإحتمالات الممكنة في المستقبل، بما فيها دراسة كاف
ة التقلبات المتعلقة بالتغيير المناخي الذي قد يفسد الحسابات المستقبلية لأثيوبيا نفسها”، والمتعلقة بإحتمالية وجود هبوط أرضي أو سقوط جزئي لجزء من سد النهضة يؤثر على دول الجوار وفي مقدمتها السودان، إضافةً إلى (إمكانية تفاوض الصين لإقناع أثيوبيا من أجل حصول الجانبين المصري والسودانى على طاقة كهربائية رخيصة من أثيوبيا)
وعلى جهود الوساطة الصينية، فيجب أن تعمل الصين هنا من أجل (بناء الثقة بين الأطراف المتفاوضة وإظهار حسن النية وصولاً إلى تحقيق المنفعة المشتركة من خلال صيغة توازن ما بين الطموحات الأثيوبية والحقوق التاريخية لمصر والحيلولة دون الصدام)، وهو البديل الذي أثبتت الخبرة الدولية أنه الخيار الأكثر نجاحاً والأفضل من حيث النتائج، إذا ما صدقت الإرادة السياسية للأطراف المتفاوضة، والأهم قوة وصدق الطرف (القائم بالوساطة) وهو الصين، ورغبته صدقاً في القيام بهذا الدور، وهو الأمر الذي ربما قد أجده مع الجانب الصيني مقارنةً بأي أطراف أخرى، نظراً لمصالح الصين المشتركة في مشروعات التنمية بين مصر وأثيوبيا عبر (مبادرة الحزام والطريق الصينية)
وهنا نجد، أنه بالنظر لتمتع بكين بعلاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا، فضلاً عن مشاركتها في بناء وتمويل مشروعات التنمية الإقتصادية الكبرى في البلدين، وهي بالفعل مهتمة بتجنب التصعيد بين مصر وأثيوبيا، لذلك، نجد أن (الوساطة الصينية ربما تساعد في إعادة بناء الثقة المتضائلة بين القاهرة وأديس أبابا). وهو تقريباً نفس الإتجاه الذي عبر عنه وزير الخارجية الصيني (وانغ يى) خلال سؤاله عنه في مؤتمر صحفي سابق، بتأكيده على وجهة نظر الصين في “ضرورة الحوار لإيجاد حل مقبول لجميع الأطراف في أقرب وقت ممكن”، مع تأكيد “وانغ يى” في الوقت ذاته في “أن بلاده مستعدة للعب دوراً بناءً في هذا الملف بين مصر وأثيوبيا”.
رابعاً: مقترحات عملية أخرى “على المدى الطويل” أقدمها للجانب الصيني الرسمي – للإستفادة من عمق العلاقات الصينية الأثيوبية – لوضع الصين حلول عملية للجانب الأثيوبي بشأن أزمة “سد النهضة” بين مصر وأثيوبيا
إن التعامل مع ملف سد النهضة مع الجانب الأثيوبي، يجب أن يكون وفقاً لإستراتيجية طويلة المدى، جوهرها خلق (صيغة توافقية تجمع دول حوض النيل وتراعي مصالح الجميع) لذلك يجب أن يتم التحرك السياسي المصري السريع والمكثف للتفاوض مع أثيوبيا إقليمياً ودولياً – ويمكن أن يتم ذلك عبر الصين – من أجل “إطالة زمن المفاوضات وتضييق البدائل المتاحة لدى الجانب الأثيوبي”
وإقترح الجانب الصيني بالفعل في السابق، تعظيم الفائدة المصرية من مبادرة الحزام والطريق لتقوية علاقات مصر بأفريقيا وأثيوبيا على الأخص عن طريق الصين، وذلك عبر (إنشاء خط سكة حديد بالصحراء الغربية يربط مصر بشمال السودان إلى الدول الأفريقية الحبيسة كتشاد، وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا). ويمكن أن يمتد هذا الخط إلى بتسوانا، أو قد يتكامل مع الخط المزمع التوسّع فيه من كينيا إلى رواندا، وبوروندي، وجنوب السودان
كما إقترحت الصين أيضاً منذ سنتين تقريباً، بأن (يُطرح مشروع إقليمي من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية في إطار مشروع أوسع لربط القارة الأفريقية بخطوط سكك حديدية يتكامل فيها طموح القوى الأفريقية مع الجانب المصري)، خاصة أنها تطرح نفسها كمحور لتلاقي خطوط السكك الحديدية لغرب أفريقيا مع وسط أفريقيا، ومن ثم تستفيد الدول الحبيسة أيضاً كأثيوبيا وتنمو حركة التبادل التجاري بينها….. فالدول الأفريقية التي تشملها المبادرة لا تزيد على عشر دول يشملها الطريق البحري “طريق الحرير” وتحرم الدول الحبيسة، مثل (أثيوبيا) من الإنضمام إلى المبادرة بشقها البحري.
لذلك، فنصيحتي المقدمة للجانب المصري، هى ضرورة “الإصرار لبحث كافة تلك الخيارات والبدائل الصينية مع بكين وترجمتها عملياً من أجل الصالح المصري”. وأقدم هنا بعض البدائل والمقترحات – والتي قدمتها فعلياً وعملياً منذ سنة تقريباً للجانب الصيني وقمت بنشرها – وأعيد التأكيد عليها مرة أخرى، من أجل وضع “رؤية عملية طويلة المدى مع الصين لحل كافة إشكاليات العلاقة بين مصر وأثيوبيا”.
– وللإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن تساعدنا الصين عملياً وعلى المدى الطويل في مواجهة بناء أزمة سد النهضة في أثيوبيا؟ (مقترحات عملية مقدمة لصانع القرار الصيني):
1 – إنشاء الصين لــ (محطات ضخمة لمعالجة المياه وإستخدامها أكثر من مرة، وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر في مصر، وتدريب خبرائنا على تكنولوجيا ومهارات سقوط المطر بطريقة إصطناعية)، وهى ما يعرف بتكنولوجيا (الإستمطار الصناعي).
2 – إستقدام خبراء من الصين لمساعدتنا في (إعادة تدوير المياه من خلال محطات معالجة المياه المتطورة)، حتى نستخدم المياه أكثر من مرة، بمعنى تعظيم المتاح.
3 – إمداد الصين للجانب المصري بتكنولوجيا متقدمة لــ (إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى والصرف الصحي والصرف الصناعي) مرات أخرى.
4 – يجب على الصين أن (تقف مع مصر وتتوسط لإنجاح مبادرتها وإقتراحها على الجانب الأثيوبي بإطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق المزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر)، ودعت مصر (طرفاً رابعاً) في المناقشات بين الدول الثلاث (مصر، السودان، أثيوبيا)، والإقتراح المتفق عليه هو أن دولة الوساطة هي الصين، بالنظر للعلاقات الوثيقة بين الصين ومصر.
5 – تعرض الصين تقديم خبراتها من الفنيين والمتخصيين في الرى والزراعة والهندسة للمساعدة في (تشييد السد والإتفاق على التعديلات اللازمة نحو ضمان عدم تأثير السد على الحصة المائية لمصر والسودان) مع ضمان الإستفادة الإثيوبية منه في الوقت ذاته
6 – تقوم الصين بدور الوساطة مع أثيوبيا من أجل (الإتفاق على تخصيص أراضي لمصر للزراعة بإثيوبيا وكذلك في جنوب السودان)، ضماناً لإستفادة مصر مائياً وغذائياً من بناء سد النهضة الأثيوبي
7 – على الجانب الصيني، من خلال شركاته العاملة في سد النهضة الأثيوبي (تقديم دراسات وافية ودقيقة لمصر حول جدوى السدود الأثيوبية على نهر النيل)، ومدى تأثير تلك السدود الأثيوبية في حالة إنشائها على منطقة البحيرات العظمى والهضبة الإثيوبية
8 – على الجانب الصيني التوسط والمساعدة في (تقديم التسهيلات الخاصة بعملية الإستثمار للشركات المصرية في أثيوبيا)، مثل: شركات (المقاولون العرب والسويدي) وغيرها، وتقديم الدعم الفني لها للتواجد بصورة أكثر فاعلية في أثيوبيا
9 – ينبغي أن يكون هناك (تعاون إستخباراتي ثلاثي بين الصين ومصر وأثيوبيا، خاصةً مع التواجد الكثيف للصينيين في أثيوبيا الذي يقدر بأكثر من ٦٠ ألف مواطن وعامل صيني في أثيوبيا)، من أجل حل عدد من القضايا المشتركة بين مصر وأثيوبيا، مثل: (الإرهاب والأمن والقرصنة، وملفات الحركات المسلحة) في الصومال، وأوغندا، وغرب .النهضة من سبع إلى عشر سنوات)، مع الحفاظ على مستوى المياه بسد أسوان في مصر عند 165 متراً فوق سطح الأرض.
16 – على الصين أن تسعى لــ (التوسط لحل نقاط الإختلاف بين الدولتين المصرية والأثيوبية حول مدة ملء السد)، حيث ترى مصر أنها (يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء موسم الفيضانات فقط)، في حين تريد أثيوبيا ملء بحيرة السد خلال ثلاث سنوات، وإستمرار الملء طوال العام.
17 – قد تقترح الصين على أثيوبيا أن (تساهم مصر بحصة فعلية في بناء سد النهضة، والحصول على الكهرباء مقابلها لسد العجز في الشبكة الكهربائية لدى الجانب المصري).
18 – على الجانب الصيني أن يتدخل لـــ (إجبار أثيوبيا على الموافقة على مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة والتي رفضتها من قبل)، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف (المادة الخامسة من نص إتفاق إعلان المبادئ) الموقع في 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون في بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
19 – أن الصين بإمكانها أن تلعب دوراً سياسياً خطيراً لــ (الحد من النفوذ الامريكي عند التدخل والوساطة مع أثيوبيا بعيداً عن طلب الوساطة الأمريكية من مصر لحل النزاع مع أثيوبيا)، مع تذكير الصين للجانب المصري بأن (واشنطن هي الدولة التي هندست السد والذي كان ضمن أربع سدود أخرى، بهدف تضييق الخناق على مصر مائياً).
20 – على الصين أن (تتدخل لحل الخلاف الأساسي بين مصر وأثيوبيا ووضع شروط توافقية حوله، والذي يدور بالأساس حول حجم المياه التي يجب تمريرها). في حين تقترح مصر تمرير 40 مليار متر مكعب في حالة الفيضان، وأعلى من ذلك في حالة الجفاف، يعنى ذلك ملء الخزان في سبع سنوات وأكثر، تتمسك أثيوبيا بنسبة تتراوح بين 30-35 مليار متر مكعب في حالات الفيضان والجفاف، أي ملؤه في خمس سنوات.
21 – وسياسياً، على الصين أن تعي وتفهم أنه (لا يمكن الفصل بين أهمية المشروع من الناحية القومية والسياسة الداخلية ودور القوى والأطراف الدولية والإقليمية كواشنطن وإسرائيل وغيرها، وبين أهمية المشروع في سعى أثيوبيا للنفوذ الإقليمى)، فهو يمتاز بطابعه الجيوسياسى، فمن خلاله يمكن التحكم في صناعة القرار في شرق أفريقيا، ويمكن فهمه في إطار سعي السياسة الأثيوبية للتأثير الإقليمي والقاري.
22 – على الصين أن تبحث على المدى الطويل (عمل دراسات فنية بشأن إمكانية إنهيار السد مثلاً، مما يشكل دماراً للسودان كدولة صديقة للصين، ويؤدي إلى غياب السلم والإستقرار في السودان والمنطقة المحيطة به مما يعرض الإستثمارات الصينية في تلك المنطقة للخطر). فالأزمة بين مصر وأثيوبيا مهددة للإستقرار الإقليمي بما ينعكس بالتالي على (الأمن الدولي).
23 – مبدئياً، قد يكون النهج الصيني للتدخل في جهود الوساطة مع أثيوبيا هو (التذكير بمبدأ قبول السد كمشروع تنموي ذي طابع إقليمي، وفي الوقت ذاته حق مصر والسودان في عدم تعرضهما للضرر في حقوقهما المائية). وعملياً، تتقبل مصر تحمل بعض الضرر على أن يكون قابلاً للسيطرة عليه.
24 – على الصين التدخل لــ (إجبار الجانب الأثيوبي على الإعلان صراحةً أمام مصر والمجتمع الدولي لتبادل المعلومات حول معدلات تدفق النهر، والمواصفات الفنية للسد، أو رؤية أثيوبيا في إدارة سد النهضة في سنوات الوفرة أو سنوات الندرة).
25 – وأخيراً، يجب على الصين أن (تنسق أكثر مع السودان الذي يبدو أنه لم يتعافَ بعد من سياسات نظام البشير المخلوع لصالح مصر، ولتحقيق السلام الإقليمى في كافة الدول الأفريقية لإنجاح مبادرتها العالمية للحزام والطريق).
– خامساً: هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوياً مع مصر لإقناع الجانب الأثيوبي بوجهة النظر المصرية – السودانية بشأن أزمة “سد النهضة” بين مصر وأثيوبيا؟. بالنظر لعمق العلاقة المزدوجة والثنائية بين أثيوبيا والصين وواشنطن.
يجب أن يدرك صانع القرار والمفاوض المصري عند ترجيح كفة الوساطة الأمريكية أم الصينية، بأن أمامه (ثلاث سيناريوهات) للتعامل مع أزمة سد النهضة، وهي:
السيناريو الأول: إحتواء مصر ذلك الحذر الامريكي تجاه التعاون الصيني في المنطقة.
السيناريو الثانى: أو أن يتخير الجانب المصري “البقاء على الحياد” دون أن تكون مصر طرفاً في التصعيد بين الجانبين الصيني والامريكي.
السيناريو الثالث: يمكن أن يعتبر صانع القرار المصري ذلك “فرصة لتقييم التعاون الصيني مع دول القارة الأفريقية، وعلى رأسها أثيوبيا” كدروس تستحق الدراسة.
وهنا، ربما كانت وجهة نظري والتي أرجو أن يتفهمها الجانب الامريكي جيداً، هي أن (تطور العلاقات الدولية في كل فترة زمنية يؤثر تأثيراً كبيراً على فهم وتحليل هذه السياسات)، لذلك يفترض أن كل منظور أو آلية جديدة لإدارة العلاقات بين الدول ولاسيما المتنافسة منها، يبرز كرد فعل للإنتقادات التي توجه للمنظور الذي ساد من قبله في فترة سابقة، وفي ظل أوضاع دولية مختلفة تطورت على نحو أبرز هذه الإنتقادات، أو التحديات، أو التساؤلات حول مدى إطلاقه، ومدى إستمرار صلاحيته لوصف وتفسير الأوضاع الدولية المتطورة والراهنة، ومن ثم يتبلور (بديل جديد يتحقق حوله قدر من الإتفاق يرقى به إلى مرتبة المنظور السائد والسياسة المتفق عليها لإدارة عملية السياسات الخارجية بين الدول).
ولفهم مغزى ما أرمي إليه وتحليله بشكل عملى دقيق – فأنا أطبق ذلك كأكاديمية مصرية معروفة لدى الجانبين الامريكي والصيني ولدى المجتمع الدولي أيضاً – عبر إجابة التساؤلين الآتيين، وهما
1 – هل الظرف الراهن يوجب إحراز تعاون من نوع ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بالنظر لعلاقتهما الجيدة بأثيوبيا لممارسة ضغط عليها – أو قل إقناع أثيوبيا بالحل ووجهة النظر المصرية السودانية تحت إشراف ونتائج تعاون مثمر للقوتين العظميتن في العالم الصين والولايات المتحدة الأمريكية
2 – وهل يمكن أن يكون حل إشكالية سد النهضة الأثيوبي إختبار حقيقي بين واشنطن وبكين لإدارة علاقاتهما المستقبلية بشكل إيجابي، ينعكس على المجتمع الدولي إيجابياً كأول تعاون حقيقي مثمر بين الطرفين
ولحديثي عن “إمكانية التعاون بين الصين وأمريكا لصالح مصر في موضوع أزمة سد النهضة مع أثيوبيا” أهمية كبيرة بالنسبة للصين، حيث تبدي الصين دوماً رغبة في تسوية الصراع مع الولايات المتحدة عبر (الحوار والتفاهمات الثنائية، وتحاول أن تتجنب الدخول في حالة إستقطاب إستراتيجي)، مع الإعتراف التام بأن حالة التنافس بين الطرفين ستظل قائمة
لذا، فمن وجهة نظري أنه “إذا كانت واشنطن جادة بالفعل في مساعي السلام والتفاوض والوساطة بين مصر وأثيوبيا بشأن سد النهضة، فلما لا يتم إشراك الجانب الصيني في هذا الأمر، بالنظر لإستثمارات الصين وقدرتها الفائقة في التأثير على صناعة القرار الأثيوبي حول إيجاد بدائل أخرى لحل تلك الإشكاليات المتعلقة بين مصر وأثيوبيا والسودان؟”، وهذه هي وجهة نظري أن أتمنى أن يستمع لها الجانب الامريكي.
بصوت العقل بعيداً عن العاطفة والسياسة وأعتقد كذلك أن الصين ترحب بهذا الدور الإيجابى لصالح إيجاد حلول عملية ترضي كافة الأطراف بالتعاون أيضاً مع الجانب الامريكي لخلق مناخ من (التعددية السياسية الإيجابية في المجتمع الدولية لحل أزماته)، لأن إستقرار المجتمع الدولي وحل أزماته العالقة بين أطرافه يصب في صالح التنمية وتطوير المجتمع الدولي سلمياً. وأرجو أن تكون رسالتي قد وصلت وفهمها الجميع.