الحدث – القاهرة
مدير مركز الحوار للدراسات السياسية والإعلامية
بين حالة من الشد والجذب هيمنت على ساحة الاعلام الدولى والفنزويلى بشأن الاستحقاق الرئاسي الذى جرى اليوم في السابع والعشرين من يوليو 2024، والذى شارك فيه عشرة مرشحين من بينهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذى يترشح لدورة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات. حيث عكست حالة الشد والجذب حجم الأهمية التي تمثلها هذه الانتخابات الرئاسية ليس فقط على مستوى الدولة الفنزويلية وإنما أيضا على مستوى العالم، إذ تمثل فنزويلا حالة سياسية تستوجب فهم ابعادها وخاصة علاقتها مع القوى الدولية بصفة عامة والولايات المتحدة على وجه الخصوص، إذ تتبنى فنزويلا موقفا رافضا للهيمنة الامريكية التي تريد ان تفرض اجندتها على الإرادة الشعبية، وهو ما تجلى في الاستحقاق الانتخابى السابق الذى جرى عام 2018 وفاز فيه الرئيس مادورو أيضا بنسبة معتبرة مكنته من تجاوز المرحلة وإشكالياتها وازماتها التي حاولت الولايات المتحدة اثارتها بفرض المزيد من الحصار والعقوبات على الشعب الفنزويلي الذى اثبت للجميع قدرته على الصمود والتحدى في ظل أوضاع دولية وإقليمية غير مستقرة.
واليوم مع هذا الاستحقاق الرئاسي الجديد، كشفت الملاحظة المباشرة عن ممارسة ديمقراطية حقيقية، وذلك من خلال التواجد الفعلى على الأرض الفنزويلية ضمن وفود المراقبين الدوليين الذين حضروا من مختلف دول العالم العربى والافريقى واللاتيني والأوروبي بل والامريكى أيضا حيث بلغ عدد المراقبين الدوليين ما يقرب من ألف مراقب وصحفى انتشروا في مختلف الولايات الفنزويلية لمتابعة العملية الانتخابية عن قرب وتفاعلوا مع الشعب الفنزويلي، حيث شاركت ضمن الوفد المراقب في ولاية لاجوايرا وهى إحدى الولايات المجاورة للعاصمة كاراكاس، وقد أجريت نقاشات مع المواطنين الفنزويليين من المؤيدين للرئيس ومن المعارضين أيضا، واتفق الجميع على أن المصلحة الوطنية هي الحاكمة، بل أبدى بعض المعارضين الرأي بأن معارضتهم ليس رفضا كلية للرئيس وسياساته بقدر ما انهم يرون أن ثمة أهمية لتغيير بعض هذه السياسات بما يتناسب مع التغيرات التي يشهدها العالم اليوم، وهو ما يتفق معه الرئيس مادورو في كثير من كلماته واحاديثه بأن السياسة الفنزويلية لديها ثوابت وطنية لن تتغير، ولكن ثمة تطورات دولية وإقليمية تفرض على فنزويلا بمكانتها الجيواستراتيجية والجيواقتصادية أن تتفاعل معها في اطار الحفاظ على المصالح الوطنية.
وفى هذا الخصوص، أود ان اشير إلى نقطتين مهمتين بشأن الاستحقاق الرئاسي الذى شهدته فنزويلا والذى افرزت مؤشراته الأولية عن فوز الرئيس نيكولاس مادورو بفارق بينه وبين اقرب المرشحين حصولا على الأصوات، وتتمثل النقطة الأولى في أنها المرة الأولى التي تشهد فيها فنزويلا إتمام العملية الانتخابية وفقا للنظام الإلكتروني للتصويت، إذ يقوم الناخب باختيار مرشحه من خلال شاشة كمبيوتر عليها صور وأسماء المرشحين ثم يختار من يؤيده ويقوم بطباعة هذا الاختبار في استمارة مرقمة يتم وضعها في الصندوق الانتخابي، مع التوقيع الالكترونى والورقى أيضا على انه أدلى بصوته منعا لتكرار الأصوات، فقد كشفت المراقبة المباشرة للعملية الانتخابية من داخل اللجان الانتخابية ان ضمانات النزاهة والحياد والشفافية في هذه الانتخابات قد توافرت بما يمثل ردا عمليا وقاطعا على اية بيانات او ادعاءات يمكن ان تثيرها المعارضة او بعض حلفاءها من الخارج حول نزاهة هذه الانتخابات، فالتصويت الالكترونى والتوقيع الالكترونى يؤكدان على نزاهة العملية الانتخابية ووقوف السلطة محايدة وعلى مسافة واحدة من المرشحين كافة. النقطة الثانية، انه ليس مصادفة أن تفرز الانتخابات عن فوز الرئيس مادورو بل كشفت الملاحظة المباشرة أيضا للواقع الفنزويلي من خلال حضور عديد المؤتمرات الانتخابية للمرشحين، فضلا عن اجراء عديد المقابلات المباشرة مع المواطنين الذين اكدوا ان ما حققته فنزويلا من إنجازات على مدار السنوات الماضية منذ ان تولى الرئيس مادورو، كان دافعا لتجديد الثقة لمنحه الفرصة لاستكمال المسيرة وفق النهج الذى وضعه الرئيس السابق هوجو تشافيز في بناء الذات وتنمية القدرات الوطنية من جانب، ورفض اية املاءات خارجية من جانب آخر، وهذا هو ما نلاحظه من واقع حياة المواطن الفنزويلي الذى لا يواجه أزمات مع حكومته بقدر ما يواجه أزمات بسبب الحصار والعقوبات التي مست حياته اليومية ولكنه رغم ذلك يرفض اية حلول تمس سيادة دولته وكرامته.
خلاصة القول إن معركة الاستحقاق الرئاسي اكدت على ان الشعب الفنزويلي تمكن أن يحرز هدفا جديدا في مرمى المعارضة التي تملك اجندة مدعومة من أطراف أخرى، وأخرجها من السباق الانتخابى الرئاسي خاوية اليدين، في مقابل تجديد الثقة في الرئيس مادورو الذى يملك شعبية أيضا لدى الشارع العربى بسبب موقفه السياسى المؤيد للدولة الفلسطينية والحق الفلسطيني في استعادة ارضه واستقلاله وكفاحه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.