الحدث – القاهرة – حقي تكين
تُظهر اجتماعات روما والرياض أن أنظمة الدولة-القومية طورت سياسة مشتركة لحماية مصالح رأس مالها ومصالحها الجغرافية والمالية والأمنية والعسكرية والسياسية. وتقول العديد من الأوساط بأنه تم اتخاذ قرارات إيجابية لصالح المجتمعات السورية في هذه الاجتماعات، إلا أن التطورات تشير إلى عكس ذلك. ويجب أن يكون معلوماً أن القوى المهيمنة تصر على نظام الدولة-القومية في سوريا، وتفرض على كل الاختلافات الموجودة لتضاف إلى هذا النظام. أساساً لا غرابة في هذه النقطة، فالقوى المهيمنة سوف تتعامل مع الأمور وفقاً لمصالحها الخاصة. الموضوع الأساسي والغريب هو أن شعوب سوريا ظلت مجزأة وغير منظمة لفترة طويلة، ولم تطرح خياراتها ولم تناقش معاً شكل النظام الذي تريده. بالتالي، بينما كانت الدول العربية تجتمع في الرياض، والدول الأوروبية وأمريكا تجتمع في روما لتحديد الاستراتيجية والسياسة حول شكل سوريا الذي تريده، فإن شعوب سوريا لم تناقش أو لم تضع شكل سوريا الذي تريده، وما هو شكل النظام الذي تريد العيش ضمنه معاً.
ويبدو أن التطورات في الشرق الأوسط وسوريا تتطور وفقاً لمفهوم المجتمع التاريخي للقائد آبو. وكان قد استخدم في السابق مفهوم الحرب العالمية الثالثة، وأكد بأن هذه الحرب ستشتد وتحتدم وتتعمق في الشرق الأوسط. وبالتالي أكد أن عملية تصميم الشرق الأوسط سوف تتم وفقاً لمصالح القوى المهيمنة. إنهم يتجهون نحو تنظيم نظامهم من خلال تدمير النزعة المحافظة والديكتاتورية في الشرق الأوسط واحدة تلو الأخرى. يتبين أن سقوط الديكتاتوريين يتوافق مع مصالح رأس المال الاحتكاري العالمي للقوى المهيمنة، ويتم إعادة هيكلة الشرق الأوسط وفقاً لهذا المنظور. لكن المشكلة الحقيقية هي أن الشعوب لا تمتلك خيارات أو تنظيم أو نضال ضد القوى التي تشكل المنطقة وفقاً لمصالح رأس المال العالمي. إن السبب الأساسي وراء رغبة القائد آبو في أخذ زمام المبادرة والتدخل في هذه المرحلة هو نيته للانخراط كخيار باسم الشعوب في الحرب العالمية الثالثة في الشرق الأوسط وتحويل هذه الفرصة التاريخية لصالح الشعوب. بالتالي، إذا حاولنا أن نفهم ونستوعب ما يود القائد آبو فعله من خلال نظامه الفكري والباراديغما التي طورها، بدلاً من السعي إلى جمع المعلومات عشوائياً ومن منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمراكز السامة التي يتم توجيهها، سوف يصبح الوضع أكثر وضوحاً. ويجب أن نفهم جيداً أنه سيكون هناك ممن يريد منع وطمس الحقيقة الأصلية والتطورات في هذه العملية، ومن الواضح قد تولت هذه المهمة، في مقدمتهم عقلية حزب العدالة والتنمية ووسائل إعلامه، والعقليات القومية البدائية الرثة، واليسار الاجتماعي الشوفيني، وتوجهات الفئات المثقفة. ومن ناحية أخرى، ينبغي رؤية الخطأ في وجهات النظر التي تتوقع بأنه ستكون هناك نتائج إيجابية للشعوب، وبالأخص للكرد، في عملية “الإطاحة بالديكتاتوريات” من قبل القوى المهيمنة.
تريد قوى الهيمنة تدمير الوضع القائم للدولة —القومية في سوريا وإعادة هيكلتها بما يتماشى مع مصالح رأس المال الاحتكاري العالمي. هذا هو الأهم بالنسبة لهم. ولذلك فلا يهمهم سواء أن تحولت سوريا إلى أفغانستان أو بغداد أو فلسطين. وليس سراً أن سوريا تتحول تدريجياً في هذا الاتجاه. ولا مانع لديهم في تسليم سوريا لمجموعة من القتلة. بالنسبة لهم، مصالحهم قبل كل شيء. فهذا هو عالم رأس المال العالمي، ولا ينبغي لنا أن نكون في موضع الاستغراب أو الشكوى لأن هذه هي طبيعتهم. هل سيسمح الطرف الذي يُعتبَر مشكلة بذلك؟ وهنا بالضبط يظهر خيار القائد آبو. ومن الجدير بالذكر أن القائد آبو أراد من خلال سوريا طرح خيار باراديغمي لشعوب الشرق الأوسط. لقد تم تدمير الوضع الإقليمي الذي نشأ مع اتفاقية سايكس-بيكو في المنطقة العربية. يتم تصميم الشرق الأوسط في إطار مصالح قوى رأس المال العالمي خارج إرادة الشعوب، انطلاقاً من سوريا. نحن في بداية منعطف تاريخي بالغ الأهمية، ويراد إنهاء هذه العملية من خلال حرمان الشعوب. في هذه المرحلة التاريخية لا يمكن تحقيق بديل لهذا بنضال الشعوب إلا من خلال باراديغما القائد آبو.
الجبهة الديمقراطية: خيار الشعوب
إذن؛ يجب أن يتم بناء مستقبل سوريا بإرادة الشعوب، ضد مصالح رأس المال العالمي، وضد التحول إلى أفغانستان وبغداد والتحول كـ حماس. ففي الصورة الحالية؛ إن الهيكل والباراديغما اللذان يمكن أن يمثلا إرادة شعوب سوريا هما باراديغما القائد آبو. فالأمة الديمقراطية، والإدارة الذاتية الديمقراطية، والكونفدرالية الديمقراطية، هي أعظم أسس لنضال الشعوب. ولكي نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة، لا بد من تنظيم خيار الشعوب في سوريا في جبهة واحدة. فيمكن أن تكون الجبهة الديمقراطية لشعوب سوريا وسيلة في هذا الخيار. إن جبهة سوريا الديمقراطية هي وسيلة الشعوب لبناء سوريا التعددية الفيدرالية والديمقراطية. ولن تقتصر هذه الجبهة على تقديم وتمثيل مطالب الشعوب فحسب، بل ستشكل بديلاً قوياً ضد القوى الدولية. ويجب أن يتم رسم الجبهة الديمقراطية هذه كـتحالف على أن يضم الكرد والعلويين والدروز والسريان والتركمان والأرمن والشركس والمجموعات العربية السُنية العلمانية وجميع المجتمعات الأخرى. ويجب أن يعمل هذا التحالف على خلق قوة اجتماعية وسياسية ودبلوماسية قادرة على الدفاع عن الخيار الديمقراطي لشعوب سوريا على الساحة الدولية.
وسيكون هذا الهيكل بمثابة منصة يستطيع الشعوب من خلالها مناقشة مطالبهم، وتطوير عقل جماعي، ووضع أسس نظام ديمقراطي جديد. ويجب تعزيز هذه الجبهة من خلال آليات تشاركية مثل ورشات العمل والمؤتمرات والاجتماعات بدءاً من المحلية وصولاً إلى العامة، وطرح مشاريع مثل الفيدرالية على جدول الأعمال كمقترح جماعي لشعوب سوريا. إن الجبهة الديمقراطية القائمة على تحالف الشعوب في سوريا لن تعمل على تعزيز الديناميكيات الداخلية فحسب، بل ستكون أيضاً طرفاً فعالاً في العلاقات مع الدول العربية والغربية. لأن النظام الديمقراطي التعددي لسوريا يعني أمناً للدول العربية والغربية وإسرائيل.
كما أن الجبهة الديمقراطية للشعوب ستلعب دوراً أساسياً في انتقال سوريا إلى نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي حر، وهي أيضاً فرصة كبيرة لخلاص سوريا من إملاءات القوى الخارجية وتطبيق باراديغما الأمة الديمقراطية.
دور ومهام الجبهة الديمقراطية
– إنشاء تحالفات استراتيجية: تشكيل تحالف للدفاع عن المصالح المشتركة للشعوب مثل العلويين والدروز والأرمن والسريان والإزيديين والمسيحيين والمجموعات العربية العلمانية والشركس والتركمان، من خلال إنشاء منصات محلية -إقليمية ومؤتمر الشعوب.
الدبلوماسية والتفاوض: تعمل الجبهة الديمقراطية على تسيير الدبلوماسية مع الجهات الفاعلة الدولية باسم الشعوب، وتدير المفاوضات داخل سوريا.
نظام هيئة تحرير الشام وحكومتها: إن هذه الجبهة تقف ضد النظام الدولتي-القومي، المركزي، الأحادي، الديني، القومي، الجنسي (اعتماده جنس الذكر كأساس له)، الذي تم الإعلان عنه من طرف واحد أي هيئة تحرير الشام، كبديل وخيار للإرادة المشتركة للشعوب. وإذا لم تقبل هيئة تحرير الشام بهذه الإرادة وتعاملت مع كل محاولات التوافق والحوار والمبادرات بشكل سلبي، فعلى الجبهة الديمقراطية تشكيل “إدارة سورية مؤقتة” إنْ لزم الأمر، وأن تقوم بإعداد دستور مؤقت وتعمل على تنفيذه.
إثبات الشعوب لوجودها: إن الجبهة الديمقراطية تضع أسس نظام تستطيع فيه مختلف شعوب سوريا التعبير عن نفسها، وتناضل وتنظم من خلال البحث عن سبل وأساليب العمل المشترك في كل المجالات. وسيكون لهذه الجبهة دور محوري في تحقيق مستقبل ديمقراطي وتعددي واتحادي لسوريا. إن عملية الانتقال المبنية على إرادة الشعوب، سوف تقوم بنقل مطالب الشعوب إلى الجهات الفاعلة الدولية بشكل قوي وتظهر القوة الدبلوماسية للشعوب.
وبذلك فإن الجبهة الديمقراطية ستكون نموذجاً ليس فقط لتحرير الشعوب في سوريا، بل أيضاً للتحول الديمقراطي لشعوب المنطقة برمّتها. تقوم هذه الجبهة بطرح خارطة طريق لإنقاذ مستقبل سوريا من مصالح رأس المال العالمي وإملاءات الدولة-القومية، وإعادة بنائه بإرادة الشعوب.
يوم واحد مضت