نبذةٌ عن حياة القائد عبد الله أو جلان:
ينتمي أوجلان إلى عائلةٍ من وسطِ عموم الشّعب الكرديّ، وبذلكَ كسرَ النظامَ التقليديّ القروسطيّ للزعامة الكرديّة السياسيّة التي قامتْ على الإرثِ الدينيّ والإرث القبَلي العشائريّ أو كليهما معاً طوالَ قرونٍ. وهذا أمرٌ نادرُ الحدوثِ في الواقع الكُردستانيّ، وهذا النمطُ من القيادة لم يكن لِينجحَ في شمال كردستانَ لو لم يمتلكِ الإمكاناتِ الفكريّةَ البراغماتيّة لصُنعِ عالمٍ أفضلَ، عالمٍ يتناسبُ مع روح الحداثة التي أخذتْ بها المجتمعاتُ المتقدّمةُ اليومَ، خاصّةً وأنّ الواقعَ المُتردّي في شمال كردستان طوالَ نصفِ قرنٍ- منذُ فشلِ آخر انتفاضةٍ كرديّةٍ- كان يُشيرُ إلى أنّ إرادةَ الصراع قد انتهتْ في شمال كردستان، ودُفنتْ على أيدي أتاتورك، والفكرُ الذي يُحقّقُ نفعاً هو الفكرُ الصحيحُ، ولا علاقةَ للأقدارِ بذلكَ، وهذا الفكرُ البراغماتيّ غيّرَ الواقعَ الكرديَّ الراكدَ في شمال كردستانَ إلى واقع الصّراع.
أعلنَ أوجلان عن قيام الحزب عامَ 1979، أعلنَ النضالَ المُسلّحَ ضدّ تركيا عام 1984، لهُ العديدُ من الكتب والمقالاتِ وصلتْ لخمسمائة كتابٍ ومقالٍ، نتاجُ فكرهِ كتابُ الأمّة الديمقراطيّة والذي يُعتبَرُ الرّوح والإدارةُ الذّاتيةُ تُعتبَرُ الجسد، وفيه يطرحُ حلاً عملياً للتصارع القوميّ والدينيّ في الشّرق الأوسط ليحصلَ على شرقٍ جديدٍ، كلٌّ يحكمُ نفسَهُ بنفسهِ، بعيداً عن أشكال الدول الموجودة حاليّاً، أُسِرَ في العام 1999في شهر شباط في اليوم الخامس عشر وحتى اليوم. تعرّضَ لعدّة مُحاكماتٍ شكليّة، وحُكمَ ثلاثَ مرّاتٍ بالإعدام، لم يتمكّنِ العدوّ من تطبيقهِ، وتعرّضَ لمحاولاتِ تصفيةٍ عبرَ تسميمهِ حسبَ اللجنةِ الأوروبية المُشرفةِ على صحّتهِ. يتعرّضُ لأشكالِ تعذيبٍ نفسيّة كثيرة منها تسليطُ الكشّافاتِ الضوئيّة عليهِ ليلاً نهاراً. حُرمَ حتى من وجودِ شجرةٍ في باحةِ مُعتقلهِ حيثُ تمّ قطعُها. تمّ فرضُ العُزلة التّامة عليهِ بدون زيارةٍ أكثر من مرّة، أطولها مدّة كانت لأكثر من 525 يوماً. ما زالَ في سجن جزيرة إيمرالي المعزول، في سجنٍ انفراديّ، ولطالما أكّدَ العدوُّ أنّهُ لم يصمد أحدٌ أكثرَ من سبعِ أعوامٍ في هكذا ظروف.
لليومِ هو يقاومُ ويرسمُ لحزبهِ خارطتَهُ السياسيّة في كلٍّ من شرق وشمال وغرب كردستان وجميع منافي تواجُد الجالياتِ الكُرديّة.
قرأَ في مُعتقلهِ أكثرَ من 3500كتاب، تعدّدتْ وجهاتُها بين التاريخيّة والسياسية والاجتماعيّة، يتمّ التفاوضُ معهُ وهو في الأسر بيد العدوِّ لبناءِ عمليّة سلامٍ بين الشّعب الكرديّ وأمثاله من الطوائفِ المظلومة في كردستانَ وتركيا والدولة التركيّة الغاصبة.
الحريّةُ لأوجلانَ هي حريّةُ آلاف المُعتقلين في سجون الظالمين وحريّةُ شعبٍ في العيشِ على أرضهِ بسلامٍ.
اعتقالُ أوجلان:
اعتقدتِ الحكومةُ التركيّة أنها باعتقالِ أوجلان أنهتِ أزمةً، دون أن تُدركَ أنّ هناكَ شعباً يعيشُ في كردستانَ الشمالية، يختلفُ ثقافيّاً وقوميّاً عن الشعب التركيّ، لهُ هويتهُ ولغتهُ تقاليدهُ وقيمهُ، وهو حريصٌ على الحفاظ عليها بشتى الوسائل والطُرقِ، وقد يسلكُ الطريقَ العسكريَّ إذا ما تطلّبَ منهُ ذلكَ.
لم تُدركِ القيادةُ التركيةُ أنّ للشعب الكرديّ ثقلاً كبيراً، وهو قادرٌ على خلقِ أزمةٍ كبيرةٍ إذا ما أصرّتِ الحكومةُ على مبادئها القائمةِ على أساس إلغاء الآخرين، مُتناسيةً أنهُ من الممكن أن تلدَ الأمّةُ التي ولدتْ أوجلانَ ألفَ أوجلانٍ. لقد كانت نشوةُ النصرِ كبيرةً، وأنا أتذكّرُ كيف خاطبَ القادةُ الأتراكُ شعبَهم عندما أُلقيَ القبضُ على أوجلانَ، كانوا يقولون إنّ الأمّةَ التركيّةَ لا يقفُ في وجهها أحدٌ، ومجّدوا تلكَ العمليّةَ كثيراً، مُدّعينَ أنّها من تنفيذ المخابرات التركيّة، والحقيقةُ غيرُ ذلك تماماً، فقد كشفتِ الوكالاتُ الإخباريةُ أنّ هناكَ تنسيقاً قد حصلَ بين المخابرات التركيّة والأمريكيّة والإسرائيليّة، وأنّ أوجلانَ، بعد خروجهِ من سوريا، ضغطتِ المخابراتُ الأمريكيّةُ على اليونان وإيطاليا ليتمّ اعتقالهُ في نيروبي على يد المخابرات(الأمريكية- الإسرائيلية- التركية).
إنّ ما يتشرّفُ بهِ القائدُ أنّ مخابراتِ أمريكا وإسرائيلَ هي مَن طاردتهُ، وهذا يوضّحُ عدمَ ارتباطهِ بالاستبداد والظُلم العالميّ الذي تقودهُ الدولتان. لقد تمكّنَ أوجلانُ، بشخصيته القوية، من الخروج من الدائرة المحليّة إلى الأفق الواسع، فكان(هوشيمن وغيفارا وغيرهم) من الثوّار، الأمر الذي دفعَ الكثير من قادة الأحزاب الكرديّة إلى الحذر والخشية من اتّساع هذه القاعدة.
عندما اُعتقِلَ أوجلانُ طوّرَ من نهج الديمقراطية، ووصلَ إلى تأسيس نظامٍ فكريّ وفلسفيّ، من خلال المُرافعات التي قدّمها لمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية، والتي ظهرتْ بأسماءِ من دولة الرُهبان السومرية نحو الحضارة الديمقراطية وكتابُ دفاع إنسانٍ حرٍّ والمُرافعةُ الأخيرةُ الدّفاعُ عن الشّعب. وما يزالُ يخوضُ أوجلانُ صراعَهُ الفكريّ والفلسفي في هذا الصَدد، من أجل إيصال شعوب المنطقة إلى نظامٍ ديمقراطيّ إيكولوجيّ وفقَ حقيقة المنطقة بجميع موزاييكها واعتماداً على إرادتها الحُرّة، دونَ الاتّكال على القوى الخارجيّة التي تعملُ كلّ شيءٍ من أجل مصالحها المعروفة في المنطقةِ، والتي لا تجلبُ سوى الحروبِ والقتلِ والدّمار والتخريب والشرّ.
مُحاكمةُ أوجلان:
عندما نقلتْ محطّاتُ البثّ المرئيّ لقطاتٍ لأوجلانَ، وقد ظهرَ عليه الإعياءُ والتعبُ، حيثُ كُبّلتْ يداهُ بالحديد، كان المنظرُ مؤلماً لجميع الكُرد وهُم يرونَ زعيماً ذهبَ أسيرَ مؤامرةٍ دوليةٍ دبّرتها المخابراتُ العالميّةُ لهُ، حيثُ انطلقت مسيراتُ احتجاجٍ لأنصار القضيّة الكردية في العواصم الأوروبية أمامَ سفاراتِ الدول التي ساهمتْ في هذه العمليّة. لقد أظهرتْ هذه المسيراتُ مدى الحُبّ الذي يكنّهُ الشعبُ الكرديّ لهذا القائد.
إنّ الضغوطَ التي تعرّضَ لها أوجلانُ لم تُثنهِ عن عزيمته، فحُكمُ الإعدام الذي صدرَ بحقّه دفعَهُ لمزيدٍ من العطاء الفكريّ، فقد صدرتْ لهُ مجموعاتٌ عديدةٌ من المؤلّفات والمُصنفات في حقول السياسة والفكر والتاريخ.
مؤلّفاتُ أوجلان:
لأوجلانَ مؤلّفاتٌ عديدةٌ بين قضايا السياسة والفكر والفلسفة والتاريخ، كما أنّ لهُ مُصنّفاتٌ أخرى في فلسفةِ التاريخ. قسمٌ من هذه المُصنّفات هي عبارةٌ عن خُطَبٍ أو مُحاضراتٍ أو لقاءاتٍ صحفيّة، صدرتْ على شكل كراريسَ، ومنها ما قامَ بتأليفها وهي ذاتُ منهجيّةٍ ورصانةٍ فكريّة. وقد تُرجمَتْ إلى لُغاتٍ عديدةٍ ( الروسية – البلغارية- الفرنسية- الإيطالية- والعربية) ومن أبرزها: حوارٌ مع المفكّر (يالجين كوجك)/ حوارٌ مع نبيل الملحم(قائد وشعب)/ من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية(1-2)/ مانيفستو الحضارة الديمقراطيّة(1-2-3-4-5).
يوجدُ حتى الآنَ أكثرُ من أربعين ألفاً من الصفحاتِ والتحليلات للقائد أوجلان، ونُشِرَ له أكثر من سبعين كتاب وتوزّعَ بين كوادرهِ خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الميراثُ الذهنيّ والفكريّ العظيم الذي تقدّمَ به القائدُ أوجلان خلالَ سنين الأسر، والذي وصلَ عددهُ إلى ما يقارب العشر مُجلّدات، كان بمثابة المرآة التي تعكسُ وتكشفُ حقيقةَ النظام وتُسقطُ كافّةَ الأقنعة التي تتخفّى وراءها. هذه المُرافعاتُ التي قامَ القائدُ من خلالها بتحليل وصياغة التاريخ من جديد، واضعاً الحقائقَ والقضايا الاجتماعية المُعاشة فيها بشكلٍ صحيحٍ وصائبٍ، ومُطوّراً البدائلَ والحُلولَ اللازمة لها للخروج من الفوضى والأزمة العالميّة الموجودة على أساسه، قلبَتِ التاريخَ المكتوبَ من قبل هذه الأنظمة رأساً على عقبٍ، وبيّنَت حقيقتَها الزّائفةَ المبنيّة على أساس الخداع والنّهب والسرقة.
لا سلامَ دونَ حُريّة القائد آبو:
إنّ اعتقالَ أوجلان أثبتَ للعالم بأنّ قضايا الشعوب ورموزها ما زالتْ رهن الأجندات الخاصّة والظلاميّة، التي لم تؤمن يوماً بعدالة القضايا المُجتمعيّة ، وعلى رأسها قضيّة الشعب الكرديّ، على اعتبارهِ مفتاحاً أساسيّاً من مفاتيح الاستقرار في الشرق الأوسط، ومدخلاً مهمّاً من أجل تحقيق الأمن والسّلام المُجتمعيّ في بُلدان الشّرق الأوسط.
في الوقتِ الذي اعتقدَ المتآمرونَ أنّ أهدافهُم قد تحقّقت، وأنّ بإمكانهم أن يكمّوا أفواهَ الحقيقة ويقمعوا حركةَ الحريّة المُقاومة، إلاّ أنّ المؤامرةَ فشلتْ، ومنذ لحظتها الأولى، وازدادَ الإصرارُ وتحقّقتِ المُتابعةُ الثوريّةُ من خلال النظرية التي أرسى قواعدَها القائدُ الأسيرُ، والمُتمثّلةُ في حلّ القضايا القومية والاجتماعيّة والثقافيّة لشعوب الشرق الأوسط، وعلى رأس هذه القضايا القضيةُ الكرديّة، من خلال البديل الثوريّ المُتمثّل بالأمّة الديمقراطيّة.
إنّ مثلَ هذه النظرية تحوّلت في روج آفا إلى منبرٍ للعالم الحُرّ، وخاصّةً بعد انتصار ثورة 19تموز كفعلٍ ثوريّ استمدّ كينونَتهُ من نظرية الأمّة الديمقراطيّة ومشروعها المُجتمعيّ الإدارة الذاتية الديمقراطيّة، والتي أبهرتِ العالمَ في نتيجتها التي تضمنُ العيشَ المُشتركَ ووحدة المصير بين القوميّات والمذاهب والطوائف، وبيّنت لجميع أصقاع الأرض ما هيّة الأمّة الديمقراطيّة، من خلال المُقاومة الاستثنائيّة في كوباني التي حطّمتْ أسطورَة داعشَ، وفضحِها كصنيعةٍ من صنائع الاستبداد ومظهرٍ مُختلٍّ من مظاهر العُنف المُجتمعيّ في بلادنا.
كلُّ عامٍ يمرُّ على المؤامرة تكبُرُ آلامُنا، لكن ما يقعُ على عاتقنا هو التصعيدُ من نضالنا، والعمل على تنظيم جماهير شعبنا، وتقوية منظومتنا الدفاعيّة، وإكمال المشروع الذي ابتدأهُ القائدُ لحُريّة المرأةِ وتحرير المجتمع بأكمله معها.
في ذكرى ميلاده الثاني والسبعين، كلّ الثقة والدعم والتضامن مع المناضل والمفكر الأممي عبد الله أوجلان، المعتقل السياسي في السجون التركية منذ أكثر من 21 عاماً.
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت