الجمعة 22 نوفمبر 2024
القاهرة °C

آثار عفرين تحت وطأة الاحتلال.. تنقيبٌ وسرقة

مازالت دولة الاحتلال التركي والفصائل التابعة لها تمارس أبشع الانتهاكات في مدينة عفرين المحتلة، من سرقة ونهب وتغيير ديمغرافي، وذلك محاولة منها لمحو تاريخ وثقافة المنطقة.

 

هذا وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان في تقرير له أنه على مدار الأشهر القليلة الماضية، حصل المرصد على معلومات تؤكد مواصلة الفصائل الموالية للأتراك انتهاكاتها في “عفرين” من خلال محاولات محو تاريخ المنطقة، حيث كشفت مصادر عن لجوء تلك الفصائل إلى التنقيب عن الآثار وسرقتها وبيعها في تركيا، حيث يحصل المنقبون عن الآثار على عائدات بيع الآثار لتمويل فصائلهم. ورصد المرصد أيضاً قيام عناصر مسلحة تابعة لفصيل “السلطان مراد” الموالي لتركيا، بعمليات حفر وتجريف للتربة في ناحية “بلبل” بريف عفرين شمال شرق حلب، بحثاً عن الآثار باستخدام آليات ثقيلة من التركسات والباكر.

كما وبيّن المرصد أن معدات وأجهزة وآليات تركية وصلت إلى تلة جنديرس، بهدف البحث عن دفائن وآثار داخل تلك التلة، فيما أشارت مصادر موثوقة لـ ”المرصد السوري”، أن تلك العمليات سبقها الإغلاق الكامل للطرق القريبة من التلة والواصلة إليها، فيما حصل المرصد على معلومات من مصادر أخرى، تشير إلى أن عمليات تنقيب عن الآثار تجري في ريف ناحية “معبطلي” بالقطاع الغربي من ريف “عفرين”، وتحديدا في منطقتي “تل علي عيشة” و”تل زرافكة”. وأثارت عمليات سلب الآثار استياء سكان “عفرين” ونازحيها، حيث أعرب البعض عن سخريتهم مما يحدث، بالقول إن “تركيا جاءت بادعاءات تحرير عفرين وحمايتها، فبات حاميها حراميها”. وبحسب مصادر موثوقة لـ ”المرصد السوري”، فإن “قيادياً في فيلق الشام الإسلامي المقرب إلى السلطات التركية، يعمد إلى تنفيذ عمليات التنقيب في منطقتي ميدانكي والنبي هوري، حيث تجري عمليات نهب الآثار التي يتم العثور عليها أثناء عملية البحث، وسط تعامي تركي مقصود لإطلاق يد الفصائل لتغيير تاريخ المنطقة بعد أن جرى تحويل حاضرها ومستقبلها”.

 

ولا تعد الآثار الثروة الوحيدة في “عفرين” التي تتعرض لعمليات انتهاك وسلب ونهب مستمرة، حيث إن مزارع الزيتون تتعرض هي الأخرى لانتهاكات جسيمة، من خلال سرقة زيت الزيتون من “عفرين” وبيعه في تركيا.

وحصل المرصد السوري لحقوق الإنسان على معلومات موثقة عن عملية السرقة الممنهجة التي تتعرض لها آثار “عفرين”، وتحديدا منطقة النبي هوري (سيروس) التي تقع في شمال غرب سوريا وتبعد نحو 30 كيلومترا عن مركز مدينة “عفرين”، وبحسب ما وثقه “المرصد”، فإن المنطقة المعروفة بأسماء عدة، منها (سيروس) و(قورش) و(النبي هوري) والتي تعود إلى عدة حضارات أقدمها من الفترة الهلنستية عام 280 ق.م، تتعرض لانتهاكات ممنهجة على أيدي الفصائل الموالية لتركيا، بدءاً من القصف التركي العنيف الذي تعرضت له منذ اليوم الأول لعملية “غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018، وحتى سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على المنطقة وبدء عملية سلب وتخريب هائلة لها.

وفي ديسمبر الماضي، حصل المرصد على معلومات ووثائق تمكن من تحقيقها، عن قيام السلطات التركية والفصائل الموالية لها، وتحديداً فصيل “صقور الشمال”- في 10 أغسطس/آب 2018 و6 أكتوبر/تشرين الأول 2018 و3 نوفمبر/تشرين الثاني، بحفريات تخريبية وعشوائية بالآليات الثقيلة (الجرافات)، ما أدى إلى تدمير الطبقات الأثرية دون توثيقها، إضافة إلى تدمير المواد الأثرية الهشة كالزجاج والخزف والفخار ولوحات الفسيفساء، وغيرها من الآثار. وأكدت مصادر أن الانتهاكات التي تعرضت لها المنطقة لم تتوقف بعد التواريخ المذكورة، إلا أن عملية توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها المنطقة تواجه صعوبات عدة، أبرزها عدم السماح بدخول هذه الأماكن وتعرض كل من يحاول الاقتراب من مواقع الحفر لأقسى العقوبات من قبل السلطات التركية والفصائل التابعة لها.

وفي السياق ذاته، رصد المرصد السوري قيام عناصر مسلحة تابعة لفصيل “السلطان مراد” الموالي لتركيا بعمليات حفر وتجريف للتربة بناحية بلبل في ريف عفرين، حيث قامت العناصر بعمليات تنقيب من خلال حفر وتجريف التربة على التل الواقع بين قرى بيباكا – قوشا – شرقا التابعة لناحية بلبل بريف عفرين، بحثاً عن الآثار، مستخدمين آليات ثقيلة من التركسات والباكر، بالإضافة لاقتلاع المئات من أشجار الزيتون تحت مرأى ومسمع القوات التركية المتواجدة بالمنطقة.

 

وأكد المرصد في تقريره إن ما تقوم به السلطات التركية والفصائل الموالية لها في “عفرين” يتناقض مع كافة المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية كمعاهدة (لاهاي 1954) وبروتوكولي منظمة اليونيسكو (1970 و1972) وقرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم 2139 لعام 2014، والذي دعا جميع الأطراف إلى إنقاذ التنوع الثري لتراث سوريا الثقافي والقرار (2199) لعام 2015 الصادر عن مجلس الأمن، والذي ينص على حظر الاتجار بالممتلكات الثقافية في العراق وسوريا، إضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم (2347) والذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن عام 2017، والمعني بحماية التراث الإنساني بناءٍ على هذه المعاهدات وبنودها وقرارات مجلس الأمن المذكورة أعلاه. وانطلاقاً من تلك المعاهدات والمواثيق، وبناءً على الحقائق والمعلومات التي يكشفها “المرصد السوري” يوماً تلو الآخر بشأن سرقة الآثار الممنهجة التي تتعرض لها “عفرين” على أيدي الفصائل الموالية لتركيا.

وبناء على كل ما سبق وكافة الحقائق التي تم كشفها، فقد ناشد المرصد السوري لحقوق الإنسان مجلس الأمن والمنظمات الأممية المعنية (اليونيسكو) بتفعيل قراراتها واتفاقياتها، كون تركيا من الأطراف الموقعة على تلك الاتفاقيات والمواثيق.

ولم تكتف القوات التركية والفصائل الموالية لها بذلك فحسب، بل إنها لجأت إلى شرعنة سرقاتها لأرزاق أهالي “عفرين” عبر سلسلة قرارات أصدرتها وعممتها فيما يتعلق بمسألة جني محصول الزيتون، إضافة إلى الكثير من الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية بحق الأهالي.

to top