يمثل التعايش الحر فلسفة وحداثة للحياة الحرة، وتقويماً لجدلية العلاقة بين الرجل والمرأة وبين المجتمع والسلطة، لتكون الإرادة الحرة صاحبة النقاش والقرار والفعل في الحياة، لتحقق الحرية غاية الوجود والكون.
يمثل التعايش الحر فلسفة وحداثة للحياة الحرة، وتقويماً لجدلية العلاقة بين الرجل والمرأة وبين المجتمع والسلطة، لتكون الإرادة الحرة صاحبة النقاش والقرار والفعل في الحياة، لتحقق الحرية غاية الوجود والكون.
من المهم تعريف الحياة بشكلها الصحيح، ومعه الوجود والعيش، لأن الحياة يتم قتلها والوجود يتم إلغاؤه والعيش يتم تشويهه من قبل الهرمية الذكورية والسلطوية الدولتية والنهبية الرأسمالية المتراكمة في سياقات الحضارة المركزية والمتكاثفة في خلاصتها الدولة القومية المتحكمة في القرنين الأخيرين.
إن التجاوز والاغتصاب والعنف ونهب كدح الإنسان وجهده باسم الأسرة والدولة اللتين تكملان بعضهما أدواراً وتخريباً وتسلطاً للحياة، أو الأصح القول إن الأسرة الذكورية تعد من أهم الأدوات التي تعتمد عليها الدولة لترويض الإنسان وتربيته لأجلها، ولا تعتبر الأسرة الحالية الأبوية سوى عن تجسيد الدولة لنفسها على هيئة سلطوية مصغرة ومكثفة كما هي مؤسساتها وأجهزتها المكلفة بحماية السلطة والبعيدة عن مصالح وأولويات المجتمع واحتياجاته. ولكن الحياة بجوهرها ومعناها واستقرارها لا تختصر هكذا، بل هي المتمثلة بالجمالية والأخلاقية والمجتمعية والغاية الإنسانية النبيلة، ومن واجبنا جميعاً أن نعمل على إحياء وبناء الأسرة الديمقراطية والحياة السليمة والجميلة المتضمن للمعنى والروح المتدفقة لتنشد الحرية غاية الوجود والحياة.
هناك حاجة ماسة لفهم متعدد ولوعي ناقد ومزدهر، وإدراك وضع الأسرة وعلاقة المرأة والرجل وكذلك العلاقة بين المجتمع والسلطة بشكل جيد، ويمكننا حينها طرح الأسئلة التالية: كيف نعيش؟ ولماذا نعيش؟ وكيف يجب أن نعيش؟ ومن أين يجب أن نبدأ؟
وغالبا الأمر الذي نجده في مجتمعاتنا هو عدم الرضى والقبول بين المتعايشين قسراً في الأسرة أو الدولة، والكثير يرضون بالذل والهوان وقلة الكرامة، تحت اسم بعض من الأطر والعادات والظواهر والمحددات التي تم تثبيتها ورسمها وتقديسها من قبل الرجل المتحكم على المرأة والسلطات المتحكمة على المجتمع عبر الإيجادات أو القوانين التي أوجدها الرجال أو سنتها السلطات لحماية نفسها ووجودها في سدة الحكم، وهنا لا بد من أن نتساءل ونقول عن جوهر التعايش المراد، فلا يكفي التعايش المشترك إلا إذا كان حراً وديمقراطياً. أما الفرض والإجبار والمنع والدمج القسري تحت اسم الأخوة المزيفة أو قدسية الدولة أو مركزية الرجل فليس إلا تكريس لحالة الأحادية والاستبداد ورفض التعددية والتنوع التي تمتاز بها الحياة في الشرق الأوسط.
ولكن لماذا نقول التعايش الحر بدل من أي مصطلح أخر، لأن توازن الحياة الطبيعي تم التجاوز عليه وحصل بذلك خلل كبير وفجوات عميقة بين تكوينات الحياة الاجتماعية والطبيعية، منذ هيمنة الرجل على المرأة ومنذ تحويل العلاقة بين المجتمعات والسلطات إلى تسلط ونهب، ولعل ما نشاهده من سلوكيات الإبادة الجماعية من قبل الدول القومية والدينية في الشرق الأوسط لتحقيق التجانس القسري والنمطية، وكذلك انتشار الأمراض وزيادة الأوبئة وحالات ارتفاع الحرارة أو الانخفاض، مضافة لها عدم الاستقرار والتوازن في كميات الأمطار والفيضانات والسيول، كلها مؤشرات على الخلل والانحراف في النظام الطبيعي للإنسان والطبيعية نتيجة التجاوزات والتدخلات التي تهدف للربح فقط.
إن الشدة المفرطة والعنف الممارس على المرأة والمجتمعات، وبضعنة جسد المرأة وبيعها قطعة قطعة لأجل المال والربح يعبر عن انحطاط وقذارة كبيرة في عصرنا، باسم الفردانية والحرية الليبرالية التي تريد أخذ الإنسان والمرأة من أدوارهم الطبيعية وثقافاتهم وتكاملهم مع مجتمعاتهم، ليكون أدوات وأشياء للبيع وللتربح.
وبالطبع، هذا الوضع المزري يتطلب رفضاً ومقاومة وكفاحاً طويلاً وشاقاً وذهنية تشاركية حرة وحرباً كبيرة، وكما أن التغيير والتجديد أمر ضروري لا بد منه في الحياة لكي تستمر بتدفقها الحر وإلا ستجمد وستسلط، وينبغي على كل من المرأة والرجل على حد سواء الانفصال والانقطاع عن هذا النظم الموجودة والتي تمتاز بالذكورية والأحادية والسلطوية روحياً وذهنياً وممارساتياً.
على المرأة والرجل فهم وضعهما جيداً في هذه الحياة وفي هذه الظروف والأزمنة، كأول خطوة في الاتجاه الصحيح، لتجاوز التمييز الجنسي الذي يملأ ذهن الرجل والمرأة وتصرفاتهم التي تعبر عن وحشية بشرية تنهش في روج وجسد وكيان الرجل والمرأة والمجتمع دون أن يترك أي فرصة للحياة باسم الحب المزيف والتملك المقيت والأسرة الأبوية الذكورية.
إن قبول كل شيء من الطرف الآخر يؤدي للاستعباد دون شك مهما قيل غير ذلك، بل نستطيع القول إن الموت يكمن في قبول كل شيء من الطرف الآخر سواء رجلاً كان أو دولة، أما الحياة فتعني التعددية والتنوع في الآراء والمقاربات من الصح والخطأ، من الجمال والقبيح، من المجتمعي والفرداني.
فمن المؤكد أن العيش دون ترتيب وتنظيم ودون حماية ذاتية ووعي تنويري، يؤدي بشكل محتم إلى العبودية والضياع سواء للمرأة أو لأي مجتمع وشعب، وكذلك من يسلم مهمة ترتيب حياته أو حمايته أو تشكيل وعيه ووعي أبنائه للآخر لن يكون ذاته ونفسه في المستقبل، ولن يكون صاحب الرأي في حياته وحول مصيره، بل سيحدد مصيره ومستقبله من قبل الآخرين.
إن الجهد الأكبر في الحياة تبذله المرأة وليس الرجل وتبذله المجتمعات والشعوب وليس الدول والسلطات، ولذلك لا بد من حصول تغيير في رؤيتنا للجهد والكدح المبذول، ولا بد من أن يحصل صاحب الجهد والتعب على مكانته وحقه وكرامته وتقديره. وهنا في مفهوم التعايش الحر لا بد من رؤية ذلك وبناء المرأة والرجل والمجتمع مجدداً، لنصل للتعايش الحر ولتجاوز السمات الرجولية والدولتية السلطويتان إلى الإنسانية والحياة التشاركية الحرة أي التعايش الحر.
وأحد النماذج الفريدة لتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية هي الرئاسة المشتركة في كل شؤون الحياة بين الرجل والمرأة، وفي هذا النموذج فإن كل طرف يضطر راغباً ومن تلقاء نفسه لتطوير نفسه وقدراته وتنظيم إمكانياته وتفعيلها، لأن التشارك والتعاون والتكامل يعطي قوة للإنسان لبناء الحياة ويجعله أكثر حرصاً على الاختيار وتحقيق وإنجاز أفضل الأعمال وأحسنها، وخاصة في الحقول والمجالات السياسية والاقتصادية والدفاعية الذاتية والثقافية، مما يكون للحياة معنىً وأهميةً وتعريفاً ذكرناه في المقدمة، أما ما هو موجود في نظم الدولة القومية والتمثيل الشكلي الوهمي للمرأة والمجتمعات والشعوب، فلا يمت للحياة الحرة والديمقراطية بشيء وإنما لخدمة السلطات والنظام الرأسمالي العالمي وتضليل المجتمعات والمرأة.
وعليه، فالحياة الحرة والتعايش الحر يتطلب بناء ذهنية تشاركية ديمقراطية وحرة، وكذلك إعادة ترتيب الحياة وتنظيم المجتمع وبناء حمايته وقدراته عبر إحياء الحياة التشاركية الحرة بين المرأة والرجل ورئاستهما المشتركة لكل الشؤون، ليكون المجتمع ديمقراطياً ذات نسج أخلاق وسياسة نشطة وفعالة قادرة على استشعار الخطأ والقبيح ومواجهته وكذلك مواجهة كافة الصعوبات والتحديات مهما كانت من الداخل أو الخارج ليتحقق الأمن والاستقرار عبر التعايش الحر.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت