الحدث – وكالات
أكد السياسى الكردى، تونجر بكرهان، عضو البرلمان التركى، الرئيس المشارك لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب الذى يحتل ٥٧ مقعدًا فى البرلمان من ٦٠٠ عضو، أن الشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية، وأن النظم الشمولية تتهاوى الواحد تلو الآخر.
وقال السياسى الكردى، تونجر بكرهان، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، إنه من الواضح أن هناك حاجة ملحة للديمقراطية فى تركيا، بدءًا بحل المسألة الكردية، لتجنب حدوث فوضى سياسية داخلية وصراعات أكبر.
وأعلن «بكرهان» دعم حزبه حل الدولتين استنادًا إلى حدود عام ١٩٦٧ فى الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى. وقال: «نقف إلى جانب النضال المشروع للشعب الفلسطينى من أجل حريته، وفى الوقت ذاته لا نؤيد هجوم حماس فى ٧ أكتوبر الذى استهدف المدنيين، كما ندين علنًا الاستخدام غير المتناسب للعنف من قبل دولة إسرائيل تحت اسم (الرد)».
وإلى نص الحوار..
■ ما آخر المستجدات بشأن مبادرة أوجلان مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستانى، بنزع سلاح الحزب، والتوجه إلى حل سلمى تفاوضى مع الدولة التركية؟
– السيد أوجلان فتح أبواب الحل والسلام المستدام على مصراعيها من خلال دعوته التى أطلقها فى ٢٧ فبراير. نحن نتحدث عن حل يكسب فيه الجميع وينتهى فيه العنف. على هذا الأساس، قام أوجلان بدعوته لحل حزب العمال الكردستانى، ليثبت مدى صدق نواياه. ولم يعترض حزب العمال الكردستانى على ذلك، وأعلن أن هناك حاجة لعقد مؤتمر يمكن أن يشارك فيه أوجلان بشكل ما.
من الأهمية بمكان أن تقوم تركيا بتحمل مسؤولياتها لتمكين حزب العمال الكردستانى من عقد مؤتمر نزع السلاح، علمًا بأن تهيئة الظروف التى تسمح للحزب بعقد مؤتمره تعد أحد أكثر التطورات احتمالًا.
■ وما تقييم رد فعل الكتل السياسية التركية، وبخاصة حزب الرئيس أردوغان وحلفائه؟
– نقدّر أن حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان وحليفه حزب الحركة القومية، تبنيا معًا إدارة هذه العملية وفقًا لتوصيات وتحذيرات البيروقراطية الحكومية. فالشرق الأوسط يشهد تحولات جذرية، والنظم الشمولية تتهاوى الواحد تلو الآخر. ومن الواضح أن هناك حاجة ملحة للديمقراطية فى تركيا، بدءًا بحل المسألة الكردية، لتجنب حدوث فوضى سياسية داخلية وصراعات أكبر.
ويبدو أن تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية عالق فى مأزق سواء فى السياسة الخارجية أو الداخلية. وقد لوحظ أنهما تعرضا لخسارة كبيرة فى الدعم الشعبى خلال الانتخابات المحلية. ونعتقد أنهما ينويان اتخاذ سلسلة من الخطوات لتعويض الخسائر قبل الانتخابات العامة، عبر تقليل الأضرار السياسية والاقتصادية التى تسببا بها على الأقل. لكننا مازلنا حذرين بشأن ما إذا كانا سيستخلصان الدروس من أخطائهما.
■ ماذا عن دروس فشل محاولات سابقة للحل السلمى؟
– سأشرح مصير المحاولات السابقة ضمن إطارها العام. خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية (AKP) منفردًا، كانت أولى هذه المبادرات فى عام ٢٠٠٩، حين بدأت محادثات أوسلو بين جهاز الاستخبارات التركى وقيادات حزب العمال الكردستانى (PKK) بموافقة أردوغان، ويمكن اعتبار دخول أعضاء حزب العمال الكردستانى غير المسلحين من بوابة معبر خابور إلى تركيا كبادرة حسن نية من أوجلان بشأن السلام والحل السياسى، بمثابة نقطة تحول. استقبل الشعب الكردى لأول مرة، بحماس شديد، عودة أبنائه المنضمين لحزب العمال الكردستانى إلى تركيا دون سلاح وضمن إطار اتفاق وإرادة سياسية. وكان ذلك رسالة قوية تُظهر بوضوح أن وقف النزاع أمر ممكن.
لكن التيارات السياسية التركية القومية واليمينية المتشددة صوّرت هذا التطور للمجتمع على أنه «هزيمة للأتراك»، مما سمّم أول عملية حل شاملة. ولم يتمكن حزب العدالة والتنمية من مقاومة هذا الضغط المنسق من الأوساط القومية التركية، فتراجع عن الاتفاق. وتم اعتقال أعضاء حزب العمال الكردستانى الذين دخلوا تركيا واحدًا تلو الآخر، مما أدى إلى تعطيل شروط دخول المجموعة الثانية من مقاتلى الحزب المخطط لدخولهم عبر أوروبا، وتم بذلك إفشال أول مبادرة سلام شاملة.
■ ماذا عن العمليات التالية؟
– تم إعلان ثانيها رسميًا فى رسالة أوجلان المقروءة فى نوروز بتاريخ ٢١ مارس ٢٠١٣، فقد استمرت حتى يوليو ٢٠١٥. وقد قدم أوجلان خارطة طريق شاملة من أجل التوصل إلى حل. وتم تنفيذ حملة إعلامية مكثفة لكسب دعم جميع شرائح المجتمع لنموذج حل لا يخسر فيه أحد. ولقيت هذه المبادرة دعمًا واسعًا من معظم فئات المجتمع. وكان اتفاق «دولمة بهجة» بتاريخ ٢٨ فبراير ٢٠١٥، ثمرة لعامين من عملية الحل، ويُعد محطة هامة. كان من المقرر أن يجلس أوجلان إلى طاولة الحوار فى ٥ أبريل ٢٠١٥ مع وفد من حزبنا ووفد من الدولة. وكان من المقرر أن يدعو أوجلان فى هذا اللقاء حزب العمال الكردستانى لعقد مؤتمر نزع السلاح، ليبدأ بعدها التفاوض الرسمى مباشرة. لكن، للأسف، لم يذهب وفد الدولة إلى إمرالى فى ذلك اليوم، لأن أردوغان كان قد أعلن فى ٢٢ مارس، ردًا على سؤال صحفى مُعد مسبقًا، أنه لا يعترف باتفاق دولمة بهجة.
■ فى انتخابات يونيو ٢٠١٥، تمكّن حزبكم باسمه السابق، حزب الشعوب الديمقراطى، لأول مرة من تجاوز العتبة الانتخابية الوطنية فما الذى ترتب على ذلك؟
– حصل الحزب على أكثر من ١٣٪ من الأصوات، منهيًا بذلك تقليد حزب العدالة والتنمية فى الحكم المنفرد منذ ٢٠٠٢. ونشأ توازن سياسى جديد يتيح فتح الطريق نحو الديمقراطية عبر التوافق المجتمعى بدلاً من القرارات الأحادية. لكن حزب العدالة والتنمية لم يقبل بهذا الواقع، وتحالف مع حزب الحركة القومية، المعارض لمسار الحل، وقاد البلاد لانتخابات مبكرة. وبين ٧ يونيو و١ نوفمبر ٢٠١٥، وقعت عدة تفجيرات أودت بحياة العديد من المدنيين. وكان الضحايا فى الغالب من الكرد، والاشتراكيين، والديمقراطيين المتضامنين معهم، أى من عامة الشعب. ورغم أن منفذى التفجيرات بدوا كأنهم من داعش، إلا أن هناك قناعة قوية بأن حزب العدالة والتنمية وجّه هذه الهجمات الجماعية بطريقة ما، وكان بإمكانه منعها لو أراد.
وفى ٢٠ يوليو ٢٠١٥، فجّر انتحارى نفسه وسط مجموعة من الشباب تجمعوا فى سوروج للتضامن مع أطفال كوبانى. وفى ١٠ أكتوبر، استُهدف تجمع سلمى مؤيد للسلام بتفجير انتحارى أودى بحياة ١٠٣ من مواطنينا. وعلّق رئيس الوزراء حينها، أحمد داوود أوغلو، بأن شعبيتهم ارتفعت نتيجة التفجيرات. كل هذه التطورات تُظهر أن الحكومة غيّرت موقفها عندما كنا أقرب ما نكون إلى الحل، ومع ذلك سنظل نعمل للسلام.
■ هل فارق القوة بين تركيا وحزب العمال الكردستانى، وخاصة وجود المسيرات، هو الذى لعب دورا فى توجه الأخير نحو السلام؟
– الدولة التركية ثانى أكبر جيش فى الناتو، وهى قوة فى حالة حرب منذ سنوات طويلة. ورغم استخدام كافة أنواع الأسلحة حتى اليوم، لم يتخلَّ حزب العمال الكردستانى عن مواقعه. لقد تعرّض حزب العمال الكردستانى لآلاف الغارات الجوية، لكنه نجح إلى حد كبير فى الحفاظ على قوته. وبناءً على ملاحظاتنا، حزب العمال الكردستانى مازال فاعلًا قويًا فى تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا. ففى سنجار، حيث يتواجد الإيزيديون الأكراد، أول قوة تدخلت ضد داعش هى مقاتلو حزب العمال الكردستانى. ولو لم يكونوا هناك فى الوقت المناسب لكانت مجازر داعش ضد الإيزيديين الأكراد والتركمان الشيعة أكثر شمولًا ودموية. لقد مد زعيم حزب العمال الكردستانى، أوجلان، يد السلام إلى الدولة التركية حتى فى الفترات التى كان فيها الحزب فى أقوى حالاته.
■ هل يصب اعتقال وتوجيه اتهامات مختلفة إلى أكرم إمام أوغلو فى مصلحة الحوار بين العدالة والتنمية وبين اكراد تركيا؟
– من وجهة نظر الحركة السياسية الكردية، تهدف المحادثات مع تحالف حزب العدالة والتنمية- حزب الحركة القومية، إلى إنهاء حالة الصراع بشكل كامل، والعودة إلى مسار الديمقراطية. ونعتقد أن هذا التحالف يدرك أنه لا يمكنه ترسيخ حالة اللاعنف مع الأكراد دون اتخاذ خطوات حقيقية نحو الديمقراطية. لذلك، فإن عزل إمام أوغلو وعمليات الاعتقال التى تنطلق من إسطنبول تُعد أزمة جديدة من شأنها أن تعمّق الاستقطاب المجتمعى. نحن مستمرون فى إجراء سلسلة من اللقاءات لتفادى تكرار هذه الأزمات وإنهاء الضغوط السياسية، وعمليات اغتصاب الإرادة السياسية.
■ يُشار كثيرًا إلى أن أردوغان يريد توظيف القوى السياسية المختلفة للوصول إلى فترة رئاسية ثالثة مع انتخابات ٢٠٢٨.. ماذا ترى؟
– وفقًا للقوانين، لا يحق لأردوغان الترشح للمرة الثالثة فى انتخابات ٢٠٢٨. ولن ينال ذلك الا بتعديل دستورى. وفى الوضع الحالى، لا يملك تحالف حزب العدالة والتنمية– حزب الحركة القومية، الأغلبية البرلمانية اللازمة لإجراء تعديلات دستورية. ومن هذا المنطلق، نحن فى حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية، لا نجرى أى حوار لمجرد تمكين أردوغان من الترشح مجددًا. إنما نُجرى لقاءات من أجل إنهاء الحرب، وتحقيق السلام بين الكرد والأتراك، وتحقيق الديمقراطية.
■ يميل الرئيس ترامب إلى مزيد من الاعتماد على تركيا وجيشها مع انتقاص متكرر من حلف الناتو.. هل يمكن ان تدعم أمريكا بهذا الشكل قضية الأكراد فى تركيا؟
– من الواضح أن لتركيا، كعضو فى حلف الناتو، مكانة جيوسياسية مهمة فى السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فإن السياسات الأمريكية فى سوريا لا تتطابق مع السياسات التركية هناك، وينطبق الأمر نفسه على سياسات إيران والعراق. حتى فى مسألة الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، هناك اختلاف فى وجهات النظر بين البلدين.
لقد تحالفت الولايات المتحدة مع الأكراد فى العراق، الذين كانوا ضحايا لنظام صدام، حين أسقطت ذلك النظام، ومازالت مستمرة فى هذا التحالف. أما فى سوريا، فالتعاون بين الولايات المتحدة والكرد السوريين لايزال قائمًا، ليس فى مواجهة النظام، بل فى محاربة داعش.
أما فيما يتعلق بالصراع بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستانى، فنلاحظ أن للولايات المتحدة موقفا متذبذبا وغير متّسق. مطلبنا من أمريكا ومن جميع الأطراف الأخرى هو ألا تشجّع الدول الديمقراطية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، النهج القائم على القمع والعنف الذى تتبناه الدولة التركية فى مقاربتها للقضية الكردية.
■ البعض يخشى أن يكون إعلان سحب معظم قوات أمريكا من شرق سوريا هو ناتج اتفاق غير معلن مع أردوغان؟
– فى محاربة داعش، تعاونت قوات سوريا الديمقراطية مع الجيش الأمريكى ميدانيًا، وقد ساهم هذا التعاون المشترك فى كبح الخطر العالمى للتنظيم، ومثلت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا البنية السياسية التى انبثقت من هذه القوات. وحتى يتم التوصل إلى صيغة دستورية جديدة فى سوريا، تمكنت هذه الإدارة السياسية من تلبية احتياجات السكان المحليين فى مجالات الأمن والحريات والخدمات الأساسية بشكل ناجح. وقد استطاع الكرد السوريون تأسيس منطقة مستقرة نسبيًا تضم مختلف مكونات المجتمع.
لكن من الواضح أن هناك أطرافًا، فى مقدمتها الدولة التركية، والإدارة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام فى دمشق، وخلايا داعش، تنتظر بفارغ الصبر انسحاب الولايات المتحدة من هذه المنطقة، بغرض القضاء على كل مكتسبات الديمقراطية والحرية.
لابد أن نكون صريحين: من دون اتفاق نهائى، لا يمكن اعتبار الحرب الأهلية فى سوريا انتهت. وإذا انسحبت الولايات المتحدة دون ضمانات واضحة، فقد يؤدى ذلك إلى حرب أهلية جديدة أكثر دموية من سابقتها.
نحن لا نطالب ببقاء أمريكا إلى الأبد فى هذه المنطقة، وهى نفسها لا تعتزم ذلك. ولكن علينا أن نتذكّر ما جرى فى أفغانستان، حيث خلق الانسحاب الأمريكى المفاجئ كارثة وانتقامات دموية.
■ تركيا ربطت أى تطور بشأن حقوق الأكراد بعد مبادرة أوجلان، بحل الحزب.. ما هى خطة حزبكم، لملاقاة احتمال نجاح أو فشل المبادرة؟
– نحن مستعدون لكافة السيناريوهات. نثق بأنفسنا، وبحزبنا، وبشعبنا. فإذا أُغلقت قنوات السياسة الديمقراطية، فهذا يعنى أن العملية وصلت نهايتها. وكلما اتسعت ساحة العمل السياسى، زادت آمال الديمقراطية، وسيحدد الحزب خارطة طريقه تبعًا لذلك.
■ هل هناك أى دور عربى حاليًا أو خليجى فى إيجاد تسوية عادلة لمشكلة الأكراد فى تركيا؟
– علاقة حكومة العدالة والتنمية وأردوغان مع الدول الخليجية والقادة العرب، باستثناء قطر، علاقة متقلبة للغاية. ففى الحرب الأهلية الليبية، أثار دعم أردوغان للإخوان المسلمين غضب العديد من دول الخليج ومصر.
وفيما يتعلق بالقضية الكردية يبدو أن الدول العربية تتعامل معها فقط ضمن سياق تطورات الأزمة السورية. ومن المرجّح أن الدولة التركية تشعر بخيبة أمل لأنها لم تلقَ من هذه الدول موقفًا عدائيًا كافيًا تجاه الكرد.
■ بعض الكرد فى العراق وسوريا يقولون إنهم منفتحون على إسرائيل.. ألا يضر ذلك بقضيتكم؟
– يدعم حزبنا حلّ الدولتين استناداً إلى حدود عام ١٩٦٧ فى الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى. نحن نقف إلى جانب النضال المشروع للشعب الفلسطينى من أجل حريته، وفى الوقت ذاته نعارض معاداة السامية. فى هذا السياق، لا نؤيد هجوم حماس فى ٧ أكتوبر الذى استهدف المدنيين، كما ندين علنًا الاستخدام غير المتناسب للعنف من قبل دولة إسرائيل تحت اسم «الرد».
الأخطاء التاريخية التى ارتكبت من كلا الطرفين سببت دمارا كبيرا وتحولت إلى مأساة. كل من حماس وحكومة نتنياهو ارتكبتا جرائم حرب جسيمة، والشعبان دفعا الثمن، ولا يزالان يدفعانه.
يجب أن تنتهى هذه الحرب فورًا، لأنها تخلق واقعًا سامًّا لا منتصر فيه، ويهدد الأجيال القادمة. لهذا ندعو إلى حل سياسى يسمح للطرفين بالعيش معا بسلام على أساس نظام الدولتين.
أما بالنسبة للعلاقة بين الدولة التركية والأكراد، فهى تشترك فى كثير من الجوانب مع العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين: علاقة بين المُهيمن والمقهور، وبين المُستغِل والمُستَغَل، وسياسات السجون تظهر تشابهًا. لكن لا يمكن مقارنة النضال الكردى بهيكل متطرف كحماس ارتكب جرائم حرب ممنهجة.
■ كان لكم دومًا موقف مؤيد لكل قضايا التحرر الوطنى لكن غزة لم تحظ منكم بالدعم الكافى؟
– وقفنا دائمًا إلى جانب النضال المشروع للشعب الفلسطينى. أدنّا مرارا تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، وأعلنا موقفنا هذا بوضوح. كما انتقدنا بشدة الاتفاقات العسكرية الاستراتيجية التى أبرمتها الدولة التركية مع إسرائيل، وطالبنا فى البرلمان بتجميدها.
أشرنا فى كل المنصات إلى أن مواد البناء مثل الأسمنت والحديد التى تستخدمها إسرائيل لبناء المستوطنات والجدران مصدرها تركيا. واقترحنا فرض حظر على تصدير المنتجات العسكرية ومواد البناء إلى إسرائيل حتى ينتهى احتلال غزة.
ومع ذلك، استمرت حكومة العدالة والتنمية فى تجارتها مع إسرائيل، رغم ادعائها بدعم غزة. هذا ما نسميه فى الأدب الشعبى: «الجلوس على مائدة الذئب، والبكاء مع الراعى».. نأمل أن يرى الشعب الفلسطينى أن حليفه الحقيقى هو الشعب الكردى المضطهد، وليس أردوغان.
■ هل تؤيدون مبادرة جنوب إفريقيا بإحالة قيادات إسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
– نحن نؤيد محاكمة كل زعيم دولة ارتكب جرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية. ويجب تنفيذ هذا المبدأ بشكل فعّال دون تمييز، ليشمل كل من ارتكب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.
■ تبدو روسيا مشغولة فى أوكرانيا وفى التفاوض مع ترامب والتفاعل الحذر جدًا مع أردوغان.. فما الذى تتوقعونه منها؟
– منذ بدء روسيا غزو أوكرانيا، عمّ الذعر شرق أوروبا، وظهر موقف معقد لايزال عصيًا على الحل. ورغم بيع أردوغان طائرات مسيّرة لأوكرانيا، فإنه حافظ على علاقاته مع روسيا بسبب مشاريع استراتيجية كبرى مثل تجارة الغاز وبناء محطة نووية فى أكويو بمرسين. نعتقد أن شراء تركيا لمنظومة S-٤٠٠ الروسية رغم بروتوكولات الناتو كان جزءًا من صفقة تضمنت احتلال منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غرب سوريا. وقد دفعت تركيا ثمن ذلك بإخراجها من برنامج F-٣٥. سياسة أردوغان الخارجية تتأرجح بين المعسكرين، مما يجعل تركيا شريكا غير موثوق به.
■ الأكراد موزعون بين تركيا وسوريا والعراق وإيران.. كيف ترون مستقبل الحكم الذاتى أو الاستقلال للأكراد فى هذه الدول؟
– إذا شهدت هذه الدول الأربع عملية ديمقراطية حقيقية، واتخذت خطوات جدية للعيش المشترك مع الأكراد، فإن خيار الاستقلال قد لا يعود أولوية لدى الأكراد. أكبر أحلامنا هو بناء معادلة إقليمية لا تصبح فيها الحدود حاجزا ماديا أو معنويا.
■ هل تساعد التحديات الاقتصادية التى تواجه تركيا على تحسين مناخ التفاوض مع الأكراد أم العكس؟
– أنفقت الدولة التركية أكثر من ٣ تريليونات دولار تحت مسمى «محاربة حزب العمال الكردستانى». لا يمكن قياس تكلفة الأرواح بالمال، لكن بسبب الحرب والضغوط السياسية، انخفضت القدرة الاستثمارية والإنتاجية بشكل كبير. تم تجاهل الفساد والمصروفات غير العادية تحت مسمى «مكافحة الإرهاب». وقد تطورت بالتوازى مع هذه الحرب شبكة رأسمالية غير خاضعة للرقابة تعنى اقتصاد الأموال القذرة. وبدلاً من إنفاق الميزانية لصالح الشعب، تم توزيعها بين صناعات الحرب، والقوات شبه العسكرية، وحتى العلاقات المافيوية. بمعنى آخر، فإن غياب الحل فى القضية الكردية كلف تركيا أكثر من ١٠ تريليونات دولار، ما أدى لانهيار الاقتصاد.
■ وما الحلول التى تقترحونها لتحسين مستوى معيشة الأكراد؟
– لا نسعى فقط لتحسين مستوى معيشة الأكراد، بل لتحسين مستوى معيشة جميع فئات المجتمع فى تركيا. الإصرار على الحرب وغياب الحل لا يضر فقط بمستوى معيشة الأكراد، بل يعيش الأتراك والعرب والعلويون والأرمن والسريان فى تركيا أيضًا فى مستويات معيشية متدنية. ووفقًا لبيانات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، فإن القوة الشرائية فى تركيا تأتى مباشرة بعد فنزويلا من حيث السوء. يمتلك أغنى ١٪ فى تركيا ما بين ٤٥٪ و٥٠٪ من إجمالى الثروة. أما الـ٩٩٪ المتبقون فيُجبرون على العمل ليل نهار أو التقرب من السلطة للحصول على نصيب من الثروة المتبقية.
نحن نناضل لتغيير هذا النظام. المستفيدون الأكبر من الحرب لا يريدون أن تنتهى. يُجند أبناء الفقراء من الأتراك والأكراد إجباريًا لإرسالهم إلى الحرب، بينما يدفع أبناء الأغنياء المال لتجنب آثار هذه الحرب.
بعبارة أخرى، ما يسمى بالصراع الكردى- التركى ليس سوى إصرار الدولة التركية على عدم إيجاد حل للقضية الكردية من أجل الحفاظ على الهيمنة الطبقية.
إذا تم تحسين مستوى معيشة ٩٩٪ من الشعب، فمن الممكن تحقيق تقدم فى التعليم والثقافة والفكر، مما يسمح للمجتمع بمساءلة الحرب واللامساواة. ومن أهدافنا الأساسية تطوير مستوى المعيشة بما يتماشى مع القيم الإنسانية والأخلاقية.
■ هل يمكن أن يكون هناك دور للصين فى تشكيل سياسات الشرق الأوسط وحل المشكل الكردى؟
– الصين عادة ما تتبنى مبدأ عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول. لكن قد يكون لها حوار أكثر كثافة مع الأكراد السوريين، لأن هناك أكثر من ٧٠٠٠ مقاتل أويغورى متطرف– أى مواطنين صينيين– قاتلوا سابقًا فى صفوف القاعدة وداعش. وتُعتبر هذه الجماعات تهديدًا من قبل الدولة الصينية، لذا تتم مراقبتهم عن كثب. ولهذا السبب يُحتجز بعض هؤلاء الأويغوريين الذين قاتلوا ضد الأكراد فى صفوف داعش داخل مخيم الهول.
فى مدن إقليم كردستان العراق، هناك أيضًا استثمارات صينية، لكنها لا تبدو أنها تهدف إلى إحداث تغيير سياسى. الصين تطوّر «قوتها الناعمة» الاقتصادية فى الشرق الأوسط عامًا بعد عام، لكنها حتى الآن لا تمتلك القدرة الدبلوماسية التى تُتيح إنهاء النزاعات الإقليمية.
■ إيران أيدت دعوة أوجلان للحل السلمى فهل يتغير موقفها تجاه الأكراد فيها؟
– للأسف، الدولة الإيرانية مازالت تتخذ موقفًا صارمًا تجاه الحقوق السياسية وحق الأكراد فى الإدارة الذاتية. إيران بحاجة إلى ديمقراطية وهيكلة إدارية جديدة، لأن النظام الحالى يُنتج أزمات سياسية واجتماعية. عندما قُتلت جينا مهسا أمينى– وهى امرأة كردية– على يد شرطة الأخلاق لمجرد ظهور شعرها، انتشرت الاحتجاجات فى جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من الوعود بإجراء إصلاحات، بدأ بعدها «صيد للساحراتط حيث أُعدم مئات الشباب الذين شاركوا فى التظاهرات، وغالبيتهم من الكرد.
نحن فى حزب الشعوب للمساواة والديمقراطية أدنّا هذه الإعدامات، ونعتبرها عقبة رئيسية أمام أى حوار طبيعى مع السلطات الإيرانية.
■ الصراعات ساخنة ومؤلمة فى اليمن وغزة والضفة، والسودان وليبيا ولبنان.. كيف تنظرون إلى هذه الأزمات؟
– من الصعب النظر إلى كل هذه الأزمات من زاوية واحدة. قضية فلسطين منذ ١٩٤٨ من مراكز الأزمات فى المنطقة. الحروب التى خاضتها مصر وسوريا والأردن ضد إسرائيل كانت ضد القوى التى أسست إسرائيل.
واليوم، رغم اعتراف كثير من الدول العربية بإسرائيل، لايزال وضع فلسطين بدون دولة. الأسوأ أن فلسطين نفسها مقسّمة إلى غزة والضفة الغربية، وهذا يُضعف المطالب الفلسطينية الشرعية ويجعلها عرضة للتلاعب.
فلسطين أكبر من حماس، لكن الأخيرة رهنت مستقبل القضية لصالح نهج دينى جهادى يُضعف النضال الوطنى العلمانى.
لقد أدت السياسات التدخلية الإيرانية فى لبنان وحرب الوكالة التى قام بها خليفها حزب الله إلى تعميق حالة عدم الاستقرار فى لبنان. يجب حماية لبنان من التدخلات الخارجية وتنفيذ إصلاحات قضائية وإدارية لوقف الفساد والتدهور السياسى.
فى ليبيا، بعد القذافى، حاولت جماعة الإخوان الاستيلاء على السلطة بدعم من تركيا وقطر، ما أدى فعليًا إلى تقسيم البلاد. وقد يؤدى هذا الوضع إلى خطر جعل الانقسام دائمًا على المدى الطويل.
14 ساعة مضت