رامي زهدي-سياسي مصري، مُهتم بقضايا الأمن والسلم بمنطقة الشرق الأوسط
يعد عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، أحد أبرز القادة السياسيين للأكراد، حيث شكّل صوته قوةً ثوريةً تطالب بحقوق الأكراد في تركيا. منذ اختطافه في عام 1999، ما زال أوجلان يقبع في عزلة داخل سجن إيمرالي، فيما تستمر سياسات القمع والتهميش التي تمارسها تركيا ضد الأكراد حتى يومنا هذا. تعد قضية أوجلان جزءًا من معضلة أكبر تتعلق بالمظلومية الكردية، التي تشمل استهداف التراث والثقافة الكردية، ورفض الاعتراف بحقوقهم السياسية والاجتماعية. ومع تزايد القمع التركي للأكراد، تتجدد المطالبات بضرورة حل أزمة الأكراد وفق رؤية عادلة تحفظ حقوقهم وهويتهم.
المؤامرة على عبد الله أوجلان
في عام 1999، شنت الاستخبارات التركية، بمساعدة قوى إقليمية ودولية، عملية سرية كمؤامرة مكتملة الأركان لاعتقال عبد الله أوجلان، الذي كان قد تنقل بين عدة دول بحثًا عن ملاذ آمن. تم استدراجه إلى كينيا، حيث جرى اختطافه في عملية يكتنفها الغموض والتواطؤ الدولي، ليتم تسليمه إلى تركيا. منذ ذلك الحين، يقبع أوجلان في عزلة تامة في جزيرة إيمرالي، حيث فُرضت عليه قيود قاسية تهدف إلى عزله عن العالم الخارجي ومنع تأثيره السياسي.
اختطاف أوجلان لم يكن مجرد إجراء غير قانوني ضد شخص، بل كان خطوة استراتيجية استهدفت الحركة الكردية بأكملها، حيث سعت تركيا إلى كسر الروح المعنوية للأكراد عبر تغييب زعيمهم الأبرز. ومع ذلك، فإن رمزية أوجلان لم تضعف، حيث ما زال يمثل أيقونة للنضال الكردي رغم محاولات طمسه.
مظلومية الأكراد واستهداف هويتهم
منذ اختطاف أوجلان وحتى اليوم، لم تتوقف تركيا عن ممارسة القمع ضد الأكراد. تتمثل هذه السياسات في:
حملات عسكرية مستمرة ضد الأكراد في تركيا وسوريا والعراق ، تستهدف قياداتهم ومناطقهم.
اعتقالات جماعية تطال الناشطين والسياسيين الأكراد، مع التضييق على أحزابهم، مثل . “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب “
حظر استخدام اللغة الكردية في المؤسسات الرسمية، ومنع تعليمها في المدارس.
التضييق على وسائل الإعلام والمنظمات الثقافية الكردية، ومنع إقامة الفعاليات الثقافية.
تغيير أسماء المدن والقرى الكردية إلى أسماء تركية.
هدم المواقع الأثرية والمزارات الثقافية الكردية، كجزء من محاولات محو الهوية الكردية.
تهجير الأكراد قسرًا من مناطقهم، خاصةً في جنوب شرق تركيا، وإحلال سكان آخرين بدلاً منهم.
إهمال المناطق ذات الأغلبية الكردية تنمويًا، وفرض سياسات اقتصادية تؤدي إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة بين الأكراد.
آخر التطورات في قضية أوجلان
رغم مرور أكثر من عقدين على أسره، لا تزال قضية أوجلان تتفاعل على مستويات عدة:
تصعيد العزلة: في السنوات الأخيرة، شددت السلطات التركية من إجراءات العزل المفروضة على أوجلان، حيث مُنع من التواصل مع عائلته ومحاميه لفترات طويلة، ما أثار قلقًا دوليًا بشأن وضعه الصحي وظروف احتجازه.
المطالبات بالإفراج عنه: تتصاعد الحملات الحقوقية المطالبة برفع العزلة عن أوجلان، خاصةً مع استمرار القمع التركي للأكراد.
تحركات دولية: بعض الأطراف الأوروبية بدأت تضغط على تركيا لإيجاد حل سياسي للقضية الكردية، لكن أنقرة ترفض أي نقاش حول وضع أوجلان.
ضرورة حل أزمة الأكراد
تمثل القضية الكردية إحدى أبرز المشكلات العالقة في الشرق الأوسط، ولا يمكن استمرار إنكار الحقوق الكردية دون تداعيات خطيرة. هناك حاجة ملحة لحل عادل يتضمن:
الاعتراف بالهوية الكردية: يجب أن تعترف تركيا رسميًا بالأكراد كقومية لها حقوق سياسية وثقافية ولغوية كاملة.
إطلاق سراح المعتقلين السياسيين: يجب الإفراج عن عبد الله أوجلان وكافة المعتقلين السياسيين الأكراد كخطوة نحو المصالحة.
إقامة حكم ذاتي للأكراد داخل تركيا: يمكن أن يكون الحل في منح الأكراد حكمًا ذاتيًا ضمن الدولة التركية، كما هو الحال في كردستان العراق.
وقف العمليات العسكرية: على تركيا إنهاء حملاتها العسكرية ضد الأكراد، واعتماد الحوار السياسي كوسيلة لحل الأزمة.
دور دولي فعال: يتوجب على المجتمع الدولي الضغط على تركيا لإنهاء سياسات القمع ضد الأكراد، ودعم مبادرات الحل السلمي.
خاتمة
قضية عبد الله أوجلان ليست مجرد مأساة فردية، بل هي عنوان لمظلومية أمة تعاني من الاضطهاد والتهميش منذ عقود. استمرار العزلة على أوجلان يعكس إصرار تركيا على قمع الأكراد بدلًا من البحث عن حل سياسي عادل. إن حل القضية الكردية ضرورة ليس فقط للأكراد، بل لاستقرار المنطقة بأكملها، ويجب على القوى الدولية أن تتحمل مسؤوليتها في الضغط على أنقرة لإنهاء هذه السياسات القمعية واعتماد نهج قائم على الحوار والحقوق المشروعة.