الحدث – وكالات
ناقش مركز الفارابي للدراسات والاستشارات والتدريب يوم الاثنين 27 فبراير 2023 موضوع “نحو مبادرة لحل الأزمة السورية” حيث تتجه في الآونة الأخيرة غالبية الدول العربية نحو اتخاذ قرار بإنهاء تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية وإنهاء عزلتها، رغم ما يحيط بهذا القرار من معطيات بالغة التعقيد.
تحليل أمني لمعطيات الموقف :
* الأصل أن وجود سوريا كعضو في الجامعة العربية أمر يدعم الأمن القومي العربي، ولكن يظل التمدد الإيراني في سوريا – المدعوم من النظام الحاكم – أهم أسباب تعميق الصدع العربي السوري، هذا ومن يتابع موقف الدول العربية من عودة سوريا لمقعدها بالجامعة يرصد اختلافاً في وجهات النظر، بل وتبايناً في موقف أكثر من دولة من حين لآخر؛ فالظروف السياسية متغيرة، وتتغير معها بالتالي المواقف السياسية، كما نشير أيضاً إلى وجود ضبابية لبعض المواقف العربية بشأن تلك العودة.
* هذا ومن زمن، تصرح إيران برغبتها في التقارب مع الدول العربية خاصة الخليجية، لإنهاء الخلافات الأساسية بينهما، ولا نجد ترجمة حقيقية لهذه التصريحات ! فهي مازالت تدعم الحوثيين في اليمن بإمدادات الأسلحة، وكان هذا المشهد تحت نظر ومتابعة من الغرب ! وأحيانا – ولأسباب التضييق فقط على إيران – تقوم سفن حربية غربية بضبط سفينة محملة بالأسلحة في طريقها لليمن، ثم تتعالى الأصوات بتحويل الشحنة لأوكرانيا في حربها مع روسيا.. ونشير هنا إلى أن ضبط تلك الشحنة تعاصر زمنياً مع تصريحات إيرانية برغبتها في تصفية الخلافات الخليجية الإيرانية ! ونضيف لهذا أيضاً التغلغل الإيراني في كل من لبنان، والعراق، وعلاقاتها الممتدة مع تنظيمات داخل غزة.
* وإذا كانت عودة سوريا للجامعة العربية يعني انفتاحاً اقتصادياً عليها وليس سياسيا فقط، حتى لا تكن خاضعة لإيران لهذا السبب.. فهل سيكون للعقوبات المفروضة على إيران أثر يعوق نتائج هذه العودة ؟؟؟ جدير بالذكر أن العقوبات الدولية التي فرضت على سوريا وعددها وفقا لـ) CNN وما نشرته في ٢٣ فبراير ٢٠٢٣) 2598 عقوبة، كما أن دخول سوريا للجامعة العربية يفترض أن يترتب عليه عودة العلاقات السياسية والاقتصادية بينها وبين الدول العربية، لتحل هذه الدول محل الدعم الإيراني.. بل ويفترض أن الدول العربية تهب لنجدتها أو على الأقل تدين الاعتداءات الإسرائيلية عليها من حين لآخر، وهذه الإدانة يفترض أن تحدث بصرف النظر عن وجود سوريا بالجامعة العربية أم في حالة تجميد لهذه العضوية، ومع هذا وبفرض منح أمريكا الضوء الأخضر في هذا الشأن – لأسباب أهم من تلك العقوبات – فستظل سوريا تحت قيادة الأسد تحتضن القوات الإيرانية، وهذا يمثل خطر استراتيجي على الأمن القومي العربي.. لذا فإن المبرر الوحيد لرفع تعليق عضويتها يرتبط بأسباب لعل أهمها إنهاء الوجود الإيراني من الأراضي السورية، وغالب الظن أن هذا لن يتحقق في هذه الآونة، خاصة مع التقارب الروسي الإيراني الذي تطور ليصبح تحالفا استراتيجيا الآن.
* هذا وعلى جانب آخر، نرى إسرائيل تعبث في سوريا بضربات موجعة ضد أهداف تدعي أنها إيرانية.. فهل هذا يتناسب مع عودة سوريا للجامعة العربية الآن ؟؟؟ ولعل الغريب في الأمر أن مسألة عودة سوريا الآن للجامعة العربية ربما يتم توظيفه لصالح مؤامرة صهيونية تهدف لتحقيق اصطفاف خليجي يمهد لتوجيه ضربة مركزة تجهض بها إسرائيل المشروع النووي الإيراني، لذا فلنطبق المثل القائل “دع الأفاعي تموت بسم العقارب” – أقصد بالأفاعي هنا إسرائيل – خاصة بعد أن تم تداول أخبار تفيد بأن إيران خصبت اليورانيوم بنسبة ٨٤%، وبهذا فقد بات وصولها لنسبة تخصيب ٩٠% ربما واقع، وأنها بالتالي اقتربت من صنع سلاح نووي.. خاصة في ظل معطى مهم جدا ألا وهو دعم إيران لروسيا في حربها من المؤكد، وأن روسيا ستثمنه غالياً.. فإيران انضمت بشكل واقعي لتحالف أكبر: روسي صيني.
* ويظل هدف إسرائيل ليس المشروع النووي الإيراني فقط، ولكن يستهدف أيضاً طرد القوات الإيرانية من سوريا.. وفي هذا محاكاة للموقف الروسي من خطر انضمام أوكرانيا للناتو.. وربما يرون أن أنسب سبيل لتحقيق هذا الهدف هو المشاركة الخليجية والعربية لإسرائيل، توطئة لمواجهة مباشرة عربية إيرانية؛ تبدأ قبل الضربة الإسرائيلية الكبرى وتستمر بعدها أيضاً.. فمن المبادئ التي تطبقها أمريكا في المواجهات الكبرى هو حشد الأنصار قبل المواجهة، وربما اشترطت على إسرائيل قبل الضربة المشار إليها أن تكون أهم دول الخليج على الأقل معه _ نقصد هنا السعودية – واسمحوا لي أن أتساءل هنا في ظل هذه المعطيات: ماذا بعد انتهاء الغرب من تدمير العراق، ثم تفكيك سوريا، وسعيهم لإجهاض المشروع النووي الإيراني بدعم عربي، فما هو هدفهم الاستراتيجي التالي ؟؟؟
* معطى آخر له بعد استراتيجي عسكري مهم جدا ألا وهو، ربما يسعى بوتين جاهدا إلى استخدم إيران ضد أمريكا وإسرائيل في محاكاة للمسلك الأمريكي في استخدام أوكرانيا، حيث قُــدمت أوكرانيا قربانا لإضعاف روسيا، تمهيدا للانقضاض عليها وهزيمتها اقتصاديا.. وتجاهلت أمريكا من حساباتها أمرين: الأول أن الصين لن تترك روسيا وحدها في هذا الصراع لتهزم، مع الأخذ في الاعتبار أن إطالة أمد الصراع سيكون في صالحها، والثاني وهو الأهم، أن قوة روسيا النووية لن تسمح للناتو بانتصار حاسم.
* هذا ويجب الوضع في الاعتبار أن سوريا أعلنت قبل القمة العربية الأخيرة بالجزائر عدم رغبتها في طرح مسألة عودة مقعدها للجامعة العربية، ربما لأن معطيات العودة في هذا التوقيت غير مناسبة؛ حيث لا يتوافر التوافق العربي على هذا الأمر من ناحية، بجانب الرؤية الإيرانية التي تتعارض مصالحها مع هذه العودة من ناحية أخرى، وجدير بالذكر أن قرار تجميد عضوية سوريا لم تجتمع عليه أعضاء الجامعة العربية، لذا فلا ضرورة لتوافر الإجماع حال العودة أيضاً.
* النتيجة والرأي :
* وفقاً لكل المعطيات السابقة، نرى أن عودة سوريا للجامعة العربية من الأنسب تأجيلها في ظل المعطيات المعقدة للأوضاع السياسية والعسكرية الراهنة والسابق الإشارة إليها.
* يمكن أن نكتفي بعودة مكتب سياسي لسوريا في الجامعة لأغراض الإغاثة وإعادة الإعمار والتشاور المستمر في شأن معالجة لخطر التمدد الإيراني بالداخل السوري وانعكاساته السلبية على الأمن القومي العربي، ثم تأتي دبلوماسية “خطوة بخطوة” فحال تحييد التمدد الإيراني بالداخل السوري فلتكن العودة الكاملة لسوريا بالجامعة، وما يصاحبها من دعم سياسي واقتصادي عربي.
* وإن جاز لنا في نهاية الندوة إطلاق مبادرة تتفق مع متطلبات الأمن القومي العربي فليكن عنوانها “سوريا محررة من الوجود الأجنبي والإرهاب” .
27/ 2/ 2023
لواء دكتور/ شوقي محمد صلاح
خبير مكافحة الإرهاب وعضو هيئة التدريس، بأكاديمية الشرطة المصرية
مستشار أمني وقانوني لمركز الفارابي للدراسات