الحدث – القاهرة
بقلم: أحمد شيخو
يحتفل شعوب المنطقة الممتدة من الهند و جنوب روسيا وحتى مصر ومابينهما من شعوب وأقوام مروراً بميزوبوتاميا والهلال الخصيب وفي القلب منها كردستان، وبمسميات تناسب كل قوم وأمة و ثقافة بعيد نوروز ، لكن لو أردنا أن نعرف أكثر عن حقيقة عيد نوروز ومعانيها وسر تمسك الشعوب بها رغم مرور 2633 عليها، علينا أن نعرض بعض النقاط التالية:
1_ حوالي أعوام 750 قبل الميلاد يؤسس أحد أسلاف الكرد دياكو بداية الميدين في أكبتان أسفل جبال زاغروس حيث يجتمع العديد من العشائرالكردية بقيادة دياكو ولكن نيتجة مقاومتهم للاشوريين حينها ولإمبراطوريتهم كأكبر الإمبراطوريات ظلماً في التاريخ الإنساني، يقتل ومن ثم يقوم إبنه فروتكش بمتابعة مسيرة أبيه منذ 655 ق. م، لكنه ايضاً يقتل في مقاومته مثل أبيه. وفي اعوام 615 يظهر كياكسار ويطرد المحتلين ويؤسس علاقات متينة وتحالفات مع شعوب المنطقة ومنهم البابلين والبرس وغيرهم، وحتى أنه يقال في أعوام 614 كتجسيد وتعزيز للتحالف يتزوج إبن نبوخذ نصر فتاة كردية أسمها نآمي تيس ويقال أن أبراج بابل يبنى على طلبها من زوجها حتى تكون شبيها بجبال كردستان وتنظر من فوقها لجبال موطنها. وفي 612 يتم تحرير نينوى عاصمة الإمبراطورية الاشورية في مرحلتها الثالثة ومن ثم في عام 605 يتم تحريرأورفا كاهم مركز ديني ورمزي حينها. وكل ذلك بتوافق وتحالف شعوب المنطقة حينها ومن مختلف الأعراق والعشائر والملل. لكن في عام 655 ونتيجة مؤامرة من هربكوس قائد الجيش والأخمينيين واليهود الذي كانوا يريون الميدين عائقاً أمام تحالف اليهود والبرس ورغبتهم في جمع المال والثروات ولو بطرق غير عادلة. يتم قتل أستياغ أخر ملوك الميدين ويصعد البرس والأخمينيون وكيروس.
2_تقول الرويات التاريخية المختلفة أنه بعد القضاء على الأمبراطورية التي كانت تحكم من الهند وجنوب روسيا لمصر وأغلب شعوب المنطقة و بعد القضاء على الملك الظالم (ضحاك) الذي كان يتغذى على أمخاخ الشباب ولو رمزياً كدلالة على شدة ظلمه إن لم يكن حقيقة بسبب مرضه، تم عقد حلقات الدبكة مدة ثلاثة اشهر فرحاً وسوراً بالخلاص من العبودية والوصول للحرية بين مختلف الشعوب والأمم في المنطقة.ومازال إلى اليوم تقاليد الفرح والرقص واللبس الجديد والأكل اللذيذ مستمرة كطقوس رمزية تعبر عن يوم الحرية مرافقة ليوم نوروز.
3_ لاشك أن قدوم الربيع والدفئ والنور بعد برودة الشتاء وظلام الليل الطويلة ولبس الطبيعة لأثوابها الجديدة وتفتح البراعم وبدء دورة الربيع في الحياة في هذا اليوم وبعده يحمل معاني طبيعية وحياتية وإنسانية وكونية قيمة. وهذا اليوم 21 آذار_مارس(آفدار) يعتبر بداية السنة الكردية الجديدة وبداية ربيع الجبال والسهول والإنسان .
4_يحمل عيد النوروز قيمة إنسانية عليا منها الكدح و العمل و النضال المشترك و العيش المشترك والأخوة كحاجة مجتمعية وأخلاقية عليا في ظل الاحترام والتقدير والديمقراطية والتنوع والتعدد والإعتراف المتبادل كسمة للحياة والطبيعة في المنطقة.
من الصح القول أن أحد اقدم الديانات إن لم يكن أولها كانت الديانة المترائية القديمة التي ظهرت في جبال زاغروس وطوروس ومنها كانت الزرادشتية كتعبير عن الحالة الروحية والمعنوية الإنسانية المجسدة للحياة الطبيعية ولثئائية الرجل والمرأة كحالة تكاملية وطبيعية ووحدة كلية للوجود الإنساني الأخلاقي المجتمعي. وكانت الزرادشتية هي الوعاء المعنوي والفكري والذهنية للسلوك و للعمل وللنضال المشترك للوصل إلى الحرية إلى عيد نوروز الذي يحتفل به مئات الملايين الناس حول العالم حتى الآن. وتجددت هذه المعاني الإنسانية والأخلاقية وترسخت بأشكال مختلفة مع قدوم وإنتشار الأديان المختلفة بين الكرد بما فيهم الدين الإسلامي الحنيف وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حيث يقول إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ونورز في المركز منها كحالة أخلاقية و ومجتمعية وعدالة وحرية.
وعلى مر التاريخ وخلال مدة 2633 سنة ورغم كل الإمبراطورات والدول ومختلف أشكال السلطة والحكم والفيدراليات واللامركزيات التاريخية لم يتم منع الشعب الكردي وشعوب المنطقة من الإحتفال بعيد نوروز ،لكن مع تشكيل الدول القومية في المنطقة وإعتمادهم على منطق الأحادية والإلغائية من لون واحد فقط من القومية والدين والإثنية كحالة وثقافة بعيدة عن ثقافة المنطقة وشعوبها تم منع الشعب الكردي وشعوب المنطقة من الاحتفال والتعبير عن الهوية الأصلية التاريخية وثقافتها ، وهذا مما جعل الشعب الكردي في حالة مقاومة للحفاظ على وجوده وثقافته واصالته وخصوصاً في القرنيين الأخيرين.
لاشك أن ألوان وثقافات الشعوب تلاحمت مع نوروز وأسهمت في الإضافة لها كحالة ثقافية إنسانية قابلة للتجديد والإضافة فنوروز العيد هي المحبة والتسامح والتصالح والسلام ونبذ الخلافات والتناقضات والإبتعاد عنهم وتهذيب للنفس والرغبات والسمو بالمشاعر النبيلة والأخلاق الحميدة.
وتبقى للنورز لدى الشعب الكردي طابعه النضالي والمقاوم والهوية القومية والإصرار على الوجود والحرية كون شعبنا الكردي تعرض ويتعرض لتقسيم أراضييه ومحاولة إبادته وممارسة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي عليه وسحق نوروزه كثقافة وأصالة والقضاء على مجتمعه وإلحاقه بقوميات الدول الحاكمة ، لذلك يعطي الشعب الكردي لنورزه معانيه الحقيقة ويصر على أن تظل شعلة نوروزه وحريته متقدة وعدم يالسماح لأحد بأن يطفئه، ولنا في القائد الشهيد مظلوم دوغان الذي أحرق نفسه في سجن آمد(ديابكر) سنة 1982 في ليلة نوروز ليقول لابناء شعبه ولكل الشعوب المظلومة أن وهج نار حرية نوروز سنشعله ونزيده ولو بنار أبداننا ولن يستطيع أحد من أن يقضي عيله وعلى شعبنا ووجودنا وذلك في مقاومته لرفض الاستسلام الذي كان تريد الدولة التركية الفاشية فرضه على المقاومين في سجون دولة الاحتلال التركية.
ومنذ نوروز 1973 تأسست اكبر حركة حرية لشعب كردستان بقيادة القائد عبدالله أوجلان ولشعوبها المظلومة وكبرت وترسخت بتاريخ 27-11-1978 من قرية فيس في ديابكر ووصلت لحالة مقاومة شعبية شاملة في 15 آب 1984 ووصلت لحالة منظومة المجتمع الكردستاني كأكبر تنظيم مجتمعي وسياسي كردي، تريد القول أننا حركة شعب نوروز واننا مستمرون وأننا تجديد لها بما تحمله من معاني الأخوة والعيش المشترك والنضال المتكامل الديمقراطي والوحدة الثقافة والمصير المشترك لشعوب المنطقة ورفض الظلم والطغيان والإستبداد والهيمنة والسعي لإحقاق الحق والحفاظ على التنوع والتعدد لسمة للحياة والطبيعة في المنطقة.
ولعل من الصحيح إجراء مقارنة بين كيفية الخلاص من ظلم ضحاك على شعوب المنطقة حينها وكيف أن شعوب المنطقة توحدت في إطار وحدة ديمقراطية متكاملة و مقاومة حقيقة بريادة الميدين اسلاف الكرد وعلى رأسهم كاوا الحداد(كاواي هسنكار) و تخلصت من الظلم وكيف أسقطت نينوى وظالمها ضحاك فاليوم ايضا يتوحد شعوب المنطقة بريادة الكرد سواءً في سوريا وقضائهم على داعش في إطار مشروع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية وفي إطار سعيهم لتحرير عفرين والمناطق المحتلة من قبل الدولة الفاشية التركية وإعادتها لضياء نوروزها وخلاصها من سواد الإرهاب أو في تركيا وفي إطار حزب الشعوب الديمقراطية للقضاء على فاشية السلطة التركية من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية التركية. أو في إطار كونفدرالية الشرق الأوسط الديمقراطية ومشروع الأمة الديمقراطية كخير تمثيل لروح نوروز وتمثيلها كعيد للمقاومة والحرية والعيش المشترك وجوهرها الديمقراطي الحر الأخلاقي ووحدتها الكلية التكاملية الديمقراطية للمنطقة وشعوبها ورفضها للهيمنة وللتدخلات الخارجية في شؤون شعوبها .
أسبوعين مضت
4 أسابيع مضت