في ظل عداء السياسة التركية لنظام حزب العدالة والتنمية لكل من الامارات والسعودية ومصر، عمل رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على تشكيل تحالف اسلامي “سني” يضم كل من ماليزيا وباكستان وقطر وتركيا، وبما لا يمنع اصطفاف إيران حليفة كل من أنقرة وقطر في العديد من القضايا والملفات، تحت شعار انهاء “هيمنة المملكة العربية السعودية في منظمة التعاون الاسلامي”، وكخطوة نحو تحقيق طموح “العثمانية” الجديدة في إحياء “سلطنة” الاحتلال العثماني للمنطقة.
وكشفت تقارير صحفية عن اتجاه أردوغان إلى تفعيل هذا التحالف الذي عمل على تكشيله بالتعاون مع ماليزيا منذ العام الماضي، حينما قامت كوالالمبور بالدعوة إلى قمة اسلامية قاطعتها السعودية التي تستضيف وتقود منظمة التعاون الاسلامي، حيث نُظر إلى قمة “منبر الدول الإسلامية” في كوالمبور على أنها محاولة لاستبداله بمنظمة التعاون الإسلامي التي يتولى سعوديا منصب الأمين العام لها ومقرها في جدة.
وعلى الرغم من تكثيف التحركات الأخيرة لتركيا بالتزامن مع مزيد من تورطها في سوريا وليبيا وزيادة عزلتها الدولية، ورؤية النظام التركي لما يعتقد أنه فرص لتشكيل نظام دولي جديد بعد جائحة كورونا وفي ظل ما يلوح في الأفق من حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة، وحتى باستغلال مناسبة تاريخية مثل “ذكرى فتح القسطنطينية” كما يظهر في كتابات عملاء أردوغان في المنطقة، فإن هذه التحركات تواجهها صعوبات كبيرة.
واتخذ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي كان من المحركين الأساسيين لعقد القمة مع مهاتير وأردوغان، قرارا في اللحظة الأخيرة بعدم الحضور، في وقت تحاول فيه باكستان الموازنة بين علاقاتها التقليدية بتركيا وسعيها لعدم خسارة الامارات والسعودية حيث يعمل مئات الآلاف من الباكستانيين، فضلا عن حاجته إلى الدعم المالي في ظل ما يواجهه من أزمة اقتصادية طاحنة.
وهكذا منعت الضغوط السعودية باكستان من حضور قمة كوالالمبور. ومع ذلك، استمرت الأنشطة الدبلوماسية المشتركة للدول المدعوة بخطى سريعة. وقد وجهت هذه الجهود حتى الآن إلى حد كبير إلى الهند، مع التركيز على قضية إقليم كشمير ذو الاغلبية المسلمة المحتل من قبل الهند. كما ان باكستان تسعى خلال السنوات الاخيرة إلى تعزيز علاقتها بمصر، رأس الحربة في مواجهة المشروع التركي في المنطقة، وتجلى ذلك في قمم ولقاءات ثنائية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والباكستاني عمران خان، في بعض المحافل الدولية، رغم عدم تبادل الزيارات الثنائية بعد بين الزعيمين.
من الصعوبات التي تواجه النظام التركي، الانسحاب الطوعي لمؤسس ماليزيا الحديثة مهاتير محمد من الساحة السياسية بالاضافة إلى طرده من حزبه مؤخرا، على الرغم من مساعي قطر لإعادة احياء دوره على المستوى الاسلامي كمفكر ورمز مقبول، خلال استضافته أخيرا في قناة الجزيرة القطرية عبر سلسلة من الحلقات التي يقدمها الاعلامي احمد منصور، حيث كاد “يستنطق” مهاتير للإساءة لمصر والسعودية.
وقال مصدر “استراتيجي” لوكالة فرات للأنباء ANF على اطلاع على التحركات التركية في هذا الملف، أن الأمر لا يتعلق بمحاولات كسر العزلة التي تعاني منها تركيا فقط، أو تعزيز أجندة الاسلام السياسي والعثمانية الجديدة، بل هي رؤية استراتيجية لدور وظيفي جديد يتجاوز حدود الشرق الأوسط، وتسعى إليه تركيا ليس فقط لاحياء العثمانية الجديدة، ولكن بالاساس لحجز دورها في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية التي اعلن عنها البيت الأبيض مؤخرا تجاه الصين، حيث تسعى تركيا للاستفادة من وضعها في العالم الاسلامي وملف “تركستان” الصينية و”كشمير”، وقضايا المسلمين في الصين “الإيغور” والهند وهذه المنطقة من العالم، من أجل قيادة واستغلال جانب مهم في الصراع الصيني-الأمريكي من بوابة قضايا المسلمين، وبما يخدم الاجندة “العثمانية” من جانب، ويعزز مكانة تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي “ناتو” من جانب آخر، وسط جدل غربي حول جدوى استمرار أنقرة في الحلف في ظل سياستها العدائية تجاه الدول الأوروبية بما في ذلك بعض أعضاء حلف الناتو. واشار المصدر إلى أن نجاح المساعي التركية سيتوقف على العديد من العوامل وتطورات الصراع المرتقب بين بكين وواشنطن.