الحدث – القاهرة
تحدث الباحث السياسي أحمد شيخو، في مقال له عن أزمة الشرق الأوسط، مشيراً أن السلام الحقيقي والحل الديمقراطي، يقتضيان ذهنية، وكفاءةً فكريةً وسياسيةً، وليس فقط كفاءة وعلاقات اقتصادية وعسكرية، مؤكداً أن الحداثة الديمقراطية هي النهضة والتنوير للشرق الأوسط.
الحل غير متوفر إلا بحداثة ديمقراطية.
نظراً لحالة الفوضى والتوتر وعدم الاستقرار السائدة في المنطقة ودولها، و فشل الأنظمة السلطوية المفروضة وعدم قدرتهم على حل مشاكل وقضايا الشعوب والمجتمعات، فإن أفق الحل والخروج من الأزمات والقضايا المتراكمة ليست متوفرة بالمدى المنظور والبعيد، إلا بالعمل الجاد لبناء حداثة جديدة ديمقراطية للحياة الشرق أوسطية، وخاصة في ظل الأحادية التسلطية الاستفرادية وغياب الديمقراطية في دول المنطقة، وإضعاف قيم ومبادئ وظروف التشارك والأخوة والوفاق والعيش المشترك الممارس من قبل قوى الدولة والسلطة واستمرار تدخل القوى الخارجية العالمية والإقليمية وبل محاولة أطراف جديدة منافسة و مزاحمة قوى الهيمنة على المنطقة ومواردها وجغرافيتها الاستراتيجية وربط البعض أمالهم وحياتهم بهذه التدخلات وتبعيتهم لها.
البوصلة الشرق أوسطية ليست مستقلة و ليست في الاتجاه الصحيح.
من واقع الدول والشعوب العربية المضطرب والمذري والمؤلم وواقع تيارتها القوموية والإسلاموية المفلسة، إلى واقع إيران المتوتر والمحاصر وشعوبها المنتفضة وثورة المرأة بوجه نظام الشيعة القومية القمعي إلى حقيقة الإبادة والإنكارية للدولة التركية وسلطاتها الفاشية تجاه الشعب الكردي وشعوب ميزوبوتاميا والأناضول و التي تريد إتمام إبادتهم جميعاً وتدخلاتها في دول المنطقة ودعمها لداعش، إلى التوتر داخل فلسطين-إسرائيل والميول التسلطية للحكومة اليمنية، علاوة على تعويل الكثيرين من السلطات والدول والأحزاب على الخارج الإقليمي أو الدولي المتصارع لبناء الحلول وحل المشاكل وفق رغباتهم بعيداً عن المجتمعات والشعوب، نجد أن البوصلة الشرق أوسطية ليست مستقلة و ليست في الاتجاه الصحيح، مادام حقل الجاذبية من صنع الغير ومادام الإصرار على النمطية والتسلط والعنصرية والفاشية ورفض ثقافة التشارك والحوار والاعتراف بكافة المكونات والتكوينات الاجتماعية الشرق الأوسطية وشعوبها المتعددة، وخاصة مع رغبة كل دولة وطرف سياسي وسلطة في دول المنطقة بأن تكون هي الأقوى وصاحبة النفوذ الأكبر في ملفات الشرق الأوسط لتسوق نفسها للنظام العالمي المهيمن ولدول المنطقة بأنها الأكثر تأثيراً ونفوذاً في الشرق الأوسط حتى إن كانت دول صغيرة مصطنعة و لا يتجاوز أعمارها سوى عقود ودون أن تكون لها نظرة مستقبلية ورؤية موضوعية لواقع أزمات وقضايا المنطقة ومشاريع للتشارك وإدارة التنوع والتعدد الذي يمتاز به الشرق الأوسط أي دون أن تكون صاحبة حلول ديمقراطية، قادرة على حل قضايا المجتمعات والشعوب في المنطقة سواء ً منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
النتيجة تكون لصالح القوى الأكثر فهمناً ووعياً وتحضيراً وتنظيماً ومبادرةً.
في السنوات الأخيرة ومع حالة الأزمة والحروب المستمرة وعدم الاستقرار في الأمن الغذائي العالمي وأمن الطاقة وأمن المياه الشرق الأوسطي والأمن والسلم العالمي بشكل عام وحالة الاصطفاف وتشكل الكتل الضاغطة مع اشتداد صراعات القوى الإقليمية و المركزية في نظام الهيمنة العالمية، كأمريكا وحلف الناتو والاتحاد الأوربي والصين وروسيا وإيران وإسرائيل ولو بمستويات وأهداف مختلفة، تستشعر دول المنطقة وسلطاتها الخوف والقلق على مصائرهم سواء المسايرة للنظام العالمي أو المعترضة شكلياً لها، حيث أن انكسار حالة الهدنة المؤقتة بين القوى والدول المركزية في نظام القطب الواحد، له تداعيات كبيرة و مقلقة وخطيرة على دول المنطقة وسلطاتها وحتى شعوبها؛ يحاول الجميع قراءتها وفهمها بدقة وعناية، ولذلك نجد سعي كل دولة وسلطة ومكون إلى خلق ظروف ووقائع تناسبها وبناء علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية، ترى أنها ستكون مفيدة لاستقرارها ولمستقبلها أو لتعزيز أمنها ومكتسباتها ونفوذها في الشرق الأوسط، في ظل الحرب العالمية الثالثة وظروفها التي نمر بها والتي تشتد كل يوم دون أن تكون النهاية واضحة، سوى أننا أمام مرحلة مفصلية يتطلب من الجميع التنظيم والتهيئة والمبادرة والحملة الناحجة، لأن في أوقات الأزمة لن تكون النتيجة واضحة وبل تكون غالباً لصالح القوى الأكثر تحضيراً وتنظيماً ووعياً وفهمناً لمجريات الأحداث وقت الأزمة.
يخافون من الإرادة الحقيقية الحرة لمجتمعات وشعوب المنطقة ومشاريع الحلول الديمقراطية.
ولكن الوعي المجتمعي والفهم و التحضير والتنظيم والقراءة الصحيحة، هذا ما نفتقده في الشرق الأوسط، بسبب الحالة التابعية و القالبية والأيدولوجية الأحادية والسلطوية التي لا تريد أن تشاهد الواقع ومجريات الأحداث وفق ماهيتها بل وفق قالبتها القومية أو الدينية أو الذكورية والمستعدة للتضحية بكل مجتمعات وشعوب المنطقة وتاريخهم ووجودهم ومصالحهم من أجل السلطة والاستمرار في الحكم والمنافع الشخصية و العائلية والفئوية. وهذا ما يخدم في النهاية قوى الهيمنة العالمية غربية كانت أم شرقية والتي تحاول ومع قوى السلطة والدولة التابعة لها في سد طريق قوى الحرية والديمقراطية ومنع خروج أو انطلاق أي مسار أو سياق مجتمعي ديمقراطي ووطني شامل؛ لأنهم يخافون من الإرادة الحقيقية الحرة لمجتمعات وشعوب المنطقة ومشاريع الحلول الديمقراطية التي ستعيد المشهد في الشرق الأوسط وفق أولويات ومصالح الشعوب والمجتمعات وليس وفق مصالح وأولويات قوى السلطة والدولة التي تخدم نظام الهيمنة والنهب العالمي، وهنا تلتقي مصالح قوى السلطة والدولة في دول الشرق الأوسط من جهة مع استراتيجيات القوى والدول المركزية في نظام الهيمنة العالمية من الجهة الأخرى، لعدم فتح المجال للديمقراطية والحياة الحرة أمام المجتمعات والشعوب الشرق أوسطية و سد الطرق أمام محاولات التحول الديمقراطي أو صياغة دساتير ومؤسسات وطنية ديمقراطية والتركيز على الدكتاتورية والاستبداد التي تولد وتعزز العقم، سواء بميولها اليمينية أو اليسارية، لتكون هي السائدة سواء الآن أو في حال حصول أي تغيير في ائتلافات القوى الحاكمة في دول المنطقة.
السلام الحقيقي والحل الديمقراطي يقتضيان ذهنية وكفاءةً فكريةً وسياسيةً وليس فقط كفاءة اقتصادية وعسكرية.
إن إتاحة الفرصة لشعب أو لمجتمع لحياة أكثر حريةً وديمقراطية ومساواة. لا يتوقف فقط على بناء علاقات اقتصادية أو عسكرية ناجحة فقط كما تحاول بعض دول المنطقة تسويقها أو استتباب الأمن والسلام والسماح بين صفوفه، بل وبتخطيه أيضاً للعقليات الدولتية السلطوية والذهنيات الأحادية و للمقاربات القمعية والاستغلالية تجاه الأمم والشعوب والمجتمعات الأخرى داخلاً وخارجياً، وبتحويله المصالح المشتركة بين الجميع إلى تعاون وتضافر وتشارك وتكامل لدى هيكلة المؤسسات الوطنية والعالمية بناءً على البنية الذهنية والمؤسساتية الأساسية للأمة الديمقراطية التي نراه الحل الأفضل للشرق الأوسط ولشعوبها ومجتمعاتها المتنوعة والمتعددة بدل أمة الدولة النمطية الأحادية القاتلة والمفتقدة للحقيقية الاجتماعية.
إن السلام الحقيقي والمشرف والحل الديمقراطي الذي يكون بريادة قوى الحرية والديمقراطية يقتضيان ذهنية وكفاءةً فكريةً وسياسيةً مؤثرة وقوية وليس فقط كفاءة اقتصادية وعسكرية كما يتم تسويقه حاليا من قبل قوى السلطة والدولة. وينبغي تشاطر الحل السلمي والديمقراطي المراد مع كافة مجتمعاتنا وشعوبنا في الشرق الأوسط. حيث لا يستلزم فهمه وإفهامه فحسب، بل ويتطلب أيضاً أن يعبأ الشعب بشأنه تأسيساً على ذلك، وأن تنظم صفوفه ويهيأ عملياً وعملياً وموسساتياً. أي إنه يستوجب عقد اللقاءات والمجالس وفتح أفق النقاش والحوار و آلاف الاجتماعات لتداوله والبت فيه، وتسيير آلاف أشكال التنظيم والممارسة العملية والمؤسساتية الديمقراطية والوطنية. ذلك أن موضوع الحديث هو سلام تاريخي، ونمط حل سياسي ديمقراطي سيكون مثالاً تقتدي به شعوب المنطقة والإنسانية قاطبة، وعليه من حقنا التساؤل:
كيف سيتم حل الخلافات بين دول الخليج وإيران، وهل يكفي فقط عقد اتفاق برعاية مهيمن شرقي نكاية بمهيمن غربي لحل خلاف جذرية كبيرة، وهل ستلتزم إيران بما تعهدت بها؟
هل تستطيع اتفاقيات إبراهيم حل الخلافات العربية-الإسرائيلية، القائمة على توسيع هيمنة إسرائيل دون مقاربة ديمقراطية حقيقة لقضية الشعبين الفلسطيني واليهودي؟
هل الإبادة التي تنفذها الدولة التركية بتوطؤ ومساعدة النظام العالمي وإنكار الشعب الكردي وهويته وثقافته في الدول الأربعة، هو حل للقضية الوطنية الكردية، من يستطيع الوقوف أمام حقوق الكرد بعد أن أصبحوا أحد الفواعل الرئيسية في الشرق الأوسط بظهور حزب العمال الكردستاني والقائد والمفكرعبدالله أوجلان وفلسفته ؟
الحداثة الديمقراطية هي النهضة والتنوير للشرق الأوسط.
وعليه، ولأجل حل قضايا الشرق الأوسط لابد أن نكون أمام رؤية وحياة جيدة تمتاز بالمصداقية و بالسلام الحقيقي في ظل حداثة حياة جديدة مطلوبة بشدة، والتي ستكون بمثابة النهضة والتنوير في الشرق الأوسط وهي الحداثة الديمقراطية. أي أن بديل الصراعات والتشرد والتبعية والهزيمة والقلق والفوضى الموجود في غالبية المنطقة ودولها و بديل حداثة النظام العالمي المهيمن الرأسمالية التي تنخر في الحياة الشرق أوسطية وفي مجتمعاتها بتعظيم الأنانية والفردانية وهدفها الربح الأعظمي هو الحداثة أو العصرانية الديمقراطية، وفي الأساس منها الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية الديمقراطية لمجتمعات وشعوب المنطقة.
أما السبيل الأخلاقي والسياسي الصحيح للنفاذ من أزمة النظام العالمي وتداعيات حروبه وتجسيداته السرطانية والمزمنة كالقوموية والإسلاموية والذكورية في المنطقة، هو الإنشاء السليم للأمم الديمقراطية الجديدة بمزاياها المناسبة للحلول الديمقراطية عوضاً عن بناء الدولة القومية المولدة للمشاكل والأزمات، والتي باتت جوفاء أو أفرغت من محتواها راهناً؛ وعوضاً عن اتحاداتها الإقليمية والعالمية سيكون بناء الكونفدراليات والاتحادات المجتمعية الديمقراطية التكاملية لشعوب ومجتمعات الشرق الأوسط هو السبيل الصحيح لتحقيق السلام الحقيقي.