السبت 18 أكتوبر 2025
القاهرة °C

الفلكلور الكردي.. كنز إنساني يُحرم منه العالم

القاهرة – وليد الرمالي

في قلب جبال كردستان، حيث تتعانق السحب مع القمم وتتماوج الحقول بألوان الزهور البرية، وُلد واحد من أعرق وأجمل الفنون الشعبية في الشرق الأوسط: الفلكلور الكردي.

إنه عالمٌ من الأغاني التي تنزف شوقًا، والرقصات التي تحكي عن الحرية، والحكايات التي تختزن ذاكرة الشعوب.

ومع ذلك، يبقى هذا التراث الباذخ منسيًا على أطراف الخريطة الثقافية العالمية.

إرث موسيقي يفيض بالعاطفة

الموسيقى الكردية تُعد من أقدم أنماط الغناء الشعبي في المنطقة، تُؤدى غالبًا بمرافقة آلات بسيطة مثل التمبور والدف والزرنا.

في أغانيهم، يمتزج الفرح بالحزن، وتغدو الكلمة لحنًا للحياة.

فالأغنية الكردية ليست ترفًا فنيًا؛ إنها وثيقة وجدانية تنقل حكاية شعبٍ قاوم الزمن بالنغم، وحمى ذاكرته بالأغاني التي تُتلى في الأعراس، والمآتم، وأمسيات الشتاء الطويلة.

رقصات تصنع الفرح الجماعي

من أبرز ملامح الفلكلور الكردي رقصة الهلبركه، التي يؤديها الرجال والنساء كتفًا إلى كتف في دائرة واحدة، تعبيرًا عن التكاتف والوحدة.

كل حركة فيها رمز، وكل خطوة إعلان عن انتماء.

يقول أحد الراقصين الشعبيين في دهوك: “حين نرقص الهلبركه، نشعر أننا نُمسك أيدي أجدادنا الذينرحلوا، ونواصل الحياة معهم.

الذاكرة الشفوية والحرمان من التوثيق

رغم ثراء هذا الموروث، إلا أن أغلبه لم يُوثّق بعد، إذ ظل الفلكلور الكردي أسير النقل الشفهي عبر الأجيال.

آلاف الأغاني والحكايات اندثرت مع وفاة الرواة والمغنين القدامى.

كما أن النزاعات السياسية في المنطقة حرمت الكرد من مؤسسات ثقافية قادرة على حفظ هذا التراث، أو تقديمه للعالم كما يليق بجماله وعمقه.

جمال لا يصل إلى العالم

في زمن تنتشر فيه الفنون بسرعة عبر الإنترنت، ما زال الفلكلور الكردي يواجه جدار التعتيم اللغوي والإعلامي.

فقلّة من الأعمال تُترجم إلى لغات أجنبية، وندر أن يُعرض فنان كردي على مسارح عالمية، رغم أن كثيرًا منهم يملكون أصواتًا لا تقل روعة عن كبار المطربين العالميين.

ومع ذلك، بدأت في السنوات الأخيرة محاولات فردية ومبادرات شبابية لإحياء الفلكلور الكردي عبر المنصات الرقمية، وإيصاله إلى جمهورٍ أوسع.

لكنها ما زالت بحاجة إلى دعمٍ مؤسسي وثقافي حقيقي.

خاتمة: صوت الجبل لا يموت

الفلكلور الكردي ليس مجرد غناءٍ أو رقصٍ، بل هو ذاكرة أمة صاغت فنها من الألم والأمل.

إن حرمان العالم من هذا الجمال يعني خسارة فصلٍ كامل من قصة الإنسانية.

ربما حان الوقت لأن تُفتح النوافذ أمام هذا الصوت القادم من الجبال — صوتٌ يقول بلغاتٍ كثيرة: “ما زلنانغني لنعيش.

to top