الخميس 9 يناير 2025
القاهرة °C

أحمد شيخو يكتب : مستقبل سوريا بين التشاركية الديمقراطية والأحادية الدكتاتورية

الحدث – القاهرة

بعد الثامن من كانون الأول المنصرم، ودخول سوريا إلى مرحلة جديدة، نحاول في هذا المقال قراءة المشهد السوري في ظل التحديات الكبيرة وعدم الوضوح الكامل ومحاولة بعض الدول فرض الوصاية، ولنتوقع المستقبل السوري مع طرح الحلول الممكنة.

سقط النظام السابق كدولة وحكم، ولكن مازالت ذهنيته العنصرية وثقافته الأحادية وآثاره وتداعياته باقية، وهذه تحتاج إلى جهود كبيرة لتجاوز تلك التداعيات والآثار، إضافةً إلى أن طبيعة المشهد السوري منذ حوالي شهر ليست مريحة ومطمئنة لكثير من السوريين ولدول الجوار والعالم.

يمتاز الشعب السوري بتنوع التكوينات الاجتماعية ووجود تعدد لغوي وإثني وديني ومذهبي، كباقي دول المنطقة، وهذه الخاصية التي تعتبر قوة وثراء لسوريا، مع الأسف حاول النظام السابق الأحادي القوموي، عبر ممارسة سياسة فرق – تسد جعل التنوع والاختلاف الطبيعي وسيلة للصراع والفتنة لتحقيق هيمنته وحكمه، ومع محاولة السوريين بناء سوريا الجديدة، لا بد أن يكون هناك تركيز لهذا البُعد التاريخي والثقافي والشعبي الذي سيعطي لسوريا الجديدة قوة ورافعة أصيلة لتحقيق الأمن والاستقرار عبر بناء نظام تشاركي ديمقراطي يحقق فعالية وحضور كافة الشعوب والأطياف السوريّة في عملية البناء الديمقراطي والإعمار التشاركي، أما تكرار سياسة اللون الواحد ومحاولة الاستفراد والاستئثار كما تظهر بعض ملامحها من دمشق فلن تُحقق للسوريين مطالبهم في الحرية والديمقراطية والعدالة.

يظل استقلال القرار السوري والبدء بحوار وطني سوري من دون تأجيل من أولويات المرحلة الانتقالية الحالية وبملكية سوريّة خالصة من دون إملاءات خارجية، وخاصةً هناك دول تستغل الوضع السوري الحالي وتحاول تعزيز نفوذها وفرض الوصاية على القرار والدولة والجغرافية السورية وعلى رأسهم تركيا التي باعتقادنا تُمثل أحد الأخطار الكبيرة على سوريا، وهي التي مازالت تهاجم وتحرّض على الفتنة والحرب البينية وتعمل كل شيء لاستمرار القتال والصراع بين السوريين، لتنفذ أجندتها البعيدة عن أولويات السوريين في الاستقرار والأمن والبناء وإعادة الإعمار وتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء سوريا الجديدة، في الوقت الذي يجب فيه أن تتوقف الحرب في سوريا بشكلٍ كامل وأن تبدأ مرحلة التصالح والتسامح الوطني السوري بين مختلف الأطراف في سوريا.

يظل خطر داعش المتزايد بعد سقوط النظام وتمدده وسيطرته على بعض الأسلحة في وسط سوريا بعد الأوضاع الأخيرة من أهم المواضع والتحديات التي يجب التعامل معها بشكلٍ جدي أكثر من السابق، ولا يمكن لأي مرحلة أو ترتيب جديد مطلوب سواء بناء المؤسسات السيادية أو الحوار الوطني أو الدستور أو شكل وطبيعة الدولة أن تتقدم إلا بعد أن يأخذ هذا الخطر بعين الاعتبار، لأنه يمكن أن يغير المعادلة بشكلٍ كلي، وهنا تظهر أهمية:

1- قوات سوريا الديمقراطية واستمرارها في عملها في مكافحة الإرهاب فهي القوة الوحيدة الموثوقة في سوريا لمكافحة الإرهاب ولها شرعية مع التحالف الدولي، ويمكن أن تكون نواة جيش سوريا المستقبل لطبيعتها ووجود كل الشعوب السوريّة فيها ودفاعها وحمايتها لكل أبناء سوريا، وعليه لا بد أن تتوقف هجمات تركيا ومرتزقتها لكي تركز في عملها الأساسي وحماية شمال وشرق سوريا ضمن منظومة الأمن والدفاع السورية الوطنية.

2-منظومة الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، التي قدمت نموذجاً سوريّاً رائداً في محاربة الإرهاب ومازالت وكذلك نموذجاً للأخوة والتعايش بين العرب والكرد ومختلف الشعوب السوريّة وتجربةً في مقاومة الاحتلال والحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، عبر تقديم حوالي 14 ألف شهيد وحوالي 30 ألف جريح من خيرة أبناء وبناء سوريا ومازالت تقدم يومياً أمام الإرهاب والاحتلال.

وعليه يمكن ووفق قراءة المشهد السوري الحالي وطبيعة سوريا أن نتوقع بعض السناريوهات في الأشهر والسنوات القادمة:

السيناريو الأول: بناء جمهورية تشاركية ديمقراطية، سوريا للجميع من دون التفرد أو تكرار تجربة الدكتاتورية واللون الواحد، يتم فيها الاعتراف بخصوصية الشعوب وإدارتهم وحمايتهم لمناطقهم ومجتمعاتهم ضمن الدولة السورية الواحدة، وبالطبع هذا ما يتمناه السوريون الأحرار ويتوافق مع مبادئ الثورة السورية في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة، ويحقق الاستقرار والأمان لسوريا ومحيطها، وهذه ممكنة عبر نظام لامركزي ديمقراطي تعددي يصون وحدة سوريا وسيادتها ويحقق لجميع السوريين إحساسهم وانتمائهم للوطن السوري الواحد.

السيناريو الثاني: دولة اللون الواحد، وتجربة الدولة القومية الأحادية وبشكل إسلاموي متشدد وإخواني وذكوري، يبتعد عن قيم وتقاليد الشعب السوري، ويتجاوز المبادئ الوطنية واستقلالية القرار السوري ومشاركة المرأة والشباب، وتكون سوريا غير مستقرة ومهددة لمحيطها وتكويناتها الاجتماعية المختلفة، ومحققة لأجندات وأولويات غير سوريّة، وهذه تكون عبر الإصرار على المركزية الشديدة ومحاولة أسلمة الدولة والمجتمع السوري البعيد أصلاً عن التشدد والذي يحتوي الكثير من الألوان الدينية والمذهبية والقومية.

وبين هذين السيناريوين أو الاحتمالين تتعدد الأشكال العديدة المحتملة والمتوقعة، منها:

1-أن تذهب سوريا إلى حرب فصائلية وقومية ومناطقية ومذهبية كما بعض دول المنطقة، يزداد فيها تدخّل التقسيم الفعلي وتدخل الدول الإقليمية والعالمية، في الوقت الذي تحتاج سوريا إلى تحقيق الوحدة وبناء المؤسسات السيادية وتأمين الاستقرار والحفاظ على السيادة ووحدة سوريا شعباً وأرضاً.

2-أن تصبح سوريا الولاية 82 للدولة التركية التي تحاول تنفيذ مشروع العثمانية الجديدة والسيطرة على سوريا وابتلاعها وتتريكها، وأن تحقق الوصاية والانتداب على سوريا وأن تعزز وجودها واحتلالها، بدل انسحابها واحترام إرادة السوريين.

3-أن تتوقف الحرب كلياً في سوريا ويكون هناك حوار وطني سوري ومرحلة للتصالح والتسامح السوري ورجوع كل السوريين لبيوتهم وعلى رأسهم أهل عفرين وسري كانيه وكري سبي، وأن يذهب السوريين للتوافق على دستور وشكل وطبيعة سوريا الجديدة يتم عبره الحوار والانتخابات وبمساعدة الأشقاء العرب والمجتمع الدولي وفق آليات تراعي كل الخصوصية والشعوب السوريّة.

وعليه، فسوريا بين التشاركية الديمقراطية والأحادية الدكتاتورية، وهي تمر اليوم في مرحلة مفصلية ومصيرية، وهي المرحلة الانتقالية التي بدأت بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر عام 2024، ولكي تذهب سوريا إلى بر الأمان، يجب أن تتضافر جهود كل السوريين الوطنيين وبمختلف ألوانهم، وأن يكون الحوار ووحدة سوريا هي الركائز العليا، مقتنعين ومركزين على أن شكل الدولة وطبيعة النظام والدستور يجب أن يكون تشاركياً ديمقراطياً، مستنداً للرافعة العربية وليس خاضعاً لأية وصاية أو انتداب من أي دولة كانت، فالسوريين بعد كل هذا العناء والحرب والمعاناة والتضحيات يستحقون حياة أفضل وأن يعيشوا بكرامة وحرية.

المصدر صحيفة روناهي-شمال سوريا

to top