الأربعاء 4 ديسمبر 2024
القاهرة °C

إلى أمــي

عباس السلامي

-1-
في طفولتي لطالما سمعتهم يرددون
“الجنةُ تحتَ أقدام الأمهات”
يومها كنتُ أسرعُ إلى أمي ،
أسألها عن تلك الجنة التي يتحدثون عنها ،
أين هي وما شكلها ؟
فيما كانت عيناي تحملقُ بعمق
إلى قدمي أمي تفتّش عما تحتهما !
الابتسامةُ العريضة كانت هي الرد الذي تغمرني به
في كلّ مرّة أسألها عن الجنة ،
تلك الجنة التي رأيتها تتهدم
يومَ دسّوا أمي في التراب .
-2-
غرفةٌ واحدة وأمٌ حنون
نتحلَّقُ حولَها بسعادة وأمااااااان
يا الهي !
هو ذا بيتنا الذي كان
-3-
أمام صورة أخي المعلقة فوق الجدار
تقف والدتي بابتسامة غائرة
تهامسه ُ بحسرة
وهي تودعهُ على أمل اللقاء به في المقبرة
-4-
حمتني من الأحزان
لخمسين مضت
ابتسامة أمي
-5-
بيتُنا
كان غرفة واحدة
الجيران والأقارب كانوا يرونه صغيراً وضيّقاً
فيما كنا نراه – أنا وإخوتي – بوجود أمي قلعة غنّاء
لا يطال شموخها نظر ..
-6-
كانت أمي
تجمعني وإخوتي في بقعة محدودة من بيتنا الصغير،
وتحثّنا على أنْ نكون قريبين من بعضنا
لم أعرف يومها ، لِمَ كانت أمي تفعل بنا ذلك ؟
حتى تبيّنَ لي حين كبرت ،
بأنها أرادتنا يومها أنْ نبدأ مِرانَنا على ضيق المكان،في بيتنا
ذلك البيت الكبير المكوّن من غرفة واحدة !
-7-
متى ما تموت الأم
تهرم الروح ، ويشيخُ القلب ،
وتمضي الذاكرة غريبة تتسكع
-في طرقات الماضي القصية –
وهي تستجدي الحنين
-8-
أنا طفل
– مهما كبرتُ –
مادمتُ على مقربةٍ من حضن أمي
-9-
سافرت
-ست الحبايب-
في رحلة أبدية
وتركتني وحيداً حزيناً تائهاً
أفتّش عنها بين كلّ النساء
to top