يطل مجدداً شهر أذار/مارس وعيد النوروز على الشعب الكردي وشعوب ميزوبوتاميا والإنسانية، ونحن نعيش أوضاعاً صعبة وقاسية كالتي كانت قبل 2636 سنة،عندما كانت إمبراطورية الظلم والإهانة للملك ضحاك، تمارس كل الموبقات والممارسات الدنيئة، بحق شعوب المنطقة وتحرمهم من الحياة بحرية وكرامة وأخوة، وبل تقتل الشباب والمجتمع كي يحيا الملك وسلطته.
إن انتصار تحالف شعوب منطقة ميزوبوتاميا وقتها على ظلم وطغيان إمبراطورية الضحاك في مقرها بنينوى، بريادة الشعب الكردي وقيادة كاوايه هسنكار(كاوا الحداد)، جعلت الشعوب حينها وإلى اليوم تحتفل بهذه المناسبة التي حققت حرية وكرامة كل الشعوب التي كانت تحت نير الاستعباد والقهر. وأصبح هذا اليوم 21 آذار/مارس لعام(216) ق.م عيداً للحرية والكرامة وكذلك لأخوة الشعوب ورمزاً للمقاومة والانتصار على الظلم والاستبداد، كما هو عيداَ للربيع وتجدد الطبيعية ورأس السنة الكردية.
لقد تجددت ثقافة نوروز، ثقافة المقاومة والحرية والأخوة مع فكر وفلسفة القائد عبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في المجتمع الكردستاني، منذ أن قال القائد أوجلان “كردستان مستعمرة” ومنذ أن قال عن الشعب الكردي أنه “شعب نوروز”، وبعد أن أفدى القائد الشهيد مظلوم دوغان نفسه في سجن آمد(ديار بكر) بعملية فدائية في ليلة نوروز عام 1982 ليتحد روحه ونار جسد مع نار حرية نوروز وليقول لدولة الاحتلال التركية ولكل المستبدين والمحتلين والسجانيين “أن إرادة الشعب الكردي لن تستسلم وستقاوم، وأن الاستسلام خيانة والمقاومة حياة”، وليصبح تلك الشهادة والعملية الفدائية منارة للأجيال وللشعب الكردي ولكل المناضلين، وليتحول الشهيد مظلوم دوغان ويصبح كاوا العصر، وليرتبط الماضي بالحاضر ليكون المستقبل لائقاً للشعب الكردي وشعوب المنطقة بأن يعيشوا نوروز ويكونوا أحراراَ، وكذلك كررت زكية ورهشان وبيريفان روناهي بشهادتهم رسائل المقاومة والحرية في نوروز على خطا كاوا العصر مظلوم دوغان.
نستقبل عيد نوروز في كردستان وبأجزائها الأربعة، وشعبنا الكردي يتعرض لظلم وإبادة جماعية تنفذها دولة الاحتلال التركية وأدواتها من الإخوان والدواعش والقاعدة، مستعملة كافة أنواع الأسلحة ومنها المحظورة والكيميائية والنووية التكتيكية ضد قوات حرية الشعب الكردي وكذلك المدنيين الكرد، ليس ضمن شمال كردستان وتركيا فحسب بل في كل أماكن تواجد الكرد في العراق وسوريا، وليس ضد الشعب الكردي بل ضد كل من يرفض العثمانية الجددة من شعوب المنطقة، وذلك نتيجة للعقلية الإنكارية والفاشية التي تتحكم في دولة الاحتلال التركية وسلطاتها المتعاقبة منذ حوالي مئة سنة، إضافة للتواطؤ الدولي والإقليمي معها، مما يتعاظم بذلك معاني ودلالات نوروز وقيمها وثقافتها في المقاومة ورفض الإنكار والإبادة من قبل الشعوب الحرة التي ترفض الإبادة والذل والاحتلال والعثمانية الجديدة، فنوروز بزخمها الحضاري والثقافي تمثل فلسفة المقاومة الحرية وسنة التجديد والتخلص من البرد والشتاء.
إن الشرق الأوسط ونتيجة الحرب العالمية الثالثة وتداعياتاتها والموجودة في السنوات الأخيرة يعيش حالة عدم استقرار وغياب الديمقراطية ومزيد من التدخلات الخارجية وتحكم الظالمين والمستبدين، وعليه لا بد أن يعيش مرة ثانية حالة النوروز مقابل ضحاكي العصر وهم كثر بعدد المستبدين والديكتاتوريات التي تحاول فرض التهجير القسري وإبادة التنوع والتعددية الموجودة في بلدان المنطقة مستندة ظهرها لمنظومة الهيمنة العالمية وأدوارها الوظيفية، ولعل لو رصدنا ما فعله الشعب الكردي من الانتصار المشرف على داعش وبالتعاون والتحالف مع الشعب العربي والمكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا وشنكال/سنجار، وكذلك مافعله شعبنا ضمن حزب الشعوب اليمقراطي في بناء سياسة ديمقراطية تستوعب كل مكونات وشعوب شمال كردستان وتركيا، ليكون الأمل والطريق الصحيح لبناء الجمهورية الديمقراطية، وما كانت عليه ثورة (المرأة، الحياة، الحرية) في شرق كردستان وإيران، سنجد أن شعب نوروز مازال يحمل قيم نوروز الحرة ويقود نضال الحرية لشعوب المنطقة كما فعله كاوا الحداد والكونفدرالية الميدية سابقاً.
رغم كل محاولات الهيمنة العالمية والمنظومة الإقليمية وأدواتهم السلطوية وبعض الخونة من الكرد، في تقسيم الشعب الكردي وتعزيز التقسيم ومحاولة طمس هويته وتصفيته وإبادته ومنع الشعب الكردي من الاحتفال بالنوروز، كما هي في مئة السنة الأخيرة والتي تجسدت بشكل واضح في المؤامرة الدولية التي استهدفت الشعب الكردي في شخص المفكر والقائد عبدالله أوجلان والمستمرة بتطبيق حالة العزلة المطلقة والتجريد عليه دون وجه حق ودون مثيل، إضافة إلى ممارسات الدول الاربعة وسلطاتهم وسياساتهم التمييزية، إلا أن شعبا وقائدنا ظل محافظاً على نوروزيته وكل قيم نوروزالجميلة في الحرية والمحبة والسلام والأخوة، ولعل مفهوم الأمة اليمقراطية وضمنها ثقافة التعايش الحر والتكامل والاتحاد الديمقراطي وحرية المرأة، الذي طرحه القائد أوجلان يشكل أحد معاني ودلالات نوزور القديمة وتجديد لها.
يحتفل الملايين من شعوب المنطقة بهذا العيد ومن خلال ثقافتهم ولغاتهم وألوانهم الخاصة وتسمياتهم، وكذلك يحتفل الشعب الكردي هذه السنة بعيد نوروز وبرأس السنة الكردية تحت شعار “الحرية للقائد أوجلان والحل السياسي للقضية الكردية” وهو نفس شعار الحملة العالمية لحرية القائد أوجلان وحل القضية الكردية التي أطلقت من قبل اصدقاء الشعب الكردي والشعب الكردي، وهذا يعبر عن جوهر مطالب الشعب الكردي واصدقائه في هذه الظروف الصعبة، فالنوروز كما اشعله كاوا الحداد بعد الخلاص من الملك الظالم شعلة ضياءً يتوهج ويضيء لينير في ظلاماَ دامساً أرادوا ويريدون فرضه على الشعب الكردي والقائد أوجلان وشعوب المنطقة، وما الربيع الذي يظهر بعد برد الشتاء وظلام الليل في 21 آذار/مارس بالتزامن مع عيد الحرية والمقاومة وترابطهما مع بعض، إلا أنه تعبيراً وتأكيداً على سنة الحياة والطبيعية وإرادة الله، إذا أرادت الشعوب أن تكون شعوب نوروز وحرة، فلا بد للقيد لا بد أن ينكسر، ولا بد للليل أن ينجلي، فهناك فجر مجداً يتسامى وقادم، كما قاله أبو القاسم الشابي، إن قامت الشعوب وقالت كلمتها وعبرت عن موقفها وتحالفت فيما بينها لترد الظالمين وتقاوم ضحاكي العصر المستبدين وتحقق النوروز مرة أخرى ليسود السلام والأمن والاستقرار والدفء مع الربيع الجميل.
أسبوع واحد مضت
3 أسابيع مضت