خورشيد دلي
في زحمة انشغال العالم بانتشار فيروس “كورونا”، وحالة القلق التي تسوده خوفا من المخاطر الكثيرة والمدمرة للفيروس، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجميع خلال مقابلة مطولة مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية بالقول إن كرد سوريا وأردوغان مستعدان لإبرام اتفاق سلام بينهما. للوهلة الأولى اعتقدت أن تصريح ترامب قديم، خاصة وأنه أطلق تصريحات مشابهه خلال العدوان التركي على رأس العين – تل أبيض قبل أشهر قليلة، لكن ترامب خيب اعتقادي بعد أن شاهدته ينطق بالصوت والصورة لما قاله عن الموضوع خلال المقابلة، ولعل السؤال الذي يطرحه الجميع هنا، هل فعلا أردوغان وكرد سوريا مستعدان لإبرام اتفاق سلام بينهما؟ وبعيدا عن الجوانب القانونية لمثل هذا الاتفاق هل هناك أي مؤشر أو معطى يدعم صحة ما قاله ترامب؟ ربما الجواب المختصر عن السؤال هو النفي، خاصة وأن تهديدات أردوغان ضد مناطق شمال شرقي سوريا مستمرة ولاسيما بعد أن كشف عن أطماعه في نفط دير الزور، وطلبه من نظيريه الروسي والأمريكي التعاون بهذا الخصوص كما صرح أردوغان بنفسه، وقبل هذا وذاك، طبيعة الموقف التركي الذي يرفض الاعتراف بأي حالة سياسية كيانية لها علاقة بالكرد على حدودها الجنوبية، حيث تصف أنقرة قوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) ووحدات حماية الشعب بـ”الإرهاب”، وتحت هذا الشعار شنت ثلاثة حروب تحت عناوين عمليات (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) انتهت باحتلالها لمناطق واسعة من شمال وشرقي سوريا، وزيادة في حجم العداء التركي للكرد في ظل التعبئة الايديولوجية ضدهم، رغم إعلان القوى الكردية مرارا استعدادها لحوار مع تركيا يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والإقليم.
في الواقع، القراءة الأولية لتصريح ترامب، تضعنا أمام حقيقة أن هذا التصريح لا أساس له من الصحة، خاصة وأنه صدر من رئيس لا يبالي كثيرا بتصريحاته، وأحيانا كثيرة تكون هذه التصريحات متناقضة مع بعضها، لكن السؤال هنا، ما الذي دفع برئيس أكبر دولة إلى إطلاق مثل هذا التصريح في هذا التوقيت؟ ولعل هاجس المعرفة والشك يدفعك أكثر للسؤال عن مواقف تركيا والإدارة الذاتية في شرقي الفرات من تصريح ترامب؟ ولماذا لم نسمع من الطرفين أي تعليق حتى لو بسيط عن القنبلة التي أطلقها ترامب؟ وهل صمت الطرفين دليل على وجود شيء ما تحت الطاولة لم ينضج بعد؟ أسئلة تفتح الباب أمام التحليل السياسي والسيناريوهات المحتملة أكثر من أي شيء أخر.
في محاولة لفهم تصريح ترامب ودلالاته، تتجه الأنظار إلى الصراع الأمريكي – الروسي على كرد سوريا ومحاولة حفاظ كل طرف على العلاقة المصلحية مع تركيا أردوغان، وفي السيناريوهات ثمة حديث عن مسارين:
الأول: أن الإدارة الأمريكية علمت بحصول تقدم كبير على خط رعاية روسيا لمحادثات بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية خلال الفترة الأخيرة، وان الزيارة الخاطفة لوزير الدفاع الروسي شويغو إلى دمشق كانت لوضع تصور مستقبلي وخطة للأوضاع في كل من شمال غربي سوريا ( إدلب ) وشرقي الفرات حيث الإدارة الذاتية، وأن تصريح ترامب جاء بهدف إفشال الجهد الروسي هذا، وبمثابة محاولة لخلط الأوراق وإعطاء أمل زائف لواقع العلاقة بين تركيا وكرد سوريا، فالإدارة الأمريكية تدرك أنها فقدت إلى حد كبير ثقة الكرد بها بسبب موقفها المخزي خلال العدوان التركي على رأس العين – تل أبيض، وأنه إذا تحركت روسيا بجدية على خط الحكومة السورية والإدارة الذاتية فان الأخيرة ستتنقل إلى العمل تحت الرعاية الروسية حتى لو عارضت واشنطن ذلك، وهذا سيلحق بالأخيرة خسارة كبيرة ولاسيما في ملف الأزمة السورية وعلاقتها بباقي ملفات المنطقة.
الثاني: ثمة حديث عن أن الجهود التي قام ويقوم بها المبعوث الأمريكي جيمس جيفري، أفضت إلى حصول تقدم مهم على مسار سعيه لتسوية بين تركيا وكرد سوريا، وأن ثمة مرونة بدأت تظهر في الموقف التركي بهذا الخصوص، وأن هذه المرونة جاءت بعد المحادثات المكثفة التي أجراها جيفري في تركيا بعد الصدام التركي – الروسي في إدلب، وتعرض القوات التركية إلى خسائر كبيرة هناك، وهو ما دفع بأردوغان إلى توقيع اتفاق موسكو للهدنة في إدلب، حيث كان معظم بنوده وفقا للرؤية الروسية، وأن هذه التطورات شكلت خلفية للمرونة التي تبديها تركيا مدفوعة بطموحات لها علاقة بالنفط والهيمنة، ولعل المهم هنا أمريكيا، هو أن المرونة التركية هذه إن صحت كما تقول التقارير تفتح الباب أمام استراتيجية واشنطن في إدارة العلاقة بين الحليفين التركي والكردي، ووضعها الملفين في سياق واحد، وهو ما يتطلب من الجانب التركي الاعتراف بالحالة الكيانية الكردية رغم العداء الكبير لها.
في الواقع، بغض النظر عن صحة أي من السيناريوين، خاصة في ظل الفرضيات القوية التي تدعم كل منهما، فإن قنبلة ترامب تندرج في إطار الكباش الأمريكي – الروسي على كيفية ترتيب المشهد السوري ودور الأطراف المعنية والمؤثرة في المستقبل أكثر من وجود شيء ملموس يمكن البناء عليه للقول بإمكانية التوصل إلى اتفاق فعلي بين تركيا والكرد السوريين، ولاسيما بعد العمليات العدوانية التي شنتها تركيا ضد شمال وشرقي سوريا.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت