“شاه ميران” الحكيمة _ ملكة الثعابين
لقد لفت انتباهي منذ زمن بعيد صور الملكة الجميلة “شاه ميران” والتي تعني (ملكة الثعابين) وقصصها المتنوعة في ثقافتنا الكوردية، حيث سمعت قصتها بأشكال عديدة على لسان امهاتنا و جداتنا و أيضاً على لسان الآخرين من الحافظين للقصص الكوردية الميثولوجية القديمة.. وكنت اتسائل دائماً عن سبب ظهور صورة “شاه ميران” الجميلة على جميع اللوحات القديمة و الحديثة بشكل نصف افعى ونصف أمرأة و عن سبب احترام شعبنا لهذه الملكة المثيرة للانتباه.. وبعد الغوص في أعماق الميثولوجيا الكوردستانية الزاغروسية ووريثتها السومرية والبابلية…الخ توصلت الى بعض الاجوبة على أسئلتي الكثيرة و التي لا تنتهي في رحلة البحث عن الجذور والحقيقة.. وخصوصاً بعد ترجمة اللوحات السومرية وظهور منحوتات وقصص مشابهة للملكة الزاغروسية الحكيمة “شاه ميران” ومنها مثلاً: منحوتات الحكماء السبعة الذين خلقهم خوداوند الحكمة والمعرفة “آن كي” اسمه مكون من مقطعين AN آن = سماء و كي KÎ وتعني ألارض (الخودان القادم من السماء لحكم الارض) و هو حسب رأي غالبية الباحثين الغربيين من علماء السومريات يمثل شخصية احد تجليات (تاوسي ملك) المتكررة بأسماء عديدة على كوكب الارض.
تتحدث اللوحات السومرية عن الحكماء السبعة في مزرابوتان “ميزوبوتاميا” الذين خلقهم ال خودان آنكي و أرسلهم الى البشر لتعليمهم الحضارة و المعرفة.. و كان أسمهم: أومانو UMANU و ابگالو AP KALU. وهم في الحقيقة عبارة عن مخلوقات مركبة تمثل العناصر الاربعه البيروز في الثقافة الزاغروسية اليزدانية، حيث يمثلون جوهر الطبيعة المتكونة من “الماء ، الهواء ،التربة ، النار”. وقد كان مقرهم الرئيسي في المياة. و ورد ايضاً مصطلح Apkallu الابگالو في اللغه الاكدية وهو تحريف لكلمة Ab- gal وتعني كثير الذكاء . ان اقدم ذكر لكلمة الابگالو كانت حوالي 5000 سنة وهم الحكماء الذين عاشو قبل الطوفان ، وكان سيدهم (إله) خودان الحكمة انكي ( أيا) وكان ال أومانو/أب كالو بمثابة كهنة له يقومون بتنفيذ تعاليمه وتقديم المعرفة والحكمة ارسلهم لوضع اسس الحضارة والثقافه في “سومر” الأراضي السهلية الخصبة بين نهري دجلة والفرات و المحاذية ل جبال زاغروس تاوروس الكوردستانية. حيث ان السومريون انتقلوا من جبالهم الى سهولهم المحاذية في المرحلة الزراعية لتاسيس الحضارة.
وتقول النصوص بان ال “أومانو/أب كالو” هم الذين علموا البشر أصول العمران في أقدم سبع مدن هي (نيبور ، أور ، أريدو ، كولاب ، كيش ، لاكاش ، شروباك) ثم انتشرت هذه الاسطورة في كل حضارات العالم القديم .
المثير في اللوحات هي الهيئه التي ظهرُ بها الحكماء السبعه الذين كانوا عدة انواع وهي كالتالي :
1- الحكماء الهوائيون لهم اجنحة .
2- الحكماء المائيون لهم غطاء سمكي وزعانف يظهر كل منهم على هيئة رجل ملتحي ويظهر دلو في يده اليسرى .
3- الحكماء الناريون لهم رموز نارية يخرج منهم اللهب .
4- الحكماء الترابيون ياخذون شكل الافعى الزاحفة على التراب والتي تسكن في حفر ارضية.
أسماء الابيار PÎR (الحكماء السبعة) ومعانيها بحسب النصوص السومرية :
آوان AWAN (آدابا): الذي أكمل خطط السماء والارض .
2- الحكيم الثاني AWAN DUKA أوان دوكا الذي كان لدية معلومات ذكية شاملة.
3- الحكيم الثالث ÊN MÎ DUKA إينمي دوكا الذي كان مصيره جيداً .
4- الحكيم الرابع إينمي كلاما الذي ولد في البيت/أي كال_هيكل ( المعبد).
5- الحكيم الخامس EN MÎ BLUKA إينمي بلوكا الذي نشأ في ارض المراعي .
6- الحكيم السادس AN ÊN LÎLDA آن انليليدا الملتحق بمدينة اريدو .
7- الحكيم السابع UTU_AB ZU أوتو – أبزو الذي صعد الى السماء.
نستنتج من هذه الاسطوره ان الحكماء السبعه تم خلقهم بعد ان امتزج إله المياة العذبه والمالحة المتمثله ب أب زو وتيامات حيث لم يكن هنالك سواء العتمه الظلام بعدها قام ماردوك بشطر هذا الاله الى نصفين.
فتشكل الثالثوث الخوداوندي (الالهي) التالي:
قسم علوي متمثل باالاله ANU انو اله السماء وقسم سفلي متمثل بالاله AN KÎ انكي إله الماء ومساعدية الحكماء السبعه والقسم الوسطي سمي انليل اله الرياح . فكرة خلق الحكماء السبعه بمثابة خوداوندات (ملائكة) فهم وسطاء بين الالهة والبشر واصبحوا يشكلون بذرة فكرة النبوة.وقد ورد ذكرهم في ملحمة الملك “كال كاميش” وأيضاً دورهم في نص طقسي باللغة الاكدية بهذه الصيغة : “هؤلاء الابگالو السبعه ، سمكات الشبوط التي اتت من البحر . هؤلاء الابگالو السبعه الذي تم “خلقهم ” في النهر ، لتأمين حسن تطبيق المخططات الآلهية المتعلقه بالسماء والارض”.. بالاضافة الى ذكرهم في العديد من السياقات والهيئات ، فإن Apkallu هم سبعة آلهة هحينة من الحيوانات والانسان و تمثل العناصر الاربعة ، فتوصف أحيانًا بأنها جزء من الإنسان والسمكة/مائيين، أو انسان مع الاجنحة/ هوائيين او انسان مع لهب النار/ يمثلون النار أو نصف افعى و نصف انسان /تحت الارض (على شكل شاه ميران) ، مرتبطة بالحكمة البشرية ؛ غالبًا ما يشار إلى هذه المخلوقات في الأدبيات العلمية باسم الحكماء السبعة . في بعض الأحيان يرتبط الحكماء بملك بدائي معين. بعد الطوفان (انظر ملحمة جلجامش ) ، تم سرد المزيد من الحكماء والملوك. بعد الطوفان ، يُعتبر الحكماء بشرًا ، وفي بعض النصوص يُشار إليهم باسم أومانو وليس أبكالو. واعتقد انهم يمثلون في الأصل مسؤولي “شجرة الحياة” ، التي أصبحت رمزًا لـ: أ- السلطة الملكية ، ب- الثروة المرئية للأمة ، ج- تسوية المجتمعات وتطورها ، د- سلطة مملكة ، فخر الأمة والقومية ، وفوق كل شيء ، “شجرة الحياة”. “شجرة الحياة” هي “الرسم البياني المادي ، وتسلسل الحمض النووي ، والرابط المباشر بين البشر ومبدعيهم ، خوداوندات الأنوناكي وإيكيكي”. وقد استخدم أؤلئك الحكماء والعلماء “دلو يد الإله” كشعارهم السري. ظهرت في النقوش والنصوص القديمة لـ “أخوية BIRATΔ و “دائرة السمكة” و “جمعية الثعبان” وكان يمثل “الدلو” رمزياً ماء الحياة. مصدر الحياة مصدر كل المعرفة. وقد تسربت أسرار الحكمة السومرية الى الشعوب المجاورة وقد تسربت أسرار الحكمة السومرية الى الشعوب المجاورة فيما بعد وكان يقام لها احتفالات اطقسية الخاصة.
المصادر:
الاساطير السومرية – صموئيل كريمر
الرقم سبعة في حضارة بلاد الرافدين – د.حكمت بشير
روز ، كارول (1998). “أ”. الأرواح ، الجنيات ، الجن والعفاريت . نورتون. ص. 1.2
كاوخ مير/شم كي