الحدث – القاهرة – عبد الرحمن ربوع
مع انخفاض الدعم المالي الدولي المقدّم للحكومة اللبنانية مقابل استضافة اللاجئين السوريين؛ يواجه اللاجئون السوريون في لبنان مخاطر حقيقية بسبب حملات الكراهية المنظمة ضدهم، والتي تؤدي إلى تعرضهم لإجراءات التمييز العنصري ومخاطر الترحيل القسري إلى بلادهم، حيث يواجهون خطر الاضطهاد والتعذيب.
ومع أن السلطات اللبنانية نفذت على مدى السنوات السابقة عمليات ترحيل قسرية كثيرة لضباط منشقين وناشطين وسلمتهم لمصيرهم المحتوم على يد المخابرات السورية؛ إلا أنه ومنذ بداية شهر أبريل/نيسان الفائت، نفّذ الجيش اللبناني مداهمات لمنازل اللاجئين السوريين في كلّ أرجاء لبنان، بما في ذلك في جبل لبنان وجونيه وقب إلياس وبرج حمّود، ةرحّل معظمهم على الفور. والعديد من الذين أعيدوا قسراً مسجّلون أو معروفون لدى “المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين” ولم يُمنحوا فرصة للتحدّث إلى محام أو إلى المفوضيّة، وحُرموا من الحق في الاعتراض على ترحيلهم والدفاع عن حقهم في الحماية.
وقالت 19 منظمة حقوقية محلية ودولية أن السلطات اللبنانيّة أساءت عن عمد إدارة الأزمة الاقتصاديّة في البلاد، ما تسبّب في إفقار الملايين وحرمانهم من حقوقهم. وبدلاً من تبنّي إصلاحات ضروريّة للغاية، عمدت السلطات إلى استخدام اللاجئين ككبش فداء للتغطية على إخفاقها عبر إخراج مئات اللاجئين من أسرّتهم بالقوّة في ساعات الصباح الباكر، وتسليمهم إلى السلطة التي فرّوا منها، حيث إن بعضهم اعتُقلوا أو اختفوا بعد عودتهم إلى سوريا مباشرة.
كما ترافقت عمليّات الترحيل مع إجراءات أخرى تهدف إلى إرغام اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا، حيث فرضت بلديات عدّة في كل أنحاء لبنان حظر التجوّل على السوريين ومنعت تأجير المنازل لهم. وقد تفاقم المناخ الضاغط والمعادي للاجئين بسبب الارتفاع المقلق للخطاب المناهض لهم الذي تؤجّجه السلطات المحليّة والشخصيات السياسية ووسائل الإعلام. وذكر لاجئون أنّهم يعيشون في خوف من الترحيل أو التعرّض لهجمات، والكثير منهم قالوا إنهم لم يغادروا منازلهم لأسابيع.
ومع أن لبنان طرف في “اتفاقية مناهضة التعذيب” التي تفرض عدم إعادة أو تسليم أي شخص معرّض لخطر التعذيب لبلده، وبمبدأ عدم الإعادة القسرية المكفول في القانون الدولي العرفي الذي يقضي بعدم إعادة أي شخص إلى مكان قد يتعرّض فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وبموجب القانون اللبناني، لا يُمكن إصدار قرارات ترحيل إلّا من قبل سلطة قضائيّة أو بقرار من المدير العام للأمن العام في حالات استثنائية وبناء على تقييم فرديّ؛ إلا أن السلطات اللبنانية ترتكب أبشع الجرائم بالترحيل القسري لمئات العائلات السورية اللاجئة.
ومع عجز المجتمع الدولي عن تأمين مساعدات إضافية للبنان وعجز برامج إعادة التوطين والمسارات البديلة عن توفير ملاذ آمن للاجئين السوريين في لبنان سيظل 1.5 مليون لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية يعانون.
من جهتهم أطلق ناشطون سوريون حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “أنقذوا السوريين في لبنان” داعيين من خلالها إلى وقف عمليات الترحيل “غير القانونية” للاجئين السوريين. حيث انتشر وسم #انقذوا_السوريين_في_لبنان. واعتبر كثيرون أن ترحيل السوريين من لبنان إلى سوريا يعني الإعدام لهم. ووصفوا حملة الاعتقالات التي يقوم بها الجيش اللبناني بحقهم بالجريمة.
وإزاء هذا الواقع طرحت الإدارة الذاتية في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا في الأول من مايو/أيار الفائت مبادرة تقول فيها إنها مستعدة لاستقبال اللاجئين السوريين الذين يعانون “وضعاً سيئاً للغاية” في لبنان، وأن أبوابها مفتوحة لكل السوريين دون تمييز كواجب إنساني وأخلاقي ووطني. وطالبت بضرورة تقديم الأمم المتحدة العون والضمانات، وناشدتها لعب دورها المسؤول من أجل فتح ممر إنساني بين لبنان ومناطقها تسهيلاً لعودة اللاجئين.
وقد أثنى اللاجئون السوريون في لبنان على المبادرة التي أعلن عنها “بدران جياكرد” الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، ووصفوها بالإنسانية والوطنية، وطالبوا بضرورة الإسراع في تطبيق هذه المبادرة والبدء بنقل اللاجئين السوريين إلى مناطق شمال وشرق سوريا.
كما قدمت السيدة سينم محمد، رئيسة المكتب التمثيلي لمجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن، لمنصة وايتهاوس عدة إجابات خطية في هذا الشأن أنه لايوجد أي أهداف سياسية وراء هذه المبادرة بل هو مبدأ إنساني بحت، وأن الإدارة الذاتية ستقوم بتجهيز أماكن للاجئين وترتيبات لهم إلى أن يحين الوقت والظروف السياسية بعد الحل السياسي ليعودوا الى منازلهم ومدنهم بأمان.
لكن هذه المبادرة تحتاج إلى دعم سياسي ولوجستي ومالي من منظمات دولية وإقليمية مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومن دول كالولايات المتحدة وأوروبا. فعملية نقل عشرات الآلاف من اللاجئين من لبنان إلى شرق سوريا تحتاج إلى ممر آمن وضمانات سياسية وأمنية وتجهيزات كما تحتاج إلى مساعدة فورية للإدارة الذاتية لإعداد مخيمات مؤقتة مناسبة وتوفير الدعم الغذائي والطبي خلال العملية وبعدها، وهذا يحتاج تدخلا وتعاونا من منظمات الأمم المتحدة والمفوضية السامية والهلال الأحمر العربي السوري والهلال الأحمر العامل في منطقة الإدارة الذاتية والصليب الأحمر اللبناني.
وثمة حاجة لدعم كل المنظمات الإغاثية العاملة في سوريا بما فيها الهلال الأحمر الإماراتي الذي قدم مئات الأطنان من المساعدات مؤخرا عقب الزلزال الذي ضرب مناطق شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها قوات نظام الأسد، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الذي قدم مساعدات كريمة للمناطق التي ضربها الزلزال سواء تسيطر عليها قوات النظام أو قوات المعارضة.
ليس هذا فقط ، فالموضوع أكبر من ذلك ، الموضوع يحتاج إلى “رافعة سياسية” ولجنة متابعة. وهنا يبرز دور جماعات الضغط السورية في الولايات المتحدة وأوروبا لتهيئة الأرضية المناسبة لإطلاق هذا المشروع في أسرع وقت ممكن ، لأنه مع كل يوم تأخير يصبح مصير عشرات السوريين في لبنان على المحك.
عبدالرحمن ربوع
صحفي وناشط سياسي سوري