الحدث – القاهرة – بقلم الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو
يمثل يومي ٢٦ و٢٧ من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني (عام ١٩٧٨) الذكرى الرابعة والأربعين لتأسيس حزب العمال الكردستاني، أهم وأقوى القوى الكردية والشرق أوسطية فاعلية وتأثيراً في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والعسكري كفاعل مؤثر من غير الدول. وتأتي هذه الفعالية والحضور من الحقيقية الكردية والإنسانية التي يمثلها ومن تجاوزه ومعالجته الأفكار الاستشراقية البعيدة عن حقيقة المنطقة وشعوبها وثقافتهم و وحمله وعي جديد للحقيقة وبنائه و تقديمه لنموذج بدئي ديمقراطي للمجتمعات والشعوب وتطويره للديمقراطية المباشرة وللنموذج الاجتماعي الفريد وهو الأمة الديمقرطية التي تستند إلى المجتمع الديمقراطي ومبدأ حرية المرأة وقيادتها للعمل والبناء والحياة كأهم ركيزة للحرية المجتمعية والديمقرطية والسلام الحقيقي وللبعد الأيكولوجي والبيئي في الحياة والطبيعة وامتلك ذهنية التشارك والاحترام لكافة الخصوصيات والاختلافات الطبيعية والإنسانية.
ومنذ البداية كان الغموض والشك يتواجد في مفهوم حق تقرير المصير الذي يقتصر فقط على بناء دولة قومية ولذلك مع التجربة النضالية في كردستان وتعمقها وتواجد مناضلين من مختلف الإثنيات في مسار النضال الديمقرطي المجتمعي الكردساتي واكتساب تلك التجربة الزخم والحضور والخبرة مع حالة الانسداد في الفضاء السياسي والفلسفي والفكري القوموي والدينوي، كان لابد من البحث عن حلول تلائم الواقع الكردي والشرق الأوسطي والإنساني. وعليه تجاوز حزب العمال الكردستاني وهو المدرسة والأكاديمية النضالية للشعب الكردي والشعوب المظلومة في كردستان والشرق الأوسط، تلك الأفكار الأحادية والمطلقية في السلطة القوموية المركزية كحل وحيد للشعوب التي تسعى للحرية والديمقرطية والعدل وعليه تجاوز مفهوم الحزب القائد والطليعي للمجتمع و كذلك الاختصار على طبقة أو فئة معينة أو طليعة بل أنه بات يرى أن الإطار التنطيمي والأصح للنضال وبناء الديمقرطية والوصول للحرية يكمن في المجتمع بذاته وتفعيل أنسجته السياسية والأخلاقية أي الديمقرطية وبين أبنائه وعبر مؤسساته المجتمعية الحرة وليس البحث في الأنفاق المظلمة للدولة القومية والسلطوية الدولتية.
خاض حزب العمال الكردستاني منذ أن كان مجموعة أيدولوجية في أنقرة منذ ١٩٧٣ النضال على جبهتين داخلية كردية وخارجية، حيث أن الدولة التركية الفاشية كانت قد عبرت عن نفسها ووجودها في المجتمع الكردي عبر بعض التيارات المتوطئة والأشخاص العملاء من بعض الطبقات العليا التي باعت نفسها وكرامتها لدولة الاحتلال التركية، فكان استشهاد أول شهيد من الحركة أو حزب العمال الكردستاني على يد هكذا جماعات وأشخاص،لمنع خروج أية انطلاقة مجتمعية ديمقراطية، فكان الولاء لذكراه ولحقيقة الشهداء عبر تأسيس حزب الشهداء حزب العمال الكردستاني وإخراج القضية الكردية من مجرد مشكلة صحيفة أو جمعية أو فريق رياضي أو مجموعة مثقفة إلى حقيقية نضالية جماهيرية وهيكلية تنظيمية سياسية وعسكرية قادرة على التعبير والرد وإبداء الموقف التاريخي اللازم ضد الاحتلال التركي وأعوانه.
أما البعد الإقليمي والدولي للقضية الكردية فله أهميته ودوره الكبير، حيث أن القوى المركزية في نظام الهيمنة العالمية هم من قسموا الكرد وكردستان وجعلوه بذلك قضية عالقة ويؤرة توتر قابلة للاشتعال من أجل مصالحهم وهيمنتهم ونهبهم. ولذلك كانت القوى الدولية تلك لا تريد أية سياقات نضالية ومسارات ديمقراطية خارج تحكمهم وتوجهاتهم. وهذا ظهر جلياً عندما لم تستطع هذه القوى التحكم بحزب العمال الكردستاني وترويضه، فبدأ بالتضيق وتطبيق العزلة السياسية والدبلوماسية عليه وثم الاتهامات وإلصاق تهمة الإرهاب به وبنضاله المحق والعادل كما مع ألمانيا بعد ١٩٨٥ وغيرها من الدول والقوى المركزية العالمية في أعوام ١٩٨٨ و٢٠٠٢ و٢٠٠٧ في المقاربة السلبية من نضال الحرية في كردستان.
ونظراً لأن القائد آبو وحزب العمال الكردستاني، تخندقوا مع شعوب المنطقة وفي الشرق الوسط وخاصة مع الشعوب العربية والنضال الفلسطيني وكانت نظرته استراتيجية في التواجد في المنطقة وبين شعوبها ومجتمعاتها ولذلك تم المزيد من الاستهداف ومع عدم رغبة القوى الدولية التي قسمت المنطقة في حل القضية الكردية وسد الطريق أمام الحالة النضالية الكردية والإنسانية وتعاظمها، فكانت المؤامرة الدولية عام ١٩٩٩ والتي كانت رد على رغبة القائد في حل القضية الكردية سليماً وسياسياً مع النظام العالمي وخاصة دول الاتحاد الأوربي التي أوجدت وتسببت في القضية الكردية، وقام الناتو بريادة أمريكا وإسرائيل بعملية الاعتقال والخطف البعيدة عن كل القوانيين الدولية وتسليمه للدولة التركية بغية ضمان واستمرار التحكم بتركيا.
يمكن القول إن أحد أهم منجزات نضال القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني هو العمل لبناء الإرادة الحرة المجتمعية وذهنيتها و تقديمهم نموذج المرأة الحرة وذلك كأهم منجز ليس للكرد فحسب بل لكل المنطقة والإنسانية، حيث أن المرأة الحرة هي تعبير عن أرقى مستويات الحرية في أي مجتمع، ونظام الرئاسة المشتركة مع دور المرأة الريادية في مجالات الحياة المختلفة كالاقتصاد والسياسية والثقافة والأمن جعلت المرأة قادرة على العطاء وحماية وبناء المجتمع والإنسان الحر والديمقراطي، ومن المميز أن نشير إلى أن أول أشكال العبودية في التاريخ ومازالت هي مع استعباد المرأة وإضعافها وعليه، فإن طريق الخلاص وكذلك بناء الحياة الحرة تكون مع المرأة الحرة والواعية والمنظمة والمجسدة لكيانيته المستقلة ذهنياً وسلوكاً. وشعار “المرأة، حياة حرية” هو من إبداع القائد أوجلان ومقاربته الموفقة لحرية المرأة إضافة إلي طرحه مفهوم علم المرأة-جنولوجي في كتابه ومجلده الثالث”سوسيولوجية الحرية” .
ومن الهام الإشارة أن حزب العمال الكردستاني والقائد أوجلان تجاوزا البعد الكردي أو العرقي منذ اليوم الأول، فكان أول ثلاث أشخاص أثنين منهم ليس كرد بل من القوميات الأخرى في كردستان وتركيا. ولقد قال الشهيد الخالد كمال بير “أن تحرير الشعب التركي يمر من تحرير الشعب الكردي” وكما قال في لبنان وعند الفلسطينيين “أن تحرير الشرق الاوسط أو أن ثورة الشرق الأوسط يمر من الثورة الكردية”. وهذه حقيقة لامحالة ولابد منها وتداركها، فالمغزل الكردي سيدور ليجعل الديمقراطية تسود في المنطقة وتتحقق العيش المشترك والأخوة الحرة بين كل مجتمعات وشعوب المنطقة.
كان إنقلاب ١٢ أيلول عام ١٩٨٠ والإرهاب العسكري التركي مدفوعاً ومدعوماً من الناتو لسحق كل محاولات اليسار والتوجهات الديمقراطية في تركيا وللحفاظ على الدولة الوظيفية والأداتية التركية عندما أدركوا أن الفاشية المدنية لاتكفي للقيام، فكانت التمهيد ومراحل مختلفة للوصول إلى جلب نموذج إسلاموي وظيفي وهو أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
أما السلام والحل السياسي والديمقرطي فكان أيضاً من مبادئ حزب العمال الكردستاني وطرقه التي آمن بها وعمل عليها وهو الحل السلمي السياسي والسلام الحقيقي القائم على حق الدفاع الذاتي والسياسة الديمقراطية والإدارة الـذاتية للمجتمعات والخصوصيات الراسخة، ولقد قام القائد أوجلان والحزب في إعلان وقف إطلاق النار لأكثر من ٩ مرات لكن الدولة التركية ومن ورائها لم يكونوا يريدون حل القضية الكردية وبل تم تصفية من تكلم عن الحل وسعى لها في تركيا كأوزال وأربكان وغيرهم.
ومع جلب حزب العدالة والتنمية، ظن البعض وحتى البعض من الكرد أنه سيكون هناك وضع مختلف عن المجازر وحرق القرى وتهجير الناس الذي حصل في أعوام ١٩٣٩-١٩٩٤ -١٩٩٥، لكن ما ظهر أن السوء والعدائية والحقد الذي حمله ويحمله أردوغان وحزب العدالة والتنمية وخاصة بعد الاتفاق مع حزب الحركة القومية يتجاوز كل الممارسات وإرهاب الحكومات السابقة، ولعل استخدام أردوغان وحزب العدالة والتنمية والجيش التركي للأسلحة المحظورة كالنووية التكتيكية والأسلحة الكيميائية وكذلك احتلاله لمناطق في روج آفا و شمال وشرق سوريا و إقليم كردستان العراق في شمالي العراق وسجنه النواب والسياسيين والنشطاء الكرد، إضافة إلى التجريد والعزلة بحق القائد أوجلان ، إنما يبين جزء قليل من السلوك الإجرامي لأردوغان وسلطته الفاشية مع بخجلي إضافة لعلاقته مع حزبه ومخابراته مع داعش والقاعدة والإخوان رغم محاولته التستر على ذلك.
أما الفصل الأخير من الهجمات التركية والغزو الحاصل في ليلة ١٩-٢٠ الشهر الحالي وقتلها المدنيين وتخريب البنية التحتية في شمال وشرق سوريا وقصفها لقوات حماية مخيم الهول وكذلك لسجون الدواعش وقصفها للمجتمع الإيزيدي وكذلك لمخيم مخمور للاجئين ولمناطق الدفاع المشروع الأن وتركيا على أبواب الانتخابات المفصلية تبين حجم الخوف والهيستيرية الذي يكتنف أردوغان وشريكه بهجلي من الهزيمة وثم المحاسبة، خاصة بعد الفشل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والحروب المستمرة لأجل السلطة والقاء فيها وتعاونهم مع داعش حتى لأجل قتل الأتراك أنفسهم كما حصل مع تفجير إسطنبول الأخير.
وعليه، فالنضال الكردي والديمقراطي وبقيادة وريادة القائد أوجلان وحزب العمال الكردستاني هو عمل نبيل لأجل الحق والعدل وجهد مبارك لأجل الوجود والحرية والكرامة، وقد قال الله تعالى “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير* الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ”
وكذلك هو الكفاح والمقاومة الكردية والديمقرطية، فهو رداً على الظلم والطغيان والجور والتهجير والإبادة الجماعية الفريدة و الذي تقوم به الدولة التركية الفاشية وإبادته للكرد وشعوب ميزوبوتاميا والأناضول منذ ١٩١٤ و ١٩١٥ و ١٩٢٥ وحتى اليوم، ولم تكتفي بداخل تركيا بل أنها أصبحت تتدخل في الدول وشعوب المحيطة كالدول العربية.
وهنا لابد من الإشارة أن المانع والسد الوحيد حالياً أمام مشروع العثمانية الجديدة وابتلاع المنطقة من جديد هو نضال ومقاومة قوات الدفاع الشعبي(الكريلا) لحزب العمال الكردستاني وكذلك نضال الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية وقوات تحرير عفرين ومنظومة المجتمع الكردستاني بشكل عام ، وعليه تبقى مسار أخوة الشعوب وتكامل الثقافات والمواقف المشتركة والتحالفات والعلاقة الاستراتيجية العربية-الكردية من أهم ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة وردع التدخلات التركية والإيرانية ومشاريعهم الاستعمارية و تقوية جبهة المنطقة الداخلية و بناء الحياة الحرة المشتركة للشعبين العربي والكردي والوقوف أمام مشاريع التدخل الخارجي والإقليمي في شؤون المنطقة ودولها وشعوبها