الإثنين 25 نوفمبر 2024
القاهرة °C

أليس فيكم من رجل رشيد ..؟

رجائي فايد –

في اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار العربي الكردي في القاهرة (أيار 1998) ، اعترضت بشدة على مشاركة أي طرف من الأطراف الكردية غير العراقية في وقائع المؤتمر، وكان مبرري في ذلك، أن أكراد العراق هو ما يهمنا عربياّ، فلا تركيا ولا إيران ليستا من ضمن اهتمامنا، وبالتالي ليس لأي منهما أي تأثير على أمننا القومي، أما في سوريا فلم تكن تلك المسألة الكردية فيها تشكل هماً سورياً في ذلك الحين، هكذا كان تصوري في ذلك الحين، وتبنت تلك اللجنة وجهة نظري، وسارت وقائع المؤتمر على هذا التوجه بقصر المؤتمر على المسألة الكردية في العراق فقط، واتضح فيما بعد كم كان توجهاّ خاطئاّ، وكم كنت مخطئاً، وأعترف بذلك، فالرجوع إلى الحق فضيلة، إذ تبين لي أن الأمن في المنطقة بأسرها هو كل لا يتجزأ، وما يحدث في منطقة ما يؤثر في كافة مناطقها، ومسألة أن المكون الكردي داخل سوريا لم يكن ضمن هموم سوريا كان خطئاً بالغاً، حيث اتضح بعد شهور قليلة من وقائع المؤتمر، أن المسألة الكردية في سوريا أصبحت مطروحة على الساحة بقوة،  والتي أسفرت عن تلك الأحداث الجسام المعروفة ،التي أدت إلى اعتقال المناضل عبد الله أوجلان، مما يتطلب فهماً جديداً لهذه المسألة وضرورة إعادة ترتيب أوراقها من جديد، فتلك المسألة في الدول الأربعة أصبحت مطروحة وبقوة شاء من شاء وأبى من أبى، ومن جديد أؤكد على الخطأ السابق، والرجوع إلى الحق فضيلة، والحماقة هي أن يستمر الإنسان على نفس الخطأ أما لأنه لم يجد من يوضح له حقيقة الأمور فغرق في جهالته، وأما أنه يعرف مدى الخطأ الغارق فيه، ولكنه يكابر ويصر على التمادي في خطئه، ولا أجد وصفاّ لهذه الحالة سوى أنها إغراق في الحماقة التي لا علاج لها، حيث احتار الأطباء في دواء شاف من مرضها: (كل داء له دواء يستطاب به… إلا الحماقة أعيّت من يداويها).

إن ما دفعنى إلى هذا الاستطراد هو ما أعلنته قوات الدفاع الشعبي الكردستانية مسؤوليتها عن تفجير خط الغاز الطبيعي الذي يزود تركيا بالغاز الإيراني بالقرب من معبر “غوربولاك” الحدودي، وقالت إن المقاتلة (سما كوجر) نفذت عملية فدائية، أدت إلى مقتل ما يزيد عن30 جندياً تركياً وتدمير5عربات مدرعة عسكرية، وهذه العملية التي استشهدت فيها المقاتلة (سما) هي آخر عملية في صراع نيل الحقوق الكردية من تركيا حتى الآن، لقد حدثت كـ رد فعل لما تقوم به السلطات التركية بحق المكون الكردي داخل تركيا، ولن تكون الأخيرة، فالمقاتلة (سما) هي جوهرة ثمينة في عقد فريد من المناضلين الذين ضحوا من أجل حقوق لشعب لابد أن تنتزع، ومازال رفاقهم ينتظرون اللحاق بـ (سما) طالما بقى حلم الشعب لم يتحقق، وتقف في طريق تحقيقه قوة غاشمة، ولا أجد ما أقول لها سوى (أليس فيكم من رجل رشيد؟)، إن هذا السؤال موجه لكافة الحكومات التركية المتعاقبة، منذ عهد الخلافة العثمانية مروراّ بكمال أتاتورك ووصولاّ لأردوغان، ألم يكن طوال هذا الزمن الطويل من تولى قيادة تركيا، وامتلك من رشادة العقل، حتى يجنب تركيا هذا النزيف الهائل الذي لا تبدو له نهاية، وإلى أن يظهر هذا الرجل، فسوف يبقى نزيف الدم والدمار قائماً.

to top